الفصل الأول
(الكهف بالرقيم .. ظلام لا يتبيَّن فيه غير الأطياف؛ طيف رجلين قاعدَين
القرفصاء، وعلى مقربة منهما كلب باسط ذراعيه بالوصيد.)
مشلينيا
(وهو أحد الرجلين)
:
يا مرنوش!
مرنوش
:
أستيقظتَ؟ ماذا تُريد مني؟
مشلينيا
:
أين أنتَ؟ أسمع صوتك المتبرِّم ولا أراك. آه! ظهري يؤلمني!
مرنوش
:
دعني. أنا أيضًا ضلوعي توجعني. كأنما نِمت عليها عامًا.
مشلينيا
:
أين الراعي؟ أين ثالثنا الراعي؟
مرنوش
:
أتبيَّن شبح كلبه هنا باسطًا ذراعيه.
مشلينيا
:
ألا ترى هذا الراعي يتجنب قربنا؟ أين هو؟
مرنوش
:
لعله بباب الكهف يرقب طلوع النهار، شأن الرعاة.
مشلينيا
(يتمطَّى)
:
آه! ظهري يؤلمني! كم لبثنا يا مرنوش؟
مرنوش
:
أف! إنك تحرج صدري بأسئلتك!
مشلينيا
:
أنا كذلك — لو تعلم — ضيِّق الصدر مثلك! مرنوش، كم لبثنا ها هنا؟
مرنوش
:
يومًا أو بعض يوم.
مشلينيا
:
مَن أدراك؟
مرنوش
:
وهل ننام أكثر من هذا القدر؟
مشلينيا
:
صدقت (صمت)، (وفجأة يقول وهو نافد الصبر): أُريد الخروج من هذا المكان.
مرنوش
:
ويحك! إلى أين؟
مشلينيا
:
أوَتريدني على المبيت هنا ليلة أخرى؟
مرنوش
:
ليلتين أو ثلاثًا، وحتى نأمن على حياتنا من دقيانوس.
مشلينيا
(صائحًا متذمرًا)
:
لا أستطيع، لا أستطيع.
مرنوش
:
ولِمَ أستطيع أنا، وأنا وليُّ امرأة وولد أعزُّهما وأعبدهما؟
مشلينيا
:
أنت تستبقي حياتك من أجلهما.
مرنوش
:
وأنت؟ ألا تُريد أن تستبقي حياتك من أجل …
مشلينيا
:
نعم يا مرنوش، لكن ها أنت ذا تراني لا أقوى على البُعد يومًا واحدًا.
مرنوش
:
مشلينيا! احذر لنفسك ولنا! المذبحة لا تزال قائمة في المدينة، إني لن أحتمل نزقك
بعد اليوم.
(يبدو شبح يتخبَّط في الظلام.)
مشلينيا
:
مَن هذا؟
يمليخا
:
أنا الراعي يا مولاي.
مشلينيا
:
تفقدناك الساعة.
يمليخا
:
قمت أتلمَّس الطريق إلى الباب، فلم أهتدِ إليه.
مشلينيا
:
اقعد بجوارنا. مذ قدتنا إلى هذا الكهف وأنت صامت، كأنك لا تأنس بنا!
مرنوش
:
ما اسمك أيها الراعي؟
يمليخا
:
اسمي يمليخا يا مولاي.
مشلينيا
:
لماذا تدعونا دائمًا ﺑ «يا مولاي»؟
يمليخا
:
وبماذا أدعو صاحب يمين الملك وصاحب يساره؟
مرنوش
:
عجبًا! .. من أنبأك أننا صاحبَا الملك؟!
يمليخا
:
وهل يُجهَل الوزيران؟!
مشلينيا
:
أرأيتنا من قبل؟
يمليخا
:
كثيرًا.
مرنوش
:
أين؟
يمليخا
:
بمدينة طرَسوس، في ساحة مصارعة السباع. كنتما تحوطان الملك في شرفته، والأنظار
ترمقكم والشفاه تهمس هذا الملك، وهذان مشلينيا ومرنوش.
مشلينيا
:
عرفتنا إذن ساعة جئناك نعدو نسألك ملجأً ومخبأً؟
يمليخا
:
لم أتبيَّنكما أول الأمر. لكن سمعت أحدكما يقول لصاحبه «إنهم في أثرنا يا مرنوش؛
فلنسرع.» فنبَّهني الاسم من ساعتي، فتركت غنمي، وجئت بكما إلى كهف الرقيم.
مشلينيا
(بعد صمت)
:
ألم نُلهِك عن غنمك يا يمليخا؟
يمليخا
:
لا بأس، إنها ترعى الكلأ آمنة، ولا يعلم أحد أنها لمسيحي.
مرنوش
:
أنتَ أيضًا كنت تخفي دينك؟
يمليخا
:
نعم يا مولاي.
مشلينيا
:
يمليخا! كلمة «مولاي» تؤذي سمعي، إنا هنا إخوة ومسيحيون فلا موالي ولا
عبيد.
