وجهًا لوجه … مع «ليتل مان»!
لم يشعر «أحمد» بالوقت وهو يمرُّ … فقد استغرق في القراءة … انتهى من قراءة الجرائد، ثم بدأ في كتاب الإلكترونيات … وهي هوايته ولم يُفِق من استغراقه إلا عندما سَمِع صوتَ مذيعة الطائرة تتمنَّى لهم إقامةً طيبة في «فرانكفورت». نظر حوله … كانت الفتاة قد استغرقَت في النوم … حتى إنها لم تسمع مذيعةَ الطائرة … قال لها بصوت هامس: يا آنسة … إننا نُوشك على النزول في مطار «فرانكفورت»!
فتحَت الفتاة عينَيها في دهشة … ثم سألت: ماذا تقول؟ …
ابتسم وهو يُعيد ما قاله … فضحكَت وهي تقول: يبدو أنني نمتُ جيدًا!
بدأ «أحمد» يجهِّز حاجيَّاتِه القليلة في انتظار النزول في المطار بعد قليل، كانت عجلات الطائرة تلمس أرضَ المطار فعلًا … أسرع إلى الباب وهو يُحَيِّي الفتاة … وعندما فُتح الباب، كان أولَ مَن نزل من الطائرة.
كان «أحمد» يشعر بالرغبة في الوصول بسرعة إلى مقاطعة «بافاريا» الألمانية؛ فمنها سوف يكون في «بوهيميا» حيث توجد الغابة … وحيث يوجد «محمد بن علي» العالِم العربي في مبنى عصابة «سادة العالم» … وحيث يوجد السيد «ليتل مان» …
عندما همس باسْمِ «ليتل مان»، ابتسم؛ فبعد قليل سوف يكون الاثنان وجهًا لوجه …
نزل سُلَّمَ الطائرة في نشاط … كان الليلُ يغطِّي مطار «فرانكفورت» وإن كانت الأضواء تجعله كقطعة من النهار … أسرع إلى موظف الاستعلامات، وسأل عن الطيران الداخلي … وأول طائرة سوف تُغادر «فرانكفورت» إلى «بافاريا». عرَف أن هناك طائرةً داخلية سوف تقوم بعد ساعة … قال في نفسه: هذه فرصة لأرى مطار «فرانكفورت» … ولأجهِّز نفسي للمعركة الأولى …
أخذ يدور في المطار، ويشاهد السوقَ الضخمَ الموجود فيه … وعندما انقضَت نصف ساعة … أسرع يغادر المطار الكبير إلى منطقة أخرى في المطار، حيث يوجد الطيران الداخلي، وخلال عشر دقائق، كان قد أصبح هناك … تصوَّر «أحمد» أن المطار الداخلي صغير، إلا أنه وجد مطارًا متَّسعًا ووجد سوقًا هائلة ظلَّ يدور داخلها دون أن يشتريَ شيئًا … فهو لم يكن في حاجة إلى أيِّ شيء … وعندما سَمِع مذيعَ المطار، أسرع إلى الطائرة وأخذ مكانه فيها …
في الطائرة استغرق «أحمد» في استعادةِ كلِّ ما في خاطره حول «ليتل مان» وسكرتيره «بوفر»، و«جليم» كبير الحرس …
قال في نفسه: سوف تكون لحظة حاسمة عندما نلتقي أيها العزيز «ليتل مان» … وعندما نزلَت الطائرة في مطار بافاريا، كان أول شيء فعله هو الاتصال بعميل رقم «صفر» … كانت الساعة حوالي الثالثة صباحًا … قال في نفسه: إن هذا الوقت ليس مناسبًا للسيد «ليتل» … فينبغي أن نعطيَه فرصةً لقضاء صباح هادئ … وفنجان قهوة … ثم نبدأ اللقاء المثير!
جاء صوت عميل رقم «صفر» يُخبره أن مكانَه محجوزٌ في فندق الغابة ليقضيَ فيه بعضَ الوقت للراحة، وأن السيارة في انتظاره أيضًا … أسرع «أحمد» إلى خارج المطار، حيث وجد السيارة ولم تُخطئها عيناه، رَكِبها وانطلق إلى فندق «الغابة»، حيث نام حوالي ساعتين، ثم غادر الفندق. رَكِب سيارتَه وانطلق إلى غابة «بوهيميا».
