الْمُزَارِعُ الْبَخِيلُ
كَانَ هُنَاكَ فِيمَا مَضَى مُزَارِعٌ قَدْ أَخَذَ ثَمَرَاتِ الْكُمَّثْرَى إِلَى السُّوقِ. وَلِأَنَّ طَعْمَهَا وَرَائِحَتَهَا كَانَا طَيِّبَيْنِ، كَانَ الْمُزَارِعُ عَلَى أَمَلِ أَنْ يَتَلَقَّى سِعْرًا مُنَاسِبًا مُقَابِلَهَا. تَقَدَّمَ إِلَى الْعَرَبَةِ رَاهِبٌ بُوذِيٌّ ذُو قُبَّعَةٍ وَرِدَاءٍ مُمَزَّقٍ وَطَلَبَ ثَمَرَةَ كُمَّثْرَى. نَهَرَهُ الْمُزَارِعُ وَلَكِنَّ الرَّاهِبَ لَمْ يَرْحَلْ، فَغَضِبَ الْمُزَارِعُ وَأَخَذَ يَنْعَتُهُ بِأَلْقَابٍ سَيِّئَةٍ. قَالَ الرَّاهِبُ: «لَدَيْكَ الْمِئَاتُ مِنْ ثَمَرَاتِ الْكُمَّثْرَى فِي عَرَبَتِكَ وَأَنَا أَطْلُبُ وَاحِدَةً فَقَطْ. مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ ذَلِكَ لَنْ يُسَبِّبَ لَكَ ضَرَرًا جَسِيمًا. لِمَاذَا غَضِبْتَ بِشِدَّةٍ هَكَذَا؟»
قَالَ الْمَارَّةُ لِلْمُزَارِعِ إِنَّ عَلَيْهِ إِعْطَاءَ الرَّاهِبِ وَاحِدَةً مِنَ الثَّمَرَاتِ الصَّغِيرَةِ وَيَتْرُكُهُ لِيَذْهَبَ، وَلَكِنَّ الْمُزَارِعَ رَفَضَ رَفْضًا قَاطِعًا. شَاهَدَ حِرْفِيٌّ الْأَمْرَ كُلَّهُ مِنْ مَتْجَرِهِ، وَلِأَنَّ الضَّوْضَاءَ أَزْعَجَتْهُ، أَخَذَ بَعْضَ الْمَالِ وَاشْتَرَى ثَمَرَةَ كُمَّثْرَى وَأَعْطَاهَا لِلرَّاهِبِ.
شَكَرَهُ الرَّاهِبُ وَقَالَ: «شَخْصٌ مِثْلِي قَدْ وَهَبَ حَيَاتَهُ لِلْعَالَمِ يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ بَخِيلًا. لَدَيَّ ثَمَرَاتُ كُمَّثْرَى جَمِيلَةٌ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ جَمِيعًا لِتَنَاوُلِهَا مَعِي.» فَسَأَلَهُ الْبَعْضُ: «إِذَا كَانَ لَدَيْكَ ثِمَارُ كُمَّثْرَى فَلِمَاذَا لَا تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِكَ؟!» فَأَجَابَ: «يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيَّ بِذْرَةٌ لِأَزْرَعَهَا أَوَّلًا.»
