جيني تحصل على معلوماتٍ حول ماسات الأميرة
سألت الآنسة باكستر وقد أثارت ملاحظةُ رئيس التحرير فضولَها: «ما هو موضوعُ ماسات الأميرة؟»
أجاب السيد هاردويك: «هذه قصة طويلة، وقبل أن أبدأ، أودُّ أن أطرح عليكِ سؤالًا أو سؤالين. هل يُمكنك استخدام آلة كاتبة؟»
«هذا يتوقَّف على نوع الآلة. فأنا أجيدُ التعامل تمامًا مع الآلة الكاتبة العادية.»
«حسنًا. هل لديكِ أي معرفة بطريقة الكتابة بالاختزال؟»
«معرفةٌ جيدة؛ إذ يُمكنني كتابة ما يقرُب من مائة كلمة في الدقيقة.»
«هذا أمرٌ مُثير للإعجاب! رائع! لقد كان قدومكِ إلى هذا المكتب فكرةً رائعة حقًّا، كما أشار السيد هيمستيد. أنتِ بالفعل الشخص الذي كنتُ أبحث عنه.»
قالت الفتاة مع نظرةٍ خبيثة إليه: «لا يبدو أن هذا ما كنتَ تعتقده بالأمس يا سيد هاردويك.»
«حسنًا، حدثَت أشياء كثيرة منذ الأمس. نحن نتعامل الآن مع اليوم، ومع الأميرة فون شتاينهايمر.»
«إنها أميرة ألمانية؛ أليس كذلك؟»
«إنها أميرة نمساوية، لكنها أمريكية الأصل. وهي من عائلة بريجز في شيكاجو وكانت تحمل اسم عائلتها قبل زواجها. وهي ابنة بريجز، مليونير السكك الحديدية، وتتراوح قيمة ثروته ما بين عشرين وخمسة وعشرين مليون دولار بالطبع. وقد تزوَّجَت قبل عامٍ أو عامين من الأمير كونراد فون شتاينهايمر. ربما تتذكَّرين أنكِ قرأتِ عن ذلك في الصحف.»
«نعم بالتأكيد؛ المباراة الدولية المُعتادة: الفتاة تسعى وراء الحصول على لقب أميرة، وصاحب اللقب يسعى وراء الحصول على المال.»
«أنا أفترضُ ذلك؛ ولكن أيًّا كان الأمر، فهي الابنة الوحيدة لبريجز العجوز، وقد أضاعت الكثير من وقتها في أوروبا، لكنها أضاعت ما هو أكثرُ من الوقت؛ لقد أضاعت أموال الرجل العجوز أيضًا؛ إذ جمعت خلال إقامتها في أوروبا مخزونًا كبيرًا من الماس، وبعضها أحجار شهيرة جدًّا. لا أعرفُ قيمة المجموعة بأكملها، فالبعض يقول مليون دولار، والبعض الآخر يقول ضعف هذا المبلغ. وأيًّا ما كان الأمر، فقد أصبحت الآنسة بريجز هي الأميرة فون شتاينهايمر، وجلبت معها إلى النمسا مليون دولار من الذهب والماس، والتي قدَّمها والدُها كمهر؛ لكن، بالطبع، لكونها ابنته الوحيدة، سترِث بقية أمواله عندما يموت ثريُّ السكك الحديدية.»
«هل من الوارد أن يموت قريبًا؟ إذ لا أتصوَّر أن الأمير قد وهبَ نفسه مقابل مليون واحد فقط.»
«أوه، لقد نسيتِ شأنَ الماس. وبالنسبة إلى احتمالية وفاة بريجز العجوز، لا أظن أنه أمرٌ وَشِيك، وفق المحادثة التي أجريتُها معه بالأمس.»
«بالأمس؟ هل هو هنا في لندن إذن؟»
«نعم؛ لقد جاء ليكشف لُغز الماس.»
«وما هو اللغز؟ أنت تستغرق وقتًا طويلًا للغاية لتروِيَ قصة ما حدث يا سيد هاردويك.»
