الْأَمِيرَةُ الضُّفْدَعُ
فِي مُنْتَصَفِ مَجْرَى نَهْرِ يانجتسي-كيانج، كَانَ يُعْبَدُ الْمَلِكُ الضُّفْدَعُ بِتَفَانٍ شَدِيدٍ. كَانَ هُنَاكَ لَهُ مَعْبَدٌ وَتُوجَدُ آلَافُ الضَّفَادِعِ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُحِيطَةِ، وَبَعْضُهَا أَحْجَامُهُ ضَخْمَةٌ. مَنْ يَجْلِبْ عَلَى نَفْسِهِ غَضَبَ الْإِلَهِ يَتَعَرَّضْ لِزِيَارَاتٍ غَرِيبَةٍ. تَقْفِزُ الضَّفَادِعُ عَلَى الطَّاوِلَاتِ وَالْأَسِرَّةِ، وَفِي بَعْضِ الْحَالَاتِ الْغَرِيبَةِ تَتَسَلَّقُ الْحَوَائِطَ الْمَلْسَاءَ بِدُونِ أَنْ تَسْقُطَ. يُوجَدُ عِدَّةُ عَلَامَاتٍ مُنْذِرَةٌ بِالسُّوءِ، وَلَكِنْ كُلُّهَا دَلَائِلُ عَلَى أَنَّ مَكْرُوهًا يُهَدِّدُ الْمَنْزِلَ الْمَذْكُورَ؛ فَيُصْبِحُ سُكَّانُ هَذَا الْمَنْزِلِ مَذْعُورِينَ، وَيَذْبَحُونَ بَقَرَةً لِتَقْدِيمِهَا كَأُضْحِيَةٍ؛ فَيَهْدَأُ الْإِلَهُ وَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ.
فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْبِلَادِ كَانَ يَعِيشُ شَابٌّ يُدْعَى سيا كونج-شونج. كَانَ شَابًّا وَسِيمًا وَذَكِيًّا. عِنْدَمَا كَانَ عُمُرُهُ سِتَّ أَوْ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، دَخَلَتْ خَادِمَةٌ تَرْتَدِي ثَوْبًا أَخْضَرَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَقَالَتْ إِنَّهَا مَبْعُوثَةٌ مِنَ الْمَلِكِ الضُّفْدَعِ، وَأَعْلَنَتْ أَنَّ الْمَلِكَ الضُّفْدَعَ يَرْغَبُ فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ إِلَى سيا الصَّغِيرِ. كَانَ سيا الْأَكْبَرُ رَجُلًا أَمِينًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَكِيًّا جِدًّا. وَحَيْثُ إِنَّ الْأَمْرَ لَمْ يُنَاسِبْهُ؛ فَقَدَ رَفَضَ الْعَرْضَ مُتَعَلِّلًا بِأَنَّ ابْنَهُ لَا يَزَالُ صَغِيرًا عَلَى الزَّوَاجِ. وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى إِيجَادِ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ.
ثُمَّ مَرَّتْ عِدَّةُ سَنَوَاتٍ وَكَبِرَ الصَّبِيُّ بِالتَّدْرِيجِ، وَتَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الزَّوَاجِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدَةٍ تُدْعَى جيانج.
وَلَكِنَّ الْمَلِكَ الضُّفْدَعَ أَرْسَلَ رِسَالَةً إِلَى السَّيِّدَةِ جيانج قَائِلًا: «سيا الشَّابُّ هُوَ زَوْجُ ابْنَتِي؛ كَيْفَ تَجْرُئِينَ عَلَى طَلَبِ مَا لَيْسَ مِلْكَكِ!» فَارْتَعَبَ الْأَبُ جيانج وَسَحَبَ وَعْدَهُ.
جَعَلَ ذَلِكَ سيا الْأَكْبَرَ حَزِينًا جِدًّا. جَهَّزَ أُضْحِيَةً وَذَهَبَ إِلَى الْمَعْبَدِ لِلصَّلَاةِ. وَضَّحَ قَائِلًا إِنَّهُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَدِيرٍ بِأَنْ يُصْبِحَ قَرِيبًا لِإِلَهٍ. وَعِنْدَمَا انْتَهَى مِنَ الصَّلَاةِ، ظَهَرَ حَشْدٌ مِنْ يَرَقَاتِ الْعَفَنِ فِي لَحْمِ الْأُضْحِيَةِ وَالنَّبِيذِ؛ فَقَامَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا وَتَوَسَّلَ مِنْ أَجْلِ الْمَغْفِرَةِ، وَعَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَهُوَ مُتَوَجِّسٌ شَرًّا. لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَاذَا يَفْعَلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْأُمُورَ تَأْخُذُ مَجْرَاهَا.
