الجدل الأخلاقي في أدب الأطفال
إحدى مناطق الاختلاف الواضح بين أدب الأطفال وأدب الكبار هي طبيعة ومدى الاهتمام بما يمكن وصفه على نحوٍ واسع بالقضايا الأخلاقية، سواءٌ أكانت هذه القضايا تركز على الطريقة التي تتكون بها العلاقة بين المؤلفين والقراء، أم القضايا التي يجري تناولها، أم أخلاقيات الإنتاج (هل من المقبول أن يُنتَج كتاب للأطفال بواسطة أطفال آخرين يكدحون في العمل في دار نشر استغلالية، أو أن تُدمَّر البيئة في أثناء إنتاج هذا الكتاب؟) ويبدو أن مناقشة التعقيدات الأخلاقية المرتبطة بأدب الأطفال خصوصًا تعد طريقة مناسبة لختم هذه «المقدمة القصيرة جدًّا»؛ لأنها توضح كيف تؤثر حداثة سن الجمهور وعدم خبرته على الإنتاج الأدبي، وكيف يمكن لدراسة أدب الأطفال أن تلقي الضوء على جوانب الثقافة بصورة أعم.
على مدار تاريخ أدب الأطفال، استخدم الكبار أدب الأطفال كوسيلة لتحفيز القراء على التفكير بطرق معينة، ولتقدير سلوكيات وأنشطة معينة، والابتعاد عن أشخاص معينين. ونظرًا لأن هذا النوع موجَّه إلى جمهور شديد التأثر وفي مرحلة تكوين الشخصية؛ فمن الضروري الانتباه إلى الطبقات المتعددة — والمتعارضة أحيانًا — للنشاط والتفكير الأخلاقيَّين اللذين تتم في أجوائهما عملية الكتابة للأطفال والشباب، علاوةً على حقيقة أن الأطفال لديهم الآن أكثر من أي وقت مضى إمكانية الوصول إلى العديد من مصادر المعلومات والأفكار. تغير المعلومات المستقاة من شبكة الإنترنت والقنوات التليفزيونية الفضائية وألعاب الكمبيوتر ما يعرفه الأطفال على الأرجح — أو مرُّوا به — عن أمورٍ مثل العنف والجنس وإيذاء النفس والتنمر؛ مما يؤثر على نوعية الموضوعات التي يقدمها الكاتب للقراء وطريقة عرض وتقديم وتناول الموضوعات.
أدب الأطفال كوسيلة دعاية
لطالما أشار النقاد وغيرهم من الكبار المهتمين بأدب الأطفال إلى أهمية أن ينتبه من يكتبون للأطفال إلى أن لديهم واجب رعاية تجاه قرائهم، بمعنى أن يحرصوا على عدم إيذاء الأطفال عاطفيًّا (مثل تخويفهم بشدة أو حرمانهم من الأمل)، أو تعليميًّا (مثل تجنب تقديم معلومات خاطئة أو الوقوع في أخطاء نحوية ولغوية)، وهذا القلق يذكرنا بأنه في أدب الأطفال لا تكون العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة طرفين متساويين؛ بل إنها أيضًا علاقة بين شخص بالغ وطفل. وقد يتضمن واجب «الرعاية» هذا للقارئ ممارسة التحكم بطرق لا تخدم مصلحة القراء الصغار. فمثلًا، تُقدِّم جاكلين روز (١٩٨٤) رؤية لعلاقة الكبار بالأطفال في أدب الأطفال بأنها علاقة يغوي فيها الكتَّابُ القراءَ الصغار ويوقعونهم في شراك بطرق تقلل من احتمالات تحديهم لسلطة الكبار. وعند التفكير في روايات الشباب تحديدًا، تقول روبرتا سيلنجر ترايتس (٢٠٠٠) أيضًا بأن أدب الأطفال يحاول احتواء قوة واستقلال الشباب من خلال التأكيد على خطورة تحدي الوضع القائم. وتشير ماريا نيكولاييفا (٢٠٠٩) إلى الطريقة التي يميل من خلالها أدب الأطفال إلى جعل فترة البلوغ هي العرف السائد الذي يتمرد عليه الأطفال بأنها طريقة غير سوية. وسواءٌ أكانت هناك نسخة قياسية للنضج خلف الكتابة للأطفال أم لا، فلا شك أن الكبار قد استخدموا أدب الأطفال مرارًا وتكرارًا لنشر معلومات وترسيخ قيم لأسباب متعددة.
