الخطوة الأولى في اتجاه «ليتل مان»!
في اليوم التالي تفرَّغ «أحمد» للتدريب على شخصية «ليتل مان» … كان الشياطين في تلك اللحظة … يقومون بالتدريب على نوع معين من الأجهزة الدقيقة التي تُستخدَم في التسلُّق … وفَتْح الأبواب، وقد أدهشهم أن «أحمد» ليس معهم … إلا أن رقم «صفر» كان قد أخبرهم أن «أحمد» يستعدُّ لمهمة خاصة … وأن عليهم أن يستعدُّوا للاشتراك في المهمة، عندما تصدر لهم التعليمات. جلس «أحمد» في معمل أبحاث المقر السري مع خبيرٍ في تقليد الشخصيات … بدأَت التدريبات على نطْق اللهجة التي يتكلَّم بها وطريقة استخدام الكلمات … وحتى الظهر، ظلَّ «أحمد» في تدريباته … وعندما انتهَت ساعات التدريب، كان «أحمد» قد أحكم الطريقة التي يستخدمها «ليتل مان»، حتى إن الخبير صاح: رائع، إنك الآن لا يمكن أن تكون إلا «ليتل مان» نفسه! …
في اليوم التالي، كان التدريب على حركات «ليتل مان» … ولم تستغرق وقتًا؛ فقد أجاد «أحمد» حركاتِ الرجل … وعندما كان اليوم الثالث، تدرَّب «أحمد» على طريقةِ أكلِه وجلستِه … وفي اليوم الرابع وقف «أحمد» مبهورًا … فقد كان الخبير يُمسك في يده قناعًا، هو نفسه وجهُ «ليتل مان» … قال «أحمد»: إنني لا أصدِّق! …
فقال الخبير: الآن … سوف نراك، وأنت في شخصية «ليتل مان»!
لبِسَ «أحمد» القناع، ووقف أمام المرآة. لم يكن يصدِّق نفسه … إنه الآن «ليتل مان» فعلًا … أخذ يقلِّد حركاتِه، وينطق كلماتِه بطريقة مثيرة، حتى إن الخبير صاح: إنني أستطيع أن أضعَك أمام «ليتل مان» الآن، وسوف يسقط الرجلُ مغشيًّا عليه … لأنه سوف يرى «ليتل مان» آخر! …
انتهى الموعد، فقال الخبير: إن الزعيم سوف يلقاك في القاعة الصغرى، بعد عشر دقائق! …
خلع «أحمد» القناع، وأخذ طريقَه إلى القاعة … وعندما دخلها، وجد الشياطين هناك … قال «باسم»: هل انتهَت المهمة؟
ردَّ «أحمد»: إنها لم تبدأ بعدُ! …
تساءلَت «إلهام»: ومتى ستبدأ؟ …
قال «أحمد»: لا أدري؛ فلم يُخبرني رقم «صفر» بالموعد بعدُ! …
فجأةً، جاء صوت رقم «صفر» يقول: يجب عليكم الاهتمام بالفيلم الذي سيُعرَض عليكم الآن، وخصوصًا «أحمد»! …
أُظلمَت القاعة، وأُضيئَت الشاشة الإلكترونية، ولم تمضِ دقيقة، حتى كان الفيلم قد بدأ … كان الفيلم عن «ليتل مان» … أيضًا … وجاء صوتُ رقم «صفر» يقول: إنه فيلم جديد، صوَّره عميلُنا في مقاطعة «بافاريا» للسيد «ليتل مان»، وقد وصلَنا منذ دقائق!
كان «أحمد» يركِّز اهتمامَه على حركات «ليتل مان»، وطريقة نُطْقه للكلمات … ودون أن يدريَ، أخذ يُتمتم بكلمات على طريقة «ليتل مان»، حتى إن ذلك لفت نظرَ «ريما»، فقالت: إن «أحمد» يتحدَّث كما تتحدَّث هذه الشخصية تمامًا!
انتهى الفيلم الذي لم يستغرق كثيرًا … وجاء صوت رقم «صفر» يقول: الآن، ما رأيكم في هذه الشخصية المثيرة؟
قال «عثمان»: إنها شخصية جديرة بالدراسة!
