تحية وفاء
في عيد (الهدى) الخمسيني
«الشتاء! الشتاء» صاح بي الجارُ كأنِّي في حاجة للنِّداء!
وتنير النجوم حولي وقد بزَّ خيالي وهزُّ شتى المرائي
والضياء الأصيلُ ران على الدنيا سناءً مجسَّدًا لا يرائي
فاتحًا كلَّ معقلٍ حجبته عن عيون الورى بروجُ السماء
لاهيًا ساخرًا، وقد خضخض الدنيا فزالت معالم الأشياء
وغزا الوقت فامَّحى كلُّ حدٍّ لنهارٍ معرَّفٍ أو مساء
وإذا بي مشردًا وكأني ما شهدتُ العمران يومًا إزائي
وأخوض الثلوج شبه غريقٍ كبَّلته فوادحُ الأعباء
شاكرًا حظِّي العظيم، وقد شلَّت جموعٌ، وشلَّ نفس الهواء
ذاكرًا في حرارة الود عيدًا يمَّحى عنده صقيع الشتاء
شغل القلب ذكره فتناسى ما عداه، مستغرقًا في الغناء
أيُّ عيدٍ هذا سوى عيد إقدامٍ وفكرٍ وهمة واعتلاء؟
هو عيد (الهدى) الأغرُّ الموافي بمعاني الوفاء للأوفياء
ليس بدعًا وقد نعمت بها وقتًا حنيني الملحُّ أو خيلائي
هرعوا يحفلون بالعيد أفواجًا وزفوا له تحايا الولاء
وتباروا في كل رمزٍ جميلٍ لم يدنس من ريبة أو رياء
شرفٌ للجميع ما هيَّأ (اليوبيل) من عزةٍ لهم أو رجاء
ليس عمرُ الخمسين عمرًا لأجيال، ولكن لنهضة زهراء
لم تزل في شبابها مبعث الوحي منيعًا على البلى والفناء
عززت حرمة اليراعة والرأي ومجد الصحافة الشمَّاء
وتسامت منارةً لا تسامي، فقليل لها جزيل الوفاء
١٩٤٨