إن قراءة هذه القصص ستساعدكم على فهم الحياة التي تنتظركم. وعندما تتعلمون أن تفهموا الحياة، ستتعلمون كيف يمكنكم تشكيل حياتكم. ولن تكونوا مجرد بيادق شطرنج يحركها القدر بأصابعه، بل ستصبحون أسياد أقداركم. لن تكونوا جزءًا من التاريخ فحسب، بل ستصنعون التاريخ بأنفسكم.
عند تأمل هذه الكتابات من منظور عصرنا الحالي، قد تبدو لنا بسيطة وبدائية، لكن هذه الأمثلة توضح كيف استُخدِم أدب الأطفال كوسيلة لتحدي الوضع الراهن وكذلك لإعادة إنتاجه. بَيْدَ أن استخدام أدب الأطفال للدعاية ليس أمرًا مقصورًا على الماضي فحسب. فنجد أن السلسلة الشاملة «المتروكون: الأطفال» (١٩٩٨– ) بقلم جيري بي جنكينز وتيم لاهاي نموذج لذلك. فهذه السلسلة التي تبيع ملايين من النسخ تعد دعاية واضحة للحركة الإنجيلية. وتقص السلسلة قصة مجموعة من المراهقين الذين يُتركون في الأرض بعد صعود المختارين إلى السماء — وهو الوقت الذي يتوقع فيه المسيحيون أن يتجمعوا للقاء المسيح العائد. وعندما يدرك هؤلاء المراهقون أخطاء حياتهم السابقة، فإنهم يكونون «قوة شباب المحنة» — وهي مجموعة مقاومة سرية إنجيلية مسيحية، وخلال سنوات المحنة السبع التي يجتاح فيها الأرضَ الوباءُ والبلاءُ والمصائبُ الأخرى التي تكون المحنة التالية، يقاوم هؤلاء الشباب المسيح الدجال من خلال نشر تعاليم الأناجيل.
والقراء الضمنيون لهذه النصوص هم شباب صغار يُربَّون وفقًا للمبادئ الإنجيلية، وتشير الإهداءات المكتوبة في النسخ المستخدمة من تلك الكتب إلى أنها أهديت للصغار من قِبل أقاربهم الذين يعتبرون تلك الكتب حقيقية وتتنبأ بالمستقبل؛ ومن ثَمَّ فإن هذه الكتب تقدم موعظة لأشخاص متدينين. وهذه الأعمال التي تروج لأفكار على نحو واضح تعد أقل تعقيدًا على المستوى الأخلاقي؛ لأن الأثر الذي تسعى لتركه على القراء يعد واضحًا مقارنةً بالأعمال الأخرى التي تروج لأفكارها ترويجًا خفيًّا. ويمكن مقارنة تلك السلسلة بسلسلة روايات «سجلات نارنيا» (١٩٥٠–١٩٥٦) التي يحاول فيها سي إس لويس إعادة تخيل القصة المسيحية بطرق يعتقد أنها ستروق القراء من الأطفال. وينجح لويس بوضوح في جذب انتباه القراء الصغار؛ إذ أصبحت «سلسلة نارنيا» جزءًا من تراث أدب الأطفال، واستمتعت بها أجيال متلاحقة من الأطفال. وهنا تكمن المعضلة الأخلاقية؛ إذ إنه لا يفهم كل أصدقاء نارنيا الرسائل المسيحية عند قراءة السلسلة وهم أطفال. ورغم أن لويس قال إن القصص ليست إسقاطات، ولكنها تتوافق بسلاسة مع الأحداث المذكورة في الكتاب المقدس، وإنها تعتمد على مصادر أخرى للأساطير والخرافات، فإنه لديه أجندة مسيحية متنكرة بصورة مناسبة لتبرير الاتهامات بالتبشير بصورة خفية. قد تكون أخلاقيات إخفاء الموقف الأيديولوجي بهذه الطريقة مثيرة للإزعاج، لكن لا يوجد نص أدبي يخلو من الأيديولوجية، ويمكن عمل دراسة توضح أن أعمال لويس تنجح غالبًا في مساعدة الأطفال ليصبحوا فيما بعد قراءً قادرين على نقد النصوص بكفاءة — بما فيها سلسلة نارنيا عند قراءتها مرة أخرى في كبرهم. فإذا صح هذا المنطق، يصبح اللغز الأخلاقي هو: هل الغاية تبرر الوسيلة حقًّا؟
