الإسكندرية الفنانة
(أنشدت في حفلة رابطة اللوتس بمدينة الإسكندرية التي أُقيمت لتكريم أعضاء هيئة التدريس بجامعة فاروق الأول يوم ٢٥ مارس سنة ١٩٤٣.)
الفن أنت فجئتُ أستوحيك
وعبدت ألوانَ الملاحة فيك
ونعمت بالنجوى فقربك جنة
خصت بروح الفن دون شريك
تتهافت الأجيال حول جمالها
كتهافت الأحلام حول مليك
وتحدث الأطياف في جنباتها
بروائع الآيات من بانيك
عاشوا وعشت مجاوبًا لندائهم
بالحب يحييني كما يحييك
رقصت محاسنك الوضاء أشعةً
وعواطفًا لمنعم وضريك١
عشقوك واعتزوا بحبك، واهتدوا
بسناك، واعتصموا بمجد أبيك
وعبدت فاتنة الجميع كأنَّما
خطرت (كلوبطرا) لمستوحيك
خطرت وموج البحر رفَّافٌ لها
وتوشحت بضيائك المسبوك
وجلت على البحر الطروب مفاتنًا
فإذا بحورياته تحكيك
عكست ملاحتها صباحة (زينب)
وحكت دعابتها رشاقة (بيكي)
والجوُّ موار٢ بأنغام الهوى
وبكل فتح للغرام وشيك
وملاحم الأرباب تعزف فوقها
وتحول أشباحًا لمثاليك
فوضى من الفن الجميل تناثرت
وتجمعت في دولة وأريك٣
وتدللت بالعبقري من الغنى
لغواية (المجنون) و(المفلوك)
صور قداستها الحياة بذاتها
نفحت أساطير الغنى المتروك
وأبت لنا إلا الخيال رفيقنا
ومن الخيال حقائق (الصعلوك)٤
من ذا يحاكينا ويقدر ما حكت
شفتاك من سحر لمستمعيك
ويرى ويعرف ما أصالة حبنا
ولمَ ارتفعت بسوقةٍ وملوك؟
•••
وافى (الربيع) فَتَاهَ كلُّ مغردٍ
وحلا الشروق، وطاب صوت الديك
وازداد مجدك عزة وجلالةً
وطلاوةً، فلعله يكفيك
وتسابق العلماء حولك مثلما
يتفنن الشعراء في ناديك
حفلوا بجامعة رفعت منارها
بين الدياجر والدم المسفوك
إن كرمونا فهو تكريم لهم
وهمو أحق بمدحة ترضيك
هذي خمائلهم وكل بلبل
حلو البيان سقاه من يسقيك
شهدوا (لأفروديت) أعراس الهوى٥
واسترجعوا ماضيه من ماضيك
وعفا (السربيوم)٦ الذي غنوا به
وبقيت أنت لنا ومن غنُّوك
وتدفقوا كالنبع سال جداولًا
تروي كما يروي الهوى من فيك
وتفننوا بمنى (الطبيعة) فانتشوا
لما انتشت وحنت على أهليك
فلهم ثناء (الفن) قبل ثنائنا
و(الفن) كان ولم يزل واقيك
ولهم تحيات (الجمال)، فإنها
قد نزهت عن عاطل وركيك
لغة الألوهة شأو من هتفوا بها٧
لا مثل أشعاري لفنانيك!
١٩٤٣
١
الضريك: الفقير السيئ الحال.
٢
موار: مائج. والإشارة في البيت السابق إلى اجتماع الجمال الشرقي
والجمال الغربي بمدينة الإسكندرية.
٣
أريك (جمع أريكة): عروش.
٤
المجنون والمفلوك والصعلوك — إشارات إلى الغزليين البوهيميين من
الشعراء.
٥
أفروديت: إلهة غانيات الإسكندرية.
٦
السربيوم: معبد الإسكندرية العظيم الذي هدمه البطريرك
تيوفيلس.
٧
شأو: قدر — أي ما يجدر بهم.