الشياطين … في قلب المعركة!
مرَّت ربع ساعة، ثم ظهر ضوءٌ خافتٌ من خلال أشجار الغابة … قال «أحمد» لنفسه: إنه ضوءُ نقطة التفتيش الأخيرة.
فكر لحظة، ثم أرسل رسالةً شفرية إلى الشياطين … كانت الرسالة تقول: «إنني في الطريق، يجب أن تستعدوا؛ فإنني أنتظرُ مفاجأةً عند نقطة التفتيش!»
وبسرعة جاءَه الردُّ يقول: إننا مستعدون تمامًا، وفي أماكن مناسبة جدًّا لأيِّ مفاجأة …
ابتسم «أحمد» وهمس يقول: إنهم جاهزون دائمًا!
التفتَ له العالِم وسأل: ماذا تقول؟
ابتسم «أحمد» وهو يردُّ: أقول إنهم جاهزون!
قال العالِم: تقصد مَن؟!
ردَّ «أحمد»: هذا ما سوف تعرفه يومًا!
أخذ الضوءُ يقترب أكثر فأكثر، حتى أصبحَت المسافة قصيرة تمامًا … رفع «أحمد» قدمَه من فوق البنزين فأخذَت سرعةُ السيارة تتباطأ … قال وهو ينظر أمامه: يجب أن تكون مستعدًّا يا سيدي لأيِّ احتمال؛ فنحن دائمًا ننتظر مفاجآتٍ لا تخطر على البال.
قال العالِم: أعتقد أنني مستعدٌّ لأيِّ احتمال!
اقتربَت السيارة أكثر، وبدأَت تفاصيل نقطة التفتيش تظهر بوضوح، رأى ثلاثة من الحراس يقفون عند الحاجز الحديدي … قال في نفسه: يبدو أن كلَّ شيء هادئ، وإن كان هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة!
نظر إلى «محمد بن علي» وقال: إننا ندخل مرحلة الخطر الأخيرة!
ابتسم العالِم وقال: لا بأس، ما دامت الأخيرة؛ فقد كنَّا طوال الطريق في حالة خطر!
ابتسم «أحمد» ولم يردَّ. أخذ يركِّز بصرَه على نقطة التفتيش. رفع أحدُ الحراس يدَه بطريقة عادية، بما يعني توقَّفْ. في هدوء توقَّفَ «أحمد». اقترب منه أحدُ الحراس، وانحنى يتحدث إليه قائلًا: إن الزعيم ينتظر مكالمة تليفونية منك يا سيدي «ليتل مان»!
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: لا بأس!
في نفس اللحظة ضغط زرًّا في جهاز الإرسال يُعطي إشارةً للشياطين، ثم فتح الباب بعنف، فصدم الحارس وألقى به على الأرض. في نفس الوقت كان الحارسان الآخران قد شهَرَا مسدَّسَيهما، إلا أن إشارة الشياطين كانت أسرع … ففجأة، كان الشياطين قد نزلوا الساحة …
ضرب «بو عمير» أحدَ الحارسَين ضربةً مفاجئة أطار المسدس من يده، وتراجع، فتَبِعه «بو عمير». أما «قيس» فكان قد طار وضرب الحارسَ الآخر ضربةً قوية، جعلَته يتراجع، فعاجله بضربة أخرى جعلَته يكاد يسقط، ثم أعقب ذلك بعدة ضربات متتالية أسقطَت الحارسَ على الأرض. صاح «أحمد» وهو يرفع الحاجز الحديدي: انطلق أنت يا سيدي، وانتظرْنا بعد خمسة كيلومترات …
قفز العالِم إلى عجلة القيادة وانطلق بالسيارة فجأة، وكأن الأرض قد أنبتَت أفراد العصابة؛ فقد ظهر خمسة منهم … شعر «أحمد» أنه لا يستطيع الحركة جيدًا … فخلع القناع بسرعة، وألقى به بعيدًا، وقبل أن يَصِل الرجال الخمسة، كان الشياطين قد استعدوا. قفز أحدُ أفراد العصابة في الهواء وهو يصرخ صرخةً مفزعة، ثم ضرب «باسم» و«خالد» معًا … إلا أن «خالد» تشبَّث في قدمه، فسقط الرجل على الأرض … وفي لمح البصر قفز فوقه ثم عاجلَه بعدة ضربات سريعة.