وعند التفكير في القضايا الأخلاقية الناجمة عن المحاولات المتعمدة للتأثير على القراء من الأطفال، من المهم ألا نغض الطرف عن الأعمال الأدبية الكثيرة التي تهدف بالأساس إلى تشجيع الأطفال على التفكير باستقلالية وعلى أساس مستنير قدر الإمكان تجاه قضايا مثل العدل والحرية والصواب والخطأ ومعنى السلوك القويم. وتقف هذه الأعمال على طرف نقيض من الأعمال الدعائية، ويحفل التاريخ بعدد هائل من الكتابات التي تسعى إلى تحفيز القراء وتدريبهم على تحليل وتقييم مزايا ومسئوليات مناصب معينة سعيًا وراء تحقيق الوعي الأخلاقي. ومما لا شك فيه أنه حتى الكتابات التي تحاول تعليم الأطفال جمع الأدلة من قراءاتهم وإخضاعها للفحص هي في حقيقة الأمر تتبنَّى موقفًا أيديولوجيًّا عن قيمة هذا النوع من النشاط؛ ومن ثَمَّ لا يسع أيديولوجيات المؤلفين إلا تشكيل إنتاجهم الأدبي. وعلى أي حال، وكما توضح الأمثلة التالية، فإن كتب الأطفال تطرح العديد من الأسئلة الأخلاقية المعقدة، والتي قد تساعد القراء على اكتساب مهارات تحليلية فضلًا عن اختبار ردود أفعالهم مقارنةً بردود أفعال الآخرين.
أخلاقيات السلطة
هناك تاريخ طويل من الكتابة عن العبودية للأطفال، بل إنه في بعض الأوقات تم اعتبار الأطفال أنفسهم عبيدًا أو خدمًا (وكثيرون منهم لم يكن وضعهم أفضل من وضع العبيد بكثير). ونشأت هذه المقارنة في القرن الثامن عشر على أساس أن الأطفال كانوا مغلوبين على أمرهم إلى حدٍّ كبير وخاضعين لسلطة معظم من حولهم؛ مما كان يعني أن القراء الصغار كان لديهم أسباب تجعلهم يستشعرون جيدًا ظلم العبودية. وبالفعل، فقد شجعهم العديد من النصوص الداعية إلى إلغاء العبودية على ذلك.
وتنقل رواية هارييت بيتشر ستو تركيزنا على أدب الأطفال المتعلق بالعبودية إلى الولايات المتحدة، التي استمرت فيها العبودية لما يزيد عن نصف قرن بعد حظرها في بريطانيا. شكليًّا، لم يعد الأمريكيون من أصول أفريقية عبيدًا منذ نهاية الحرب الأهلية الأمريكية (١٨٦٥)، لكن ميراث العبودية كان لا يزال يخيم على المجتمع، وقدم أدب الأطفال بعض الأعمال القوية التي عملت على مداواة آثار الوحشية والفظائع السابقة، وأشادت بإسهامات الأمريكيين الأفارقة في الثقافة الأمريكية، وتحدت الأفكار النمطية السائدة من خلال تمثيل تجربة السود وثقافتهم كجزء مميز من الحياة الأمريكية العادية. وخلال سبعينيات القرن العشرين، وبعد الفوز في المعارك الرئيسية للحقوق المدنية للسود، تحول تركيز أدب الأطفال بشكل كبير من تناول مساوئ العبودية إلى تناول الحاجة إلى مواجهة العنصرية عند تأليف كتب الأطفال. ورغم ذلك استمرت الكتابات والرسوم المقدمة للأطفال في تناول قضية العبودية كما في سلسلة الرسوم القوية والمثيرة للإعجاب التي تعكس الظروف على متن سفينة لتجارة العبيد في رواية «الممر الأوسط: سفينة بيضاء/شحنة سوداء» (١٩٩٥) للكاتب توم فيلينج.