مرنوش
:
هل لك أهل يا يمليخا؟
يمليخا
:
ليس لي إلا قِطمير؟
مشلينيا
:
من هو قِطمير؟
يمليخا
(يُشير إلى الكلب)
:
كلبي هذا.
مرنوش
:
أنتَ إذن أسعدنا حالًا.
(صمت …)
يمليخا
(في تردُّد)
:
لو أجرؤ على السؤال ..
مشلينيا
:
سل عمَّا شئت يا يمليخا، ولا ترهب أمرًا.
يمليخا
:
مذ رأيتكما راكضين هربًا من المذبحة حدَستُ وعجبت، ولكن أذهلني أمر نجاتكما عن كل
شيء. وأتينا الكهف، فسكنت إلى نفسي أُفكِّر في أمركما حتى دهمني نوم ثقيل لم أصحُ
منه إلا الساعة، وكأن بأضلعي كسرًا ..
مشلينيا
:
ما الذي حيَّرك من أمرنا؟
يمليخا
:
دقيانوس عدو المسيحية ما كان يعلم أن وزيريه مسيحيان!
مرنوش
(في اندفاع مقصود)
:
وهو لا يعلم كذلك أن ابنته مسيحية .. هذا الآمِر بذبح المسيحيين.
يمليخا
(في استغراب)
:
ابنته؟ الأميرة بريسكا؟!
مشلينيا
(في صيحة عتب ولوم)
:
مرنوش!
مرنوش
:
وأي حرج أن أُخبر يمليخا بهذا؟ إلا أن أكون ذكَّرتُ قلبك يا مشلينيا ..
يمليخا
:
معذرة يا مولاي! أنا لم أطلب العلمَ إلا بأمر واحد؛ كيف عرف الملك سركما؟ أمكيدة،
أم وشاية؟
مرنوش
:
أخبره أنتَ يا مشلينيا ..
مشلينيا
:
أُريد الخروج من هذا المكان.
مرنوش
:
أيضًا؟ يا لمصيبتي بكَ!
مشلينيا
:
قلت لك لا أستطيع المكث هنا يومًا آخر.
مرنوش
:
أيها النزِق! أما كفاك أنك أوقعتنا فيما نحن فيه؟
مشلينيا
:
إنك حاقد عليَّ!
مرنوش
:
بل أحمد الله على أن رسالتك المشئومة لم يكن بها غير اسمينا! (مشلينيا لا يجيب)
نعم .. إنها، من سوء حظي، الرسالة الأولى والأخيرة.
مشلينيا
:
من سوء حظك .. حقيقة.
مرنوش
:
طالما حذَّرتك الكتابة إلى بريسكا.
مشلينيا
:
صه!
مرنوش
:
لكنك هذه المرة قد ذهب رشدُك دفعة واحدة .. فكتبت ثم دفعت الرسالة إلى وصيفة
غَيْرَى تضمر لكما الشر .. ألا تذكر أني نبهتك يومًا إليها وقد لحظت منها أشياء.
أوَلم تجد رسولًا سوى هذه المرأة؟ (مشلينيا لا يجيب) يا لقلة الحذر! أوَلم تخبرني
أنك قبل الرسالة المشئومة بقليل أهديت إلى بريسكا يدًا بيد صليبًا صغيرًا من الذهب
استصنعته لها؟ .. فماذا عليك لو أنك أعطيتها الرسالة كذلك يدًا بيد؟ (مشلينيا لا
يجيب) ولكنك تزعم أنك لم تستطع، فلقد كتبتها بعدئذٍ على عجل .. نعم، كي تُخبرها أنك
ذاهب بصحبة مرنوش تصلي سرًّا صلاة الفصح وتذكرها في الصلاة! (مشلينيا لا يجيب)
بصحبة مرنوش!
مشلينيا
:
نعم كلمة لو لم أخطَّها ..
مرنوش
:
لكنتُ نجوتُ بجلدي.
مشلينيا
:
أجل كنتَ نجوتَ بجلدك.
مرنوش
:
ولما كنتُ خسرت مكاني عند الملك. ولما جئت أحطِّم عظامي على أرض هذا المكان
الموحش هذه الليلة. ولما تركت امرأتي وولدي وحدهما في عذاب القلق وسط هوجاء
المذبحة.
يمليخا
(بعد لحظة صمت)
:
مولاي! أوَتركت أهلك في الخطر؟!
مرنوش
:
أحمد الله على أن ليس أحد يعلم أنهما مسيحيان، ولا أنهما يَمُتَّان إليَّ بصلة،
إن أمر زواجي سر لا يعرفه غير ثلاثتنا الآن. ثم إني أُخفي امرأتي وولدي عن الناس في
بيت منفرد منذ سنوات. كلا .. لا خوف عليهما .. لقد عَصفتْ قبل اليوم مذابح ومجازر
فلم يمتد إليهما أذى.