«ما حدث مهمٌّ، ويجب روايته بالتفصيل، وإلا فقد تذهبين في رحلةٍ طويلة دون طائل. هل تُدوِّنين ما أقوله بالاختزال؟ حسنًا، وإذا كنتِ حكيمةً فلا تفسِّري ملاحظاتكِ حتى لا يتمكَّن أي شخص من قراءتها؛ فهي في مأمنٍ هكذا. تمتلك عائلة فون شتاينهايمر قصرَيْن؛ قصرًا في فيينَّا، وقلعةً قديمة في تايرول، تقع على المرتفعات فوق جبل ميران، وهو مكان خلَّاب للغاية، كما علمتُ؛ ولكن في القريب العاجل ستعلمين أكثر مني؛ لأن صحيفة بيجل تتوقع منكِ أن تذهبي إلى هناك كمُراسلة خاصة لها. حدَثَ السطو على الماس قبل شهرَين تقريبًا، ولا تزال القضية تُمثل لغزًا كبيرًا حتى الآن. كان من المُقرِّر أن تفتتح الأميرة الموسم في ميران، وهو منتجع عصري، من خلال إقامة حفل تنكُّري في قلعة شتاينهايمر، والتي دُعِيَ إليه جميع الشخصيات النمساوية والأجنبية. وقبل أن يبدأ الحفل بقليل، فُقِد الماس لأول مرة — في الواقع — حيث كانت الأميرة على وشك ارتدائه، وهي مُتنكرة في هيئة شخصيةٍ مُزيَّنة على نحوٍ رائع للغاية من شخصيات ألف ليلة وليلة، لكنها اكتشفَت أن الماس قد اختفى. وقد استاءت للغاية بطبيعة الحال من فقدانه، وأرسلت على الفور إلى زوجها الأمير، مُصِرَّة على ضرورة إخطار الشرطة على الفور واستدعاء المُحقِّقين، وهو أمرٌ طبيعي تمامًا. ولكن حدث أمر غريب في القضية، وهو أن الأمير منع نهائيًّا أي تغطيةٍ صحفية للخبر، ورفض الاستجابة لها عندما طالبت بضرورة إبلاغ الشرطة، مع أن الأمير يعرف أكثر من أي شخصٍ آخر قيمة الماس النفيسةَ للغاية.»
سألت الآنسة باكستر، وهي تنظر إليه بينما تُدوِّن ملاحظاتها: «ما سبب رفضه؟»
«لستُ متأكدًا تمامًا من ذلك؛ لكنني أعتقد أنه قال إنه لا يليق بمقام عائلة شتاينهايمر أن تستدعيَ الشرطة. على أي حال، كانت تلك حُجةً لا تُرضي الأميرة. لكن مع وصول الضيوف، ولأن الهدف كان عدم إحداث ضجة حول الموضوع بما يُفسد المناسبة، أذعنت الأميرة مؤقتًا لرغبة زوجها، ولم يُقَل أي شيءٍ علنًا عن السرقة. وظلَّ الحفل الرائع حديثَ ميران لعدة أيام، ولم يشُكَّ أحد في المشكلة ذات الشأن الخاص التي تدور أحداثها خلف هذا الحدث البارز. وخلال هذه الأيام العديدة، أصرَّت الأميرة على وجوب الاستعانة بالشرطة، بينما الأمير مُصرٌّ بالقدرِ نفسِه على عدم قول أو فعل أي شيءٍ حيال هذا الأمر. وبعد ذلك، وعلى نحوٍ غير مُتوقَّع تمامًا، تحوَّل موقف الأمير إلى النقيض، وأعلن أنه سيستعين بأفضل المُحقِّقين في أوروبا. والغريبُ في الأمر أنه عندما أعلن هذا القرار لزوجته، غيَّرت موقفها أيضًا، وعارضت استدعاء المُحققين بشدة كما فعل هو قبل ذلك.»
سألت الآنسة جيني: «ما السبب الذي علَّلت به تغيير موقفها؟»
«قالت، حسبما أعتقد، لقد فات الأوان الآن، وإن اللصوص، أيًّا كانوا، قد حصَلوا على الوقت الكافي للإفلات بفَعلتهم، ولن نجنيَ سوى ضجَّةٍ وقلقٍ بلا طائل.»
أكَّدت الفتاة: «أتعلم أنني أميل إلى الاتفاق معها.»
«حقًّا؟ إذن أخبريني ما هو رأيكِ في القضية وفقَ ما حصلتِ عليه من معلوماتٍ حتى الآن.»
«ما رأيك أنت؟»
«لن أُخبركِ في هذه المرحلة، لأنني أعرف المزيد من التفاصيل التي سأُخبركِ بها لاحقًا. أنا فقط أريد رأيكِ الآن، حتى أعرف إن كان ما يجب أن أخبركِ به بعد ذلك سيُغيره بأية حال.»