وتأتي ثنائية «أوكتيفيان ناثينج» (٢٠٠٦–٢٠٠٨) للكاتب إم تي أندرسون — التي تختلف مكانيًّا ووظيفيًّا — لتعرض حياة ولد أفريقي في مستعمرة بوسطن، حيث نشأ الولد كجزء من تجربة في عصر التنوير لإثبات أن السود أقل شأنًا من البيض. ورغم أن الكتابين يركزان بالأساس على الظلم الذي تسببه العبودية، فإنهما في الوقت نفسه يثيران تساؤلات حول أحداث وتوجهات في القرن الحادي والعشرين بطرق تشجع التفكير الأخلاقي عن الحاضر. فعلى سبيل المثال، تُعقد مقارنات بين سياسات أمريكا في حرب الاستقلال، والعبودية، والحرب على الإرهاب بما في ذلك تعذيب الجنود الأمريكيين للسجناء في سجن أبو غريب بالعراق. ويقدم الجزء الأول من الثنائية بعنوان «حفل الجدري» إمكانية مقارنة طريقة تفكير «الموت أو الشفاء» التي اعتنقها أوائل من وافقوا على التطعيم ضد الجدري بالمراهقين الشواذ اليوم والذين يخاطرون ويمارسون الجنس غير الآمن على أساس أن القلق المصاحب لانتظار الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أسوأ من الإصابة به بالفعل.
الإنصاف
إن التمييز بين الصواب والخطأ في المواقف المختلفة يلمس موضوعًا مألوفًا طالما انشغلت به مرحلة الطفولة: ألا وهو الإنصاف. فكل من يتعامل مع الأطفال يواجه دائمًا شكواهم الغاضبة من الظلم. وتعد رواية «هنري هاجينز» (١٩٥٠) للكاتبة بيفرلي كليري نموذجًا لقصص الأطفال البسيطة التي بحثت هذا الموضوع بعمق، فهي تروي قصة واقعية حدثت في بلدة أمريكية صغيرة. تحكي القصة علاقة الصداقة القوية التي تنشأ بين هنري وكلب يظن أنه ضال يسمى ريبسي، لكن الحقيقة هي أن هذا الكلب ليس كلبًا ضالًّا، بل ضائع من صاحبه الذي يحبه كثيرًا. والولد الآخر لطيف تمامًا مثل هنري، ويحب الكلب كثيرًا مثله. وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب، يتفق الولدان على أن ريبسي يجب أن يختار صاحبه. وفي نهاية يسودها التوتر، يقف الولدان على مسافة متساوية من الكلب ويناديان عليه في الوقت نفسه، وبعد مرور بضع دقائق خيم فيها التوتر على الجميع بسبب التردد، يختار ريبسي أن يبقى مع هنري. وهذه النهاية حزينة وسعيدة في الوقت نفسه؛ لأن القراء قد شهدوا علاقة هنري مع ريبسي وأرادوا أن يكونا معًا، لكن هذه السعادة تسبب الألم للولد الآخر. وتحاول كليري خفية أن تجعل القراء يتأملون إذا ما كان هذا هو القرار الأفضل والعادل، وأن يتساءلوا إذا ما كان بإمكانهم التوصل لحل أفضل لهذه المشكلة، وأن يتعاطفوا مع الخاسر في الوقت نفسه الذي يشاركون فيه هنري سعادته.
