الجزء التاسع
بيَّن إيدومنه لمنتور سبب نشوب الحرب بينه وبين المندوريين وما اتخذ من التدابير ضد غاراتهم، بيَّن منتور له نقص هذه الوسائل واقترح عليه وسائل أخرى أكثر تأثيرًا، ظهور المندوريين أمام أبواب سلنتة في أثناء هذا الحديث، وذلك مع جيش عظيم مؤلف من عدة أقوام مجاورين أتوا لنصر المندوريين، خروج منتور من سلنتة وحده وعَرْضُه على الأعداء إنهاء الحرب من غير سفك دماء، لم يلبث تلماك أن اتَّبَعه ليطلع على نتيجة هذه المفاوضة، عرض الاثنان أن يكونا رهنًا لدى المندوريين، وذلك ضمانًا لإخلاص إيدومنه في العمل بشروط السلم التي يقترحها، إذعان المندوريين بعد قليل مقاومةٍ لنصائح منتور، والإتيان بإيدومنه حالًا كيما يقرر أمر السلم بنفسه، قبول هذا الأمير، من غير تردد، جميع الشروط التي اقترحها منتور، تبادل الرهان واشتراك الفريقين في تقديم القرابين توكيدًا للحلف، رجوع إيدومنه، بعد ذلك، إلى مدينة سلنتة مع ملوك حلفاء المندوريين وأهم رؤسائهم.
نظر منتور بِدَعَةٍ وسكونٍ إلى تلماك الذي كانت تساوره حماسة نبيلة لخوض غمار المعارك، وقال: «أجدني مرتاحًا إلى مشاهدتي فيك، يا ابن أوليس، شوقًا جميلًا إلى المجد، ولكن اذكر أن أباك لم ينل ذلك الجاه العريض بين الأغارقة، في أثناء حصار تروادة، إلا بإثباته أنه أكثرهم حكمة واعتدالًا، ومع أن أشيل كان منيعًا لا يمكن جرحه، ومع أنه كان يحمل الهول والموت إلى كل مكان يقاتل فيه، فإنه عجز عن الاستيلاء على تروادة، وسقط قتيلًا عند أسوار هذه المدينة التي انتصرت على قاتل هكتور هذا، بيد أن أوليس، الذي يتذرع بالحذر في شجاعته، قد حمل النار والحديد إلى وسط الترواديين، فكان سقوط تلك الأبراج المنيفة التي هددت جميع بلاد اليونان المؤتمرة مدة عشر سنين، وعلى قدر ما تكون منرفا فوق مارس تفوق الشجاعة القائمة على الحذر والاحتراز كل شجاعة فوارة جامحة، ولنبدأ، إذن، بالاطلاع على ظروف هذه الحرب التي يجب تأييدها، أجل، إنني لا أحجم عن أي خطر كان، ولكنني أرى، يا إيدومنه، أن تبين لي، قبل كل شيء، هل حربك عادلة، ثم أن تبين لي الفريق الذي تقوم بها حياله، ثم أن تعطيني بيانًا عن قواتك التي ترجو بها نتيجةً موفقة.»
وإليك جواب إيدومنه: وجدنا، عند بلوغنا هذا الشاطئ، شعبًا متوحشًا متنقلًا في الغاب معتمدًا في عيشه على الصيد وعلى ما تحمله الأشجار بنفسها، ويذعر هؤلاء القوم، الذين يطلق عليهم اسم المندوريين، حينما رأوا مراكبنا وسلاحنا، ويرتدُّون إلى الجبال، ولكن بما أنه ساور جنودنا ميل إلى الطواف في البلد، وأرادوا تعقب الأيائل، فقد لقوا هؤلاء الهاربين المتوحشين، فقال لهم رؤساء هؤلاء: «لقد هجرنا شواطئ البحر تاركين إياها لكم، ولم يبقَ لنا غير جبال وعرة تقريبًا، فمن الإنصاف، إذن، أن تدعونا نعيش فيها أحرارًا آمنين، ونراكم متسكعين مشتتين ضعفاء أكثر منا، ونرى أننا قادرون على ذبحكم وأن نحول حتى دون علم أصحابكم بمصابكم، غير أننا لا نريد سفك دماء بشر مثلنا، اذهبوا واذكروا أنكم مدينون بحياتكم لشعورنا الإنساني، ولا تنسوا أنكم تتلقون هذا الدرس في الاعتدال والكرم من قوم تسمونهم أجلافًا متوحشين.»
ويرجع الجنود، الذين ردهم أولئك البرابرة، إلى المعسكر، ويقصون ما لاقوا، ويهيج جنودنا، ويعتريهم خجل من مشاهدتهم أناسًا من أهل أقريطش مدينين بحياتهم لتلك الزمرة الفارة التي يرونها أكثر مشابهةً للدببة مما للآدميين، ويذهبون إلى الصيد أكبر عددًا حاملين جميع أنواع السلاح، ويصادفون المتوحشين من فورهم، ويغيرون عليهم، ويحمَى الوطيس، وتتطاير السهام من الفريقين كتطاير البرد في الحقل حين العاصفة، ويُكرَه المتوحشون على الارتداد إلى الجبال الوعرة حيث لم يجرؤ رجالنا على الإيغال.
ويرسل هؤلاء القوم إليَّ، بعد قليل زمنٍ، شيخين من أكثرهم حكمة ويلتمسان مني السلام، ويقدمان إليَّ هديةً مؤلفةً من جلود وحوشٍ كان القوم قد اصطادوها، وهديةً من ثمرات البلد، ويمسك كل منهما سيفًا بيدٍ وغصن زيتون باليد الأخرى، ويقولان لي: «ترى، أيها الملك، أننا نمسك سيفًا بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، وهذه هي السلم، وهذه هي الحرب، فاختر، ونحن نفضل السلم، ونحن، حبًّا للسلم، لم نجد عارًا في تنزلنا لك عن شاطئ البحر الجميل حيث الشمس تجعل الأرض خصيبةً منتجةً لكثير من الثمرات اللذيذة، ونعُدُّ السلم أطيب من جميع هذه الثمرات، ومن أجل السلم لجأنا إلى هذه الجبال العالية المكسوة ثلجًا وجليدًا والتي لا يُرى فيها زهر الربيع ولا ثمر الخريف الزاخر، ونَمْقُت تلك الفظاعة التي تخرب الدول باسم الطموح والمجد تخريبًا طائشًا والتي تقوم على سفك دماء من هم إخوة في الإنسانية، وإذا كان هذا المجد الزائف يفتنك فاعلم أننا نأبى أن نحسدك عليه، وأننا نرثِي لك سائلين الآلهة أن يحفظونا من مثل هذه الصولة، وإذا كانت العلوم التي يُعنى الأغارقة بتعلمها، وإذا كانت الآداب التي يباهون بها، لا توحي إليهم بغير هذا الجور الكريه فإننا نعتقد أننا من السعداء لعَطَلِنا من هذه المنافع، وأما نحن فنباهي بأن نكون برابرةً جاهلين دائمًا، ولكن مع العدل والرأفة والصدق والنزاهة والقناعة وازدراء الترف الذي يزيد الإنسان احتياجًا، وكل ما نقدر هو الصحة والزهد والحرية وقوة الجسم وكمال العقل وحب الفضيلة ومخافة الآلهة والحَدَب على الأقرباء وحب الأصدقاء والإخلاص لجميع الناس والاعتدال في السراء والتجمل في الضراء، والشجاعة في قول الحق دائمًا، ومقت النفاق، فهؤلاء القوم هم الذين نقدم إليك مثل جيران وحلفاء، فإذا كان الآلهة الغاضبون يُعمُون بصيرتك فيجعلونك ترفض السلم فإنك ستعلم، ولكن بعد الأوان، أن الذين يحبون السلم عن اعتدال هم أكثر من يُرهَب في الحرب.»
