حلول الكيميائيين لمشكلات الطاقة
بينيلوبي جيه براذرز
جامعة أوكلاند
وُلِدت بيني براذرز ونشأتْ في أوكلاند، بنيوزيلندا، وحصلتْ على درجتَي البكالوريوس والماجستير (مع مرتَبة الشرف) في العلوم في تَخصُّص الكيمياء من جامعة أوكلاند في عام ١٩٧٩، ومُنِحَت زمالة مؤسَّسة فولبرايت وغادرتْ مُتوجِّهةً إلى جامعة ستانفورد لبدء دكتوراه في الكيمياء تحت إشراف البروفيسور جيم كولمان. تمحوَرتْ أطروحة الدكتوراه خاصَّتها، والكثير من أعمالها البحثية اللاحقة، حول كيمياء مُركَّبات البورفيرين، وفي عام ١٩٨٦، عادت إلى أوكلاند وأمضَت عامَين تعمل زميلة ما بعد الدكتوراه مع البروفيسور وارن روبر في قِسم الكيمياء، آخِذة في التركيز على الكيمياء العُضوية الفلزِّية. وفي عام ١٩٨٨، تولَّتْ منصِبها الأكاديمي الحالي في جامعة أوكلاند ورُقِّيَت إلى درجة أستاذ في عام ٢٠٠٩. وكانت عالِمة زائرة في مُختبَر لوس ألاموس الوطني (أعوام ٢٠٠٣ و٢٠٠٥ و٢٠٠٧) وأستاذًا زائرًا في جامعة كاليفورنيا في ديفيز (عام ١٩٩٣)، وجامعة هايدلبرج (عام ٢٠٠٣)، وجامعة بورجندي (عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٦).
ومُنِحَت جائزة فولبرايت لكبار الباحثين لزيارة مُختبَر لوس ألاموس الوطني في عام ٢٠٠٧. وهي عضو في مجلس تحرير دورية «الاتصالات الكيميائية». وتجمع أبحاثها الحالية بين اهتماماتها في كيمياء البورفيرين، وعناصر المجموعة الرئيسية، والكيمياء العضوية الفلزية؛ إذ تبحَث في كيفية استخدام رابطتي البورفيرين والكورول لتعديل كيمياء عناصر مثل البورون والبزموث.
عزيزتي أنجيلا
لقد سُررتُ بِلقائك عند زيارتي لجامعة كاليفورنيا، بمدينة سان دييجو لإعطاء حلقة دراسية قبل بضعة أشهر. أعتقد أن فكرة دعوة اثنين من طلَّاب البكالوريوس لتناوُل الغداء مع المتحدِّث هي فكرة عظيمة. أحد أكثر الأمور التي أستمتِع بها بشأن زيارة جامعات أخرى هي فُرصة لِقاء الطلَّاب. كذلك أثار إعجابي تذكُّرُك لي؛ أعتقد أن عضوات هيئة تدريس الكيمياء من النساء لا يَزَلْنَ، للأسف، يتَّسِمن بالنُّدرة نوعًا ما. وربما ساعد ذلك الأمر، إلى جانب لهجتي النيوزيلندية، في تذكُّرِكِ لي. آمُل أن يغدو وجود النساء في هيئة تدريس الكيمياء أمرًا مفروغًا منه، بحلول الوقت الذي تكونين فيه في مُنتصَف مسيرتك المِهنية المستقبَلية.
لقد طرحتِ مجموعةً من الأسئلة المثيرة للاهتمام حول الاستدامة في رسالتك بالبريد الإلكتروني الشهر الماضي، ووعدتُ بأن أُخبركِ أكثر قليلًا عن بعضٍ مِمَّا أقوم به من عمل. والآن بعد أن انتهتْ عطلتي الصيفية، لديَّ وقتٌ للجلوس والكتابة. العطلة الصيفية، هنا في نيوزيلندا، تعني شهرَي ديسمبر ويناير، وقد قضيتُ شهر ديسمبر وعطلة العام الجديد وأنا مُخيِّمة على الشاطئ مع عائلتي. ذكرتِ أنكِ كُنتِ تُحبِّين التخييم مع أسرتك في فترة نشأتكِ؛ ومن ثَمَّ اعتقدتُ أن ذلك قد يكون سياقًا جيدًا لبدءِ الحديث عَمَّا يُهمُّني.
