نجوى العيد
(قيلت باسم المؤتمر الطبي العربي الخامس برئاسة سعادة الدكتور علي إبراهيم باشا في تحية حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا إثر حفلة الغداء التي أقامها رفعته تكريمًا لأعضاء المؤتمر بكازينو أتنيوس بالإسكندرية يوم الإثنين ٢١ ديسمبر سنة ١٩٤٢.)
لمن تُزَفُّ التهاني أيها العلَمُ؟
إليك أم للألى في فرحة نعموا؟
نعم إليك، فما يرضيك يسعدنا
وهكذا تزدهي أعلامها الأمم
وليس أعلامها غير الألى بذلوا
كما بذلت ومن عانوا ومن خدموا
الواهبين من الأعلاق أنفسها
عند الشدائد لا يلوي بهم ندم
العازفين عن الأطماع مغرية
وعن نداء الدنايا سمعهم صمم
إنَّ الزعامة إقدام وتضحية
حين التخاذل في يسر هو العدم
وليس (كالمصطفى) يسمو تواضعه
إذا هوى في غرور الغاشم الصنم
اليوم يجمعنا حب توزعه
وكلنا طامع: تُعطي وتقتسم
لمَّا مددت يدَ الترحيب تكرمنا
لم ندر كم من معان يسبغ الكرم
أهدى (علي) إلى علياك طاقته١
وليس بعد الذي يهديه مغتنم
وما أقل الذي يُهديه من كلم
وما أجل الذي توحي به الكلم
يغضي ويطرق كالأرباب معتكفًا
وذهنه عالمٌ هيهات يُقتحمُ
وما (علي) سوى ذخرٍ لأمته
من علمه العلم أو من حكمه الحكم
جاء الإمام لأهل الطب ينهضهم
وجاء من قسوة الأيام ينتقم
وحوله جمعنا يُوفيك في شغفٍ
أغلى الثناء على ما صنته لهمو
وما يزيد ثناء شأو رفعتكم
لكن به تتسامى مهجة وفمُ!
•••
هذي (العروبة) في ناديك سامقة
وإن يُرجي حجاك (العرب) و(العجم)
وهل (فلسطين) إلا (مصر) أو عرفت
ربوع (لبنان) إلا (مصر) عندكمو؟
أو (العراق) بجنات تغازلها
جنات (سورية) الفيحاء؟ فهي همو
جميعها فلذات من أبوتكم
وأهلها طالما رجَّوْك إذ حرموا
جاءوا على سفر مضنٍ فما تعبوا
لمَّا طلعت تحييهم وتبتسمُ
وإن يكن زادهم علمًا وتجربةً
وهمة لم تجز إيمانها الهمم
ونصطفيك بإخلاص نعز له
كما تعز به الأخلاق والشيم
كم بين مؤتمر ماضٍ ومؤتمر
بادٍ سقينا جميلَ الود بينهمو
ونافسونا فبزُّونا بما بحثوا
وزوَّدونا فأغنينا بما علموا
•••
(إسكندرية) رفت في مباهجها
مثل العروس إذا خطَّابها ازدحموا
بنت الحضارات لم تبرح معالمها
قلائد الفن تُستوحى فتنتظم
والبحر يصغي كما تصغي مشاعرها
والموج مصطفق حينًا ومحتدم
ألم يشارك هوانا أو عواطفنا؟
أو علَّه مثلنا للنور يغتنم
هذا مجال خيال الشعر رائده
وأنت رائد آمال الألى حلموا
والحرب تستعبد الإنسان جامحة
حتى لينسى الأسى والويل والألم
إنا احتشدنا لعلم نستعز به
حين الممالك أشلاء هوت ودمُ
وحينما أرسل الطاغوت صيحته
تفشي الدمار توالت عندك النعم
وحين كل جحيم صارخ لجب
يشوي الشعوب تعافى (النيل) و(الهرم)
هذي أنانية الدنيا تضرجها
لولا الأنانية الدنيا لما اختصموا
وأنت تضرب للإيثار أمثلةً
وليس في منتهى الإيثار ما يصم
كأنَّ سيرتك الزهراء معجزة
في عالم ملؤه الأوزار والرمم
لعل في يومنا فألًا لخير غد
حين السلام وحيث العدل والشمم
حيَّتْ مدينتنا الغناء طلعتكم
فإنَّ أضواءها من حولكم نغم
واسترجعت من عصور زهو جامعة
كانت تعلِّم للأجيال من حكموا
فإن شكرنا على الترحيب يغمرنا
فلا اللسان بمعوان ولا القلم!
•••
يا عهد (فاروق) هذا عهد أمتنا:
عهد الولاء الذي ترقى له الذمم
إنا أمنا بظل من رعايته
ففي رعايته عدل لمن ظلموا
والعدل ليس بعدل في جلالته
إن لم يعمم وهذا عدله عمم
يا وارثًا عرش (بطليموس) مقتدرًا
ترف في ذكرك الآمال والعلم
تيمنت باسمك المحبوب نهضتنا
كما انتشت حوله الآثار تلتئم
فكل فضل جديد أنت معلنه
له الأصالة في التاريخ والقدم
عمر مديد من الإبداع رنقه
أجدادك الغر من شادوا ومن فهموا
وزدته أنت تدعيمًا وتزكيةً
فمن مبادئك الدولات تدعم
إنَّ الملوك ملوك من شمائلهم
قبل العروش وإنْ جلَّت وإنْ عظموا!
١٩٤٢
١
الطاقة: باقة الرياحين.