تحية المليك
(لمناسبة إهداء الدكتوراه الفخرية إلى الملك فاروق الأول بجامعة الإسكندرية إثر افتتاح كلية الطب بهذه الجامعة.)
مولاي! رحبت الثقافة وانتشت
بالمهرجان مدينة (الإسكندر)
خلعت ملاحتها على أفراحنا
وخلعت أنت وضاءة الأدب الثري
وتنافست صور الطبيعة والورى
بمشاهد لم تفتقر لمصور
ما كل يوم للثقافة موئل
والعصر عصر تناحر وتجبر
هتفت لمقدمك القرون ورددت
آمالها لمُناظر ومذكِّر
وتألق اليوم السعيد بشمسه
فكأنها سارت بموكب (قيصر)
إن كان حجَّبَها الغمام هنيهة
فكذلك الحسناء للمتنظر
أو كان داعبها الغمام بوكفه
فلقد تأدب عن هوى المستهتر
وكأنما النسمات في هذي الربى
تسري بإعجاب الربيع المبكر
وتردد الأنفاس من أنفاسنا
بحفاوة لم تجتمع في منظر
بالفاتح الملك الأبي وحسبه
بين الملوك حفاوة لا تمتري
وشجاعة حين الكوارث روعت
فتراجعت في صدمة وتعثر
وشمائل في البر بين رعية
عشقته واستوحته للآتي السري
أين التفت رأيت جمَّ متاحف
وروائع للمجد لم تتغير
عاشت بإيمان العظائم واعتلت
كمنارة الأمس الرفيع النير١
إن كان عفَّاها الزمان فإنَّها
خلدت بأعجب سيرة أو مظهر
والبحر حول سياجها متهافت
والموج بين مجاوب ومثرثر
لغة الطفولة ما حكاه وما حكت
والكل بين معمرٍ ومعمر
يصغي إليها الشاعرون كأنَّهم
أخذوا، وتستهوي الذي لم يشعر
لا الحرب هدتها ولا أيدي البلى
بل عاش يصقلها الزمان المجتري
قد عاد يخدمها بذلة صاغر
فكأنَّها ثأرت وإن لم تثأر
وكأنَّ حرمتها ديانة عالم
فتقدست عمن يبيع ويشتري
وأضفت أنت إلى جلالتها غنى
بجلالك الحر النبيل الخير
وبفتح (جامعة) بيمنك عرَّفت
فزهت على فتح الوغى والعسكر
ولعل (دينوكرات)٢ بين جموعنا
متخفيًا في غبطة وتأثر
يُصغي ويهتف مثلنا لمدينة
عاشت تجاوب حلمه في الأعصر
تجري الحياة بها فنونًا جمةً
وترف أحلامًا وعزة جوهر
ولعل مدرسة (البطالسة) الألى
بهروا الزمان تمثلت للمبصر
وكأنَّما لما تقمص روحنا
أعلامها سرنا بموكب (سوتر)!٣
•••
نُخب العلوم العاليات تسابقت
في خطب بشر العاهل المستبشر
رفعت إليه تحية إعجابها
بهدية جازت ظنون مقدر
والطب لم يسعد بيوم حافل
أسنى وأجمل أو عبير مسكر
تلك الوثيقة عهدنا ووفاؤنا
في خدمة الفكر العظيم المثمر
أبهى وأكرم من خرائط دولة
تجتاح في حرب وغزو مقفر
ولأنت أشرف من يجل رموزها
ويزيد من إيحائها لمعبر
تفنى الحروب بما جنته ودونها
تبقى الحياة لباحث ومفكر
•••
مولاي! غنَّى الشعر في أفيائكم
وتراقصت رباته للمزهر
ولمحتُ كوكبةً بها أعلامُه
يتزاحمون لوحيك المستأثر
هرعوا، وكلُّ سكندري خالد
من ذلك الأمس النضير المزهر
تبعوا (تيوكريتيس)٤ وهو مُوقِّع
لحن الجمال لشاعر وشويعر
فسبقتهم كيما أفوز بسمعكم
قبل النجوم، ولست بالمستغفر
وسعت شمائلكم محبة شعبكم
من حاضر حيٍّ وناء مضمر
فسلم مليك (النيل) رمز فخاره
لا رمز عصر ماثل، بل أعصر!
١٩٤٣
١
منارة الإسكندرية — إحدى العجائب السبع للدنيا القديمة.
٢
دينوكرات: هو المهندس الذي عهد إليه الإسكندر في تخطيط مدينة
الإسكندرية.
٣
سوتر: هو بطليموس الأول الذي بدأت الإسكندرية تترعرع في عهده وكان
مؤرخًا جليلًا عظيم البِرِّ بالعلم والعلماء.
٤
تيوكريتيس: هو أول اثنين من فحول الشعراء السكندريين، وقد اشتهر
بشعره في جمال الطبيعة.