مباشرةً قبل ذَهابي لقضاء الإجازة، حضرت مؤتمر «الاستدامة في العلوم والهندسة» هنا في أوكلاند، وكان موضوع الملتقى هو الكيفية التي سيُساعِد بها عمل العلماء والمهندسين على خلق مُستقبل مُستدام؛ لذا كانت تلك الأفكار تدور في ذهني ونحن نشرَع في رحلة التخييم. فالتخييم عبارة عن نوعٍ من العطلات التي تتَّسِم بالانخفاض الكبير في التكنولوجيا وبالاستدامة (ما دمت تقوم به في خيمة، وليس في سيارة استجمام ضخمة)، ولكن تلك الأفكار أوصلتْني إلى التساؤل عن الكيفية التي قد تختلف بها الأمور في مُستقبَلٍ مُستدامٍ استدامةً حقيقية، والكيفية التي سيُساعدنا بها الكيميائيون مثلي (ومثلك أنت أيضًا، إذا تبيَّنَ أنه شيء يُثير حماستك) في تحقيق ذلك.
بدأنا رحلتنا بالقيادة عدَّة ساعات إلى الشاطئ، وكانت سيارتنا مُحمَّلة بأربعةٍ مِنَّا وبجميع الأدوات. سيارة؛ أيْ بنزين، أيْ وقود أحفوري، أيْ ثاني أكسيد الكربون. يا للعَجب! تلك بداية سيئة. نصَبْنا الخيمة (المصنوعة من النايلون)، ونفَخْنا المراتِب الهوائية (المصنوعة من الفينيل)، ورتَّبْنا مُبرِّداتنا وأثاث مخيَّماتنا (المصنوع من الألومنيوم والمزيد من البلاستيك والأنسجة الاصطناعية). تلك حمولة أخرى من المواد التي مصدرُها في الأساس من الوقود الأحفوري، باستثناء الألومنيوم، لكنها تستلزم قدرًا هائلًا من الكهرباء لإنتاجها. إننا مُجهَّزون على نحوٍ مُريح جدًّا بمَوقد مُخيَّم وفانوس يَعملان بالغاز للطهي والإضاءة. يا إلهي! المزيد من الوقود الأحفوري، والمزيد من ثاني أكسيد الكربون!
إذن ما الذي نحتاجه لقضاء عطلة أكثر استدامة في المخيَّمات؟ نحتاج إلى مصدر طاقة أفضل من أجل الوقود؛ للتنقُّل، والطهي، والإضاءة، ولإنتاج معادن مثل الألومنيوم؛ ونحتاج أيضًا إلى مواد أفضل (بلاستيك وأنسجة) للأدوات التي نستخدمها. يجِب أن تأتي المواد من مصدر مُستدام، ويجِب أن تكون قابلةً لإعادة التدوير أو أن تتحلَّل إلى نواتج غير ضارَّة بمُجرَّد انتهاء عُمرها الافتراضي (كم عدد مَن تعرِفُهم مِمَّن يمتلِكون مرائب سيارات مليئة بأدوات تخييم قديمة وتالفة؟) ربما أيضًا ستكون المواد «ذكية» بما يَكفي للقيام بأكثر من وظيفةٍ واحدة في نفس الوقت؛ تخيَّل لو أنَّ نسيج الخيمة يُمكن أن يَجمع طاقة ضوء الشمس وتحويلها إلى كهرباء، بجانب حمايتك من الرياح والأمطار. تلك إذن تحدِّيات كبيرة بالفعل؛ وذلك فقط فيما يتعلَّق برحلة تخييم مُنخفضة التكنولوجيا! تخيَّل إذا طرحت نفس النوع من الأسئلة حول مُبادراتٍ أكثر تعقيدًا؛ السفر بالطائرة، مركز تسوُّق وكل ما يحويه، مصنع، منجم للحديد؛ سيُمكنك أن ترى أن قضايا الاستدامة كبيرة، وصعبة، وذات أهمية حيوية.
(١) الطاقة: الكيميائيون يَمتلِكون حلولًا
لقد تطرَّقتُ إلى موضوعَين رئيسيَّين فيما يتعلَّق بعُطلة التخييم المِثالية والمستدامة خاصَّتي، وهما: الطاقة، والمواد. أعتقِد أنني سأتَحدَّثُ عن المواد في وقتٍ آخَر، وسيكون أغلب حديثي هنا عن الطاقة. أعتقِد اعتقادًا راسِخًا أن حلول مشكلات الطاقة في العالم سوف يُقدِّمها بالأساس الكيميائيون (بمُساعدة العلماء والمهندسين الآخرين بجميع صنوفهم، لكن أشكال التقدُّم الجوهرية ستكون في الكيمياء). سأَستغرِقُ بِضع دقائق للدفاع عن وجهة النظر تلك، ثم سأُحدِّثكِ قليلًا عن نَوع الكيمياء الذي أقوم به، وأخيرًا سأُبيِّن بعض الطُّرُق التي قد تكون مُفيدة في مُعالجة مُشكلات الطاقة.
