كَلِمَاتُ النِّسَاءِ
فِي سَالِفِ الْأَزْمَانِ، كَانَ هُنَاكَ أَخَوَانِ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ يَعِيشَانِ. وَكَانَ الْأَخُ الْكَبِيرُ يُطِيعُ كَلَامَ زَوْجَتِهِ وَبِسَبَبِهَا دَبَّ الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخِ الصَّغِيرِ. كَانَ الصَّيْفُ قَدْ بَدَأَ وَكَانَ وَقْتُ نَثْرِ بُذُورِ نَبَاتِ الذُّرَةِ الْبَيْضَاءِ السَّرِيعِ النُّمُوِّ قَدْ حَانَ. لَمْ يَكُنْ لَدَى الْأَخِ الصَّغِيرِ أَيُّ حُبُوبٍ، وَطَلَبَ مِنْ أَخِيهِ أَنْ يُقْرِضَهُ بَعْضًا مِنْهَا، فَأَمَرَ الْأَخُ الْكَبِيرُ زَوْجَتَهُ أَنْ تُعْطِيَهُ إِيَّاهَا. وَلَكِنَّهَا أَخَذَتِ الْحُبُوبَ وَوَضَعَتْهَا فِي قِدْرٍ كَبِيرَةٍ وَطَهَتْهَا حَتَّى نَضِجَتْ، ثُمَّ أَعْطَتْهَا إِلَى الْأَخِ الصَّغِيرِ. لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ الْأَخِيرُ أَيَّ شَيْءٍ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، فَذَهَبَ وَنَثَرَ الْبُذُورَ فِي حَقْلِهِ. وَلَكِنْ لِأَنَّ الْحُبُوبَ كَانَتْ قَدْ طُهِيَتْ، فَلَمْ تَنْبُتْ. حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ لَمْ تَكُنْ قَدْ طُهِيَتْ؛ فَنَمَا بُرْعُمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. كَانَ الْأَخُ الصَّغِيرُ دَءُوبًا وَمُجْتَهِدًا بِطَبْعِهِ، فَأَخَذَ يَرْوِي الْبُرْعُمَ وَيَعْزِقُ الْأَرْضَ طَوَالَ الْيَوْمِ. نَمَا الْبُرْعُمُ نُمُوًّا عَظِيمًا، نَمَا كَشَجَرَةٍ، وَخَرَجَ مِنْهُ فَرْعُ ذُرَةٍ بَيْضَاءَ يُشْبِهُ الْمِظَلَّةَ، وَكَانَ كَبِيرًا بِمَا يَكْفِي لِيُلْقِيَ بِظِلَالِهِ عَلَى نِصْفِ فَدَّانٍ مِنَ الْأَرْضِ. عِنْدَمَا حَلَّ فَصْلُ الْخَرِيفِ، كَانَ الْفَرْعُ نَاضِجًا؛ فَأَخَذَ الْأَخُ الصَّغِيرُ فَأْسَهُ وَقَطَعَهُ، وَلَكِنْ مَا إِنْ سَقَطَ الْفَرْعُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى ظَهَرَ طَائِرُ رُخٍّ ضَخْمٌ وَانْقَضَّ عَلَيْهِ، وَأَمْسَكَ الْفَرْعَ بِمِنْقَارِهِ وَطَارَ بَعِيدًا. رَكَضَ الْأَخُ الصَّغِيرُ وَرَاءَهُ حَتَّى شَاطِئِ الْبَحْرِ.
وَهُنَالِكَ، الْتَفَتَ الطَّائِرُ وَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ كَإِنْسَانٍ، عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: «لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحَاوِلَ إِيذَائِي! مَا قِيمَةُ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَكَ؟ فَإِلَى شَرْقِ الْبَحْرِ يَقْبَعُ مَمَرُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. سَأَحْمِلُكَ عَبْرَ الْبَحْرِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَهُنَاكَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَأْخُذَ مَا تَشَاءُ وَتُصْبِحَ غَنِيًّا جِدًّا.»
رَضِيَ الْأَخُ الصَّغِيرُ بِذَلِكَ وَتَسَلَّقَ ظَهْرَ الطَّائِرِ. وَأَمَرَهُ الطَّائِرُ أَنْ يُغْلِقَ عَيْنَيْهِ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ سِوَى الْهَوَاءِ وَهُوَ يَصْفِرُ فِي أُذُنَيْهِ وَكَأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَبْرَ رِيَاحٍ عَاصِفَةٍ، وَمِنْ تَحْتِهِ هَدِيرُ الْأَمْوَاجِ الْمُتَلَاطِمَةِ. فَجْأَةً حَطَّ الطَّائِرُ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَالَ: «هَا قَدْ وَصَلْنَا!»
فَتَحَ الْأَخُ الصَّغِيرُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ حَوْلَهُ؛ وَفِي كُلِّ الْجَوَانِبِ لَمْ يَرَ شَيْئًا إِلَّا لَمَعَانَ وَبَرِيقَ كُلِّ أَنْوَاعِ الْأَشْيَاءِ الْمَصْنُوعَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. أَخَذَ بَعْضًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الصَّغِيرَةِ وَخَبَّأَهَا فِي صَدْرِهِ.
