الحنين
كم يستبد الحنين!
أواه لو تعلمينْ
وكم يئنُّ فؤادي
وما شكوت الأنينْ
كأنَّ باقي عذابي
فروض نسكٍ ودينْ
كأن طول احتمالي
غُنمٌ لقلبي الغبينْ
ساءلت عني ولكن
شكي يردُّ اليقينْ
وكلما زدت قربًا
بعدتُ أو تبعدينْ
ألقاك نشوان لكن
حزني بقلبي دفينْ
على جمالٍ مضاعٍ
ما كان للعابثينْ
أولى به وحيُ فنٍ
ووحيُ حبٍّ أمين
لكم هتفت بشعري
فبات شعري الثمين
وشع خمرًا حلالًا
من فيك للظامئينْ
أصغي إليك بحلمي
وأنت حلمي المبينْ
في حيرة لم تكيَّفْ
على امتحان السنينْ
أصار فني عزيزًا
في حين حبي مهين؟
أتحفلين بشعري
ولست بي تحفلينْ؟!
•••
وليلة من نعيمٍ
أطعتُ فيها الحنينْ
وما ارتضيتُ شكوكي
ونهي عقلٍ رصينْ
وما طُبعتُ عليه
من الحياء الكمينْ
كأنَّما البدرُ أوحى
إليَّ ما تشتهينْ
فسرت أنفض همي
والنور برء الحزينْ
في موكب من خيالي
يخص بالشاعرينْ
كأنَّما فيه سارت
عواطف الخالقينْ
كأن (فينوس) غنَّت
ملاحم العاشقينْ
وذا (كيوبد) ير
مي السهام في اللاعبينْ
فيضحكون سكارى
وكلُّ قلب طعين
إن يبدع النور وهمًا
فلست في الواهمينْ
تلك الطيور لداتي
وليس فيها كنينْ
إن يخذل الناس فنِّي
فليس فيها ظنينْ
قد عودتني احتفاءً
كإخوتي في الفنون
كم شجعتني بعطف
فكان همِّي يهونْ
كم صاحبتني لصفو
والصفو سر مصونْ
وجئت جنَّة أنسي
كأنَّ أنسي رهين
وما أردت فكاكًا
لو أنَّما تأذنينْ
لكن جعلتُ ابتهالي
تصوف العابدينْ
كأن روحي قصيدٌ
يذوب للملهمين
كأنَّ قلبي المعنَّى
قد ردَّ للفاتحين
ساد التجاوب فينا
فلم يعد يستكينْ
وقد تناولت كأسي
من الغرام الضنينْ
كأن (باخوس) أوحى
بكل ما تبذلينْ
من عالم سرمدي
للحب أو للفنون
نروي ونحكي وننسى
ونحن في الحالمينْ
وأنتِ أسنى وأبهى
من كل ما تُبدعين
حتى أذنت بلثم
لنور ذاك الجبينْ
فما لثمتك حتى
سموت في الخالدينْ
وما تركتك إلا
رجعت مثل السجينْ
مستسلمًا في حنيني
إلى عذاب الحنينْ
١٩٤٣