وتوضح رواية «هنري هاجينز» الأطفال وهم يتخذون قرارات عادلة دون تدخل الكبار، ويلتزمون بميثاق الشرف المفترض وجوده في أعمال أدب الأطفال. وفي هذه الحالة، فإن هذه القوانين تعني قبول عدم الغش وعدم الرجوع في القرارات وعدم التراشق بالاتهامات. وأحيانًا يتم إعلان طبيعة هذه القوانين، فمثلًا تحتوي القصص المدرسية على مواقف تقال فيها هذه القوانين للتلاميذ الجدد أو المخطئين، أما في رواية «كتب الأدغال» (١٨٩٤-١٨٩٥)، للكاتب روديارد كيبلينج، فنجد أن الذين لا يلتزمون بقانون الغابة يُوَبَّخون علانية. وتعد رواية «لعبة إندر» (كُتبت في ١٩٨٥، وتمت مراجعتها في ١٩٩١) للكاتب أورسون سكوت كارد من روايات الأطفال التي تختبر مبادئ شرف الطفولة غير المكتوبة في أدب الأطفال إلى أقصى حد. وتدور أحداث هذه الرواية مختلطة الجمهور (إذ إنها لم تُكتب في الأصل للأطفال لكنها جذبت قاعدة عريضة من القراء الشباب حتى إنه تم تحويلها إلى كتاب للأطفال) في المستقبل بعد أن تعرضت الأرض مرتين لغزو المخلوقات الفضائية. وتتناول الرواية تطور طالب المدرسة أندرو ويجين — أو «إندر» — خلال «معركة المدرسة» التي صممت لتحديد القادة العسكريين المحتملين استعدادًا لمواجهة الهجوم الثالث المحتمل من المخلوقات الفضائية. ورغم جو المنافسة الشديدة، نجد أن الأطفال يعلمون القوانين ويلتزمون بها؛ كما يعرف الكبار الذين يتلاعبون بهم من خلف الأستار أنهم سيلتزمون بتلك القوانين.
ويعد «عدم التسلل» جزءًا راسخًا من هذه القوانين، والذي يتم التلاعب به بطريقة ساخرة في رواية «لعبة إندر»؛ لأن القراء يعلمون أن الأولاد خاضعون باستمرار لمراقبة الكبار الذين لا يتدخلون حتى في حالة إصابة أحد الأولاد إصابةً بالغة تكاد تودي بحياته؛ لأنهم يرون أن الوحشية من السمات الأساسية للقائد القادر على هزيمة المخلوقات الفضائية. ومن أول الاختبارات الأخلاقية التي يواجهها القراء هو تحديد ما إذا كان سلوك الكبار مبرَّرًا أخلاقيًّا أم لا، ورغم ذلك نجد أن الأزمة الأخلاقية في هذا الكتاب تكمن في قضية أخرى.
يتكون تدريب الأطفال على القيادة إلى حدٍّ كبير من ممارسة الألعاب، وقتال بعضهم البعض أحيانًا، وأحيانًا يتقاتلون عبر الكمبيوتر في بيئة محاكاة واقعية ومعقدة تحاكي هجوم المخلوقات الفضائية إلى حدٍّ كبير. وعندما ينتصر إندر وفريقه في المحاكاة التي تختبر تكتيكاتهم ومهاراتهم وقدرتهم على التحمل في تجربة تفوق أي شيء شهدوه في حياتهم، يتضح أن ذلك لم يكن ممارسة لعبة بل كانوا يشنون حربًا. ونظرًا لأن النصر تحقق من خلال تدمير كوكب المخلوقات الفضائية؛ فقد تمت إبادة عرق بأكمله. ومع هذا الاكتشاف علموا أن المخلوقات الفضائية — بعد أن أدركوا أن البشر نوع من أشكال الحياة الواعية — كانت قد قررت عدم محاولة احتلال الأرض وأرادت السلام.