وبينا كان هذان الشيخان يخاطبانني بهذا الأسلوب لم أسأم من النظر إليهما، فوجدتهما ذوي لحية طويلة مع إهمال، وشعر قصير مع بياض، وحاجبين كثيفين، وبصر ثاقب، ونظر ثابت، وحزم في الهيئة، واتزان في الكلام، وزيادة في الوجاهة، وبساطة في الأوضاع، وسذاجة في الأطوار، وكان الجلد الذي يلبسان معقودًا على الكتف فلم يَحُلْ دون تبيني أن أعصاب أذرعهما وعضلهما أقوى من أعصاب المصارعين وعضلهم، وأجيب هذين الرسولين بأنني أبغي السلم، ونضع معًا شروطًا كثيرة عن حسن نية، ونشهد جميع الآلهة على ذلك، وأعطي هذين الرجلين هدايا وأصرفهما.
بيد أن الآلهة الذين طردوني من مملكة أجدادي لم يسأموا من اضطهادي بعد، وذلك أن صيادينا، الذين لم يمكن إخبارهم حالًا بأمر السلم الذي وضعناه لاقوا في اليوم نفسه جمعًا كبيرًا من هؤلاء البرابرة كان يصحب رسوليهم عند عودتهما من معسكرنا، ويهجمون على هؤلاء بصولة، ويقتلون بعضهم ويتعقبون الباقين في الغاب.
وها هي ذي الحرب قد اشتعلت، ويرى هؤلاء البرابرة أنه لا يمكن الاعتماد على وعودنا، ولا على أيماننا.
وهم، لكي يكونوا أعظم قوةً حيالنا، يستنصرون علينا باللكريين والأبوليين واللكانيين والبروتيين وأهل كروتون ونريت وبرند، ويأتي اللكانيون بعربات مسلحة بمناجل كبيرة قاطعة، ويلبس كل واحد من الأبوليين جلد وحش قتله، ويحمل الأبوليون دبابيس ذات عقد كبيرة كثيرة ومجهزةً بمسامير، ويظهرون ذوي قامات كقامات العلوج، وتبدو أجسامهم من العُصْلبية بفعل التمرينات الشاقة التي يزاولونها ما يلقي منظرها وحده في القلوب رعبًا، ولا يزال اللكريون، الذين جاءوا من بلاد اليونان، يشعرون بأصلهم اليوناني، ويكونون أكثر رأفةً من الآخرين، وقد أضافوا إلى ما عندهم من تدريب الكتائب اليونانية المحكم بأس البرابرة وتعوُّدهم شظف العيش فصار من المتعذر قهرهم، ويحمل اللكريون تروسًا خفيفةً مصنوعة من ليف الخيزران ويلبسون جلودًا، ويتقلدون سيوفًا طويلة، ويشابه البروتيون الأيائل والنعام خفَّةَ عَدْوٍ فيخيل إلى الناظر أن أطرى الكلأ لم يوطأ بأرجلهم إذا ما مروا عليه، ولا تكاد أقدامهم تترك أثرًا على الرمل، ويلُوحون منقضِّين على أعدائهم بغتةً، ثم يتوارون بمثل السرعة التي أتوا بها، ويحذق أهل كروتون رمي النبال، وما كان الرجل اليوناني المدرب ليستطيع أن يوتر قوسًا كما يرى عند الكرتونيين على العموم، ولو حدث اشتراكهم في ألعابنا لفازوا بالجوائز، وتسقَّى سهامهم بعصارة بعض الأعشاب السامة التي تنبت على شواطئ بحيرة أفرن على ما يقال والتي يميت سمها، وأما أهل نريت وبرند ومسابيه فلا نصيب لهم من جميع ذلك غير قوة الأبدان والشجاعة بلا مهارة، وما يخرجون من أصوات مزعجة، عندما يرون العدو، يبلغ عنان السماء، أجل، إنهم يجيدون الرمي بالمقاليع، ويكدِّرون الجو بوابلٍ من الحجارة التي يرشقونها، غير أنهم يقاتلون بلا نظام، وهذا ما تريد أن تعرفه يا منتور، والآن تعلم أصل هذه الحرب ومن هم أعداؤنا.
وكان تلماك الفاقد الصبر يظن، بعد هذا الإيضاح، أنه لم يبقَ عليه غير تناول السلاح، ويزجره منتور، ويقول منتور لإيدومنه ما يأتي: «وما السبب، إذن، في كون اللكريين الذين أتوا من بلاد اليونان قد انضموا إلى البرابرة ضد الأغارقة؟ وما السبب في ازدهار كثير من المستعمرات فوق هذا الساحل من البحر من غير قيامها بحروبٍ كالتي تقومون بها؟ أنت تقول، يا إيدومنه: إن الآلهة لما يسأموا من اضطهادك، وأنا أقول: إنهم لما يتموا تأديبك، فما عانيت من مصائب لَمَّا يعلِّمْك ما يجب أن تصنع لتحُول دون وقوع الحرب، أجل، إن ما قلت عن حسن نية هؤلاء البرابرة يكفي للدلالة على إمكان تمتعك بسلام نحوهم، بيد أن الكبرياء والخيلاء تؤديان إلى أخطر الحروب، وقد كان يمكنكم أن تتبادلوا الرهائن، وقد كان من السهل أن ترسل مع سفيريهم بعض رؤسائك لإيصالهم بأمان، وقد كان من الواجب منذ تجديد هذه الحرب، أن تسكنهم ببيانك لهم أن مهاجمتهم نشأت عن جهل للاتفاق الذي عُقد، وقد كان يجب أن تقدم إليهم جميع الضمانات التي يطلبونها وأن تفرض عقوبات شديدةً على كل من يخل بالاتفاق من رعاياك، ولكن ماذا حدث منذ بدء الحرب؟»
ويجيب إيدومنه عن ذلك بقوله: «لقد اعتقدت أننا لا نستطيع، من غير ذل، أن نقصد هؤلاء البرابرة الذين جمعوا على عجل جميع الرجال الصالحين للقتال والذين التمسوا العون من جميع الأمم المجاورة التي جعلونا ممقوتين عندها مشتَبَهًا فينا لديها، وقد لاح لي أن أضمن وسيلة تُتَّخذ هو أن نستولي بسرعة على بعض المسالك في الجبال التي كانت سيئة الحراسة، وقد استولينا عليها بسهولة فانتهينا بذلك إلى إلقاء الحزن في نفوس هؤلاء البرابرة، وقد أقمت عليها أبراجًا يمكن أن تمطر كتائبنا منها جميع الأعداء، الذين يأتون بلدنا من الجبال، وابلًا من النبال، ونستطيع بهذه الوسيلة أن ندخل بلدهم وأن نخرب منازلهم متى أردنا، ونستطيع بهذه الوسيلة أن نقاوم بقوَّاتٍ متفاوتة هذا الجمع الذي لا يحصى له عدد من الأعداء المحيطين بنا، ثم إن تقرير السلم بيننا وبينهم أصبح صعبًا؛ وذلك لأننا لا نترك لهم هذه الأبراج من غير أن نعرض أنفسنا لغاراتهم، ولأنهم يعدونها قلاعًا نتخذها لاستعبادهم.»