من بين مصادر الطاقة المستدامة حقًّا؛ كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية، وطاقة المدِّ والجزر، حاليًّا تُعَدُّ الطاقة الشمسية الناتجة مُباشرةً من ضوء الشمس هي الطاقة الواعِدة أكثر من غيرها؛ فالمصادر الأخرى ليست مُوزَّعة بالتساوي في أنحاء المعمورة، وبعضها يحتاج إلى بِنية تحتية ضخمة. كل عام، تُوفِّر الشمس طاقةً مجَّانية تمامًا تزيد ١٠٠٠٠ مرة عمَّا يَستهلكه سُكان العالم حاليًّا. وبالطبع، لكي تكون الطاقة الشمسية قابلة للاستخدام، نحتاج إلى تحويلها إلى صورة مُيسَّرة الاستخدام، وعادةً ما يكون ذلك في صورة طاقة حرارية أو كهرباء. تَستخدِم الطاقة الشمسية الحرارية طاقة ضوء الشمس لرفع درجة حرارة مادة ركيزةٍ ما؛ عادةً ما تكون سائلًا. يُمكِن أن يكون السائل هذا هو الماء (كتسخين حمَّامات السباحة أو تسخين مياه المنازل)، أو سوائل أخرى يُمكِن تسخينها لدرَجاتٍ أعلى باستخدام تصميمات أكثر تطوُّرًا، ثم تُحَوَّل الطاقة الحرارية إلى كهرباء.
على النقيض من ذلك، تُحَوِّل الخلايا الكهروضوئية الشمس مُباشَرة إلى كهرباء عن طريق إحداث تغيُّر كيميائي في المادة التي تمتصُّ ضوء الشمس. والتساؤلات حول كيفية حثِّ هذا التغيُّر الكيميائي، وكيفية جمع التيار الكهربائي، وكيفية فهم المواد التي يُمكن استخدامها، وكيفية جعل العملية أكثر كفاءة؛ كلها في الأساس أسئلة كيميائية، وسوف تتطلَّب من الكيميائيِّين الإجابة عليها. الكيميائيون هم العلماء الذين لديهم الفهم الأعمق للخطوة الرئيسية الأولى، وهي التغيُّر الكيميائي الذي يُنتِج إلكترونًا حرًّا يُؤخَذ في هيئة تيار كهربائي، وهم الذين يَمتلكون المهارات اللازمة لتصميم وتخليق الجُزيئات والمواد ذات الخصائص الصحيحة تمامًا لتحقيق القدْر الأكبر من الكفاءة لهذه العملية. وباستخدام أدوات مجال الكيمياء الخضراء الناشئ، يُمكِن للكيميائيين أيضًا التأكُّد من عدم تكرار أخطاء الماضي وأن الأنظمة الجديدة التي يُصمِّمونها ستَستخدم موادَّ وعملياتٍ مُستدامة.
يُمكن استخدام التغيُّرات الكيميائية التي تحدُث عند امتصاص ضوء الشمس في توليد الكهرباء، التي يُمكن استخدامها مُباشَرةً كمصدر للطاقة. ومن الأمثلة على ذلك سيارة تعمل بالطاقة الشمسية تحتوي على مُجَمِّعات على السقف تُحوِّل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية، تُخَزَّن في بطاريات، والسيارة نفسها تعمل بالبطارية. هذا النوع من التكنولوجيا مُمكِن بالفعل، على الرغم من كفاءته المتدنِّية؛ حيث إنَّ حوالي ١٠٪ فقط من الطاقة الشمسية القادمة يُمكِن التقاطها وتحويلها. وعلى نطاق أوسع، يمكن استخدام الكهرباء لمِصفاة الألومنيوم، التي تُنتِج المعدن المستخدَم لصُنع أعمدة خيامنا وأثاث مُخيَّماتنا. وثمَّة تطبيق أكثر مُستقبَليةً هو خيمة ذكية مصنوعة من نسيج مطلي بمادة مَرِنة أيضًا يجمِّع الطاقة الشمسية ليُولِّد الكهرباء لشحن البطاريات، التي يُمكن استخدامها للإضاءة (وحتى الصوت؛ صِل الآي بود الخاص بك بخيمتك). لكن هذه تكنولوجيا مُستقبَلية وستتطلَّب من الكيميائيين ابتكارها. سننظُر في الكيفية التي يُمكن بها القيام بهذا بعد قليل، ولكنْ في الوقت الحالي، سنَبحث في استخدامٍ آخَر للكهرباء الناتجة عن ضوء الشمس.
