الْفَتَاةُ الَّتِي سُرِقَتْ
فِي الْمِنْطَقَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنَ الْعَاصِمَةِ الْقَدِيمَةِ لو يانج، كَانَ يَقَعُ دَيْرٌ مُتَهَدِّمٌ، قَائِمٌ فِيهِ مَعْبَدٌ بُوذِيٌّ ضَخْمٌ يَبْلُغُ طُولُهُ مِئَاتِ الْأَدْوَارِ، كَمَا كَانَ يُمْكِنُ لِثَلَاثَةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْخَاصٍ الْوُقُوفُ فَوْقَ قِمَّتِهِ.
كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ تَسْكُنُ فَتَاةٌ جَمِيلَةٌ. وَفِي أَحَدِ أَيَّامِ الصَّيْفِ الْحَارَّةِ، كَانَتْ تَجْلِسُ فِي بَاحَةِ مَنْزِلِهَا تَلْتَمِسُ الْهَوَاءَ الْبَارِدَ. وَبَيْنَمَا كَانَتْ جَالِسَةً هَبَّ إِعْصَارٌ وَأَخَذَهَا بَعِيدًا. عِنْدَمَا فَتَحَتْ عَيْنَيْهَا، كَانَتْ تَقِفُ عَلَى قِمَّةِ الْمَعْبَدِ الْبُوذِيِّ وَبِجَانِبِهَا شَابٌّ يَرْتَدِي مَلَابِسَ التَّلَامِيذِ.
كَانَ مُهَذَّبًا وَلَطِيفًا جِدًّا وَقَالَ لَهَا: «يَبْدُو أَنَّ السَّمَاءَ أَرَادَتْ أَنْ تَجْمَعَنَا مَعًا، وَإِذَا وَعَدْتِنِي بِالزَّوَاجِ مِنِّي؛ فَسَنَكُونُ سُعَدَاءَ جِدًّا.» وَلَكِنَّ الْفَتَاةَ لَمْ تُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِذَا أَخْبَرَهَا التِّلْمِيذُ أَنَّهُ حَتَّى تُغَيِّرَ رَأْيَهَا يَجِبُ أَنْ تَبْقَى عَلَى قِمَّةِ الْمَعْبَدِ، ثُمَّ أَخْرَجَ خُبْزًا وَنَبِيذًا؛ لِتُشْبِعَ جُوعَهَا وَتُطْفِئَ عَطَشَهَا، وَاخْتَفَى.
وَمُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ، كَانَ يَظْهَرُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَسْأَلُهَا إِذَا كَانَتْ قَدْ غَيَّرَتْ رَأْيَهَا، وَكُلَّ يَوْمٍ كَانَتْ تُجِيبُهُ بِالنَّفْيِ. عِنْدَمَا كَانَ يَرْحَلُ، كَانَ يَحْرِصُ عَلَى إِغْلَاقِ فَتَحَاتِ قِمَّةِ الْمَعْبَدِ بِالْأَحْجَارِ، كَمَا أَزَالَ بَعْضَ الدَّرَجَاتِ مِنَ السُّلَّمِ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ النُّزُولَ، وَكَانَ يُحْضِرُ لَهَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مَعَهُ دَائِمًا، كَمَا قَدَّمَ لَهَا أَحْمَرَ الشِّفَاهِ وَبُودْرَةَ التَّجْمِيلِ، وَكَذَلِكَ الْأَثْوَابَ وَمَعَاطِفَ الْمَانْدَرِينِ وَكُلَّ أَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ. أَخْبَرَهَا أَنَّهُ اشْتَرَى كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ السُّوقِ. قَامَ أَيْضًا بِتَعْلِيقِ حَجَرِ يَاقُوتٍ حَتَّى يَكُونَ سَطْحُ الْمَعْبَدِ مُضَاءً فِي اللَّيْلِ مِثْلَ النَّهَارِ. كَانَتِ الْفَتَاةُ تَمْلِكُ كُلَّ مَا يَتَمَنَّاهُ الْقَلْبُ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ سَعِيدَةً.
وَلَكِنْ فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، نَسِيَ الشَّابُّ إِغْلَاقَ النَّافِذَةِ بَعْدَ رَحِيلِهِ، وَرَاقَبَتْهُ الْفَتَاةُ بِدُونِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَأَتْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ مِنْ شَابٍّ إِلَى غُولٍ ذِي شَعْرٍ أَحْمَرَ وَوَجْهٍ أَسْوَدَ كَالْفَحْمِ. كَانَتْ عَيْنَاهُ تَكَادَانِ تَخْرُجَانِ مِنْ مَحْجِرَيْهِمَا وَيَبْدُو فَمُهُ كَطَبَقٍ مُلِئَ بِالدِّمَاءِ. كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْهِ أَنْيَابٌ بَيْضَاءُ مَعْقُوفَةٌ، وَنَمَا جَنَاحَانِ مِنْ أَكْتَافِهِ. فَرَدَ الْغُولُ جَنَاحَيْهِ وَطَارَ نُزُولًا إِلَى الْأَرْضِ وَتَحَوَّلَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى رَجُلٍ.