يمليخا
:
ذلك من فضل المسيح.
مرنوش
:
قل هو سوء المصادفة أن يظهر سرنا للملك، ولمَّا يمضِ يومان على أمره بذبح
المسيحيين.
يمليخا
:
نعم إني أتخيَّل مبلغ غضبه.
مرنوش
:
قيل إنه جعل يجأر، والرسالة في يده يتلوها ضاحكًا ضحكات مخيفة، ونادى ابنته،
وأطلعها عليها وهو يصيح بمن حوله أن أَعِدُّوا أقفاص السباع الضارية، فلسوف نُقدِّم
لها وليمة لا تنساها.
يمليخا
:
يا للهول ..!
مرنوش
:
لو لم تنسل الأميرة بريسكا إلى باب القصر تنتظر أَوْبَتنا من صلاة الفصح لتدعونا
إلى الفرار ..
يمليخا
:
هو المسيح شاء لكما النجاة.
مرنوش
:
نعم .. ولكن أيَّة نجاة هذه التي تفصل بيني وبين امرأتي وولدي؟ آه! كلما أذكر
ابني ينهض هذا الصباح ولا أُقبِّله ..
يمليخا
:
كم تُحب أهلك!
مرنوش
:
إني إنما أحيا بهما ولهما ..
يمليخا
:
صبرًا! إن رحمة الله قريب.
مرنوش
:
حقيقة! قرب السماء من الأرض! تلك الرحمة التي لا تسعف إلا من يستطيع
الانتظار!
يمليخا
:
لا تسخر .. إن الله حق ..
مرنوش
:
لا شأن لله بنا ها هنا. نحن اللذان أوقعنا بنفسينا في التهلكة .. ومع ذلك .. فإني
ما أوقعت نفسي.
يمليخا
:
كل شيء على هذه الأرض بأمر الله.
مرنوش
:
إلا ما نحن فيه .. فقد حدث بفعل إنسان.
يمليخا
(مستنكرًا)
:
أستغفر الله! هذا كلام لا يلفظه مؤمن!
مشلينيا
(يُحاول النهوض فتؤلمه عضلاته)
:
آه!
مرنوش
:
إلى أين؟
مشلينيا
:
سيذهب هذا الإنسان كي يُصلح فعلته.
مرنوش
:
ويحك! ماذا عساك تصنع؟
مشلينيا
:
سأذهب إلى الملك توًّا وأقول له «إني جنيت على مرنوش ظُلمًا، وإن اسمه في الرسالة
لا يعني شيئًا .. وها أنا ذا أُقدِّم حياتي.»
مرنوش
:
اقعد .. وكفى هذرًا! قل إنك ذاهب لترى حبيبتك.
مشلينيا
:
وا أسفاه!
مرنوش
:
علامَ تأسف؟
مشلينيا
:
ما كنت أعرفك سيئ النفس بهذا المقدار!
مرنوش
:
كفى، اقعد، ولا تكن سببًا في نكبة أخرى. مهما تقُل للملك فإنه لا يُصدِّقك، وربما
حملك بالإرهاب والتعذيب على الإخبار بمكاني.
مشلينيا
(يعود إلى القعود في قنوط)
:
يا إلهي! ماذا أستطيع لك إذن؟
يمليخا
:
دع الأمر للمسيح.
مشلينيا
:
ليت المسيح يعلم بما يُوقِر ضميري!
يمليخا
:
أوَتَشكُّ في أنه يعلم؟! أستغفر الله! أعتقد أنه يعلم، وأنه سيُخفِّف عنك.
مشلينيا
:
متى؟
يمليخا
:
متى! اللهم رحماك! إنا لا نملك حقَّ سؤال كهذا. إنما ينبغي لنا أن نعتقد.
مشلينيا
:
إني أعجب بإيمانك يا يمليخا.
يمليخا
:
إني أومن بالمسيح لأنه حق، ولا يمكن أن تكون هذه البشرية قد بذلت أرواحها وسفكت
دماءها من أجل شيء غير الحق.
مشلينيا
:
أوُلِدتَ مسيحيًّا، أم اعتنقت الدين على كبر؟
يمليخا
:
بل وُلِدتُ مسيحيًّا ..
مشلينيا
:
مثلي إذن.
يمليخا
:
نعم. ولكن الإيمان الحقيقي، إيمان اليقين والاقتناع لم يُضئ كل نفسي إلا من يوم
أن سمعت ذلك الراهب يتكلم تحت أسوار طرسوس.
مشلينيا
:
أي راهب؟
يمليخا
:
كان ذلك منذ خمسة أعوام إذ بلغتُ الثلاثين. وما كُنت بعد أفكر في غير غنمي. وكنت
أدين بالمسيحية اسمًا بحكم الوراثة وحدها لا عن شعور واقتناع، حتى كان يوم أن ذهبت
إلى مدينة طرسوس في بعض شأني، فلمحت خارج أسوارها راهبًا يتكلم في جمع صغير تُخفِيه
عن الأعين خرائب قديمة وأحجار. فاقتربت وطفقت أصغي، وإذا بي كأني انقلبت إنسانًا
آخر، وكأن عينيَّ تريان ما كانتَا عنه غافلتَين.