وهذا جواب منتور: «أنت ملك حكيم، أنت تريد أن تُكشف لك الحقيقة من غير تلطيف، أنت لست كأولئك الرجال الضعاف الذين يخافون أن يروها سافرةً، والذين يعوزهم من الشجاعة ما يقوِّمون به سلوكهم، فلا يستعملون سلطانهم إلا لتأييد الخطأ الذي يأتون؛ ولذا فاعلم أن هؤلاء القوم من البرابرة ألقوا عليك درسًا عجيبًا حينما جاءوك ليسألوك سلمًا، وهل طلبوه عن ضعف؟ وهل تعوزهم الشجاعة والوسائل حيالك، كلا، كما ترى، وذلك ما داموا أهل حرب، وما داموا مؤيدين من قبل جيران مرهوبين كثيرين، ولم لا تقتدي بهم اعتدالًا؟ ألا إن حياءً سيئًا ومجدًا باطلًا ألقياك في هذه المصيبة! لقد خشيتَ أن تجعل العدو بالغ الزهو، ولم تخشَ أن تجعله بالغ القوة بتأليب أمم كثيرة عليك عن سلوك منك قائم على الغطرسة والبغي، وما نفعُ هذه الأبراج التي تُطريها كثيرًا إن لم يكن إلزام جميع جيرانك بأن يهلكوا أو يهلكوك اتقاء عبودية آتية؟ لم تقم هذه الأبراج إلا لتكون في أمان، ولم تدرِ أنها سبب خطرٍ كبير عليك، ولم تدرِ أن أضمن حصن للدولة هو العدل والاعتدال وحسن النية واطمئنان جيرانك إلى أنك عاجز عن اغتصاب أملاكهم، أجل، يمكن سقوط أقوى الأسوار بحوادث كثيرة غير منتظرة، وإن الطالع جامح متقلب في الحرب، بيد أن حب جيرانك لك وثقتهم بك، إذا ما شعروا باعتدالك، يجعلان دولتك حصينةً لا تقهر مطلقًا كما يحولان دون مهاجمتها أبدًا تقريبًا، وإذا ما أغار جار جائر عليها لم تلبث جميع الدول الأخرى، التي يهمها بقاؤها، أن تلجأ إلى السلاح للدفاع عنها، فتأييد من الأمم التي ترى مصالحها الحقيقية في دعم مصالحك يكون أقوى من هذه الأبراج التي تجلب من المصائب ما لا يمكن تلافيه، ولو فكرت منذ البداءة في اجتناب غيرة جميع جيرانك لازدهرت مدينتك الناشئة في سلم مبارك ولكنت حكمًا بين جميع أمم هسبرية.»
ولنقتصر الآن، إذن، على البحث عن الوجه الذي يمكن به إصلاح الماضي بالمستقبل، وقد أخذت تقول لي: إنه يوجد على هذا الشاطئ مستعمرات يونانية كثيرة، فكان يجب أن تستعد هذه المستعمرات لمساعدتك، وهي لم تنسَ اسم مينوس بن جوبيتر الكبير، ولا ما قمت به من أعمال مجيدة في أثناء حصار تروادة حيث امتزت بين أمراء الأغارقة قتالًا عن بلاد اليونان، ولم لم تضمن انحيازها إليك؟
فلما سمع إيدومنه هذه الكلمات عانق منتور ورق ولم يقدر على الكلام، ثم نطق، مع المشقة، بالكلمات: «أعترف لك، أيها الشيخ الحكيم الذي أرسله الآلهة لإصلاح جميع زلاتي، بأنني كنت أغضب على أي واحد كان لو خاطبني بمثل صراحتك، وأعترف لك بأنك الوحيد الذي يمكن أن يكرهني على طلب الصلح، وذلك أنني كنت قد عزمت على الهلاك أو قهر جميع أعدائي، ولكن من الإنصاف أن يسلَّم بنصائحك الحكيمة، لا بهواي، وما أسعدك، يا تلماك، بالحصول على هذا المرشد الذي لن تضل بفضله كما ضللت بعملي فيما مضى! وأنت المعلم يا منتور، وأنت حائز لكل ما عند الآلهة من حكمة يا منتور، وما كانت منرفا نفسها لتستطيع الإنعام بنصائح أنفع مما تنعم به أنت، فاذهب، وعِدْ، وعاهد، وأعطِ كل ما عندي، فسيوافق إيدومنه على كل ما تراه صوابًا.»
وبينا كان يؤتَى بالبراهين على هذا الوجه سُمع بغتةً دوي مختلط صادر عن عرباتٍ وخيلٍ صواهل ورجال يخرجون من الزعق ما هو هائل وأبواق تملأ الجو بصوت مقاتل، ويصرخ الناس بقولهم: «هؤلاء هم العدو الذين قاموا بدورةٍ كبيرة اجتنابًا للمسالك المحروسة! هؤلاء هم العدو الذين جاءوا لحصار سلنتة!»
ويظهر الشيوخ والنساء مذعورين قائلين: «آه! هل كان من الواجب أن نغادر وطننا الغالي الخصيب: أقريطش، وأن نتبع ملكًا منكود الحظ مجاوزين بحارًا كثيرةً كيما نقيم مدينةً ستتحول إلى رماد كما جرى لتروادة؟»
وكان يُرى، من فوق الأسوار التي بنيت حديثًا، وذلك في الحقول الواسعة، ما كان يلبس الأعداء من خوذٍ ودروعٍ وتروسٍ تلمع بنور الشمس فتبهر العيون، وكان تُرى، أيضًا، حراب شائكة ساترة للأرض كما لو كانت هذه الأرض مستورة بغلات وافرة أعدتها سرس في حقول إنة بصقلية، أيام الصيف الحارة، كيما تكافئ الفلاح على جميع مشاقه، وتلاحظ العربات المجهزة بمناجل كبيرة قاطعة، ويسهل تمييز كل شعب أتى إلى هذه الحرب.
ويصعد منتور في برج عال حتى يطَّلع على أولئك جيدًا، ويتبعه إيدومنه وتلماك عن كثب، ولم يكد منتور يبلغ المكان المقصود من البرج حتى أبصر فلكتيت من جهة ونسطور وابنه بزسترات من جهة أخرى، وكان من السهل أن يُعرف نسطور بسبب جلال مشيبه.