تَمَلَّكَ الرُّعْبُ الْفَتَاةَ وَانْفَجَرَتْ فِي الْبُكَاءِ. رَأَتْ عَابِرًا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى أَسْفَلِ الْمَعْبَدِ. حَاوَلَتِ الصُّرَاخَ وَلَكِنَّ الْمَعْبَدَ كَانَ عَالِيًا جِدًّا فَلَمْ يَصِلْ لَهُ صَوْتُهَا. أَشَارَتْ بِيَدِهَا وَلَكِنَّ الْعَابِرَ لَمْ يَنْظُرْ لِأَعْلَى، ثُمَّ لَمْ تَجِدْ أَيَّ شَيْءٍ تَفْعَلُهُ إِلَّا أَنْ تُلْقِيَ الْمَلَابِسَ الْقَدِيمَةَ الَّتِي كَانَتْ تَرْتَدِيهَا إِلَى أَسْفَلَ. وَطَارَتِ الْمَلَابِسُ إِلَى الْأَرْضِ.
الْتَقَطَ الْعَابِرُ الْمَلَابِسَ ثُمَّ نَظَرَ لِأَعْلَى الْمَعْبَدِ فَوَجَدَ عَلَى قِمَّتِهِ شَيْئًا صَغِيرًا يَبْدُو كَهَيْئَةِ فَتَاةٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحْدِيدِ مَلَامِحِهَا. بَقِيَ طَوِيلًا يَتَسَاءَلُ مَنْ تَكُونُ وَلَكِنْ دُونَ جَدْوَى، ثُمَّ خَطَرَتْ لَهُ فِكْرَةٌ.
قَالَ لِنَفْسِهِ: «لَقَدْ حَمَلَتْ عَاصِفَةٌ سِحْرِيَّةٌ ابْنَةَ جَارِي بَعِيدًا. هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً فِي الْأَعْلَى هُنَاكَ؟»
وَهَكَذَا أَخَذَ الرَّجُلُ الْمَلَابِسَ وَعَرَضَهَا عَلَى وَالِدَيِ الْفَتَاةِ اللَّذَيْنِ انْفَجَرَا فِي الْبُكَاءِ عِنْدَمَا رَأَيَاهَا.
وَقَدْ كَانَ لِلْفَتَاةِ أَخٌ، وَكَانَ أَقْوَى وَأَشْجَعَ مِنْ أَيِّ شَابٍّ عَلَى بُعْدِ أَمْيَالٍ. وَعِنْدَمَا عَرَفَ بِالْأَمْرِ، أَخَذَ فَأْسًا ثَقِيلًا وَذَهَبَ إِلَى الْمَعْبَدِ الْبُوذِيِّ. وَهُنَاكَ اخْتَبَأَ بَيْنَ الْعُشْبِ الطَّوِيلِ وَانْتَظَرَ مَا سَيَحْدُثُ. عِنْدَمَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى وَشْكِ الْغُرُوبِ، جَاءَ شَابٌّ يَجْتَازُ التَّلَّ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَفَجْأَةً تَحَوَّلَ إِلَى غُولٍ وَفَرَدَ جَنَاحَيْهِ وَكَانَ عَلَى وَشْكِ الطَّيَرَانِ، وَلَكِنَّ الْأَخَ قَذَفَ الْفَأْسَ نَحْوَهُ وَضَرَبَهُ فِي ذِرَاعِهِ. بَدَأَ الْغُولُ فِي الْعُوَاءِ بِصَوْتٍ عَالٍ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى التِّلَالِ الْغَرْبِيَّةِ. عِنْدَمَا وَجَدَ الْأَخُ أَنَّ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ تَسَلُّقَ الْمَعْبَدِ، رَجَعَ وَطَلَبَ مُسَاعَدَةَ عَدِيدٍ مِنَ الْجِيرَانِ، وَعَادَ مَعَهُمْ فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَتَسَلَّقُوا الْمَعْبَدَ. مُعْظَمُ الدَّرَجَاتِ كَانَتْ فِي حَالَةٍ جَيِّدَةٍ؛ حَيْثُ إِنَّ الْغُولَ قَدْ دَمَّرَ الدَّرَجَاتِ الْعُلْيَا فَقَطْ، وَلَكِنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنَ الصُّعُودِ بِاسْتِخْدَامِ سُلَّمٍ، وَعِنْدَهَا تَمَكَّنَ الْأَخُ مِنْ إِحْضَارِ أُخْتِهِ وَأَعَادَهَا إِلَى الْمَنْزِلِ بِسَلَامٍ.
وَكَانَتْ هَذِهِ هِيَ نِهَايَةَ مَفْعُولِ السِّحْرِ.