مشلينيا
:
ماذا كان يقول ذلك الراهب؟
يمليخا
:
لست أذكر شيئًا مِمَّا قال، لكنِّي لن أنسى ما شعرت به إذ ذاك؛ إحساس لم يعترِني
في حياتي من قبل إلا مرة؛ إذ كنت أهبط الجبل ساعة غروب، فأشرفت على منظر بالخلاء لم
أر أجمل منه، فلبثت ليلتي أُفكِّر وأستذكر أين رأيت هذه الصورة من قبل، أفي
الطفولة، أم في الأحلام، أم قبل أن أُولد؟! إن هذا الجمال على غرابته ليس مجهولًا
عندي! وقمت في الفجر فذكرت صورة البارحة. وفجأة بَرَقَت في رأسي فكرة هذا الجمال
كان موجودًا دائمًا منذ الأزل منذ وجدت الخليقة. هذا الإحساس بعينه هو ما شعرت به
وأنا أصغي إلى الراهب. إن كلامه الذي أسمعه لأول مرة ليس، مع ذلك، جديدًا عندي. أين
سمعته ومتى؟ أفي الطفولة؟ أفي الحلم؟ أقبل أن وُلِدت؟ وتَوَلَّدت في نفسي عقيدة أن
هذا الكلام هو الحق؛ إذ لا أتصوَّر بدءَ الوجود بدونه ولا انتهاءَه بدونه ..
مشلينيا
(في شبه دهش)
:
مرنوش! أسامع؟
مرنوش
:
نعم.
مشلينيا
:
ما تقول في ذلك؟
مرنوش
:
أقول إن هذا الراعي يتكلم هراءً ولا أفهم ما يقول.
مشلينيا
:
أنت لا تفهم شيئًا سوى أنك غبت ليلة عن امرأتك وولدك.
مرنوش
(في شبه تهكُّم)
:
وأنت ماذا فهمت منه؟!
مشلينيا
:
فهمت أننا بعيدان عن الله. وأن قلبَينا مشغولان بغير الله.
مرنوش
:
وأي بأس في ذلك؟
يمليخا
(مستنكرًا)
:
اللهم رُحماك!
(ينهض.)
مرنوش
:
إلى أين أيها الراعي المُتنسِّك؟
يمليخا
(في تردُّد)
:
إلى .. إلى .. إني أحس الجوع. ألا أذهب إلى المدينة تحت ستر الظلام أحضر طعامًا
لكما ولي؟
مرنوش
(في ارتياب)
:
وهل ستعود إلينا؟
يمليخا
:
إني أترك قطميرًا هنا.
مرنوش
(يُشير إلى الكلب في دهشة)
:
انظر .. انظر! ها هو ذا ينهض. عجبًا! أترى شبحه كيف يتلوَّى في الظلام؟ وكيف
يتمطَّى؟! يُخيَّل إليَّ أن كل من نام في هذا الكهف يصحو وكأن أعضاءه متكسرة.
(لحظة) صدقت يا يمليخا. ينبغي أن تشتري لنا طعامًا. لقد ذكَّرتنا بالجوع، إني أحس
كأن معدتي خاوية خالية حتى من الهواء! وأنت يا مشلينيا ألست جوعان؟ (مشلينيا لا
يجيب) ألا تجيب؟ لعلك مشغول حتى عن الجوع! (بعد لحظة) يُخيِّل إليَّ أني لست جوعان
كما ينبغي، إني أحس كأن عضلات بطني قد صدئت أو نامت هي الأخرى وتحتاج إلى منبه.
يمليخا! كم تحسن صنعًا لو شَريْت لنا ما يُحرِّك شهوتنا للطعام. هل معك
نقود؟
يمليخا
:
معي ..
مرنوش
(وهو يدس يده في جيبه)
:
بل انتظر! كانت معي أمس فيما أذكر دراهم من الفضة. إنها لم تزل في جيبي، خُذ ..
(يمليخا يأخذ منه النقود ويخرج.)
مشلينيا
:
أتدري يا مرنوش ما يجول برأس هذا الراعي الآن؟
مرنوش
:
ماذا؟
مشلينيا
:
ألا ترى أنه أسرع إلى مغادرة المكان، لأنه لم يُطق سماع كلامك؟
مرنوش
:
حسنًا فعل.
مشلينيا
:
نعم. ولعله أصاب في رأيه. أنا أيضًا أشك ..
مرنوش
:
فيمَ تشك؟
مشلينيا
:
حبنا لأنفسنا أقوى من حبنا لله. وأكاد أرى أنا لا نثق بالله كثيرًا!
