تمهيد
الجمهورية القنصلية وديكتاتورية الفرد
ذكرنا أن مجلس الخمسمائة الذي اجتمع برئاسة لوسيان بونابرت مساء يوم ١٠ نوفمبر سنة ١٧٩٩ — وهو يوم انقلاب ١٩ بريمير — كان قد قرر أن يعهد إلى اللجنة القنصلية التنفيذية التي تألفت من «سييس» و«روجرديكو» و«بونابرت» بتنظيم إدارات الحكومة، ونشر السَّكِينة والاستقرار في الداخل، والوصول إلى تحقيق السلام على قواعد ثابتة ومشرفة في الخارج، ولم يكن ذلك برنامج الهيئة الحاكمة فحسب، بل كان السلام في الداخل والخارج مطلب الأمة بأسرها، بعد أن أتعبتها الحروب الطويلة، وأنهكت أعصابها الانقلابات المتلاحقة، وصارت ترنو إلى تحقيق الآمال الكبيرة التي كانت تجيش في صدور أبنائها، وقت أن بدأت الثورة سنة ١٧٨٩، أو تريد أن تجعل أمرًا مفروغًا منه، نتيجتين على الأقل من نتائج هذه الثورة: إلغاء الحقوق الإقطاعية، وعملية بيع أملاك الدولة، وذلك كان برنامجًا ضخمًا ولا شك.
ولكن بونابرت الذي تَسَلَّم من الآن فصاعدًا زمام الحكم في الجمهورية الجديد، كان يدرك ضخامة المهمة الملقاة على عاتق هذا النظام، ولم يتردد في تحمُّل مسئولية الاضطلاع بها وحده، ولكن قبل أي نشاط آخر كان يجب الفراغ من وضع الدستور الذي كانت قد تألَّفَتْ لجنةٌ لِوَضْعه، وهو الدستور الذي تحتم لذلك أن يَكْفُل للجنرال بونابرت أكبر قسط من السلطة؛ كي يتسنى له تنفيذ مشيئة الأمة على أساس البرنامج الذي أوضح معالمه قرار مجلس الخمسمائة يوم أن عمل هذا المجلس على «إنهاء الثورة».