(٢) ضوء الشمس + ماء = هيدروجين؟
(٣) الهيدروجين: وقود للمستقبل
ما السبب وراء كون هذه العملية بهذا القدْر من الأهمية؟ يتَّسِم الماء بوَفْرته على هذا الكوكب، كما أنه آمِن، وغير سام، وضروري للحياة. والأمر الذي يَكتسي بالقدر ذاته من الأهمية هو أنه أيضًا مُتجدِّد. إذا كان لدَينا مصدر طاقة مجاني (ضوء الشمس) يُمكن استخدامه لدفع التفاعُل الماصِّ للطاقة لتكوين الهيدروجين والأكسجين من الماء، إذن فقد خزَّنَّا الطاقة على نحوٍ فعَّال في الروابط الكيميائية في غازي الهيدروجين والأكسجين. إذا تحكَّمنا بعناية في التفاعُل العكسي المنتِج للطاقة لغاز الهيدروجين مع غاز الأكسجين حتى نتمكَّن من استخدام الطاقة التي يجري تحريرها، فإنَّنا في الأصل نستخدم الهيدروجين كوقود. الأكسجين، المادة المتفاعِلة الأخرى، مُتاح بسهولة في الغلاف الجوي. المنتَج الثانوي الوحيد هو الماء — وهو منتَج ثانوي آمِن، وغير سَامٍّ وضروري للحياة — فلا تُوجَد مواد هيدروكربونية مُتطايِرة ولا مواد مُضافة للوقود، ولا غاز ثاني أكسيد كربون ناتج، ولا نفاد الوقود الأحفوري. الأمر يبدو وكأنَّهُ حُلم؛ وهو حُلم يُراوِدُ كثيرًا من الناس بالفعل. استخدِم طاقة ضوء الشمس لتوليد الكهرباء؛ ثُمَّ استخدِم الكهرباء لإنتاج الهيدروجين من الماء؛ استخدِم الهيدروجين كوقود عن طريق إعادة دمجه بالأكسجين لتحرير الطاقة؛ وأنتج الماء، الذي يُمثِّل المنتج الثانوي الوحيد.
بالطبع، لو كانت عملية بسيطة، لكانت قد أُجرِيَت بالفعل. لقد ذكرتُ الحاجة إلى عاملٍ حفَّاز أرخص ومُتاح بمزيدٍ من اليُسر للخطوة اللازمة لإنتاج الهيدروجين والأكسجين من الماء. وفي الآونة الأخيرة، كان ثَمَّة إنجاز مُثير على يد الكيميائيين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذين اكتشفوا أن أوكسيد الكوبالت يُمكِنه القيام بالمهمَّة. يُوجَد أيضًا الكثير من الأبحاث التي تُجرى على المفاعِل الذي يحدُث فيه تفاعُل الهيدروجين والأكسجين المتحكَّم به، والمعروف باسم خلية الوقود؛ حيث يُعاد تحويل الطاقة التي يُحرِّرها تفاعُل الهيدروجين والأكسجين في خلية الوقود إلى كهرباء. هذا الأمر يَتطلَّب أيضًا عاملًا حفَّازًا (مُجدَّدًا، عادةً ما يكون البلاتين). يُوجَد بالفعل أمثلة على مَرْكَبات مُستخدَمة تعمل بالهيدروجين، ولكنَّها ليست تكنولوجيا سائدة بعد، بالإضافة إلى أن الهيدروجين الذي تستخدمه تلك المَرْكَبات يأتي من الوقود الأحفوري.
(٤) عندما لا يكون خزَّان الوقود مُخصَّصًا للجازولين: تخزين الهيدروجين
كما أوضحتُ أعلاه، فإنه على الرغم من أن تكنولوجيا صنْع الهيدروجين من الماء — باستخدام الكهرباء وخلايا الوقود لإحداث تفاعُل الهيدروجين مع الأكسجين لإنتاج الماء والكهرباء — معروفةٌ بالفعل، فلا يزال يُوجَد بعض التحديات الكبيرة التي يَتعيَّن التصدِّي لها قبل أن نتمكَّن جميعًا من قيادة سيارات تعمل بالهيدروجين. بدايةً، لنُفكِّر في كيفية عمل البنزين. في الظروف القياسية لدرجة الحرارة والضغط، يكون البنزين سائلًا يُمكِن سَكبُهُ أو ضخُّه. يُمكنك أن تَنزِع غطاء خزان وقود سيارتك ولن يتسرَّب البنزين كله. وهو يُخزَّن على نطاق واسع (يتراوَح بين مصافي التكرير ومحطات البنزين) ويُمكن نقلُه بسهولةٍ إلى وحداتٍ أصغر للتخزين بالقُرب من مَوضع استخدامه (خزَّان الوقود في سيارتك). كيف سيَتناسَب هذا مع الهيدروجين؟ إذا تمعنَّا أكثر قليلًا في خواصِّ الهيدروجين، نُدرِك أنَّ المسائل المتعلِّقة بتخزين الهيدروجين تختلِفُ اختلافًا كبيرًا عن تلك الخاصَّة بالبنزين، وهناك بعض المسائل الكُبرى التي يَتعيَّن حلُّها قبل أن يكون بوُسعنا التوقُّف بسهولةٍ في «محطة هيدروجين» لملء خزَّان الوقود.