مرنوش
:
ألم نُصلِّ له؟
مشلينيا
:
نعم، كي تسأله الخير لامرأتك وولدك.
مرنوش
:
وأنت لبريسكا.
مشلينيا
:
كنا نصلي له على الأقل .. ولكن مذ جئنا الكهف، فنحن لا نُفكِّر في غير مَن ..
(مستدركًا) فأنت لا تفكر في غير من تحب. إذن أنت ناقم عليَّ وعلى الله والمسيح،
وعلى كل من سبَّب لك الفراق. فلتنقم عليَّ يا مرنوش ولا بأس، أمَّا الله والمسيح
…
مرنوش
:
لست ناقمًا عليك يا مشلينيا ولا على الله والمسيح .. لأني لست أُفكِّر في أيِّكُم
الآن.
مشلينيا
:
أرأيت؟ هذا عين ما أريد قوله. إنا لا نفكر في الله.
مرنوش
:
مشلينيا! أتصغي إليَّ؟
مشلينيا
:
نعم.
مرنوش
:
إن الله وقد خلق لنا قلوبًا قد نزل عن بعض حقه علينا!
مشلينيا
(بعد تفكير يصيح في فرح)
:
قد تكون صادقًا في هذا يا مرنوش .. (في شك) لكن ..
مرنوش
:
ماذا؟
مشلينيا
:
الراعي. هذا الراعي الذي نبَّهنا إلى الله الآن. ألا ترى كيف يذكره والمسيح في كل
وقت؟!
مرنوش
:
إن صاحبك الراعي لخليٌّ. فما يضيره أن يمنح قلبه كله لله أو للشيطان.
مشلينيا
(في تأمُّل أو كمن يقنع نفسه)
:
أصبت ..
(صمت.)
مرنوش
(فجأة)
:
ذهب يمليخا الراعي؟
مشلينيا
:
ماذا تُريد منه؟
مرنوش
:
لو أني وجَّهته إلى بيتي في طريقه يرى زوجي وولدي وينبئهما بخبري وبقرب
أَوْبَتِي؟
مشلينيا
:
إنه لا يعرف منزلك. ما تقول لو ذهبت أنا؟ إن مرآي وحده قد يملؤهما
اطمئنانًا.
مرنوش
(في تردُّد)
:
أخشى أن ترتكب غلطة فتُفسِد علينا الأمر.
مشلينيا
:
لا تخشَ شيئًا.
مرنوش
:
آه! ستذهب طبعًا بعد ذلك إلى حيث تراها أيها الخبيث!
مشلينيا
:
وأي ضرر في هذا؟ إنها تنتظرني هي أيضًا، تنتظر مني خبرًا. أتذكر يوم وقفَتْ خلف
الباب تحملنا على الهرب؟ أتدري ما قالت لي وهي تُودِّعني وأنت تجذبني من ذراعي
تستعجلني؟ لقد قالت إنها سترقبني من نافذتها بعد ثلاثة أيام عند مطلع الفجر.
مرنوش
:
وهل انقضت بعدُ الأيام الثلاثة؟
مشلينيا
:
لا بأس، أذهب على كل حال أتجسَّس وأعود.
مرنوش
:
وإذا لمحك أحد وعرف مَن أنت؟
مشلينيا
:
لا تخف، سأتسلل في الظلام ولا أُري أحدًا وجهي.
مرنوش
(في عزم وقوة)
:
كلا. في خروجك خطر.
مشلينيا
(في غيظ كظيم)
:
أتأبى عليَّ؟ ..
مرنوش
:
نعم.
مشلينيا
:
ما أشد أَثَرَتَك!
مرنوش
:
أنا؟!
مشلينيا
:
نعم أنت.
مرنوش
:
يا للويل! أنسيت وشيكًا ما كنتُ لك دائمًا؟ وما كنتُ لك في حبك هذا على
الأخص؟!
مشلينيا
:
إنك اليوم محوت كل شيء طيب من ذاكرتي.
مرنوش
:
لأني أبديت بعض الحذر من نزق مُحب مثلك؟
مشلينيا
:
بل لأنك لا تفكر منذ جئنا هنا إلا في نفسك وفيما يُمكن أن يُعرِّضك للخطر.
مرنوش
:
وأنتَ لا تفكر إلا في الذهاب إلى من تحب ولو جلبت على من معك الوبال! فأيُّنا
شديد الأثرة؟!
مشلينيا
:
أنت.
مرنوش
:
أنا أيضًا؟ ما أعمى عين المُحب وما أكفره!
مشلينيا
:
قل هذا لنفسك أنتَ كذلك على الأقل.
مرنوش
:
إني أرى عيوبي ولا أكفر بفضل إنسان.
مشلينيا
(في تهكُّم)
:
لو أن الراعي هنا لأخبرك أنك كفرت على الأقل بالله والمسيح.
مرنوش
:
على الأقل؟
مشلينيا
:
نعم. لأني لا أود أن أُذكِّرك بأحد آخر ..