إن عدد ومدى تعقيد القضايا الأخلاقية التي تعج بها رواية «لعبة إندر» هائلان؛ فهل من الصواب السماح للأطفال بالاقتتال إذا كان هذا من الممكن أن ينقذ البشرية؟ هل هناك ما يبرر للكبار قيامهم بالضغط على الأطفال ذهنيًّا وبدنيًّا وعاطفيًّا مهما كان السبب؟ هل من الصواب السماح لأي شخص بتنفيذ خطة إبادة جماعية تحت ستار ممارسة لعبة؟ هل هناك حدود للولاء؟ وحقيقة أن الأطفال قد اهتموا بقراءة رواية «لعبة إندر» إلى هذا الحد تدل على أن هذه الأسئلة تشغل بالهم، وأنهم يرون أن تلك الكتب وسيلة لاستكشافها.
كلا الجانبين الآن
ترجع المشكلات الكثيرة التي أثارتها رواية «لعبة إندر» إلى كونها قصة عن الحرب إلى جانب كونها قصة مدرسية. وبينما كانت قصص الحروب في الماضي تقدم أحداثًا وطنية وواضحة مثل تلك الموجودة في روايات جي إيه هنتي (١٨٣٢–١٩٠٢)، نجد أن هذا الجنس الأدبي خرج من رحمه الكثير من أقوى الأعمال الأدبية المقدمة للأطفال في العقود الأخيرة وأكثرها تحديًا على المستوى الأخلاقي. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، لم تَعُد قصص الحرب تُروَى من منظور المنتصر كما كان الحال على مدار الجزء الأكبر من تاريخ أدب الأطفال، وغالبًا ما كانت الحدود بين الصديق والعدو صعبة التمييز.
تحكي رواية «أنا ديفيد» (١٩٦٣) للكاتبة آن هولم، عن ولد يهرب من أحد معسكرات الاعتقال التي نشأ فيها، وقد تُرجمت هذه الرواية من اللغة الدانماركية إلى اللغة الإنجليزية في عام ١٩٦٥، ومنذ ذلك الحين، أنتج أدب الأطفال عددًا من الكتب التي تتناول أهوال الحرب ولا سيما محرقة الهولوكوست. وقد أثارت الأعمال الأدبية التي تناولت محرقة الهولوكوست تحديدًا جدلًا كبيرًا؛ فتساءل بعض النقاد حول ما إذا كان من المناسب الكتابة عن مثل هذا الموضوع لجمهور من الصغار أم لا، لعدة أسباب منها أن فهم هذا الموضوع يتطلب تبسيطًا شديدًا حتى إن النصوص يجب أن تحرف الأحداث، كما أن مواجهة الأطفال بهذه الوحشية قد يكون أمرًا مضرًّا لهم. وذهب البعض الآخر إلى قول أنه ليس مبكرًا على الإطلاق رواية قصة الهولوكوست للأطفال؛ لأن هناك دافعًا أخلاقيًّا لإخبارهم بما حدث كوسيلة لمنع تكرار هذه الوحشية في المستقبل، وإحياءً لذكرى ضحايا الهولوكوست.