هل يُوجَد بدائل؟ تذكَّري أنه ليس علينا أن نُفكِّر فقط في كثافة طاقة الصور المختلِفة من الهيدروجين، وإنما أيضًا في تكاليف الطاقة الأخرى التي قد تكون ذات صِلة. فكل تَكلِفة طاقة إضافية في النظام تُقلِّل من كمية الطاقة المتاحة للاستخدام النهائي. على سبيل المثال، يَتطلَّب الهيدروجين المَضغوط طاقة لتشغيل الضاغط. وعلى الرغم من أنه سيَنتج عن الضغط الأعلى كثافةٌ أعلى للطاقة، فإنَّ طاقةً أكثر ستُفقَد في إجراء الضغط. الهيدروجين السائل هو حلٌّ مُمكِن، ولكن يجِب تبريد الهيدروجين إلى سالب ٢٥٣ درجة مئوية (٢٠ كلفن) من أجل تسييلِه، وهو ما يتطلَّب الكثير من الطاقة، وتخزينه في خزَّانات باهظة الثمن ومعزولة جيدًا. وحتى عندئذ، تظلُّ كثافة الطاقة للهيدروجين السائل أقلَّ بأربع مرَّاتٍ مِمَّا هي عليه في البنزين: في الواقِع يُوجَد هيدروجين في لتر البنزين (١١٦ جرام هيدروجين) أكثر بحوالي ٦٤٪ مِمَّا يُوجَد في لتر من الهيدروجين السائل الصافي (٧١ جرام هيدروجين).
يجِب أن يكون المركَّب مُستقرًّا بدرجة كافية للتخزين المتوسِّط الأمد (أي أنه لن يُطلق الهيدروجين قبل الحاجة إليه) لكنه يَجِب أن يكون مُتفاعِلًا بما فيه الكفاية بحيث يُمكنه إطلاق الهيدروجين تحت ظروف مُعتدِلة عندما يَقتضي الأمر. ولن يكون ثَمَّة جدوى لو كان إجراء إطلاق الهيدروجين يتطلَّب الكثير من الطاقة للشروع فيه. أضف إلى الاعتبار أيضًا الوقود المستهلك. لا يُمثِّل الوقود المستهلك مشكلة في حالة البنزين؛ فالبنزين ذاته هو الوقود، وحين يَحترِق بكامله، فإنه يتبدَّد بكامله (يتحوَّل إلى ثاني أكسيد الكربون والماء ويُطلَق في الجو). عندما يكون الهيدروجين هو الوقود ويكون مُركَّب كيميائي هو وسيط التخزين، فحينما يُطلَق الهيدروجين، يبقى المركَّب الكيميائي الجديد الناتج عن فقدان الهيدروجين (الذي يُمثِّل الوقود المستهلَك). ويتعيَّن أن يَمتلك القُدرة على التجدُّدِ (أي إعادة إضافة الهيدروجين) دون تكلِفة طاقة إجمالية عالية. وتبدأ كل علوم الديناميكا الحرارية الممِلَّة التي تعلمتها في الكيمياء الفيزيائية في أن تغدو أكثر تشويقًا عندما يكون ثمَّة تطبيقات حقيقية. نحن بحاجة أيضًا إلى التفكير في مسألة إعادة ملء الوقود. في حالة البنزين، فالسُّنة المتَّبعة هي إعادة ملء الخزَّان المحمول على مَتْن المَركبة بالوقود؛ إذ تقود السيارة إلى محطة الوقود، وتضخُّ بعض البنزين في الخزَّان، وتَمضي إلى حال سبيلك. ولكن في حالة منظومة تخزين الهيدروجين، قد تكون إعادة ملء الخزَّان بالوقود خارج المَرْكبة هو الأرجَح. فقد يُقَدَّم وسيط تخزين الهيدروجين الممتلِئ في حاوية. وقد تتضمَّن عملية إعادة ملء الوقود مُبادلة الحاويات المستهلَكة بالمملوءة، وبعد ذلك يُعاد شحن الحاويات المستهلَكة في محطة هيدروجين أو في أي مرفقٍ آخر مُعدٍّ لهذا الغرض.