جاء صوت الزعيم يسأل: ما رأيُ «أحمد»؟ …
ردَّ «أحمد» بسرعة: أظنُّ أنني تعرَّفتُ عليه جيدًا!
تردَّدَت ضحكةٌ لرقم «صفر» وهو يقول: ما رأيكم في أن هذه الشخصية ليست هي شخصية «ليتل مان» … إنه «أحمد»!
ظهرَت الدهشة على وجه «أحمد»؛ فلم يكن يتصور أنه أجاد شخصية «ليتل مان» إلى هذه الدرجة، وقال «رشيد»: هذه مسألة لا يمكن تصديقها!
وقال «خالد»: وأين وجهُ «أحمد» … إنه «ليتل مان» بالتأكيد!
ردَّ رقم «صفر»: هذه هي براعة «أحمد»، وهذه هي المغامرة نفسها!
نظر الشياطين إلى «أحمد» … كانت الدهشة تملأ وجوهَهم … جاء صوت رقم «صفر» يقول: سوف يشرح لكم «أحمد» المغامرةَ فيما بعد.
انتظر لحظة، ثم قال: سوف ينطلق «أحمد» غدًا إلى مغامرتكم الجديدة … وهو سوف يقوم بالجزء الأول منها … أما الجزء الآخر فسوف تشتركون فيه …
صمتَ قليلًا ثم أضاف: غدًا، سوف يكون «أحمد» في غابة «بوهيميا»، وسوف يقوم بأكبر مغامرة وأكثرها إثارة … وهذا ما يجعلها مغامرةً فريدة من نوعها … فسوف يلتقي بالسيد «ليتل مان» في مكتبه، وهو يقوم بشخصية «ليتل مان» نفسه … بعدها، سوف يبدأ الجزء الثاني من المغامرة، وسوف يشرح لكم «أحمد» التفاصيل …
سكت صوتُ رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: أتمنَّى لك التوفيق يا عزيزي «أحمد» … وأتمنَّى لكم التوفيق يا أعزائي الشياطين!
ابتعد صوتُ أقدام رقم «صفر» حتى اختفى … فأسرعَت «ريما» تسأل: ما هي التفاصيل؟ …
ابتسم «أحمد» وهو يقول: هل ينبغي أن نتحدَّث هنا، أو نذهب إلى مكاننا المفضَّل لنُكمل فيه الحديث؟
بسرعة، وقف الشياطين، وغادروا القاعة إلى حيث مكانهم المفضل في الاستراحة الصغيرة التي تتوسَّط غُرَفَهم … وعندما جلسوا، قال: «خالد»: نحن في الانتظار!
بدأ «أحمد» يشرح لهم تفاصيل المغامرة، بينما كان الشياطين ينظرون له في دهشة … وعندما انتهى، قال «عثمان»: كنت أتمنَّى أن أكون مكانَك، لولا أنك تقترب من «ليتل مان» في قوامه!
وقالت «إلهام» وهي تضحك: أتمنَّى أن أراك وأنت تُقلِّد «ليتل مان» الآن!
أجمع الشياطين على أن يرَوه وهو يقلِّد «ليتل مان» … أخرج «أحمد» القناع، ووضعه فوق وجهه … وهو قناع من المطاط لا يستطيع أحدٌ أن يكشفَه … صاح «قيس»: يُخيَّل إليَّ أنني أمام «ليتل مان» الآن!
ضحك الشياطين وبدأ «أحمد» يقلِّد «ليتل مان» والشياطين ينظرون إليه في دهشة … وبعد دقائق جلس وهو يخلع القناع قائلًا: ما رأيكم؟ …
هتفَت «زبيدة»: رائع!
قال «بو عمير»: إن «ليتل مان» سوف يُدهَش عندما يرى نفسَه أمامه!
ضحك الشياطين لتعليق «بو عمير»، فقال «أحمد»: إنكم تبثُّون الاطمئنانَ في نفسي، فهي لحظة غريبة، عندما ألتقي ﺑ «ليتل مان» وجهًا لوجهٍ في غرفة مكتبه!