ويعتبر الكتاب المصوَّر الذي كتبه المؤلف الإيطالي روبرتو إينوسينتي تحت عنوان «روز بلانش» (١٩٨٥، وتحتوي النسخة البريطانية منه على نص أعاد سرده إيان ماكيوان؛ أما النسخة الأمريكية (وهي أفضل من البريطانية) فقد تُرجمت من الإيطالية على يد مارثا كوفينتري وريتشارد كراليا) من أوائل الأعمال التي استخدمت وجهة نظر طفل يتمتع بالبراءة وتداخل الألفاظ والصور لخلق نص سردي بليغ. وهناك الكثير من الفجوات بين ما يُقال وما يُفهم من تلك القصة التي تحكي عن فتاة ألمانية تكتشف معسكر موت على أطراف قريتها، وتفعل ما في وسعها لمساعدة السجناء قبل أن تلقى حتفها خطأً برصاص القوات المنسحبة. لا تبسط رواية «روز بلانش» الأمور مطلقًا، بدءًا من حقيقة أن البطلة فتاة ألمانية طيبة، وأن مكافأتها على إنسانيتها ونكرانها لذاتها وشجاعتها هو الموت. ونجد أيضًا أن الموت هو الثمن الذي يدفعه برونو — الشخصية المحورية في رواية «الولد ذو البيجامة المخططة» (٢٠٠٦) للكاتب جون بوين — مقابل صداقته لولد يدعى شمويل، وهو سجين في معسكر الموت الذي يديره والد برونو. وبينما يؤكد إينوسنتي على براءة روز بلانش وشجاعتها ليؤكد أن هناك ألمانًا طيبين، يبرز بوين افتقار برونو للمعرفة وعجزه عن فهم الأمور التي يراها ويسمعها ليوضح أن كثيرًا من الألمان كانوا مثله غير مدركين لما يحدث. والعنوان الفرعي لرواية «الولد ذو البيجامة المخططة» يقول إنها قصة خيالية، ربما ليلتمس العذر لعدم دقة الحقائق المذكورة والأحداث التي لا تُصدَّق، والنهاية الغامضة. وفي الرواية نجد أن برونو — الذي لم يتصرف دائمًا بنبل — يتمكن من زيارة شمويل على الجانب الآخر من السياج السلكي الذي كان يفصل بينهما حتى ذلك الوقت، وينتهي به الأمر بالذهاب مع شمويل إلى غرفة الغاز. فهل تكون لحظة موته هي أكثر اللحظات التي تصرَّف فيها بحماقة، أم أكثر اللحظات التي أحسن فيها التصرف؟ إن موت برونو يدمر أسرته، لكن هل يجعله ذلك نوعًا من العدالة أو يمثل تعويضًا لمئات الآلاف من اليهود الذين أُبيدوا في المعسكر؟ هذا الكتاب أيضًا شديد التعقيد من الناحية الأخلاقية.
المتاهة الأخلاقية في أدب الأطفال
وباستشراف المستقبل في الوقت الذي يمكن فيه استنساخ البشر بالكامل، ستهتم كتب الأطفال بطرح سؤالين متصلين ببعضهما؛ السؤال الأول هو: إلى أي مدًى يعتبر هذا المستنسَخ شخصًا حقيقيًّا؟ أما السؤال الثاني فهو: هل من الصواب عمل شخص مستنسخ من أجل الحصول على أعضاء وأجزاء الجسم منه لإصلاح و/أو تجديد الأعضاء والأجزاء الأصلية التي استُنسِخ منها؟ تعمد مصطلحات مثل «الحصول على أعضاء» إلى اعتبار المستنسَخ شخصًا أقل من البشر، لكن النصوص الأدبية كثيرًا ما تحاول إضفاء صفة بشرية على المستنسخ بجعله شخصية محورية. وقد يُقدَّم المستنسخ على أنه نسخة من الشخص الأصلي ليس أكثر، لكن القراء يتعرفون عليه كفرد مستقل له ذكرياته وتجاربه الخاصة. ومن هذا المنظور، يعتبر المستنسخ شبيهًا بأخ توأم أو جزء من مجموعة أجِنَّة تكوَّنت من بويضة واحدة، بدلًا من اعتباره نسخة من أصل، وطريقة التفكير هذه تشجع على التعاطف مع المستنسخ.
وقد ينبع الارتباط بشخصية المستنسخ من حقيقة أنه أصغر سنًّا من الشخص الأصلي؛ ومن ثَمَّ فإنه يكون دائمًا شخصية قريبة من الأطفال.