ما هي العناصر الجيدة المرشَّحة لوسائط تخزين الهيدروجين؟ هذا هو الإطار الذي تُصبح فيه نوعية الكيمياء التي اضطلَع بها مُهمَّة. إنَّ لديَّ اهتمامًا بكيمياء المجموعة الرئيسية. تُوجَد عناصر المجموعة الرئيسية على الجانبَين الأيمن والأيسر من الجدول الدوري (المجموعتان ١ و٢، ومن ١٣ إلى ١٨). يُمكِن أن تكون عناصر المجموعات الرئيسية هي الفلزات، أو اللافلزات، أو أشباه الفلزات (عناصر ذات خصائصَ وسطٍ بين الفلزات واللافلزات). الأهم فيما يخصُّ التطبيق الذي نحن بصدَدِه، أنَّ أخفَّ العناصر هي عناصر المجموعة الرئيسية، مُقارنةً بفلزات مثل الحديد والكوبالت والنيكل والنحاس والزنك والفضة والذهب، والتي هي عناصر انتقالية، ولكونها أثقل، فهي ليست مُفيدة لتطبيقات تخزين الهيدروجين بنفْس القدْر بسبب مُستهدَفات نسبة الوزن المطلوبة من قبل وزارة الطاقة. يُمكِن لأنواع الوقود الأحفوري (الهيدروجين والكربون) أن تكون مواد تخزين للهيدروجين؛ إذ تَمتلِك كثافة طاقة عالية ولكن ليس لدَيها مسارات طاقة مُنخفِضة من أجل عمَلية الإزالة القابلة للانعكاس للهيدروجين.
هذه المركَّبات التي تحتوي على رابطة البورون–النيتروجين هي مِثال جيد على العلاقة بين الكيمياء الأساسية والكيمياء التطبيقية. تركَّز بحثي في كيمياء المجموعة الرئيسية حول تفاعُلات المركَّبات المحتوية على البورون والنيتروجين. سألت أنا وزملائي أنفسنا عن السبب وراء وجود جُزيئين لهما نفس العدد من الإلكترونات، لكن أحدهما يحتوي على ذرَّات كربون بينما يحتوي الآخر على أزواج من رابطة البورون–النيتروجين، ولهما تفاعُلية كيميائية مُتبايِنة. عكفْنا على دراسة الجُزيئات ذات الصِّلة بمُركَّبات بوران الأمونيا، والأمينو بوران، والإيمينو بوران، والبورازين في محاولة للإجابة على هذا السؤال وفهم المزيد حول العوامل التي تتحكَّم في البنية الهيكلية وتفاعُل هذه الجُزيئات والعديد من الجُزيئات الأخرى. يُمكن وصف هذا بأنه كيمياء أساسية؛ وأعني بذلك طرْح أسئلة تُساعدُنا على معرفة المزيد عن القوى المحرِّكة الكامنة في العالم الكيميائي. إنَّ البحث عن وسائط جديدة لتخزين الهيدروجين هو مُحاولة حديثة العهد تستنِد إلى عمل الكيميائيين الأساسيِّين وتُطوُّرِه بغرَض حلِّ مشكلة تطبيقية، وكيفية استخدام طريقةٍ آمِنة وفعَّالة لتخزين الهيدروجين كوقودٍ للمَركبات.
دعنا نعود إلى ما يحدُث عندما تتمُّ إزالة الهيدروجين من مُركَّب بوران الأمونيا وما إذا كان مُجديًا كوسطٍ لتخزين الهيدروجين. ما هي الأسئلة التي نحتاج إلى طرحها؟ كيف نبدأ في إزالة الهيدروجين من بوران الأمونيا؟ ما هي المركَّبات الكيميائية التي تتكوَّن عندما يفقد بوران الأمونيا الهيدروجين؟ ما مِقدار الهيدروجين الذي يُمكِن استخلاصه من بوران الأمونيا؟ كيف يُمكِننا أن نُضيف الهيدروجين إلى بوران الأمونيا حتى يُمكِن أن إعادة تدويره؟ هذا هو كل الجهد الذي يلزم الكيميائيِّين القيام به.