ويصيح منتور قائلًا: «ماذا إذن! كنت تعتقد، يا إيدومنه، أن فلكتيت ونسطور يكتفيان بعدم مساعدتك، فانظر كيف يحملان السلاح حربًا عليك، وأقول، إذا لم يتطرق الوهم إلي، إن هذه الكتائب الأخرى التي تمشي مشيًا وئيدًا منتظمًا هي كتائب لكدمونية بقيادة فلنتوس، والخلاصة أن الجميع إلْب عليك وأنه لا يوجد جار في هذه الناحية لم تجعله عدوًّا لك من غير أن تدبر أمرك معه.»
قال منتور هذا ونزل من البرج مسرعًا، ويتقدم نحو باب المدينة الذي يزحف نحوه الأعداء، ويأمر بفتحه، ولا يجرؤ إيدومنه، الدَّهِش من الهيبة التي أتى منتور بها هذه الأمور، على سؤاله عن مقصده، ويشير منتور بيده لكيلا يتبعه أحد، ويذهب أمام الأعداء الذين حاروا إذ رأوا رجلًا يتقدم بمفرده نحوهم، ويريهم، من بعيد، غصن زيتون دليلًا على السلام، فلما بلغ مكانًا يمكن أن يسمعوه منه طلب منهم أن يجمعوا جميع رؤسائهم، فلما اجتمع هؤلاء الرؤساء خاطبهم بما يأتي: «أيها الرجال الأكرمون المجتمعون من أمم كثيرة تزدهر في هسبرية الغنية! أعلم أنكم أتيتم هنا نفعًا للحرية، وإن أحمدكم على غيرتكم، ولكن اسمحوا لي بأن أعرض عليكم وسيلةً سهلة للمحافظة على الحرية وعلى مجد جميع شعوبكم، وذلك من غير سفك دم إنسان، فيا نسطور، يا نسطور الحكيم، الذي أراه في هذا المجلس، أنت لا تجهل مقدار شؤم الحرب حتى على من يقومون بها مع العدل وتحت حماية الآلهة، وأن الحرب أعظم المصائب التي يحزن الآلهة بها الناس، وأنت لن تنسى ما قاسى الأغارقة أمام تروادة الشقية في عشر سنين، وأي انقسام لم يقع بين الزعماء! وأي تقلب لم يُبدِه الطالع! وأي تقتيل لم يصب به الأغارقة على يد هكتور! وأي بلاءٍ لم تُبتَلَ به أقوى المدن في أثناء غياب ملوكها الطويل بسبب الحرب؟! ولما عاد هؤلاء ابتلي بعضهم بغرق عند رأس كَفْره، ولقي بعضهم حتفه بين أحضان الأزواج، ويا أيها الآلهة! إن غضبكم هو الذي أعد الأغارقة لتلك الحملة المجيدة! ويا أهل هسبرية! إنني أدعو الآلهة ألا يمنوا عليكم بمثل ذلك النصر الكثير الشؤم، أجل، لقد تحولت تروادة إلى رماد، ولكنه كان الأفضل للأغارقة أن يكون قد بقي لها كامل مجدها، وألا يزال النذل باريس يتمتع مطمئنًّا بمعاشقه الشائنة مع هيلانة، وأنت يا فلكتيت، الذي ظل بائسًا مهمَلًا زمنًا طويلًا في جزيرة ليمنى، ألا تخاف أن تلقى مثل هذه المصائب في مثل هذه الحرب؟ وإني أعلم أن أهل لكونية عانوا، أيضًا، اضطرابات بسبب غياب أمرائها وقوادها وجنودها الذين ذهبوا لمحاربة الترواديين، ويا أيها الأغارقة، الذين أتوا هسبرية، إنكم لم تأتوها إلا نتيجةً للمصائب التي أسفرت عنها حرب تروادة!»
ويتقدم منتور، بعد هذا الكلام، نحو البيليين، ويتقدم نسطورالذي عرفه ليحييه أيضًا، قال نسطور: «أستقبلك مسرورًا يا منتور، وقد اجتمعت بك منذ سنين كثيرة في فوسيد للمرة الأولى، وكنت في الخامسة عشرة من سنيك، وأبصرت في ذلك الحين أنك ستكون حكيمًا كما وقع بعد ذلك، ولكن بأية مغامرة غدوت هنا؟ وما الوسائل التي عندك لإنهاء هذه الحرب؟ إن إيدومنه هو الذي حملنا على مهاجمته، وقد كنا لا نطلب غير السلام، وقد كان لدى كل واحد منا نفعٌ مُلحٌّ في ابتغائه، ولكن عدنا لا نطمئن إليه؛ وذلك أنه نقض جميع عهوده حيال أقرب جيرانه، وأن السلم معه لا تكون سلمًا مطلقًا، وأنه لا ينتفع بالسلم إلا ليقضي على حلفنا الذي هو وسيلتنا الوحيدة، وأنه نم على مقاصده الجامحة التي تهدف إلى استعباد جميع الشعوب ولم يترك لنا أي مخرج ندافع به عن حريتنا غير الجهاد للقضاء على مملكته الجديدة، فترانا مضطرين، لسوء نيته، إلى إهلاكه أو قبول نِير العبودية منه، فإذا كنت تجد طريقة تمكننا من الثقة به ونضمن بها سلمًا صالحًا تخلت جميع الشعوب التي ترى هنا عن السلاح مختارةً واعترفنا لك، طيِّبي الخاطر، بأنك تفوقنا حكمةً.»
وبينا كان منتور يخاطب نسطور بهذا الأسلوب بين الكتائب المتحالفة كان إيدومنه وتلماك وجميع الأقريطشيين المسلحين ينظرون إليهما من فوق أسوار سلنتة لملاحظة الوجه الذي يُقبَل به كلام منتور، وكانوا يودون لو يسمعون تحاور هذين الشيخين الحكيمين، وكان نسطور يعد أكثر ملوك اليونان حنكةً وفصاحةً في كل وقت، وكان نسطور نفسه هو الذي يسكِّن، في أثناء حصار تروادة، غضب أشيل الفائر وخيلاء أغاممنون وزهو أجكس وصولة ديوميد، وكان الإقناع الحلو يجري من شفتيه كما لو كان جدول عسل، وكان صوته وحده هو الذي يُسمع من قِبَل هؤلاء الأبطال، وكان لا يكاد يفتح فمه حتى يَكُمَّ الجميع أفواههم، وكان لا يوجد غيره من يستطيع رتق الشقاقِ المستَحِرِّ في المعسكر، أجل، إنه أخذ يبتلي نوازل المشيب الفاتر، ولكن مع بقاء كلامه طافحًا قوةً وطلاوة، أجل، إنه كان يثقف الشباب بتجاربه، ولكن مع بيانها بلطافة وقليل تؤدة، فهذا الشائب الذي كان محل إعجاب جميع بلاد اليونان لاح أنه فقد جميع بلاغته وجلاله حينما ظهر منتور معه، كما ظهر أن مشيبه ذاوٍ خامد بجانب مشيب منتور الذي كان يلوح أن السنين احترمت فيه قوة المزاج ونشاطه، وعلى ما كان من رصانة كلام منتور وبساطته كان هذا الكلام رشيقًا نافذًا نفاذًا يعوز كلام نسطور، وكان كل ما ينطق به منتور مختصرًا دقيقًا متينًا، وما كان ليعيد القول مطلقًا، وما كان ليحدث عن غير الأمر الضروري الذي يجب تقريره، وكان إذا ما اضطر إلى الكلام غير مرةٍ عن الأمر عينه كيما يرسخ في الذهن، أو لكي يبلغ درجة الإقناع، فعل هذا بمداورات جديدة وقياساتٍ محسوسة دائمًا، حتى إنه كان يبدو مداعبًا مازحًا، بما لا يعرَب عنه، متى أراد تناول احتياجات الآخرين وتلقينهم بعض الحقائق، والخلاصة أنه كان يتألف من هذين الرجلين الجليلين منظر مؤثر في نفوس الأقوام الكثيرين المجتمعين.