أما «قيس» فقد اشتبك مع آخرَ؛ أمسك بيده ثم دار به دورةً سريعة، ثم فجأةً، وضع قدمَه في طريقه، فاصطدم بها، وسقط على الأرض، في نفس الوقت كان أحدهم قد أخرج مسدسه، وقبل أن يضغط على الزناد، كان «بو عمير» قد أمسك أحدهم، ثم دفع به بقوة، فاصطدم بحامل المسدس ووقع الاثنان على الأرض … كانت معركة عنيفة … فلم يكن رجال العصابة من النوع السهل … كانوا يُجيدون ألعاب الكاراتيه … ولذلك استمرَّت المعركة لفترة طويلة …
ثم فجأة، لمع ضوءٌ قويٌّ صادرٌ من أعماق الغابة … فَهِم «أحمد» بسرعة أن هذه سيارة قادمة من مبنى العصابة، وأنها ربما تكون سيارة «ليتل مان». أسرع «أحمد» وأخرج عدة قنابل دخانية وانتظر … كانت المعركة قد أوشكَت على الانتهاء، ولم يكن هناك سوى «باسم» يضرب ضربتَه الأخيرة لآخر رجل من الرجال الخمسة.
قال «أحمد» بسرعة: إنه «ليتل مان» بالتأكيد، وربما يكون معه آخرون ينبغي أن نُسرعَ بالاختفاء!
وقبل أن يتحرَّك الشياطين، كان صوت «ليتل مان» يتردَّد في صمت الغابة: ينبغي أن تُسلِّموا أنفسَكم، وإلَّا فإنني مضطرٌّ للقضاء عليكم.
أسرع «أحمد»، فقذف بقنابل الدخان في اتجاه السيارة التي كانت تتقدَّم ببطء. ولم تمضِ دقيقة حتى كان الدخان قد بدأ يغطِّي المكان … في نفس اللحظة أخرج «بو عمير» مسدسَه، ثم وجَّهَه إلى مقدمة السيارة، وأطلق طلقتَين متباعدتَين، فغَرِق المكان في الظلام؛ فقد أصاب فانوسَي السيارة. فجأةً، تردَّدَت الطلقات من اتجاه «ليتل مان»، فقال «أحمد»: انبطحوا، ولنزحف حتى نغادرَ المكان قبل أن يَصِلوا إلينا؛ فقد حدَّدْنا هدفَنا من المغامرة …
مع أول كلمة نطقَها «أحمد»، كان الشياطين قد انبطحوا أرضًا، وأخذوا يزحفون في سرعة، وهم يبتعدون عن المكان، غير أن «أحمد» فكَّر بسرعة: إنهم يمكن أن يُضيئوا المكانَ فننكشف أمامهم …
ولذلك قال: يجب أن نتسلَّقَ الأشجار، ونختفيَ بين أغصانها حتى نرى ما سوف يحدث!
فجأةً، كان الشياطين يتسلَّقون الأشجار في رشاقة، ولم تمضِ دقيقة، حتى كان المكان يلمع في الضوء … لقد تحقَّقَت أفكار «أحمد» تمامًا … كان الشياطين يراقبون … «ليتل مان» الذي اقترب، ومعه «بوفر» وعددٌ آخر من الرجال.
قال «ليتل مان»: هل ابتلعَت الأرضُ هذا الرجلَ المزيف؟ …
قال «بوفر»: أعتقد أنهم لم يذهبوا بعيدًا!
ثم نظر إلى الرجال حوله وقال: أسرعوا خلفهم! …
ظهرَت سيارةُ جيب، وانطلقَت في الطريق الخارج من الغابة.
فكَّر «أحمد»: سوف تَصِل هذه السيارة إلى العالِم، وقد تعود به ونكون قد فقدنا الهدف الذي حققناه!
نظر أسفله … كان «ليتل مان» و«بوفر» ورجلان آخران فقط هم الموجودين. قال في نفسه: إنها معركة سريعة صغيرة، ثم ينتهي كلُّ شيء … إن السيارة الجيب لا تسير بسرعة كبيرة، ويمكن أن نلحق بهم لو أننا استطعنا أن ننتهيَ من المعركة بسرعة!
مرَّت لحظة، ثم أصدر صوتًا، وكأنه صوت عصفور نائم. فَهِم الشياطين ماذا يريد «أحمد». مرَّت لحظة أخرى، ثم كرَّر نفسَ الصوت مرتين … وفي وقت واحد، كان الشياطين يقفزون من فوق الأشجار … فنزلوا وكأنهم صاعقة من السماء هبطَت فوق أكتاف الرجال … وبينما اشتبك «بو عمير» و«باسم» و«قيس» و«خالد» معهم، كان «أحمد» قد قفز بسرعة إلى سيارة «ليتل مان»، ثم انطلق بها. وبرغم الظلام إلا أن «أحمد» كان ينطلق بسرعة رهيبة … ولذلك لم يمضِ وقتٌ طويل حتى ظهرَت أضواء السيارة الجيب … ضغط قدمَ البنزين أكثر، فأخذَت المسافة تتناقص بينه وبين سيارة العصابة.