وإليك كيفية عمل كل هذا؛ فأنت تتوقَّف بسيارتك في محطة لتعبئة وقود الهيدروجين، وتَستبدِل بخرطوشة الوقود المستهلك زِنة ١٠ كيلوجراماتٍ خرطوشة جديدة مُمتلئة بكمية جديدة من بوران الأمونيا، وتعمل خلية الوقود في سيارتك على الأكسجين من الهواء وعلى الهيدروجين، المستمَد من تفاعُل حفزي يُطلِق الهيدروجين من بوران الأمونيا بالمعدَّل الذي تتطلَّبه خلية الوقود. وتُمدُّ الكهرباء المولدة من خلايا الوقود سيارتك الكهربائية، الهادئة الخالية من التلوُّث، بالطاقة، وأيضًا تشحَن البطاريات اللازمة لتشغيل المحرِّك، والمراوح، والمسَّاحات، والإضاءة وجهاز الآي بود الخاص بك. عندما يُشارِف إمداد الهيدروجين من خرطوشة بوران الأمونيا على النفاد، يتحوَّل الإمداد إلى الخرطوشة الاحتياطية وتُعرِّج بسيارتك على محطة وقود هيدروجيني لاستبدال الخرطوشة المستهلَكة بواحدةٍ جديدة. تُحلِّل مُنشأة مُجاورة بوران الأمونيا المستهلَك وتُنتِج بوران الأمونيا المهدرج باستخدام عملية تدفُّق مُستمِر يُعاد فيها باستمرار تدوير كواشف الكبريت والقصدير. يُنتَج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربي للمياه باستخدام كهرباء صادرة من المجمَّعات الضوئية الشمسية، والتي تُشكِّل جُزءًا لا يتجزَّأ من المنشأة. الماء هو المادة المدْخَلة الوحيدة التي تَستهلكها المنشأة، والأكسجين (المكوِّن الآخر الناتج عن التحليل الكهربي للماء) هو المنتَج الثانوي الوحيد. نحن الآن في المرحلة التي استغنَت فيها رحلة القيادة إلى الشاطئ، من أجل أن نبدأ عطلة التخييم، عن الحاجة إلى الوقود الأحفوري!
(٥) السُّمرة لغرَض: تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء
إنَّ الجُزء من رحلة التخييم المستدامة الذي لم نكن نتأمَّله حقًّا بعين الاعتبار هو المسألة برمتها المتعلِّقة بتحويل طاقة ضوء الشمس فِعليًّا إلى شكلٍ قابل للاستخدام؛ إذ احتجْنا إلى إنتاج الكهرباء اللازِمة لدفع عملية التحلُّل الكهربي للمياه، كما احتجْناه أيضًا حتى يكون لدَينا مصادر بديلة للطاقة أثناء التخييم. نحن بالفعل على دِراية بالتغيُّرات الكيميائية الناجمة عن أشعة الشمس؛ النسيج الزاهي اللَّون المتروك في الشمس سيَصير لونُه باهتًا، ويتعرَّض الأشخاص ذَوو لون البشرة الفاتح حتى المعتدِل إلى تغيُّرات في لون بشرتهم (الحرق أو السمرة) عند التعرُّض لأشعة الشمس. تُحوِّل أجهزة الطاقة الضوئية ضوء الشمس مُباشرة إلى كهرباء عن طريق تحفيز تغيُّر كيميائي في المواد التي تمتصُّ ضوء الشمس. كل الأمور المتعلِّقة بهذا التغيُّر الكيميائي؛ كيفية إحداثه، وكيفية جمع التيار الكهربائي، وكيفية فهم أي المواد يُمكن استخدامها، وكيفية جعل العملية أكثر كفاءة، كلها أمور محلُّ انشِغال بالِغٍ لدى الكيميائيِّين، وسوف نتحدَّث قليلًا حول هذا الآن. سنَتناول الأجهزة الضوئية المستخدمة بالفعل، وهو جيل جديد في طَور التطوير، والأجيال المستقبَلية التي ستُحدِث ثورةً حقيقية في كيفية استخدامنا للطاقة الشمسية.
تكمُن مزايا خلايا السليكون الفوتوفولتية في أن التقنية (التي طُوِّرَت جنبًا إلى جنبٍ مع صناعة الإلكترونيات) هي تقنية راسِخة ومُستقرة، وتُطَوَّر أشكال مختلفة من السليكون (مثل السليكون غير المتبلْوِر) كبدائل للسليكون البلوري عالي النقاوة. إن الكفاءة المنخفضة والطبيعة الهشَّة للوحدات تحدُّ من استخداماتها. هناك أيضًا ارتباط مباشر بين المساحة السطحية للخلايا وكمية الطاقة التي يمكن التقاطها. على سبيل المثال، لا تَمتلِك سيارة محلية عادية مساحة سطح عالية بما يَكفي على سقفها وغطاء مُحرِّكها وجذعها لجمع طاقة كافية لتشغيل السيارة.