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ خَرَجَ سيا الشَّابُّ إِلَى الشَّارِعِ. اقْتَرَبَ مِنْهُ مَبْعُوثٌ وَأَخْبَرَهُ نِيَابَةً عَنِ الْمَلِكِ الضُّفْدَعِ أَنَّ الْأَخِيرَ يَطْلُبُ حُضُورَ سيا إِلَيْهِ. لَمْ يَكُنْ سيا يَمْلِكُ خِيَارًا آخَرَ؛ كَانَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْمَبْعُوثِ. قَادَهُ عَبْرَ بَوَّابَةٍ حَمْرَاءَ إِلَى غُرَفٍ شَاسِعَةٍ عَالِيَةِ الْأَسْقُفِ. فِي الْقَاعَةِ الْكَبِيرَةِ، كَانَ يَجْلِسُ رَجُلٌ عَجُوزٌ يَبْدُو وَكَأَنَّ عُمُرَهُ ثَمَانُونَ عَامًا. أَجْلَسَ سيا نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَهُ احْتِرَامًا لَهُ. أَمَرَهُ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ بِأَنْ يَقِفَ وَحَدَّدَ لَهُ مَكَانًا إِلَى الطَّاوِلَةِ. وَسُرْعَانَ مَا احْتَشَدَ عَدِيدٌ مِنَ الْفَتَيَاتِ وَالنِّسَاءِ لِيَنْظُرْنَ إِلَيْهِ. الْتَفَتَ نَحْوَهُنَّ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ وَقَالَ: «اذْهَبْنَ إِلَى غُرْفَةِ الْعَرُوسِ وَأَخْبِرْنَهَا أَنَّ الْعَرِيسَ قَدْ حَضَرَ!»
رَكَضَتْ خَادِمَتَانِ سَرِيعًا، وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ مِنَ الْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ تَقُودُ فَتَاةً مُمْسِكَةً بِيَدِهَا. كَانَتْ تَبْدُو فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهَا وَرَائِعَةَ الْجَمَالِ. أَشَارَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ نَحْوَهَا وَقَالَ: «هَذِهِ ابْنَتِي الْعَاشِرَةُ الصَّغِيرَةُ. يَبْدُو لِي أَنَّكُمَا سَتُشَكِّلَانِ زَوْجًا سَعِيدًا، وَلَكِنَّ وَالِدَكَ احْتَقَرَنَا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ عِرْقِنَا. لَكِنَّ زَوَاجَ الْمَرْءِ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِمَدَى الْحَيَاةِ. يُمْكِنُ لِأَهْلِنَا التَّحَكُّمُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ فَقَطْ. فِي النِّهَايَةِ يَقَعُ الْأَمْرُ عَلَى عَاتِقِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ.»
نَظَرَ سيا بِثَبَاتٍ إِلَى الْفَتَاةِ وَنَمَا إِعْجَابُهُ بِهَا فِي دَاخِلِهِ. جَلَسَ هُنَاكَ فِي صَمْتٍ. أَكْمَلَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ: «أَعْرِفُ جَيِّدًا أَنَّ الشَّابَّ النَّبِيلَ سَيُوَافِقُ. اسْبِقْنَا وَنَحْنُ سَنَجْلِبُ الْعَرُوسَ لَكَ!»
قَالَ سيا إِنَّهُ سَيَفْعَلُ وَأَسْرَعَ لِإِخْبَارِ وَالِدِهِ. لَمْ يَعْرِفِ الْأَبُ مَاذَا يَفْعَلُ مِنْ دَهْشَتِهِ. اقْتَرَحَ مُبَرِّرًا وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ سيا لِيَرْفُضَ الْعَرُوسَ بِلُطْفٍ، وَلَكِنَّ سيا لَمْ يَقْبَلْ بِذَلِكَ. وَأَثْنَاءَ جِدَالِهِمَا فِي الْأَمْرِ، كَانَتْ عَرَبَةُ الْعَرُوسِ أَمَامَ الْبَابِ بِالْفِعْلِ. كَانَتْ مُحَاطَةً بِحَشْدٍ مِنَ الْمَعَاطِفِ الْخَضْرَاءِ، وَدَخَلَتِ السَّيِّدَةُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَانْحَنَتْ لِتَحِيَّةِ حَمَوَيْهَا. وَعِنْدَمَا نَظَرَ الِاثْنَانِ إِلَيْهَا سَعِدَا بِهَا وَتَمَّ إِعْلَانُ الزَّوَاجِ فِي اللَّيْلَةِ نَفْسِهَا.
عَاشَ الزَّوْجَانِ الْجَدِيدَانِ فِي سَلَامٍ وَتَفَاهُمٍ، وَبَعْدَ زَوَاجِهِمَا كَثِيرًا مَا كَانَ الْحَمَوَانِ الْإِلَهَانِ يَأْتِيَانِ لِمَنْزِلِهِمَا. عِنْدَمَا كَانَا يَظْهَرَانِ مُرْتَدِيَيْنِ الْأَحْمَرَ، كَانَ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ حَظًّا جَيِّدًا سَيُصِيبُهُمَا، وَعِنْدَمَا يَأْتِيَانِ مُرْتَدِيَيْنِ الْأَبْيَضَ، كَانَ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا سَيَجْنِيَانِ شَيْئًا. وَبِذَلِكَ، عَلَى مَدَارِ الْوَقْتِ، أَصْبَحَتِ الْعَائِلَةُ غَنِيَّةً.