مرنوش
:
إنك لفتى سيئ النفس!
مشلينيا
:
أنا؟!
مرنوش
:
نعم. إني لست مثلك يسهل محو كل شيء طيب من ذاكرتي؛ إني لا أستطيع أن أنسى يا
مشلينيا أنك الوحيد الذي عاونني في زواجي الخفي .. ولازمني في كل ظروفي الحرجة التي
مرَّ بها تأسيس هذه الأسرة المخبوءة .. إني لا أستطيع أن أنسى أنك كنت تفرش معي
المنزل وتحمل إلينا على ذراعيك ليلًا الخُضر والفاكهة إذ كنا لا نأتمن خادمًا ولا
عبدًا على سرِّنا. ولا أنسى يوم وُلِدَ ابني أنك جعلت تحوك أثوابه الصغيرة وقلانسه
بيدك قبيل نزوله إلى هذا العالم .. أجل، لولاك ما كنتُ أستطيع أن …
مشلينيا
:
لا أُريد أن تذكر هذا. أريد فقط أن تذكر أنك اليوم أضفتَ إلى ما أنا فيه ألم وخز
الضمير بترديدك وتلميحك في كل لحظة أني سبب مصيبتك ..
مرنوش
(في عتب وتأنيب)
:
أهذه أول مرة عرَّضت فيها نفسي للخطر من أجلك؟ (مشلينيا لا يجيب) ألا تعترف مرة
بما فيك من عيب المحبين؟! العمى والكفر والنسيان. أنت كذلك على الأقل! قل.
مشلينيا
(يهدأ)
:
أعترف أنك عرَّضت نفسك للخطر من أجلي حقيقة.
مرنوش
:
وإذن؟ أفلا تسمح لي ببعض التبرُّم البريء في ساعة ضيقي؟!
مشلينيا
:
وأنا؟ متى كفرت بك؟
مرنوش
:
إن الحب ليبتلع كل شيء حتى الصداقة وحتى الإيمان.
مشلينيا
:
حتى الإيمان؟!
مرنوش
:
لأنه هو نفسه إيمان أقوى من كل إيمان.
مشلينيا
:
أُدرِك ما تعني ..
مرنوش
:
ماذا أعني؟
مشلينيا
:
لولا امرأتك المسيحية لما كنتَ اعتنقتَ دين المسيح .. أنت الوثني المؤمن بالوثنية
وساعِدُ دقيانوس الأيمن في مذابحه السابقة!
مرنوش
:
ولولاك أنت لما اعتنقَت الأميرة بريسكا دين المسيح وهي المؤمنة بدين أبيها
دقيانوس!
مشلينيا
(يكتم اغتباطه)
:
مرنوش! أتراها حقيقة تركت دينها لهذا السبب؟
مرنوش
:
وهل في هذا شك؟
مشلينيا
:
أنت دائمًا تُفهِمني ذلك.
مرنوش
:
لأنك لا تريد أن تفهم أيها الأحمق.
مشلينيا
(مستذكرًا في فرح)
:
نعم. إني لن أنسى تلك الليلة التي طالما حدَّثتُك عنها. ليلة أن كانت في ثياب
بيضاء تخطر في بهو الأعمدة حيث موعدنا بعد سكون القصر. لقد قلت لها وقتئذٍ في غير
حذر «إنك مَلَك من ملائكة السماء!» فنظرت إليَّ دَهِشة وسألت عن معنى المَلَك، فقلت
لها في ارتباك هو اسم في المسيحية لمخلوقات أسمى وألطف من مخلوقات الأرض، ثم صمتُّ
لحظة وقلت لها مُموِّهًا: «ليتني كنت مسيحيًّا!» فقالت «لماذا؟»، قلت «حتى أستطيع
أن أكون خطيبك أمام الله، وأن يكون بيننا عقد مُقدَّس لا يستطيع أحدنا الحنث به.»
فقالت «أهذا في المسيحية؟» وصمتت لحظة ثم قالت في سذاجة وحياء «ليتني أنا أيضًا كنت
مسيحية.»
مرنوش
:
وبعدئذٍ بقليل كنت بِبابي كالمجنون فرحًا.
مشلينيا
:
نعم. ومن فورك أخذت تفكر لي وتدبر الأمور ..
مرنوش
:
وكان أن ذهبتما سرًّا إلى الراهب كي يُدخِلها في الدين.
مشلينيا
:
بفضل رأيك ومعونتك. مرنوش! حقًّا لست أنسى حرج موقفك يومئذٍ وقد لبثت بعد ذهابنا
ترقب عودتنا وتقول لدقيانوس ،إذ يسأل عن ابنته، إنها مع وصائفها في الحمام، ونقول
لوصائفها القلقات هي عند أبيها. أجل! غير أني لا أرتعد لذكرى شيء مثلما أرتعد لذكرى
دقيانوس وقد فاجأني مرة في بهو الأعمدة أنتظر بريسكا وفي يدي الكتاب المُقدَّس. إني
لم أزل أسمع صوت الملك وهو يقول لي وأنا من الهلع لا أعي «ما هذا الكتاب بيدك؟»
وهنا تقدَّمت أنت يا مرنوش وخطفته من يدي وقلت مُجيبًا «هذا كتابي يا مولاي نسيته
في هذا البهو!» عندئذٍ أدركت أنك مستعد أحيانًا للهلاك من أجلي.