ألقينا نظرةً مُوجزة على أجهزة السليكون الفوتوفولتية المستخدَمة بالفعل والجيل الجديد من الخلايا الشمسية المستحثَّة بالصبغة قَيد التطوير حاليًّا. ماذا لو تحلَّيْنا بسَعةٍ من الخيال وبدلًا من تصميم «خلايا» شمسية تحتاج إلى الانتشار لالتقاط أشعة الشمس (كالمجمِّع الشمسي على سطح منزلك)، نُفكِّر في تصميم «مواد» شمسية يُمكن أن تؤدي وَظيفتَين في وقتٍ واحد (فالبلاط على سطح منزلك يُصبِح هو نفسه مُجمِّعات الطاقة الشمسية). وبالنسبة لجهاز فوتوفولتي، لا نزال بحاجة إلى خُطوتَين أساسيتَين؛ امتصاص أشعة الشمس وتشكيل زوج من إلكترون-ثقب. إذا كان يُمكن لهذه العمليات أن تحدث في المواد المستخدَمة بالفعل، فإنَّنا لدَينا مزايا مُتعدِّدة. يُمكِن للأسطح التي بالفعل تلتقِط كميات كبيرة من أشعة الشمس أن تُحوِّلها إلى كهرباء؛ تصوَّر سقف منزلك، والطلاء على سطح سيارتك وأسطح الطُّرق، وتصوَّر، بالعودة إلى مفهوم التخييم المستدام، نسيجَ خيمتك.
لذا، بالعودة من حيث بدأنا من رحلة التخييم، ستُصنَع خيمتنا المستقبلية من مادة خفيفة الوزن، وقوية، ومُقاوِمة للماء، وسيكون لها أيضًا طبقة بوليمرية تُمكِّنها من التقاط أشعَّة الشمس وتحويلها إلى كهرباء، فقط على نطاق صغير؛ فاحتياجات التخييم لدَينا مُتواضِعة. وسيتمُّ استخدام هذه الكهرباء لشحن جيلٍ جديد من البطاريات المحمولة الخفيفة الوزن، بحيث تكون الطاقة التي تُجمَع في الأيام المشمِسة مُتاحةً في الأيام الملبَّدة بالغيوم وفي الليل. يُمكننا استخدام هذا لأضواء المعسكر، ولتشغيل مُبرِّد صغير لمشروبات الغاز والصودا الخاصَّة بنا، ولإعادة شحن أجهزة الآيبود الخاصَّة بنا.
الخلاصة
بحثْنا الأفكار المتعلِّقة بتوليد الطاقة وتخزينها بمُجرَّد البدْء بالمفهوم البسيط لرحلة التخييم العائلية. نأمُل أن يُوضِّح ذلك أنه بمُجرَّد أن نُفكِّر بشكل مُستدام، علينا أن نُحلِّل كل عنصر نَستخدِمه وكل خطوةٍ نقوم بها لكي نفهم حقًّا ماهية التغييرات التي ستكون مطلوبة. لكن الأجوبة لتحدِّيات الاستدامة الكبيرة ستكون تقنيةً عالية وستتطلَّب مِنَّا تنظيم جميع مهاراتنا ومعارفنا عبر مجموعة واسِعة من التَّخصُّصات. والأهم من ذلك كله، أنَّ الكيميائيِّين سيُشاركون بشكلٍ كامل في كل هذا؛ فقد تُولد العديد من الأفكار الجديدة، ويجري البحث لجعلها حقيقة واقِعة. ولكن هناك المزيد من الأفكار الجديدة التي تَنتظِر جيلًا جديدًا من الحالِمين الذين سيكونون أيضًا الجيل الجديد من الكيميائيِّين الذين سيُحقِّقون ذلك؛ ربما يكون أحدهم أنت!
بيني براذرز
قراءات إضافية
-
Ashley, S. On the road to fuel-cell cars. Scientific American 2005, 62–69.
-
Birch, H. The artificial leaf. Chemistry World 2009, 42–45.
-
Grätzel, M. Recent advances in sensitized mesoscopic solar cells. Accounts of Chemical Research 2009, 42, 1788–1798.
-
Hamilton, C. W.; Baker, R. T.; Staubitzc, A.; Manners, I. B–N compounds for chemical hydrogen storage. Chemical Society Reviews 2009, 38, 279–293.
-
Mayer, A. C.; Scully, S. R.; Hardin, B. E.; Rowell, M. W.; McGehee, M. D. Polymer-based solar cells. Materials Today 2007, 10, 28–33.
-
Satyapal, S.; Petrovic, J.; Thomas, G. Gassing up with hydrogen. Scientific American 2007, 81–87.