سَأَلَهُ طَائِرُ الرُّخِّ: «هَلْ مَعَكَ مَا يَكْفِي؟»
أَجَابَ: «نَعَمْ، مَعِي مَا يَكْفِي.»
قَالَ الطَّائِرُ: «هَذَا حَسَنٌ؛ الِاعْتِدَالُ يَحْمِي الْمَرْءَ مِنَ الْأَذَى.»
ثُمَّ حَمَلَهُ مُجَدَّدًا مَرَّةً أُخْرَى.
عِنْدَمَا عَادَ الْأَخُ الصَّغِيرُ، اشْتَرَى قِطْعَةَ أَرْضٍ خِصْبَةً فِي وَقْتٍ مَعْقُولٍ وَأَصْبَحَ مَيْسُورَ الْحَالِ.
وَلَكِنَّ أَخَاهُ كَانَ يَغَارُ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ بِغِلْظَةٍ: «مِنْ أَيْنَ تَمَكَّنْتَ مِنْ سَرِقَةِ الْمَالِ؟»
لِذَا أَخْبَرَهُ الْأَخُ الصَّغِيرُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَامِلَةً؛ فَعَادَ الْأَخُ الْكَبِيرُ لِمَنْزِلِهِ وَاسْتَشَارَ زَوْجَتَهُ.
قَالَتِ الزَّوْجَةُ: «لَا شَيْءَ أَسْهَلُ مِنْ ذَلِكَ! سَأَطْهُو الْحُبُوبَ مُجَدَّدًا وَأُبْقِي عَلَى حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَا تَنْضَجَ، ثُمَّ تَنْثُرُ أَنْتَ الْبُذُورَ وَلْنَرَ مَاذَا سَيَحْدُثُ.»
وَبِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ تَمَّ الْأَمْرُ. وَبِالطَّبْعِ نَمَا بُرْعُمٌ وَاحِدٌ، وَبِالتَّأْكِيدِ حَمَلَ الْبُرْعُمُ فَرْعًا وَاحِدًا مِنَ الذُّرَةِ الْبَيْضَاءِ. وَعِنْدَمَا حَلَّ مَوْعِدُ الْحَصَادِ ظَهَرَ طَائِرُ الرُّخِّ مُجَدَّدًا وَحَمَلَهُ بِمِنْقَارِهِ. شَعَرَ الْأَخُ الْكَبِيرُ بِالسَّعَادَةِ وَرَكَضَ خَلْفَ الطَّائِرِ، وَقَالَ الطَّائِرُ نَفْسَ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ مِنْ قَبْلُ وَحَمَلَ الْأَخَ الْكَبِيرَ إِلَى الْجَزِيرَةِ. وَهُنَاكَ شَاهَدَ الْأَخُ الْكَبِيرُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُكَدَّسَةً فِي كُلِّ مَكَانٍ. كَانَتِ الْقِطَعُ الْكَبِيرَةُ تَبْدُو كَالتِّلَالِ، وَالْقِطَعُ الصَّغِيرَةُ كَالْحِجَارَةِ. وَكَانَتِ الْقِطَعُ الصَّغِيرَةُ جِدًّا تَبْدُو كَحَبَّاتِ الرِّمَالِ. أَعْمَى الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ عَيْنَيْهِ. لَمْ يَشْعُرِ الْأَخُ الْأَكْبَرُ حِينَهَا بِشَيْءٍ إِلَّا بِالنَّدَمِ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِكَيْفِيَّةِ تَحْرِيكِ الْجِبَالِ؛ لِذَا انْحَنَى وَأَخَذَ يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُ مِنَ الْقِطَعِ.
قَالَ طَائِرُ الرُّخِّ: «لَدَيْكَ الْآنَ مَا يَكْفِي! سَتُرْهِقُ قُوَاكَ.»
قَالَ الْأَخُ الْكَبِيرُ: «تَحَلَّ بِالْقَلِيلِ مِنَ الصَّبْرِ لِبَعْضِ الْوَقْتِ. لَا تَكُنْ عَلَى عَجَلَةٍ! يَجِبُ أَنْ أُحْضِرَ الْمَزِيدَ مِنَ الْقِطَعِ!»
وَهَكَذَا مَرَّ الْوَقْتُ.
أَلَحَّ الرُّخُّ عَلَيْهِ مُجَدَّدًا بِأَنْ يُسْرِعَ: «سَتَظْهَرُ الشَّمْسُ فِي أَيِّ لَحْظَةٍ، وَحَرَارَتُهَا حَارِقَةٌ جِدًّا، فَتُحْرِقُ الْبَشَرَ.»
قَالَ الْأَخُ الْكَبِيرُ: «انْتَظِرْ قَلِيلًا فَحَسْبُ.» وَلَكِنْ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ ظَهَرَ قُرْصٌ أَحْمَرُ مِنْ خَلْفِ السَّحَابِ بِقُوَّةِ هَائِلَةٍ. طَارَ الرُّخُّ إِلَى الْبَحْرِ وَفَرَدَ جَنَاحَيْهِ وَضَرَبَ الْمَاءَ؛ لِيَهْرُبَ مِنَ الْحَرَارَةِ. وَأَمَّا الْأَخُ الْكَبِيرُ فَقَضَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.