وبينا كان جميع أعداء سلنتة المتحالفين يتدافعون حتى يشاهدوهما عن كثب ويسمعوا كلامهما الحكيم، كان إيدومنه وذووه يبذلون جهدهم ليكتشفوا بعيونهم النهَّامة المتعجلة ما تعني حركاتهم وملامحهم.
ويبدو تلماك في تلك الأثناء هلوعًا فيتوارى من الجمع المحيط به ويُهرع إلى الباب الذي كان منتور قد خرج منه ويأمر بفتحه، ولم يلبث إيدومنه الذي كان يظنه بجانبه أن حار إذ رآه يعدو في الحقول ويصل إلى نسطور، ويعرفه نسطور، ويسارع إلى لقائه بخُطًا متزنةٍ وئيدة، ويعانقه تلماك ويضمه بين ذراعيه بشدة من غير أن ينطق بكلمة، ثم يقول بصوت عالٍ: «أيْ والدي! لا أخشى أن أدعوك بهذا الاسم، فما أصابني من رزية عدم لقاء والدي الحقيقي، وما أشعرتني به من لطفٍ، يمنحني حق استعمال هذا الاسم المؤثر، أي والدي! أي والدي العزيز! أراك ثانيةً، فهل يقدَّر لي أن أرى أُوليسَ كما رأيتك؟ إذا ما وُجد شيءٌ يمكن أن أتعزى به عن حرماني إياه فهو أن أجد فيك أوليسًا آخر.»
ولم يستطع نسطور أن يضبط دموعه عند سماع هذا الكلام لما ساوره من سرور حفي ولما أبصر من سيل عبرات على خدي تلماك سيلاً يثير العجب بلطفه، وقد دهش جميع الحلفاء من جمال هذا الشاب الغريب الذي مر من غير احتراز بين كتائب من الأعداء كثيرة كما دهشوا من دماثته ونبل طمأنينته، وقد قالوا: «أليس هذا ابنًا لذاك الشيخ الذي جاء ليخاطب منتور؟ أجل، إنَّ هذه هي نفس الحكمة في العمرين المتباينين أشد تباين في الحياة، وذلك مع الفارق القائل: إنها تزدهر في أحدهما وإنها تحمل في الآخر أنضج الثمرات بكثرة.»
وسر منتور إذ رأى مبلغ الحنان الذي استقبل به نسطور تلماك، فاغتنم هذا الوضع الرائع وقال لنسطور: «ها هو ذا ابن أوليس العزيز كثيرًا على جميع بلاد اليونان وعليك أيضًا أيها الحكيم نسطور! وها أنا ذا أقدمه إليك رهنًا لضمان إخلاص إيدومنه في وعوده، رهنًا يعد أثمن ما يمكن أن تُعطاه في هذا السبيل، ومن ثم ترى أنني لا أريد، بعد فقد الأب، فقد الابن فتلومني بنلوب البائسة على تضحيتي بابنها في سبيل طموح ملك سلنتة الجديد، وإني، مع هذا الرهن الذي جاء من تلقاء نفسه ليقدمها والذي أرسله إليكم محبو الصلح من الآلهة، أبدأ بتقديمي إليكم، أيها المتحالفون المجتمعون المنتسبون إلى أمم كثيرة، اقتراحات أقيم بها سلمًا متينًا إلى الأبد.»
ولم يكد ينطق بكلمة السلم حتى سمع لغط بين صفٍّ وصف، وأخذت هذه الأمم كلها ترتجف غضبًا معتقدةً أن الآفة في التأخير، وذلك لما عنَّ لها أن هذه الخطب لم يؤتَ بها إلا لتخفيف صولتها وتخليص صيدها، وأخص ما في الأمر هو جزع المندوريين أن يأمل إيدومنه مخادعتهم بذلك مرةً أخرى، وما أكثر ما قاطعوا منتور وهو يتكلم خشية أن يستطيع، بكلامه المملوء حكمةً، فصل حلفائهم عنهم، ولسرعان ما أخذوا يشكون في جميع الأغارقة الذين كانوا في المجلس، ويبصر منتور هذا فيبادر إلى زيادة هذا الشك ملقيًا بذور الخلاف في نفوس هؤلاء الأقوام كلهم، قال منتور: «أعترف بأنه يحق للمندوريين أن يتوجعوا من أضرارٍ أصابتهم وأن يطلبوا تعويضًا منها، ولكن ليس من الإنصاف، أيضًا، أن يكون الأغارقة، الذين أقاموا مستعمراتٍ على هذا الساحل، موضع شبهةٍ لدى أهل هذا البلد الأقدمين، وعلى العكس يجب على الأغارقة أن يتَّحدوا فيما بينهم وأن يحملوا الآخرين على حسن معاملتهم، على أن يكونوا معتدلين وألا يحاولوا اغتصاب أَرَضِي جيرانهم، وأعلم أن من سوء حظ إيدومنه كونكم في همٍّ منه، ولكنَّ من السهل شفاءكم من هذا الحذر، وذلك أنني أنا وتلماك نقدم أنفسنا إليكم مثل رهان دالة على حسن نية إيدومنه، وسنبقى قبضتكم حتى إنجاز الأمور التي توعدون بها إنجازًا خالصًا، والذي يغضبكم، أيها المندوريون، هو استيلاء كتائب الأقريطشيين على مسالك جبالكم بغتةً، وأن يكونوا في حال يستطيعون بها، متى أرادوا، أن يدخلوا قسرًا ذلك البلد الذي ارتددتم إليه لتتركوا لهم البلد السهليَّ الواقع على ساحل البحر، ومن ثم تكون هذه المسالك، التي حصنها الأقريطشيون بأبراج زاخرة بأناس مسلحين، سبب هذه الحرب الحقيقي، فقولوا لي: هل يوجد سبب آخر؟»
هنالك تقدم رئيس المندوريين وقال ما يأتي: «ما الذي لم نصنع لاجتناب هذه الحرب؟ والآلهة شهود على أننا لم نعدل عن السلم إلا بعد أن أفلت السلم منا بلا وسيلة نتيجةً لطموح الأقريطشيين الذي يورث الغم ونتيجةً لما أوجبوا من تعذر ثقتنا بعهودهم، ويا لتلك الأمة الحمقاء التي ألزمتنا على الرغم منا بضرورة سلوك سبيل كريه أملاه القنوط منها، سلوك سبيل قائلة بألا نبحث عن سلامتنا إلا بهلاك هذه الأمة! ولا ننفك نعتقد أن هؤلاء القوم يريدون غصب أرضينا واستعبادنا ما حافظوا على هذه المسالك، ولو كانوا لا يفكرون في غير السلام حيال جيرانهم بالحقيقة لاكتفوا بما تنزَّلنا لهم عنه بلا عناء، وما أُولعوا بالمحافظة على مسالك في بلد لا يضمرون لحريته أي مقصد قائم على الطمع، ولكنك لا تعرفهم أيها الشيخ الحكيم! ولكننا عرفناهم بعد مصائب، فكف أيها الرجل الذي تحبه الآلهة عن تأخير هذه الحرب العادلة الضرورية التي لا يمكن هسبرية أن ترجو سلامًا دائمًا بغيرها، ويا لكِ من أمة جاحدة خادعة ظالمة أتى بها الآلهة إلينا ليكدروا سلامنا وليعاقبونا على ذنوبنا! ويا أيها الآلهة، ستنتقمون لنا بعد أن عاقبتمونا، ولن تكونوا أقل عدلًا حيال أعدائنا مما كنتم حيالنا.»