مرنوش
:
لا من أجلك، بل من أجل مُحب وخطيب أردت أن أحفظه لخطيبته.
مشلينيا
:
شكرًا لك يا مرنوش .. لكن …
مرنوش
:
لكن ماذا؟
مشلينيا
:
لكنِّي مع ذلك لا أشكرك على ما كان منك اليوم.
مرنوش
:
أيضًا؟
مشلينيا
(في تأمُّل)
:
نعم .. (بعد لحظة) لست أدري .. ما أعجب تركيب الإنسان! فينا القوة أحيانًا إلى حد
العظمة والتضحية، وفينا الضعف أحيانًا إلى حد الحقارة والأنانية.
مرنوش
:
كل هذا لأني أمنعك اليوم من الذهاب إليها؟!
(صوت صياح يدوِّي بين تجاويف الكهف.)
مشلينيا
(مرهفًا أذنه)
:
صه!
مرنوش
:
ما هذا؟
الصوت
(يقترب ويصيح)
:
أيها الوزيران!
مرنوش
:
مَن أنت؟
الصوت
:
أنا يمليخا.
مرنوش
:
الراعي؟ ولماذا تصيح هكذا؟
يمليخا
:
أنتما في الظلام تنتظران الفجر، والشمس في كبد السماء!
مشلينيا
:
أين هذا؟
يمليخا
:
خارج الكهف! ولقد عثرت بالباب فإذا هو دوننا ولا نعرف. ولكن .. شيء عجيب .. إن
الحرارة والضوء لا يدخلان إلينا منه .. كأنما الشمس تميل عنه في ذهابها وإيابها
..
مرنوش
:
أهذا كل ما فعلت؟ أين الطعام؟
يمليخا
:
لو تعلمان ما رأيت وما سمعت ..
مرنوش
:
تكلم!
يمليخا
:
ما كدت أسير خطوتين حتى رأيت أمامي فارسًا يلبس لباسًا غريبًا وكأنه صيَّاد
فأبرزت له مِمَّا معي من فضة عارضًا عليه شراء بعض صيده فما تَبيَّنني حتى كأنه
امتلأ رعبًا ولكز فرسه يريد الركض فأمسكت بزمام الدابة وأوقفتُ الرجل وأنا أُلوِّح
له بالنقود. وفي النهاية أخذ مني قطعة في حذر وجعل يتأملها وأنا أرقبه، وإذا هو
يقول في تلعثم وخوف وعجب وهو يُقلِّبها بين أصابعه «دقيانوس!» ثم رفع رأسه متشجعًا
وقال لي «أمعك من هذا كثير؟» فأخرجت له كل ما معي، فقال «أين وجدته؟»، قلت «ماذا؟»،
قال «هذه النقود القديمة .. هذا الكنز؟!» فحسبت بالرجل مسًّا فخطفت منه قطعتي
وابتعدتُ عنه وهو يتبعني بنظرة عجب واستطلاع وخوف، ثم لكز فرسه واختفى عن بصري
..
مرنوش
:
صدقت، إن بصاحبك مسًّا.
مشلينيا
:
لا يا مرنوش .. لا تتعجَّل ..
مرنوش
:
ما بك؟
مشلينيا
:
لقد داخلني شك.
مرنوش
:
في ماذا؟
مشلينيا
:
في زمن إقامتنا بهذا الكهف. ألا تذكر أني أتيته حليقًا؟ ها أنا ذا الآن ولحيتي
مُرسلة وشعري يتدلى. ما تنبَّهت إلى ذلك إلا الساعة! وأنا أحك رأسي بظفري ..
يمليخا
:
نعم. نعم. أنا كذلك لحظت وأنا أُخرِج قطعة الفضة للرجل أن أظافري طويلة على هيئة
لم أعهدها من قبل! ومن يدري؟ لعل الرجل ارتاع من منظر شعري المبعثر الأشعث. نحن هنا
في الظلام لا نلحظ شيئًا ولا يرى أحدنا الآخر.
مشلينيا
:
تُرى ألبثنا أسبوعًا ونحن لا نشعر؟!
مرنوش
(يتلمَّس رأسه)
:
صدقتكما! أنا أيضًا لا أحسبني جئت الكهف بهذا الشعر كله في رأسي ولحيتي. هذا
عجيب! انظر يا مشلينيا. لو كنتَ تُبصِر في الظلام. أكاد بهذه اللحية أُشبِه
القديسين على ما يُخيَّل إليَّ ..