كما تتناول الروايات المعاصرة للأطفال والشباب أيضًا قضايا أقرب إلى تجربتهم وما يشغل بالهم من قضية الاستنساخ. فتشتمل الكتب للمراهقين الأكبر سنًّا الآن على قصص حول أشكال جديدة من التنمر عبر الإنترنت؛ فمثلًا نجد أن رواية «فتيات طيبات» (٢٠٠٦) للكاتبة لورا روبي، تحكي عن فتاة صوَّرتها زميلتها سرًّا وهي تمارس الجنس الفموي مع رفيقها. وانتشرت الصور عبر الإنترنت ورآها والداها ومدرسوها. في حين نجد أن شخصية المدرس هي المشكلة في رواية «الولد اللعبة» (٢٠٠٧) للكاتبة باري ليجا، والتي تحكي عن الصبي جوش الذي تعرض للإيذاء الجنسي من مدرسته وهو صغير، ويُضطَر إلى مواجهة إحساسه بالذنب والخوف عندما تخرج تلك المُدرِّسة من السجن. وعلى صعيد آخر، ينتهي الحال ببطلة رواية «البحث عن جيه جيه» (٢٠٠٥) للكاتبة آن كاسيدي — وهي الطالبة جيه جيه — في السجن بعد أن قتلت صديقتها المقربة عندما كانتا في سن العاشرة، في حين يفلت زميل ميليندا الذي اغتصبها في الحفل من العقاب في رواية «تحدثي» (١٩٩٩) للكاتبة لوري هالس أندرسون؛ لأن ميليندا تخشى فضح أمره. وفي رواية «الفتاة الميتة الحية» (٢٠٠٩) للكاتبة إليزابيث سكوت، نجد أن السجن هو مصير مختطف أليس الذي ظل يعتدي عليها على مدار خمس سنوات وهو يهددها بقتل أسرتها إذا لم تخضع لأوامره — التي من بينها إحضار فتاة أخرى صغيرة له بعد أن بدأ جسمها يدخل في مرحلة النضج — ومن ثَمَّ لا تجد أليس مهربًا منه سوى الموت. وفي رواية «برسبوليس» — وهي رواية مصورة للكاتبة مارجان ساترابي، تُرجمت في عام ٢٠٠٣ — تجد مارجان نفسها بين خيارين؛ ألا وهما موت والديها أو إلقاء القبض عليهما، فتتركهما في إيران وتبدأ حياة جديدة في أوروبا. وفي رواية «الرجل»، يستخدم الكاتب رايموند بريجز صيغة قصصية مشابهة لاستكشاف قضايا أخلاقية متعلقة بالحجم والجنس والتهميش. وتتساءل الكاتبة سوزان كولينز في ثلاثية «ألعاب الجوع» (٢٠٠٨–٢٠١٠)، عما إذا كان من المقبول قتل المنافسين من أجل أن تعيش وتعول أسرتك؟ يبدو أنه ليست هناك حدود لنوعية المعضلات الأخلاقية التي يطرحها أدب الأطفال المعاصر، أو للطرق المختلفة التي تطالب القراء بالتمييز بين ما يرغبون في فعله، وما يستطيعون فعله، وما يجب عليهم فعله.
قد تشير القضايا التي يتناولها أدب الأطفال المعاصر إلى أن الفوارق التي تفصل بين الكتابة للكبار والكتابة للأطفال قليلة؛ فالفرق لا يكمن في الموضوع الذي يتم تناوله، بل في طريقة سرد القصص. وكقاعدة عامة، تميل كتب الأطفال والشباب إلى الغموض عند الإشارة إلى أفعال أو أحداث مزعجة، ويمكن للقراء ملء الفراغات وإضافة التفاصيل قدر استطاعتهم أو رغبتهم، لكن لا يُطلب منهم إطلاقًا مواجهة أمور وحشية أو إباحية. وهذه الحساسية تعد جزءًا من فهم مستمر بين المؤلفين والقراء، وبين أهل ومُدرِّسي هؤلاء القراء: ألا وهي أن أدب الأطفال سيقدم طريقة آمنة لاستكشاف الأفكار والمشكلات. من بين أول الموضوعات التي نوقشت في هذه «المقدمة القصيرة جدًّا» هو ما الذي يجعل أحد النصوص «مخصصًا» للأطفال؛ فربما تكون هذه الاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بالقراء الصغار الذين ليس لديهم خبرة إلى حدٍّ ما، هي المعيار الذي يحدد ما إذا كان هذا العمل ينتمي إلى مجال أدب الأطفال أم لا.