ولم يكد ذاك الرئيس يتم كلامه حتى لاح المجلس كله هائجًا، فكأن مارس وبلون كانا يسيران من صفٍّ إلى صفٍّ موقدان في القلوب نار حرب يحاول منتور إطفاءها، ويعود منتور إلى الكلام، ويقول: «لو اقتصرت على وعودٍ أقدمها لأمكنكم عدم الثقة بها، ولكنني أعرض عليكم أمورًا ثابتة حاضرة، فإذا كنتم لا تكتفون بأخذي وأخذ تلماك رهنًا صنعت ما تعطَون معه اثني عشر رجلًا من أنبل الأقريطشيين وأشجعهم زيادةً على ذلك، ومن العدل أن تُعطوا رهانًا من ناحيتكم أيضًا؛ وذلك لأن إيدومنه الذي يريد السلم مخلصًا يريدها بلا وَجَل ولا ذل، أجل، إنه يرغب في السلم عن حكمةٍ واعتدالٍ مثل رغبتكم فيها كما تقولون، ولكن لا عن حبٍّ لحياة الترف ولا عن ضعفٍ حيال أخطار تهدد الحرب بها الناس، أجل، إنه مستعد ليهلك أو يغلب، ولكنه يفضل السلم على أروع نصر، أجل، إنه يخجل من خوف الغلب، ولكنه يخاف أن يكون جائرًا ولا يستحي من عزمه على إصلاح خطئه، وهو يعرض عليكم صلحًا والسلاح بيده، وهو لا يريد فرض شروطه متكبرًا؛ وذلك لأنه لا يقيم وزنًا لسلمٍ تتم قهرًا، وهو يريد سلمًا يرتاح له جميع الأفرقاء، يريد سلمًا يقضي على كل حسد، يريد سلمًا يلطف كل حقد، يريد سلمًا يشفي من كل حذر، والخلاصة أنه يساور إيدومنه من المشاعر ما اراكم تريدونها له، ولا يتوقف الأمر على غير إقناعكم، ولا يتم إقناعكم إلا باستماعكم لي بروحٍ طليقٍ هادئ.»
فاستمعوا، إذن، أيها الأقوام البالغو الإقدام، وأيها الرؤساء المتحدون البالغو الحكمة، إلى ما أعرض عليكم بالنيابة عن إيدومنه: «ليس من العدل أن يستطيع إيدومنه دخول أملاك جيرانه كما أنه ليس من العدل أن يستطيع جيرانه دخول أرضيه، وهو يوافق أن تقوم بحراسة المسالك، التي حصنت بأبراج عالية، كتائب محايدة، وأنت يا نسطور، وأنت يا فلكتيت، من أصل يوناني، ولكنكما خصمان لإيدومنه في الوقت الحاضر؛ ولذا لا يمكن اتهامكما بالعطف على مصالحه، وإنما الذي يهمكما هو مصلحة السلم المشتركة ومصلحة حرية هسبرية، فكونا حارسين أمينين لهذه المسالك التي تسبب الحرب، فأنتما لا تقلَّان حرصًا على منع شعوب هسبرية القديمة من تدمير سلنتة التي هي مستعمرةٌ إغريقية جديدة مشابهة للمستعمرات التي أقمتما عن حرصكما على منع إيدومنه من اغتصاب أملاك جيرانه، وحافظا على التوازن بين هؤلاء وأولئك، واحتفظا بشرف كونكما حكمين ووسيطين بدلًا من حمل الحديد والنار إلى إحدى الأمم، أجل، إنكما ستقولان لي: إن هذه الشروط رائعة كما يلوح إذا ما اطمأننتما إلى إخلاص إيدومنه في القيام بها، ولكنني سأصنع ما يرضيكما.
يوجد ضمان متبادل بالرهان التي حدثتكما عنها، وذلك إلى الحين الذي تصبح جميع المسالك وديعةً في أيديكما، فإذا ما قبضتما على ناصية سلام هسبرية بأسرها وسلام سلنتة فهل تكونان راضيين؟ وممن تحذران بعد ذلك؟ أمن أنفسكما؟ أنتما لا تثقان بأن يريد إيدومنه، وهو عاجزٌ عن مخادعتكما، أن يفوض أمره إليكما، إي والآلهة، إنه يريد أن يوليكما أمر راحة رعيته وحريتهم وحياتهم وحياة نفسه، فإذا كنتما راغبين في سلم صالحة فها هي ذي السلم تعرض عليكما، وتنزع منكما كل ذريعةٍ لتأخيرها، وأعود فأقول: لا تتصورا أن الخوف هو الذي أملى عليه هذا العرض، بل الحكمة والعدل هما اللذان يحملانه على سلوك هذا السبيل غير مبالٍ بأن تعزوا إلى الخوف ما يصنع عن فضيلةٍ بالحقيقة، والواقع أنه اقترف بعض الخطايا في البداءة، ولكنه جعل من مجده أن يعترف بها فيما عرض من فوره، ومن ضعفه وزهوه وجهله الفظيع لمصلحته الخاصة أن يرجو كَتْم خطيئاته بأن يتكلف تأييدها عن استعلاء وكبرياء، ومن يعترف لعدوه بخطاياه ويعرض عليه أن يصلحها يدل على غدوه عاجزًا عن اقترافها، وعلى العدو أن يخشى مثل هذا السلوك القائم على الحكمة والثبات ما لم يعقد صلحًا، واحترزا من صنع ما يجعلكما في موقف المخطئ بدوره، وإذا ما رفضتما السلم والعدل اللذين يسعيان إليكما فإن العدل والسلم ينتقمان لنفسهما، وذلك أن إيدومنه الذي وجب أن يخشى غضب الآلهة عليه يحول هؤلاء الآلهة عليكما، وسنحارب أنا وتلماك دفاعًا عن الحق، وإني أشهد جميع آلهة السماء والنار على الشروط العادلة التي أعرضها عليكما.