«حسنًا، بالنسبة إليَّ تُشير القضية نحو إدانة الأمير بالتأكيد.»
«وهذا ما يعتقده السيد بريجز. حيث يتخيَّل أن سموَّه قد سرَق الحُلي.»
«من أين حصلت على كل هذه التفاصيل؟»
«من السيد بريجز، الذي حصل عليها بالطبع عبر رسالة من ابنته.»
«إذن لدَينا، كما هو واضح، بيان من جانبٍ واحد.»
«أوه، بالفعل؛ ولكن لا يزال عليكِ أن تتذكري أن الأميرة لا تتَّهِم زوجها بالسرقة.»
«حسنًا، من فضلك استمِر. ما هي التفاصيل الأخرى؟»
«التفاصيل الأخرى هي أن الأمير أجرى بعض التحقيقات الهادئة بين الخدم، ووجد أن هناك رجلًا، على الرغم من أنه كان صديقًا له، كانت صداقته للأميرة أكثرَ قوة، وقد مُنِحَ هذا الرجل، في اليوم الذي أُقيمَ فيه الحفل، الحريةَ الكاملة للتجوُّل في القلعة. وهو ضابط شاب من أصول نبيلة يُدعى الملازم فون شاومبرج؛ وعلِم الأمير أن هذا الشاب كان يتعرَّض لضغوط شديدة بسبب بعض ديون القمار التي يبدو أنه غير قادر على سدادها. وقد ذهبَ الشاب على نحوٍ غير مُتوقَّع إلى فيينا في اليوم التالي للحفل، وعند عودته سدَّد كل ديونه. ثم علمت الأميرة، من إحدى وصيفاتها، خبر شكِّ زوجها، فذهبت إلى الأمير على الفور، وأخبرته أنها وافقت على رأيه بخصوص الماس المفقود. وأنها لن تسمح، تحت أي ظرفٍ من الظروف، باستدعاء مُحققين في هذا القصر. وعندئذٍ أخبرها أنه قد غيَّر رأيه هو الآخر، وقرَّر استدعاء المُحققين. وبذلك وجدا نفسَيهما في طريقٍ مسدودة مرةً أخرى. ومن ثمَّ كتبت رسالة إلى والدها تُعبر عن انزعاجها الشديد حول شكوك الأمير الظالمة، قائلةً إن فون شاومبرج رجل نبيل بكل معنى الكلمة. ومن ثمَّ أستطيع استنتاج أن العلاقات بينها وبين زوجها متوترة إلى حدٍّ ما، وأتخيل أن هناك ما هو أكثرُ بكثيرٍ في هذا الأمر من الماس المفقود.»
«هل تتخيل، إذن، أنها تتستَّر على الملازم؟»
«بصراحة، نعم.»
«وتظن أنه قد سرق الماس؟»
«نعم أظنُّ ذلك.»
«أنا لا أتفقُ معك. ما زلتُ أعتقد أن الأمير هو السارق، وأعتقد إلى جانب ذلك أنه تمكَّن بمهارةٍ من إلقاء الشكوك على المُلازم. هل استدعَوُا المُحققين أم لا؟»
«لا، إنهم في طريقٍ مسدودة، كما أشرتُ من قبل.»
«حسنًا، ماذا تنتظر مني أن أفعل؟»
«لقد أرسل السيد بريجز برقيةً لابنته — هو لا يكتب رسائل أبدًا — ليُخبرها أنه سيأتي ويحل المشكلة خلال خمس عشرة دقيقة. إنه متأكد من أن الأمير قد سرق الماس، لكنه لم يُخبر ابنته بذلك. وأخبرها أنه سيُحضر لها آلةً كاتبة جديدة كهدية، وأيضًا امرأة شابة من شيكاجو يُمكنها الكتابةُ بطريقة الاختزال كي تعتني بمُراسَلات الأميرة، وتعمل كسكرتيرة، في الواقع؛ لأنه يبدو أن الأميرة لديها مُراسلات أكثر مما يُمكنها التعامل معه على نحوٍ معقول، ومن ثمَّ يبدو أنها تحتاج بشدة إلى آلةٍ كاتبة. كما أخبرني الرجل العجوز أنها لا تعتني كثيرًا برسائلها، ولا يُمكنها أبدًا العثور على أي رسالةٍ تريدها، وأنها تُهملها دون ردٍّ لفتراتٍ طويلة، لذلك يعتقد أنها بحاجة إلى مَن يعتني بشئونها؛ وعندي شكٌّ في أن والدها يخشى أنها قد تُهمل رسالةً ما تتضمَّن أمورًا تضرُّ سُمعتها، لذلك يرغب في تجنُّب حدوث أزمة طلاق.»