كان الطريق إلى الغابة طويلًا … لكنه فكَّر في الذهاب مبكرًا … حتى يستطيعَ أن يستكشفَ المكان في ضوء النهار … فإذا بدأ الليل، تحرَّك … خصوصًا وأنه يعرف أن «ليتل مان» يظلُّ في مكتبه حتى العاشرة مساءً … وهذا يكفي لأن يحقِّق ما يريد … كان الطريق هادئًا، ومرة أخرى تذكَّر الشياطين، لو أنهم كانوا معه الآن … لقضَوا وقتًا ممتعًا … ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، فانطلقَت موسيقى هادئة، آنسَت وحدتَه داخل السيارة. كان قد حَسَب كلَّ شيء مقدَّمًا … طول المسافة … وسرعة السيارة، والوقت الذي سوف يَصِل فيه … وكما حسَب تمامًا … فقبل الغروب بساعتين، كان يقف على مشارف الغابة.
أسرع يُخفي السيارة في مكان لا يستطيع أحدٌ أن يَصِل إليه … ثم وقف ينظر إلى الأشجار الكثيفة وهو يبتسم، ثم همس يقول: أهلًا بالغابة العزيزة! …
قطع عدةَ خطوات داخل الغابة، ثم أخرج خريطةً صغيرة، عليها كلُّ التفاصيل … أخذ يُحدِّد طريقَه واتجاهَه إلى حيث يقع مبنى العصابة … وعندما حدَّد كلَّ شيء، طوَى الخريطة ثم وضعها في حقيبته السحرية، ثم انطلق. كان يمشي قليلًا، ويجري قليلًا، بخطوات محسوبة … فهو يجب أن يَصِلَ في وقت محدَّد.
أخيرًا ظهر المبنى … أخذ يتأمَّلُه … كان تمامًا كما شاهده في الفيلم. وكانت الحراسة شديدة. لكنه كان يعرف من أين سوف يَصِل إلى مكتب «ليتل مان»، إنه يعرف أن فُتْحاتِ التهوية تكفي جيدًا للوصول إلى المكتب … ألقى نظرةً إلى المبنى المرتفع الذي يساوي حوالي ثلاثة طوابق. أخذ يرقب الحراس وهم يتبادلون الأمكنة، ثم حدَّد الوقت الذي يستطيع فيه أن يقترب من المبنى … وعندما جاءَت اللحظةُ المناسبة، قفز قفزةً سريعة، قطع بها مسافةً كبيرة، وقد ساعده فيها الحذاء المطاطي الذي كان يلبسه … وبسرعة أخرج الآلة الحاسبة الصغيرة، ثم ضغط زرًّا فيها، فانطلق منها سلكٌ رفيع مصنوع من مادة صناعية مركبة تركيبًا كيماويًّا خاصًّا … وفي نهاية السلك خُطَّافٌ دقيق جدًّا في غاية القوة … عندما انطلق السلك اشتبك الخُطَّاف في حافة المبنى … وفي سرعة البرق تسلَّق «أحمد» الجدار المرتفع … وفي لحظات كان يقف فوق السطح … نظر إلى أسفل، فرأى الحراس لا يزالون يقطعون المكان في خطوات جادة، وهم يتبادلون أماكنَهم … ضغط زرًّا آخر في الآلة الحاسبة، فتراجع السلك بسرعة … واختفى داخلها … وضع الآلةَ في حقيبته … ثم أخرج القناع الخاص، والذي لا يفترق عن وجه «ليتل مان»، ثم جذبه في براعة فتحوَّل وجهُ «أحمد» إلى وجه «ليتل مان». أخرج مرآة صغيرة مصقولة ونظر فيها، ثم ابتسم وهمس: هل ستعرف نفسك يا عزيزي «ليتل»؟
أخفى المرآة، ثم تقدَّم إلى فتحة التهوية، التي كانت استدارتُها تكفيه تمامًا كي يمرَّ فيها، إنه يعرف أن هذه الفتحة تنتهي في مكتب «ليتل مان» … نزل بسرعة، وبدون صوت، ثم اختفى في فُتحةِ التهوية … وبهدوء أخذ يهبط، وهو يستند في هبوطه على قدمَيه وذراعَيه … وعندما أصبح عند نهاية الفتحة، سمع حوارًا يدور … عرَف من الصوتَين مَن هما، كان «ليتل» يقول: يا عزيزي «بوفر»، ينبغي أن ينتهيَ «موهاميد»!
– هكذا كان ينطقها، وهو يقصد أن ينتهيَ «محمد» … من عمله بسرعة!
ردَّ «بوفر»: إنه يعمل فعلًا يا سيدي!
قال «ليتل»: لا بأس، هل هناك أعمال أخرى؟
قال «بوفر»: حتى الآن، لا يوجد … لكنني أظنُّ أن هناك عملًا ما، سوف يَصِل لدينا بعد قليل!
قال «ليتل»: عندما يَصِل، أخبرني فورًا!
