ذكرى المهرجان اللبناني الكبير
(في ترنتن نيو جرزي سنة ١٩٤٦م (مهداة إلى جمعية النهضة اللبنانية).)
أبناء (فينيقيا) عشتم لأجيال
مفاخر الفن والإقدام والمال
ما عابكم أنَّكم دنيا لأنفسكم
بل عاب حسادكم عجزٌ بأغلال
تفجر الحزم منكم في مراحلكم
تفجر النبع لم يخلق لإذلال
كلاكما جائشٌ فاضت عواطفه
وسعيه فسما عن فن مثال
كأنما (الأرز) من قدسي منبته
يمتد فيكم بآثار وآجال
وتنتحي أممًا شتى بواسقه
فتغتني أممٌ من بعد إقلال
كأنَّما كل فرد بينكم بطل
والمجد لم يدخر إلا لأبطال
•••
يا مطرب المهرجان الحر قد طربت
مسامع الدهر فارفع لحنك العالي
مضت كوارث ذاق الدهر لوعتها
إذ جنت الأرض واستخذت لجهال
فليسمع اليوم ما أعددت من نغم
يشفي الكلوم ويُحيي المنزل الخالي
لا حسن غير جمال الفن يسعفنا
بعد الدموع بأحلام وآمال
من مثل قومك في إنشاد شاعرهم
أو عزف مزمارهم أو وحي موَّال
في بسطة كانسياب النهر متئدًا
أو وثبة كجريء فوق شلال
أنشد مديدًا ولا تسأم فمنك هدًى
مثل الأذان لحجَّاج ونزَّال
ويا أماليد (قاديشا) وزينته
للرقص والشدو هذا المعرض الحالي
حيث العواطف ألوان منوعة
تجمعت في هوى (لبنانها) الغالي!
•••
ما أجمل الحب في دنيا تآلفه
حيث الجمال بأضواء وأظلال
حيث (الطبيعة) لم تبخل بزينتها
وحيث كل جلال دونها بال
مدت موائدها الفيحاء فاخرة
وجمعت بين ظبيات وأشبال
من الفواتن من أنطقن في مرح
صخور (لبنان) ألحانًا بسلسال
من الفوارس من زانت مفارقهم
غرُّ الأكاليل، أو ركاب أهوال
من أمَّةٍ صحف التاريخ عاطرة
بذكرها، وعزيز مجدها الحالي
حار الرواة بما أسدت وما صنعت
مدى القرون، وحار الباحث التالي
ولم تزل سيرة للمجد صادحة
ومضربًا لأعاجيب وأمثال
أليس من بدع الإقدام ما مثلت
في (المهرجان) بآيات وأعمال؟
قد أرضخوا القدر العاتي لهمتهم
ولم يُبالوا بألغام وأوجال
وأطلعوا بيننا (لبنان) في وطن
ما كان للمقدم السامي بخذَّال
بينا شعوب تعاني وهي صاغرة
في الشرق موتين من ذلٍّ وإمحال
من مبلغ أمتي سر الحياة بكم
فقد أضيعت بها في القيل والقال؟!
•••
يا وارثي من أضاءوا في مهارتهم
وفي جسارتهم نهجًا لأجيال
لعلَّ أعظم إرث في تضامنكم
وفي تعاونكم في غير إدلال
لكم تبعثر أجيال بزلزلة
ولا يفرقكم عاد بزلزال
طوبى لكم، وليكن هذا التراث غنى
فوق الغنى، لم يقوَّم بعد بالمال!
١٩٤٦