بعد قليل انصرف الشياطين إلى غُرَفِهم … وعندما دخل «أحمد» وجد خطابًا شفريًّا بأسماء مَن سيشتركون في الجزء الثاني من المغامرة، حتى يكونَ على علمٍ بهم، كان الخطاب يضمُّ أسماء «بو عمير»، و«قيس»، و«خالد»، و«باسم». قام يُلقي نظرةً أخيرة على الدراسة التي أعدَّها المقرُّ السريُّ تبعًا لتقارير العملاء … فحَفِظ أسماءَ مَن سيتعامل معهم … «بوفر» سكرتير «ليتل مان»، «جليم» كبير الحراس.
قال في نفسه: إنهما هما اللذان سأتعامل معهما، أما الباقون فلن يراني أحدٌ منهم، وحتى لو رآني فلن أتحدَّث إليه …
وعندما انتهى من قراءة الدراسة أخذ يُجهِّز ما يريد … الآلة الحاسبة الصغيرة والتي أدخلها المقرُّ السريُّ في الأجهزة الحديثة التي يستخدمها الشياطين … قلم صغير قد لا يلفت نظرَ أحد، لكنه يُستخدم في أشياء كثيرة، ثم جهَّز حقيبتَه السحرية … وعندما اطمأنَّ لكل شيء … ألقى نفسَه على الفراش، واستغرق مباشرةً في النوم … غير أنه استيقظ مبكرًا على صوت رنين التليفون … وعندما رفع السماعة جاءَه صوتُ «خالد» يقول: ألن تبدأَ يومَك مبكرًا؟
ابتسم «أحمد» وهو يردُّ: بالتأكيد!
قال صوت «خالد»: إن الشياطين سوف يكونون في وداعك في ساحة السيارات!
ردَّ «أحمد»: إنني أشكر الشياطين، وسوف نلتقي هناك بعد عشر دقائق!
عندما وضع السماعة، أسرع إلى الحمام … وقبل أن تمضيَ الدقائقُ العشر كان يغادر غرفته إلى ساحة السيارات … وهناك كان الشياطين جميعًا في انتظاره … ألقى عليهم تحية الصباح … ثم حيَّاهم واحدًا واحدًا، بينما كان الحارس قد أعدَّ السيارة … رَكِب «أحمد»، ورفع يدَه محيِّيًا الشياطين ثم انطلق … عندما اقترب من البوابات الصخرية … انفتحَت في صوت مكتوم … وعندما تجاوزها، أُغلقَت في هدوء، كان الخلاء ممتدًّا أمام «أحمد» دون أن يبدوَ أيُّ شيء في الأفق … وكان النهار لا يزال في بدايته … والشمس تكاد أن تظهر عند الأفق … كان المنظر جميلًا … غير أن «أحمد» كان وحده … لقد تمنَّى في هذه اللحظة أن يكون الشياطين معه … وإن كانت المغامرة لا تحتاج سواه في مرحلتها الأولى …
عندما انتصف النهار، كانت سيارة «أحمد» تقترب من المطار، وبعد دقيقتين كان في صالة الانتظار … اشترى جرائد اليوم … وأخذ كتابًا عن الإلكترونيات، ثم اتجه إلى الداخل. ولم تمضِ دقائق حتى كان صوت المذيعة الداخلية يُعلن عن قيام الطائرة المتجهة إلى «ألمانيا» بعد ربع ساعة … أسرع «أحمد» إلى الطائرة … وأخذ مقعدَه بجوار النافذة … أخذ يرقب المطار والحركة النشطة فيه … مضَت دقائق ثم بدأَت محركات الطائرة تدور … ثم تحرَّكَت من مكانها وبدأَت تفاصيل المطار تمرُّ في سرعة كبيرة بعدها، أخذَت الطائرة ترتفع في الفضاء … حتى استقرَّت في مسارها، فكَّ «أحمد» حزامَ الأمان وبدأ يقرأ الصحف التي اشتراها … بعد قليل ألقى نظرةً على مَن بجواره. كانت فتاة شابة جميلة قد استغرقَت في القراءة في أحد الكتب … أخفى ابتسامتَه … وهو يقول في نفسه … إن الشياطين يجعلون من السفر متعة! …
عاد إلى الجرائد مرة أخرى واستغرق في القراءة … فهو لا يريد أن يُشغلَ نفسَه بشيء … فها هي الخطوة الأولى من مغامرة «الرجل العصفور» … قد بدأَت …