ولما أتم منتور هذا الكلام رفع ذراعه وأظهر للحضور غصن الزيتون الذي كان في يده علامةً على السلام، ويدهش الرؤساء الذين ينظرون إليه عن كثبٍ ويبهرون بالنور الرباني الذي كان يسطع من عينيه، وقد لاح من جلاله وسلطانه ما بدا به أرفع من جميع خواص الناس، وكان فتون كلامه العذب القوي يأخذ بمجامع القلوب فيشابه السحر الذي يقف القمرَ والكواكبَ عند سكون الليل العميق وفي وسط الألنب، ويسكن البحر الهائج ويسكت الرياح والأمواج ويحبس الأنهار السريعة عن الجريان، وكان منتور، بين هؤلاء الأقوام الصائلين، مثل باخوس المحاط بالنمور إذ تنسى قسوتها فتلحس رجليه بفعل صوته العذب وتنقاد بالملامسة، وكان أول ما وقع حدوث صمت عميق في جميع الجيش، ونظر بعض القواد إلى بعضٍ عاجزين عن مقاومة هذا الرجل غير مدركين هويته، وتحدق جميع الكتائب إليه ساكنةً، ولا يجرؤ أحد على الكلام خشية بقاء شيء عنده يعبر عنه، ومخافة عدم سماعه، ومع أنه لم يوجد شيء يضاف إلى ما تكلم عنه فقد تمنى الحضور لو دام كلامه زمنًا طويلًا، ويبقى جميع ما قال منقوشًا على جميع القلوب، ولا غرو؛ فهو إذا ما تكلم حبب نفسه إلى الناس، وحمل الناس على الإيمان به، وظل كل واحد حائرًا يطمع لو يعي أدق ما يمكن أن ينطق به.»
والخلاصة أنه سمع، بعد صمتٍ طويل، صوت بهيم أخذ ينتشر مقدارًا فمقدارًا وعاد لا يسمع ذاك اللغط المختلط المحتدم عن سخط، بل همسٌ عذب لطيف، ومما لوحظ على الوجوه ما لا يعبَّر عنه من بشر واطمئنان، ويشعر المندوريون، الذين بلغوا الغاية من الغضب، بأن الأسلحة تسقط من أيديهم، ويدهش فلنتوس مع أتباعه من اللكدمونيين، ويُرى أن أحشاءه الحديدية لانت، ويتنفس الآخرون الصعداء بهذا الصلح الذي لوِّح لهم به، ولم يستطع فلكتيت، الذي هو أشد إحساسًا من سواه بما ابتلى من مصائب، أن يمسك دمعه من السيلان، ولم يقدر نسطور على الكلام عن وجد ألقاه فيه كلام منتور فعانق منتور عناق حنان من غير أن ينطق بكلمة، ولم يلبث جميع الأقوام أن هتفوا قائلين: «لقد أطفأت غضبنا أيها الشيخ الحكيم! السلم! السلم!»
ولما ذهب عن نسطور الوجد أراد أن يتكلم، ولكن جميع الكتائب التي فرغ صبرها خافت أن يقيم بعض العقبات فعادت إلى هتافها: «السلم! السلم!» وما كان ليمكن فرض الصمت عليها إلا بهتاف جميع قادة الجيش معها: «السلم! السلم!»
ويرى نسطور أنه ليس حرًّا في القيام بخطبة متسقة، فيكتفي بقوله: «ترى، يا منتور، ما يكون من أثر لرجل الخير، فإذا ما تكلمت الحكمة والفضيلة سكنتا جميع الأهواء، وتتحول أحقادنا العادلة إلى صداقة ورغبةٍ في سلمٍ دائمة، ونحن نرضى بها كما تقدمونها إلينا»، ويمد جميع الرؤساء أيديهم علامةً على القبول.
ويهرع منتور إلى باب المدينة كيما يأمر بفتحه ويدعو إيدومنه إلى الخروج من سلنتة بلا احتراز.
ويقبل نسطور تلماك في تلك الأثناء، ويقول: «أي ابن أحكم جميع الأغارقة المحبوب، أيمكن أن تكون مثله حكمةً وأكثر منه سعادةً؟ وهل اطلعت على شيء حول مصيره؟ إن ذكرى أبيك الذي تشابهه ساعدت على كظم غيظنا»، ومع أن فلنت قاسٍ فظٌّ، ومع أنه لم يرَ أوليس قط، تحركت عاطفته حيال مصائب أوليس ومصائب ابنه.
وبينما كان يُلحَف على تلماك أن يقص خبر مغامراته رجع منتور مع إيدومنه وجميع من تبعه من الشبيبة الأقريطشية.
ولما رأى الحلفاء إيدومنه أحسوا فوران غضبهم، ولكن كلام منتور أطفأ هذه النار التي كادت تلتهب، قال منتور: «وما يمنعنا من عقد هذا الحلف المقدس الذي نشهد الآلهة عليه ويكونون حماةً له؟ ولتنتقم الآلهة من كل ملحد يقدم على نقضه، ولتبعد جميع دوائر الحرب من كل شعب مخلص بريء، ولتدُرْ على رأس كل طامع لعين يدوس حقوق هذا الحلف المقدسة، وليغدُ هذا الطامع ممقوتًا لدى الآلهة والناس، ولا يتمتع بثمرات مكره، ولتثُرْ زبانية جهنم، وهي على أقبح الوجوه، غيظه ويأسه، وليهلك غير راجٍ لنفسه رمْسًا، وليكن بدنه طعمةً للكلاب والعقبان، وليكن مقره في الدرك الأسفل من النار حيث يعذب بأشد مما ينال تنتال وإكسيون والدنائيد، ولكن ليكن هذا السلم راسخًا كصخور أتلاس التي تُمسك السماء، وليكرم جميع الأقوام هذا السلم وليذوقوا ثمره جيلًا بعد جيل، وليدر اسم واضعيه في أفواه أعقاب الأعقاب عن حبٍّ وإجلال، وليصبح هذا السلم القائم على العدل وحسن النية نموذجًا لكل سلم يتم في المستقبل عند جميع أمم الأرض، ولنفكر جميع الشعوب التي تريد السعادة باتحادها في الاقتداء بشعوب هسبرية!»
ولما أتم منتور كلامه عقد إيدومنه والملوك الآخرون ذاك الصلح وفق الشروط المذكورة، ويقدم كل من الفريقين رهانًا عددها اثنا عشر، ويحب تلماك أن يكون من الرهان التي قدمها إيدومنه، ولكن لا يوافق على كون منتور منها؛ وذلك لأن الحلفاء أرادوا بقاءه بجانب إيدومنه ليجيب عن سلوكه وسلوك مستشاريه حتى تنفذ جميع الأمور الموعود بها، ويُذبَح بين سلنتة وجيش الأعداء مائة عجلٍ أبيض كالثلج كما يذبح مئة ثور أبيض، كالثلج أيضًا، ذات قرون مذهبةٍ مزخرفة بأكاليل من الزهور والغصون، وتدوِّي الجبال المجاورة بما يصدر عن القرابين التي تسقط تحت السكين المقدس من خوار مرهوب، ويسيل الدم الداخن من كل ناحية، ويُكثَر من صب الخمر الصالحة لإكرام الآلهة، ويُنعِمُ العرافون نظرهم في الأحشاء التي لا تزال تختلج، ويحرق الكهنة المقربون بخورًا في المذابح يؤلف سحابًا كثيفًا فينشر في جميع الحقول رائحةً ذكية.
