الفصل الأول
بيمارستانات جنديسابور
كان هذا البيمارستان من أكبر البيمارستانات في العصر السابق على الإسلام بثلاثة قرون. وإنما ابتدأنا ذكره لأنه كان نعم المعين للعرب على إنشاء البيمارستانات بعد ذلك، وتخريج الأطباء اللازمين لها، وظل حافظًا لكيانه وشهرته عهدًا طويلًا إلى ما بعد قيام الدولة العباسية، حيث ابتدأ المسلمون ينشئون البيمارستانات في بلادهم وأمصارهم التي افتتحوها.
وجنديسابور١ مدينة بخوزستان ويقال لها الخوز، وقد اشتهرت هذه المدينة بمدرستها الطبية
وببيمارستانها اللذين أنشأهما كسرى الأول وجلب إليها المعلمين من اليونان. وتلقى التعاليم
اليونانية باللغة الآرامية، ولذلك كان للسريان نصيب كبير فيهما، وكانوا أول من ساعد الخلفاء
على
نشر الطب في بلادهم بما تخرج منهما من الأطباء والمترجمين الذين برزوا في الفضائل. قال
ابن
القفطي: إن أهل جنديسابور من الأطباء فيهم حذق بهذه الصناعة، وعلم من زمن الأكاسرة. وذلك
سبب
وصولهم إلى هذه المنزلة. ثم قال: ولم يزل أمرهم يقوى في العلم ويتزايدون فيه ويرقبون
العلاج على
مقتضى أمزجة بلادهم حتى برزوا في الفضائل، وجماعة منهم يفضلون علاجهم وطريقهم على اليونان
والهند، لأنهم أخذوا فضائل كل فرقة فزادوا عليها بما استخرجوه من قبل نفوسهم، ورتبوا
لهم دساتير
وقوانين وكتبًا جمعوا فيها كل حسنة مما يستدل منها على فضلهم وغزارة علمهم، ولم يزالوا
كذلك حتى
ولي المنصور الخلافة وبنى مدينة السلام، فعرض له مرض فاستدعى منهم جورجيس بن بختيشوع
… إلخ.
وكان الطلاب يؤمون معاهدها وبيمارستانها من كل حدب وصوب من البلاد المجاورة.
وكان العرب قبل الإسلام يستمدون أطباءهم من خريجي جنديسابور. واستطب النبي ﷺ
والخلفاء الراشدون من بعده أطباء تخرجوا من جنديسابور كالحارث بن كلدة. واستطب خلفاء
بني أمية
ابن أثال الطبيب النصراني الجنديسابوري، أصفاه لنفسه معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء بني
أمية،
وأبا الحكم وحكمًا الدمشقي وتياذوق وغيرهم ومن الأطباء الذين عرفوا بالعمل في هذا البيمارستان:
- (١) جورجيس بن يختيشوع: كان رئيس الأطباء بالبيمارستان في صدر الدولة العباسية، استطبه الخليفة أبو جعفر المنصور لضعف أصابه سنة ١٤٨ﻫ فبرى الخليفة، فأكرم مثواه وجازاه أحسن الجزاء، وفي سنة ١٥٢ مرض جورجيس وعاد إلى جنديسابور.
- (٢) يختيشوع بن جورجيس: كان يلحق بأبيه في معرفة صناعة الطب، وكان مقيمًا بالبيمارستان بجنديسابور، وعالج المنصور والمهدي، والرشيد في سنة ١٧١، فجعله الرشيد رئيسًا على كافة الأطباء.
- (٣) إبراهيم تلميذ جورجيس: كان تلميذًا لجورجيس بن بختيشوع وصحبه عند معالجته للخليفة المنصور.
- (٤) سرجيس: تلميذ جورجيس كان مديرًا للبيمارستان في غيبة أستاذه.
- (٥) عيسى بن شهلانا: تلميذ جورجيس بن بختيشوع صحبه في ذهابه إلى بغداد لمعالجة المنصور.
- (٦) جبريل بن بختيشوع: ابن جورجيس كان طبيبًا حاذقًا نبيلًا خدم الخليفة الرشيد ثلاثًا وعشرين سنة، ثم خدم من بعده الأمين والمأمون، مات سنة ٢١٣ﻫ/٨٢٨م.
- (٧) يختيشوع بن جبريل: ابن بختيشوع كان نبيل القدر وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال ما لم يبلغه أحد من معاصريه من الأطباء، خدم الخلفاء الواثق بالله، ثم المستعين بالله ابني المعتصم، ثم المهتدي بالله والمتوكل على الله، فصلحت حاله، وعلت منزلته، وكثر ماله، واتسعت نفقاته إلى درجة تفوق الوصف. مات يوم الأحد لثمانٍ بقين من صفر سنة ٢٥٦ﻫ/٨٧٠م.
- (٨) سابور بن سهل: كان ملازمًا لبيمارستان جنديسابور عالمًا بقوى الأدوية، خدم المتوكل وتوفي يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة ٢٥٥ﻫ.
- (٩) ماسويه: أبو يوحنا أقام ببيمارستان جنديسابور أربعين سنة، فعرف الأدواء وصار أعلم أهل زمانه بالأدوية، واتصل بالفضل بن يحيى فأوصله بعد ذلك بالخليفة هارون الرشيد ولزم خدمته.
- (١٠) دهشاك: كان رئيسًا للبيمارستان بجنديسابور فأمره الرشيد باتخاذ بيمارستان وقلده رياسته ثم أعفاه منه.
- (١١) ميخائيل ابن أخي دهشتك: كان مقيمًا بالبيمارستان بجنديسابور مع دهشتك.
- (١٢) عيسى بن طاهر بخت: من أطباء البيمارستان بجنديسابور وهو تلميذ جورجيس ابن بختيشوع.
١
جنديسابور مدينة بخوزستان ويقال لها الخوز وهو إقليم واسع بين البصرة وفارس بناها سابور
الأول الساساني بن أزدشير، وأسكنها سبي الروم الذين وقعوا في أسره إثر حربه مع الإمبراطور
الروماني أورليان Ourelian ثم افتتحها المسلمون صلحًا في
سنة ١٧ من الهجرة (١٦٣٨م) في أيام عمر بن الخطاب، فتحها أبو موسى الأشعري عقب احتلاله
تستر.
ومن جنديسابور إلى تستر ثمانية فراسخ وإلى السوس ستة فراسخ وتسمى بالسريانية بيت لاباط،
ثم
حرفت إلى بيل آباد ثم أخذت في الانحطاط والتدهور حتى عفا أثرها، قال ياقوت (المتوفى سنة
٦٢٦ﻫ/١٢٢٨م) في معجمه: اجتزت بها مرارًا ولم يبق منها عين ولا أثر إلا ما يدل على شيء
من
آثار بائدة، وكانت مدينة خصبة كثيرة الخير وبها نخيل وزروع كثيرة.