المهم … هو نقطة التفتيش الأخيرة!
ولم تكن المسألة تحتاج إلى بحث طويل … فقد كان هناك دولاب في أحد أركان الغرفة، أسرع إليه وفتحَه بضغطة واحدة … كان الرفُّ الأخير منه خاليًا … قال في نفسه: إنه يتَّسع للصديق «ليتل مان». عاد بسرعة وحمل «ليتل» بين ذراعَيه، ثم وضعه في الدولاب، وأغلقه. وقف لحظة يفكر، ثم ذهب إلى المكتب … جلس وهو يقول لنفسه: ينبغي أن يتمَّ كلُّ شيء بسرعة قبل أن يُفيقَ «ليتل مان».
فجأة، شعر أن جهازَ الاستقبال يستقبل رسالة … فكَّر وهو يقول: لا بُدَّ أنها من رقم «صفر». كانت رسالة شفرية تقول: ««٥٠٠-٦٠٠» نقطة، «١٦» نقطة، «٨-٤٠٠-١٧٠» نقطة، «١٦» نقطة، «٦٠٠-٧-٦٠٠» نقطة، «١٣-١٧٠» نقطة، «٨-٤٠٠-٦٠٠-٢٠٠-٧٥-٧٠٠» نقطة، «١-٦٠٠-١٢» نقطة، «١٥-٢٠-١٣» نقطة، «٨-٤٠٠-١٠-٨-٤-٧٠٠» انتهى.»
قرأ الرسالة بسرعة … ثم ابتسم وهو يهمس: أخيرًا … لقد ظهر «الشياطين».
فقد كانت الرسالة من «الشياطين». فكَّر قليلًا: إن الأمر يجب أن ينتهيَ الآن!
نظر في الأجراس الكثيرة الموجودة فوق المكتب ووضع يده على زرِّ «بوفر». مرَّت لحظة ثم فتح الباب وظهر «بوفر». كان قويَّ البنيان … تبدو عليه الشراسة … ولم يُضِع «أحمد» وقتًا، قال متحدِّثًا بلهجة «ليتل مان»: أحضِر «موهاميد» بسرعة!
قال «بوفر» بطريقة عادية: هل هناك شيء يا سيدي!
ردَّ «أحمد»: ينبغي أن أعرف منه بعضَ الأشياء!
قال «بوفر» وهو ينصرف: أمرُك يا سيدي!
ثم استدار وخرج من الباب. ابتسم «أحمد» ابتسامةً عريضة؛ فكل شيء يسير كما يريد تمامًا … فتح أحدَ الأدراج، وأخذ يفتِّش عن شيء يمكن أن يُفيدَه. لكنه وجد بعضَ الأوراق. قال في نفسه: مَن يدري قد تُفيدنا في شيء!
كانت بجواره حقيبة جلدية، فأخذ يجمع فيها الأوراق بسرعة، ثم جلس بطريقة تُشبه طريقةَ مَن ينتظر … مرَّت دقائق ثم فُتح الباب، وظهر «محمد بن علي»، كانت سُمْرتُه العربية لا تُخطئُها العين، وكان بين الخمسين والستين من عمره …
قال «بوفر» الذي كان يقف خلفه: هل من أوامر أخرى يا سيدي؟
ردَّ «أحمد»: «نعم» دَعْهم يُجهِّزون السيارة، وسوف أقودها بنفسي، وأذهب للزعيم ﺑ «محمد بن علي».
ردَّ «بوفر»: ومتى ستنصرف يا سيدي؟ …
قال «أحمد» بنفس حركات «ليتل مان» ولهجته: سوف أستدعيك لأُخبرَك!
قال «بوفر» وهو ينصرف: أمرُكَ يا سيدي!
ثم غادر غرفةَ مكتب «ليتل مان» … مرَّت دقيقة، فقفز «أحمد»، وتحدَّث بالعربية إلى «محمد بن علي»: إنني في مهمة لإخراجِك من هنا يا سيدي!
ظهرَت الدهشة على وجه العالِم العربي ولم ينطق … فقال «أحمد»: سوف تظنُّ أنني «ليتل مان»، وأظنُّ أنك تعرفه جيدًا … لكنني لستُ هو … إنني عربيٌّ مثلك … وأرجو أن تصدِّقَني، ولا تُضيِّعْ وقتَنا … فإن الزمنَ أمامنا محدود!
قال «محمد»: إنني لا أفهم شيئًا، ولا أصدِّق!
قال «أحمد» بسرعة: لا داعي للفهم الآن، المهم أن تصدِّقَني، وحتى تتأكد من ذلك، تعالَ معي!