«لا، أنا أتخيل أنك مُخطئ حيال هذا الأمر؛ فالأبُ لا تُساوره أدنى فكرة أن المشكلة يمكن أن تكون في ابنته. لكن من المُحتمَل أن الأميرة قد كتبت بعض العبارات التشهيرية عن زوجها، ومن المُرجَّح تمامًا أن الأمير رجل عنيف صلد، وأنَّ الشاب فون شاومبرج هو الشخص الأكثر سحرًا.»
تابع هاردويك: «حسنًا، كما كنتُ أقول، أرسل الرجل العجوز برقيةً لابنته يُخبرها أنه سيُحضِر لها سكرتيرة وآلة كاتبة. وقد اتفق مع مُحقِّقة من بينكرتون على دخول القلعة كسكرتيرةٍ للأميرة، وإذا أمكن، كي تَحلَّ لغز الماس. وهي امرأة شابة، عندما غادرت شيكاجو، كانت تُكِنُّ كراهية شديدة تجاه الإنجليز، لكنها تعرَّفت في الباخرة إلى شابٍّ إنجليزي أُعجِب بها كثيرًا، ولذا عندما وصلا إلى ليفربول أنهت بهدوءٍ اتفاقها مع الرجل العجوز، وأنجزت اتفاقًا جديدًا كانت قد عقدت العزم عليه مع الشابِّ وهو الزواج منه على الفور، بموجب رخصة زواج خاصة، كما قيل لي. ومن ثمَّ، أصبح لدى بريجز العجوز آلةٌ كاتبة جديدة لا تجد مَن يستخدمها، ولذا كنتُ سأقترح عليكِ أن تَحلِّي محلَّ الفتاة التي انتدبها من شركة بينكرتون في شيكاجو. لقد شعر بريجز بالاشمئزاز من المُحققات الإناث، لدرجة أنه تخلَّى عن فكرة إرسال مُحققة مع الآلة، ولا يتخيَّل أن مَن سوف يُرسَل إلى هناك سيكون إما مُحقِّقة أو صحفية. لقد تعرفتُ إليه منذ فترة من خلال إحدى ضربات الحظ التي تضع أحيانًا أخبارًا شيقة في طريقنا، وأخبرني القصة بأكملها، وطلب مني أن أُرشح له سكرتيرة تُتقن الكتابة بالاختزال والتعامُلَ مع الآلة الكاتبة. سوف أتناول العشاء معه هذا المساء، وسأُرشحكِ لتلك المهمة. ويجب أن أُخبركِ بأن بريجز قد ذهب إلى ذلك المحقق اللندني الشهير السيد كادبوري تايلور، وطلب منه محاولة حل لغز الماس؛ لذلك كما ترين سيُصبح لديكِ مجالٌ واضح. وإذا كان بإمكانكِ المغادرةُ إلى القلعة مساء غدٍ، فقد تسعَدي برفقة السيد كادبوري تايلور. وهو لن يزور القلعة، لكنه سيذهب مباشرةً إلى فيينا؛ لذلك إذا رتبتِ خطواتكِ جيدًا، فيُمكنكِ أن تُسافري في العربة نفسِها معه حتى ميونيخ، وخلال تلك الرحلة قد تكتشفين ما يجول بخاطره حول هذه القضية. وأنا لا أعرف عن رأيه سوى أنه يعتقد أن المكان المناسب لبدء التحقيق هو فيينا، حيث يُفترَض، على الأقل، أن يكون بعض الماس قد رُهِنَ.»
«أوه، إنها قضية رائعة وسأستمتع بها. هل نُشِرَ في الصحف أي شيء له صلة بهذه السرقة؟»
«لم تُنشَر حتى كلمةٌ واحدة؛ لا أحدَ يعرف أيَّ شيءٍ عن الأمر، باستثناء الأمير والأميرة، وبريجز، وأنا وأنتِ، وربما واحد أو اثنان من الخدم في القلعة … أوه، نعم، وكادبوري تايلور.»