ثم سَمِع «أحمد» صوتَ أقدام «بوفر» وهو ينصرف، ثم صوت الباب الهادئ وهو يُغلَق. ترك نفسَه فجأةً، فسقط خلف «ليتل»، الذي كان يجلس إلى مكتبه، ولأن «أحمد» لم يُحدِث صوتًا مزعجًا … فقد نظر «ليتل» نظرةً سريعة إلى مصدر الصوت … لكنه فجأةً، تجمَّد … فقد رأى نفسَه أمامه … تردَّدَت الكلماتُ في فمه. غير أن «أحمد» قال بنفس حركة «ليتل» ولهجته: أظن أنك مندهشٌ لأن ترى «ليتل» آخرَ أمامك!
ظل «ليتل» ينظر إليه في دهشة شديدة، وأخيرًا قال: مَن أنت؟ …
ردَّ «أحمد» وهو يتقدَّم إلى مكان آخر في الغرفة حتى أصبح يقف أمام «ليتل» تمامًا: إنني «ليتل هان جاكومان»!
وكان هذا هو الاسم الكامل له … ظهرَت دهشةٌ أكبر على وجه «ليتل»، وتحرَّك من مكانه متَّجهًا إلى «أحمد»: إنني لا أُصدِّق نفسي!
قال «أحمد»: لماذا؟ … هل هناك فرقٌ بيني وبينك؟
ردَّ «ليتل»: هذا ما يجعلني أشعر بدهشة شديدة …
ثم قال مضيفًا: يمكن أن تُشبهَني … لكن أن تتحرك وتتحدث وتتصرف مثلي، هذه مسألة لا أصدِّقُها!
كان «أحمد» يقف أمامه، وقد ركَّز كلَّ حواسِّه واهتمامِه، حتى لا يُفاجئَه «ليتل» بأيِّ حركة … فجأةً لمح يدَ «ليتل» تمتدُّ إلى أسفل المكتب، فتوقَّع شيئًا من اثنين، إما أنه يريد أن يجذبَ مسدسَه … وإما أنه سوف يستدعي أحدًا.
ولذلك قال بسرعة، بنفس طريقة «ليتل مان»: لا داعي لأيِّ حركة، حتى لا تفقدَ نفسَك!
توقَّفَت يدُ «ليتل مان» وألقى بنفسه على كرسي المكتب، وكأنه قد وقَع من شدة دهشته … قال «أحمد» بسرعة: قِفْ واخرجْ بعيدًا عن المكتب، حتى نستطيعَ أن نتفاهم!
نظر له «ليتل مان» لحظة، ثم قال: ماذا تريد؟
ردَّ «أحمد»: سوف تعرف عندما تخرج بعيدًا عن المكتب!
وقف «ليتل مان»، ثم خرج بعيدًا عن المكتب، متَّجهًا إلى حيث يقف «أحمد»، وقال: ماذا تريد؟
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: بدايةً، ينبغي ألَّا تلجأَ إلى أي حركة؛ لأنني أستطيع أن أقضيَ عليك في لحظة واحدة …
سكت لحظة، ثم أضاف: ما رأيك؟
ردَّ «ليتل مان» بسرعة: لا أعترض، فقط أسرعْ، وأخبرْني مَن أنت، وماذا تريد؟ …
قال «أحمد» وهو يضع كميةً جيدة من التهكُّمِ في كلماته، التي ينطقها بصوت «ليتل»: قلت إنني «ليتل هان جاكومان»، وأظنك تعرف هذا الاسم جيدًا!
قال «ليتل»: إنك تهزأ بي، ويحسن أن نتحدَّث بسرعة قبل أن يأتيَ أحدٌ ونفقد قدرتَنا على التفاهم!
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: إذن، تقدَّمْ قليلًا، حتى لا يعلوَ صوتُنا، فيَلْفت سمْعَ أيِّ أحد في المكان!
لم يتقدَّم «ليتل» بسرعة؛ فقد انتظر لحظةً قبل أن يغادر مكانه ليقترب من «أحمد»، ولم يكَد يتقدَّم خطوةً واحدة، حتى كانت يدُ «أحمد» أسرعَ من البرق مسدِّدةً إليه ضربةً جعلَته يتكوَّم على الأرض بسرعة …
نظر «أحمد» حوله، يبحث عن مكان يُخفيه فيه قبل أن يُفاجئَه أحد، فيرى «ليتل مان» مرتين، مرة وهو ملقًى على الأرض، ومرة وهو يقف على قدمَيه. أسرع ينزع عنه ملابسه، ولبسها بسرعة … ثم بدأ في تنفيذ بقية الخطة …