تقدَّم «أحمد» إلى حيث الدولاب، ففتحه. كان «محمد بن علي» يمشي بعيدًا عنه قليلًا … نظر له «أحمد» وقال: اقترب حتى ترى وتُصدِّق!
اقترب العالِم العربي، ونظر داخل الدولاب، ثم علَت الدهشةُ وجهَه، وهو ينظر إلى «أحمد» الذي أسرع يقول: إنني أعرف سرَّ دهشتك … لكنها حيلة حتى يمكن إخراجك من هنا!
سكت لحظةً وهو يُغلق الدولاب، وأضاف: ما رأيك … هل أحتاج إلى شيء آخر؟
تردَّد «محمد» ثم قال: لا بأس … سوف أُصدِّقك حتى يثبُتَ العكس … وإن كنت أشعر أنك صادق فعلًا!
قال «أحمد»: إذن، قفْ مكانك، حتى لا يشكَّ «بوفر» في شيء، وأرجو ألَّا تظهرَ الدهشةُ على وجهك حتى لا تكشفَنا، وحتى لا نضيعَ نحن الاثنان!
أسرع «أحمد» إلى المكتب فجلس عليه … في نفس اللحظة، كان العالِم العربي يقف أمامه بنفس الطريقة التي دخل بها … ضغط «أحمد» زرَّ الجرس، ولم تمضِ دقيقة، حتى ظهر «بوفر» في نشاط وهو يقول: أمرُكَ يا سيدي، كلُّ شيء جاهز!
وقف «أحمد» بسرعة، وقال: إنني لن أتغيَّبَ طويلًا … وسوف أحدِّثُك عندما أَصِل إلى مقرِّ الزعيم!
ثم أخذ طريقَه خارجًا، بينما كان «بوفر» يصحب العالِم العربي خلفه … كان «أحمد» يكتم ضحكته. إنَّ كلَّ شيء يسير بشكل جيد … فحتى «بوفر» نفسه، يتصرَّف وكأنه مع «ليتل مان» تمامًا … وصل «أحمد» إلى حيث تقف السيارة، فقال: دَعْه يجلس بجواري!
فتح «بوفر» البابَ للعالِم العربي، بينما ركب «أحمد» في المقعد الأمامي الآخر … أدار محركَ السيارة، فرفع «بوفر» يدَه بالتحية. فهزَّ «أحمد» رأسَه محيِّيًا … في نفس الوقت، كان يرقب الحراس وهم يقفون بشكل جاد جدًّا. تحرَّكَت السيارة في طريقها إلى خارج المنطقة. نظر «أحمد» في مرآة السيارة، فرأى «بوفر» يوزِّع أوامرَه على الحراس، ثم يختفي داخل المبنى … لم ينطق «أحمد» بكلمة … فقد خشيَ أن يكون بالسيارة أجهزة تسجيل … وصلَت السيارة عند أول نقطة حراسة … فأسرع الحارس برفع الحاجز، ويرفع يدَه بالتحية للسيد «ليتل مان»، كان «أحمد» يعرف أنه لا تزال هناك ثلاث نُقَط للحراسة، عليه أن يجتازها، في نفس الوقت كان يفكِّر: ماذا لو أفاق «ليتل مان» الآن قبل أن يتجاوز نقطة الحراسة الثالثة … إن ذلك سوف يخلق مشكلة …
كان الظلام يغطِّي غابة «بوهيميا» الآن، وكان ضوء السيارة فقط هو الذي يكشف الطريق. فكر: هل يترك السيارة الآن … وينزل هو والعالِم ويختفيان داخل الغابة، ثم يُرسل إلى «الشياطين» حتى ينضمُّوا إليه؟
إن «ليتل مان» سوف يحتاج لبعض الوقت حتى يُفيقَ … ثم يحتاج لوقت آخر حتى يتمكن من الخروج من الدولاب … فقد أغلق الدولاب جيدًا قبل أن يغادرَ المكتب … ولن ينقذَ «ليتل مان» إلا «بوفر» إذا دخل المكتب بالصدفة! … ظهرَت نقطةُ الحراسة الثانية … وعندما اقترب منها تمامًا، أسرع الحارس برفع الحاجز الخشبي، وهو يرفع يدَه بالتحية … فلم يكن أحدٌ يشكُّ في أن الجالس خلف عجلة القيادة هو أيُّ إنسان آخر غير «ليتل مان» بجوار أن سيارته كانت معروفةً تمامًا … فجأة، قال العالِم العربي، وهو ينظر إلى «أحمد»: لماذا أنت صامت دائمًا؟ …
دون أن ينظر «أحمد» إليه همَس: لا داعيَ للكلام الآن؛ فقد نكون مراقَبين بأجهزة سرية داخل السيارة …
صمت لحظة ثم أضاف: إننا سوف نتحدث كثيرًا فيما بعد!