يمليخا
:
لعلنا مكثنا شهرًا.
مرنوش
:
ويحك! شهرًا؟! وأين كنا طول هذه المدة؟
يمليخا
:
كنا نيامًا.
مرنوش
:
أهذا كلام عاقل؟
يمليخا
:
ولِمَ لا؟ إني سمعت من جدتي ووالدتي وأنا صغير أن راعيًا اعتصم بغار من سيل هائل
وكان مؤمنًا بالله والمسيح فنام شهرًا حتى انقطع السيل فصحَا وخرج سالمًا كما دخل
دون أن يشعر بالزمن.
مرنوش
:
تلك أساطير عجائز.
يمليخا
:
إني أومن بهذه الأسطورة ولا أرى فيها عجبًا. لقد قيل إن الجثث لا تفسد سريعًا في
الغار لرطوبة المكان فكيف والشهر ممطر وكيف وإرادة الله والمسيح تشاء النجاة لذاك
المؤمن؟!
مرنوش
(نصف ساخر)
:
وفي حالتنا هذه! ما تقول؟ أهو المطر والسيل؟ أم إرادة الله والمسيح؟
يمليخا
:
في حالتنا هذه كذلك .. ألم أقل إني رأيت الشمس تميل عن الكهف على نحو عجيب، أليس
ذلك كي لا تؤذي حرارتها أبداننا؟ هي إرادة الله والمسيح شاءت هذه الأعجوبة لتُنجِّي
المؤمنين.
مرنوش
(في تهكُّم خفيف)
:
المؤمنين؟ أشكرك يا يمليخا! أظن أنه لولا وجودك معنا ما كانت إرادة الله والمسيح
شاءت لنا أيَّة أعجوبة!
مشلينيا
(ناهضًا فجأة)
:
مرنوش!
مرنوش
:
إلى أين يا مشلينيا؟
مشلينيا
:
مهما يكن من أمر فلا ريب أن الأيام الثلاثة قد انقضت.
مرنوش
:
تعني أنك ذاهب إلى …
مشلينيا
:
ولن تمنعني قوة في الأرض.
مرنوش
(في تهكُّم خفيف)
:
ولا في السماء؟!
(صوت ضجة خارج الكهف.)
يمليخا
:
صه! أتسمعان؟
مرنوش
:
ما هذا أيضًا؟
يمليخا
(مرهفًا الأذن)
:
هذا صوت أناس عديدين!
مرنوش
(ناهضًا بقوة)
:
ويلنا! هلكنا ..
مشلينيا
:
هلكنا!
مرنوش
:
نعم، هؤلاء ولا ريب رجال دقيانوس جاءوا يلتمسوننا. أرأيت يا يمليخا؟ إن هذا
الفارس المخبول قد ذهب ودل على مكاننا. ألم أقل لكم لا خروج قبل أن نستوثق من
الأمان؟ وأنت يا مشلينيا الذي كنت الآن على وشك الخروج!
(صوت الناس في الخارج يقترب.)
الناس
(صائحين في الخارج)
:
يا صاحب الكنز! ابرز إلينا يا صاحب الكنز! لا تخف! اخرج لنا ولا تخف!
مرنوش
:
أي كنز؟! ومن هو صاحب الكنز؟!
يمليخا
(يُشير بالصمت هامسًا)
:
صه! صه!
مشلينيا
(همسًا)
:
أخشى أن يدخلوا علينا.
الناس
(تقترب من باب الكهف)
:
هذا كهف! هذا باب كهف! (فئة أخرى من الناس) لكنه مظلم! .. إنه مظلم ..! (فئة
أخرى) أحضروا المشاعل! أوقدوا المشاعل!
مرنوش
(همسًا)
:
ما العمل؟
مشلينيا
(همسًا)
:
إننا مُحاصَرون!
يمليخا
(همسًا)
:
فلنُسلِّم أنفسنا لله والمسيح!
(لا تمضي لحظة حتى يشع في داخل الكهف ضوء، ثم يشتد اللغط ويدخل
الناس هاجمين وفي أيديهم المشاعل ولكن .. ما يكاد أول الداخلين يتبيَّن على ضوء المشاعل
منظر الثلاثة حتى يمتلئ رعبًا ويتقهقر وخلفه بقية الناس في هلع وقد اضطرب نظامهم وهم
يصيحون صيحات مكتومة.)
الناس
(في تقهقر ورعب)
:
أشباح! .. الموتى ..! الأشباح ..!
(ويخرج الجميع في غير نظام تاركين بعض مشاعلهم. ويخلو المكان
للثلاثة وكلبهم والضوء منتشر، ولكنهم ساهمون جامدون كالتماثيل كأنما أرعبتهم هم أنفسهم
هاتان الكلمتان «أشباح وموتى»، أو كأنهم لا يفهمون مِمَّا رأوا وسمعوا شيئًا.)
(ستار)