قال في نفسه: الحمد لله لقد وصلتُ في الوقت المناسب؛ فقد أوشكَت المسافة التي يقف عندها العالِم أن تنتهيَ!
ركَّز انتباهَه جيدًا، ثم ضغط قدمَ البنزين أكثر … كان الطريقُ ضيقًا لكنه يسمح بمرور السيارة التي يركبها لو أجاد تقديرَ المسافة، ضغط كلاكس السيارة، فأخذَت السيارة الجيب جانبَ الطريق وهي تظنُّ أن السيارة القادمة لا بد أنها تتبع العصابة … وبصعوبة استطاع «أحمد» أن يمرَّ … لكنه في نفس الوقت انحرف يمينًا أمام السيارة الجيب، فاضطرَّت أن تتجه إلى اليسار. لكنه بسرعة مذهلة كان قد انحرف مرة أخرى في اتجاه اليسار مما جعل قائدَ السيارة الجيب يفقد سيطرتَه على عجلة القيادة، فخرج عن الطريق حتى اصطدم بجانب الجبل …
لم يتوقَّف «أحمد»؛ فقد استمر في طريقه وكأن شيئًا لم يحدث … فجأةً سَمِع انفجارًا مدوِّيًا، ثم أضاء المكانَ ضوءٌ قويٌّ، فعرَف أن السيارة قد انفجرَت … استمرَّ في طريقه. ولم تمضِ دقائق حتى ظهرَت السيارة التي يقودها العالِم على جانب الطريق، ولم تمضِ دقائق حتى وصل إليها، فنزل بسرعة … وهو يقول: إنني هنا!
جاء صوتُ العالِم يردُّ: أخيرًا وصلتَ يا صديقي!
فتح «أحمد» بابَ السيارة، ثم قفز داخلها، وهو يقول: لقد تركتُ الزملاء في معركة مع «ليتل مان» ورجاله!
ظهرَت الدهشة على وجه العالِم، بينما «أحمد» يُدير موتور السيارة، فقال العالِم: وهل ظهر «ليتل مان» الحقيقي؟
قال «أحمد» وهو يعود بالسيارة في اتجاه الغابة: نعم، لقد ظهر!
سأل العالِم: وهل نعود بأقدامنا إليه؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إن الزملاء هناك!
سكت لحظة ثم أضاف متسائلًا: هل نتركهم؟
ردَّ العالِم: لا أظن.
كانت السيارة تقطع الطريق في سرعة عالية … فجأة، ظهر ضوءٌ بعيد، فقال «أحمد»: إنها نقطة الحراسة!
مرَّ أثناء طريقه بالسيارة الجيب وقد اشتعلَت فيها النيران، وألقَت ضوءًا على الطريق، بينما ظهر رجال العصابة وهم يقفون. رفعوا أيديَهم حتى تقف السيارة القادمة، إلَّا أن «أحمد» لم يتوقَّف؛ فقد استمر في طريقه بنفس السرعة … كان يريد أن يلحق بالشياطين.
وعندما وصل إلى هناك لم يستطِع إخفاءَ ضحكة ملأَت أعماقه … فقد رأى الشياطين وهم يقفون معًا، وكأن شيئًا لم يحدث. توقَّف بجوارهم، فأسرعوا إليه، وقفزوا داخل السيارة … قدَّمهم إلى العالِم: هؤلاء أصدقائي.
وقال لهم: عالِمُنا العربي المعروف!
تبادل الجميع التحية، بينما كان «أحمد» يستدير بالسيارة عائدًا؛ فقد انتهت المهمة. فجأةً قال: سوف نلتقي ببعض رجالهم … فخذوا حذركم لو فعلوا أيَّ شيء!
مرَّ بعضُ الوقت، وظهر الرجال يرفعون أيديَهم للسيارة، إلا أن «أحمد» استمر في طريقه … دون أن يلتفتَ إليهم … وفي الطريق أرسل إلى رقم «صفر» يقول: انتهت المغامرة بنجاح!
ردَّ الزعيم: أُهنِّئُكم، وأنا أعرف مقدرة الشياطين! …
كانت السيارة تنطلق في قلب الليل المظلم، لا يُضيءُ الطريقَ سوى ضوئها … وكان الشياطين يشعرون بسعادة عميقة … فقد أنقذوا العالِم العربي، وخدعوا «ليتل مان» … أو الرجل العصفور …