ضغط «أحمد» قدمَ البنزين يرفع من سرعة السيارة … كان يريد أن يكسبَ الوقت … فلا أحدَ يدري ماذا يمكن أن يحدث في أية لحظة … في نفس الوقت كان العالِم ينظر إلى «أحمد» بين لحظة وأخرى؛ فقد كان دهشًا لما يحدث. فكَّر «أحمد» قليلًا وقال في نفسه: إنني أستطيع أن أتحدَّثَ إلى العالِم بطريقة «ليتل مان»، حتى يكون أكثرَ اطمئنانًا، وحتى أُسلِّيَه طوال الطريق … فالمؤكد أنه حائرٌ أمام ما يحدث …
نظر إلى العالِم نظرةً سريعة، ثم ابتسم ابتسامةً هادئة، وقال بطريقة «ليتل مان»: إنني أعرف أنك مندهش لما يحدث … لكن هذه مسألة سهلة جدًّا، خصوصًا عندما تعرف التفاصيل …
قال العالِم: إنني فعلًا مترددٌ … برغم ما قلتَه في المكتب …!
ابتسم «أحمد» وقال: إنك سوف تقابل الزعيم!
ظهرَت الدهشة، وربما الفزع على وجه العالِم، وقال: ماذا تعني؟
ابتسم «أحمد» وقال: أرجو أن تفهمني جيدًا!
ثم أضاف باللغة العربية، وبنفس طريقة «ليتل مان»: إننا نتحدث بكلمات، أرجو أن تفهمَها؛ فقد قلت لك يا سيدي إننا ربما نكون مراقَبين بأجهزة سرية … ومَن يدري، قد يكون حديثنا الآن منقولًا إلى الزعيم فعلًا!
هزَّ العالِم رأسَه وقال: لقد فهمت … وأرجو ألَّا أكونَ مخطئًا!
ردَّ «أحمد» وهو يبتسم: إنك لن تكونَ مخطئًا أبدًا إذا نفَّذتَ كلَّ ما أقوله!
ابتسم العالِم لأول مرة، وقال: سمعًا وطاعة يا سيدي!
ظهرَت نقطةُ تفتيش أخرى … وما إن اقتربَت السيارة، حتى غمرَها ضوءٌ قويٌّ جعل «أحمد» يُهدِّئُ من سرعة السيارة، في نفس الوقت الذي أغمض فيه عينَيه … كما أغمض العالِمُ عينَيه أيضًا لشدة الضوء …
فكَّر «أحمد» بسرعة: هل أفاق «ليتل مان»، وانكشف الموقف تمامًا؟ فجأةً، أُطفئَ الضوء فلم يرَ «أحمد» شيئًا أيضًا … وقد جاء صوتُ الحارس يقول: معذرة يا سيدي … إنها أوامرك!
ابتسم «أحمد» بسرعة، وهو يقول: شكرًا لتنفيذ الأوامر!
رفع الحارس ذراعًا حديدية طويلة، فمرَّت سيارة «ليتل مان» في هدوء، بينما كان الحارس يرفع يدَه بالتحية … عندما ابتعدَت السيارة، تنفَّس «أحمد» بعمق، وقال بطريقة «ليتل مان»: لقد تصورتُ شيئًا آخر!
ابتسم العالِم وقال: لقد تصورتُ ذلك أيضًا!
مرَّت لحظة، ثم سأل العالِم: هل لا تزال هناك نقطة أخرى للتفتيش؟
ردَّ «أحمد»: نقطة واحدة، وينتهي كلُّ شيءٍ …
سكتَ لحظة ثم أضاف: لكن المسافة إليها طويلة بعضَ الشيء … فنُقَط التفتيش ليست كلها على أبعادٍ متساوية …
فكر قليلًا، ثم قال، وكأنه يتحدث إلى نفسه: إن كلَّ نقطة تتصل بالمركز الرئيسي، لتخبرَه بمرور السيارة، وأرجو أن تكون النقطة الأخيرة هي آخر ما سوف نراه من وجوه حرَّاسهم!
ثم ضغط قدمَ البنزين بقوة، فارتفعَت سرعة السيارة … كانت النقطة الأخيرة … هي أهم النقط، فإذا تجاوزها يكون كلُّ شيء قد انتهى …