بَدَأَ الرَّاهِبُ فِي أَكْلِ الْكُمَّثْرَى بِحَمَاسٍ. وَعِنْدَمَا انْتَهَى أَمْسَكَ النَّوَاةَ فِي يَدِهِ، وَأَنْزَلَ فَأْسَهُ مِنْ فَوْقِ كَتِفِهِ وَحَفَرَ حُفْرَةً، وَقَامَ بِوَضْعِ النَّوَاةِ فِي الْحُفْرَةِ وَرَدَمَ فَوْقَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ طَلَبَ مِنَ النَّاسِ فِي السُّوقِ بَعْضَ الْمَاءِ لِيَسْقِيَ النَّوَاةَ بِهَا. جَلَبَ اثْنَانِ مِنَ الْفُضُولِيِّينَ مَاءً سَاخِنًا مِنَ الْفُنْدُقِ بِالشَّارِعِ، وَبِهَذَا الْمَاءِ سَقَى الرَّاهِبُ النَّوَاةَ. كَانَتْ آلَافُ الْعُيُونِ مُسَلَّطَةً عَلَى هَذِهِ الْبُقْعَةِ. كَانَ يُمْكِنُ رُؤْيَةُ النَّوَاةِ وَهِيَ تُكَوِّنُ الْبُرْعُمَ. نَمَا الْبُرْعُمُ وَفِي لَحْظَةٍ تَحَوَّلَ إِلَى شَجَرَةٍ خَرَجَتْ مِنْهَا الْأَغْصَانُ وَالْأَوْرَاقُ. بَدَأَتْ تُزْهِرُ وَبِسُرْعَةٍ نَضِجَتِ الْفَاكِهَةُ؛ ثَمَرَاتُ كُمَّثْرَى كَبِيرَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ تَتَدَلَّى كَالْعَنَاقِيدِ مِنَ الْفُرُوعِ. تَسَلَّقَ الرَّاهِبُ الشَّجَرَةَ وَأَعْطَى الْكُمَّثْرَى لِلْمَارَّةِ. وَفِي لَحْظَةٍ كَانَتِ الْكُمَّثْرَى كُلُّهَا قَدْ أُكِلَتْ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِبُ فَأْسَهُ وَأَخَذَ يَقْطَعُ الشَّجَرَةَ. لَحَظَاتٍ وَكَانَتِ الشَّجَرَةُ قَدْ قُطِعَتْ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِبُ الشَّجَرَةَ عَلَى كَتِفِهِ وَمَشَى بَعِيدًا بِخُطُوَاتٍ سَرِيعَةٍ.
عِنْدَمَا بَدَأَ الرَّاهِبُ يَقُومُ بِسِحْرِهِ، كَانَ الْمُزَارِعُ قَدِ انْدَمَجَ مَعَ الْجَمْعِ الْوَاقِفِ. وَقَفَ هُنَاكَ مُشْرَئِبًّا بِعُنُقِهِ وَمُحَدِّقًا بِعَيْنَيْهِ، وَنَسِيَ تَمَامًا تِجَارَتَهُ الَّتِي كَانَ يَنْتَوِي تَحْقِيقَهَا بِالْكُمَّثْرَى. عِنْدَمَا رَحَلَ الرَّاهِبُ، الْتَفَتَ الْمُزَارِعُ لِيَعْتَنِيَ بِعَرَبَتِهِ، وَلَكِنْ كَانَتْ ثَمَرَاتُ الْكُمَّثْرَى كُلُّهَا قَدِ اخْتَفَتْ؛ فَأَدْرَكَ أَنَّ الْكُمَّثْرَى الَّتِي زَرَعَهَا الرَّاهِبُ كَانَتْ مِلْكَهُ. دَقَّقَ النَّظَرَ أَكْثَرَ فَوَجَدَ أَنَّ عَجَلَةَ الْعَرَبَةِ قَدِ اخْتَفَتْ أَيْضًا، وَكَانَ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهَا قَدْ قُطِعَتْ حَدِيثًا. ثَارَ الْمُزَارِعُ غَاضِبًا وَأَسْرَعَ خَلْفَ الرَّاهِبِ بِأَقْصَى مَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الزَّاوِيَةِ، وَجَدَ الْعَجَلَةَ الْمَفْقُودَةَ مُلْقَاةً عَلَى الْأَرْضِ بِجَانِبِ حَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَهِمَ أَنَّ شَجَرَةَ الْكُمَّثْرَى الَّتِي قَطَعَهَا الرَّاهِبُ كَانَتْ عَجَلَةَ عَرَبَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدِ الرَّاهِبَ فِي أَيِّ مَكَانٍ، وَانْفَجَرَ السُّوقُ كُلُّهُ ضَحِكًا بِصَوْتٍ عَالٍ.