ويكف جنود الفريقين عن نظر بعضهم إلى بعض نظر عداء، ويتحادثون حول مغامراتهم، ولا غرو، فقد استراحوا من أعمالهم وتذوقوا حلاوة السلم مقدمًا، ويعرف كثير ممن رافقوا إيدومنه في حصار تروادة رجال نسطور الذين اشتركوا في تلك الحرب أيضًا، ويتعانقون عناق حنان، ويتبادلون الحديث عما حدث لهم بعد تدمير هذه المدينة الرائعة التي كانت حِلْية جميع آسية، وينامون على الأعشاب، ويتوجون أنفسهم بأكاليل من الزهور، ويشربون معًا من الخمر ما يجلبون من سلنتة بآنية عظيمةٍ تكريمًا لذاك اليوم المبارك.
وبينا كانت الأمور تسير هكذا خاطب منتور الملوك والقواد المجتمعين بما يأتي: «لن تكونوا غير أمة واحدة بعد الآن مهما اختلفت الأسماء وكثر الرؤساء، وهكذا فإن الآلهة العادلين المحبين للناس الخالقين إياهم يريدون أن يكونوا رابطةً أبديةً لتمام اتفاقهم، وليس جميع الجنس البشري غير أسرة واحدة موزعة فوق البسيطة، وإنما الناس إخوة يجب أن يتحابوا، وإن الويل لأولئك الملاحدة الذين يبحثون عن المجد الجائر في دم إخوتهم الذي هو دمهم الخاص! أجل، إن الحرب أمر ضروري أحيانًا كما هو الحق، ولكن من العار على الجنس البشري أن تكون الحرب أمرًا لا مفر منه في بعض الأحوال، ويا أيها الملوك! لا تقولوا بوجوبها نيلًا للمجد ما دام المجد الحقيقي داخل الإنسانية، ومن يفضل مجده الخاص على المشاعر الإنسانية يعد غولَ صَلَف، لا إنسانًا، أي إنه لا ينتهي إلى غير مجدٍ باطل، والمجد الحقيقي لا يوجد إلا في الاعتدال واللطف، أجل، يمكن أن يُراءى الملك إرواءً لزهوه السخيف، ولكن مع القول عنه سرًّا عندما يراد الحديث بإخلاص: «إنه كلما أراد المجد عن هوًى جائرٍ قل استحقاقه له، ولا ينبغي للناس أن يقدروه ما قل تقديره للناس وأسرف في بذل دمائهم في سبيل عجب جافٍ»! ويا لسعادة الملك الذي يحب رعيته فتحِبه، وطوبى للملك الذي يثق بجيرانه فيثقون به، وطوبى للملك الذي يجتنب شهر الحرب عليهم، ويحول دون وقوعها بينهم، وطوبى للملك الذي يحرك غيرة جميع الأمم الأجنبية حول سعادة رعاياه بكونه ملكًا لهم! وأنتم، يا من وُلُّوا أمر الحكم في مدن هسبرية العظيمة، فكروا، إذن، في اجتماع بعضكم إلى بعض حينًا بعد حين، واعقدوا في كل ثلاث سنين مجلسًا عامًّا يشترك فيه جميع الملوك الحاضرين هنا لتجديد الحلف بعقد جديد، ولِشَدِّ أواصر الصداقة الموعودة، وللتشاور في جميع المصالح العامة، وستلاقون داخل هذا البلد الجميل سلامًا ومجدًا ورخاءً، ولن يكون في الخارج غالب لكم أبدًا ما دمتم متحدين، ولا يوجد غير الشقاق الذي يصدر عن الجحيم لتعذيب الناس ما يمكن أن يكدر صفو السعادة التي يعدها الآلهة لكم.»
واسمع جواب نسطور: «ترى من سهولة عقدنا للسلم مقدار بعدنا من كل رغبة في شهر الحرب نيلًا لمجد باطل أو طمعًا في توسيع بلدنا توسيعًا جائرًا إضرارًا بجيراننا، ولكن ما يمكن أن يُصنَع حيال أمير عَسُوف لا يعرف قانونًا غير منفعته فلا يضيع فرصةً في الاستيلاء على أملاك الدول الأخرى؟ ولا تظن أنني أتكلم عن إيدومنه، كلا، بل عاد لا يساورني عن إيدومنه مثل هذا الفكر، وإنما ملك الدونيين؛ أدرست، هو الذي يثير خوفنا كثيرًا، وذلك أنه يزدري الآلهة، وأنه يعتقد أن جميع أهل الأرض لم يولدوا إلا ليبذلوا أنفسهم في سبيل مجده مثل عبيد، وأنه لا يريد وجود رعايا يكون ملكًا أبًا لهم، وأنه يريد أن يكون رعاياه عبيدًا عبَّادًا له منتحلًا مقام الربوبية، ولم يصدر عن الطالع الأعمى حتى الآن غير إقراره على أشد غاراته جورًا، ولم نبادر إلى مهاجمة سلنتة إلا للخلاص من أضعف عَدُوَّيْنا الذي أخذ يستقر بهذا الساحل، ثم لتوجيه سلاحنا إلى ذلك العدو الأقوى الذي استولى على كثير من مدن حلفائنا والذي خسر أهل كروتون معركتين حياله، وهو يتخذ جميع أنواع الوسائل إرواءً لطمعه، وهو لا يفرق بين القوة والحيلة في إرهاق أعدائه، وقد جمع أموالًا وافرة، وقد درب جنوده وزادهم عددًا، قادته محنكون، وخدمته حسنة، وتراه يرقب جميع من يعملون بلا انقطاع، وتراه يعاقب بشدةٍ على أصغر زلة، وتراه يكافئ بكرمٍ على ما يقدَّم إليه من خِدَم، وما عنده من بسالة يدعم بسالة جميع جنوده ويشجعهم، أجل، إنه يكون بذلك ملكًا كاملًا لو اتخذ العدل وحسن النية رائدين له في سيره، ولكنه لا يخاف الآلهة، ولا يخشى تأنيب الضمير، ولا يكترث حتى للسمعة التي يعدها وهمًا باطلًا لا ينبغي أن تردع غير ذوي النفوس الضعيفة، ولا يحسب من الخير الحقيقي الثابت النافع غير ما يحوز به ثروات عظيمةً وما يكون به مرهوبًا من الناس وما يدوس به جميع الجنس البشري، وقد لا يمضي وقت قصير حتى يظهر جيشه في أرَضِينا، وإذا كان اتحاد هذه الشعوب الكثيرة لا يمكننا من مقاومته فقدنا كل أملٍ في الحرية، ومن مصلحتنا ومصلحة إيدومنه أن نصد هذا الجار الذي لا يطيق من هو حر في جواره، ولو قُهِرْنا لوقعت سلنتة في مثل مصيبتنا، فلنبادر إلى سبقه إذن.»
وبينا كان نسطور يقول هذا كان يُسَارُ نحو مدينة سلنتة؛ وذلك لأن إيدومنه كان قد التمس من جميع الملوك ومن أهم الرؤساء أن يدخلوها لقضاء الليلة فيها.