وَلَكِنْ مُنْذُ أَنْ أَصْبَحَا أَقْرِبَاءَ الْآلِهَةِ، امْتَلَأَتِ الْغُرَفُ وَالْبَاحَاتُ وَكُلُّ الْأَمَاكِنِ الْأُخْرَى بِالضَّفَادِعِ، وَلَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ عَلَى أَذِيَّتِهَا. وَحْدَهُ سيا كونج-شونج كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يُبْدِ أَيَّ مُرَاعَاةٍ. عِنْدَمَا يَكُونُ فِي مِزَاجٍ جَيِّدٍ كَانَ لَا يُضَايِقُهَا، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَكُونُ مِزَاجُهُ عَكِرًا كَانَ لَا يَعْرِفُ الرَّحْمَةَ، وَكَانَ يَدُوسُ عَلَيْهَا عَنْ قَصْدٍ وَيَقْتُلُهَا.
فِي الْمُجْمَلِ، كَانَتْ زَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ مُتَوَاضِعَةً وَمُطِيعَةً؛ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَفْقِدُ أَعْصَابَهَا بِسُهُولَةٍ. لَمْ تَكُنْ تُوَافِقُ عَلَى سُلُوكِ زَوْجِهَا، وَلَكِنَّ سيا لَمْ يَقُمْ بِإِرْضَائِهَا وَالتَّخَلِّي عَنْ عَادَتِهِ الْقَاسِيَةِ؛ وَلِذَلِكَ عَنَّفَتْهُ بِسَبَبِهَا فَغَضِبَ.
وَقَالَ لَهَا: «هَلْ تَتَخَيَّلِينَ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَقْدِرَةِ أَهْلِكِ عَلَى إِنْزَالِ الْمَصَائِبِ عَلَى الْبَشَرِ أَنَّ رَجُلًا حَقِيقِيًّا سَيَخَافُ مِنْ ضُفْدَعٍ؟»
كَانَتْ زَوْجَتُهُ تَتَفَادَى بِحِرْصٍ نُطْقَ لَفْظِ «ضُفْدَعٍ»؛ وَلِذَلِكَ فَقَدْ أَغْضَبَهَا كَلَامُهُ وَقَالَتْ: «مُنْذُ أَنْ عِشْتُ فِي مَنْزِلِكَ أَثْمَرَتْ حُقُولُكَ مَحْصُولًا أَكْبَرَ، وَقَدْ جَنَيْتُمْ أَعْلَى الْأَسْعَارِ عِنْدَ الْبَيْعِ. وَهَذَا شَيْءٌ مُهِمٌّ. وَلَكِنِ الْآنَ، بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ كَبِيرُكُمْ وَصَغِيرُكُمْ غَنِيًّا، تَوَدُّ أَنْ تَتَصَرَّفَ كَبُومَةٍ صَغِيرَةٍ تَفْقَعُ عَيْنَ وَالِدَتِهَا بِمُجَرَّدِ تَعَلُّمِهَا الطَّيَرَانَ!»
صَارَ سيا غَاضِبًا أَكْثَرَ وَأَجَابَ: «هَذِهِ الْهَدَايَا لَمْ يَكُنْ مَرْغُوبًا بِهَا مِنْ طَرَفِي لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؛ حَيْثُ أَعْتَبِرُهَا غَيْرَ نَظِيفَةٍ. لَنْ أُوَافِقَ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْمُمْتَلَكَاتِ إِلَى أَبْنَائِي وَأَحْفَادِي. يُسْتَحْسَنُ أَنْ نَنْفَصِلَ عَلَى الْفَوْرِ!»
وَهَكَذَا جَعَلَ زَوْجَتَهُ تَهْجُرُ الْمَنْزِلَ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَالِدَاهُ شَيْئًا عَنِ الْأَمْرِ كَانَتْ قَدْ رَحَلَتْ. عَنَّفَهُ وَالِدَاهُ بِشِدَّةٍ وَأَمَرَاهُ أَنْ يَذْهَبَ وَيُعِيدَهَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ غَاضِبًا جِدًّا وَلَمْ يَنْصَعْ لَهُمَا.
فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ مَرِضَ هُوَ وَأُمُّهُ. شَعَرَا بِالضَّعْفِ وَلَمْ يَتَمَكَّنَا مِنَ الْأَكْلِ. كَانَ الْأَبُ قَلِقًا جِدًّا فَذَهَبَ إِلَى الْمَعْبَدِ لِيَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ، وَصَلَّى بِخُشُوعٍ حَتَّى إِنَّ زَوْجَتَهُ وَابْنَهُ تَعَافَيَا فِي غُضُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، كَمَا عَادَتِ الْأَمِيرَةُ الضُّفْدَعَةُ، وَعَاشُوا مَعًا بِسَعَادَةٍ وَرِضًا كَمَا فِي السَّابِقِ.
وَلَكِنَّ الشَّابَّةَ كَانَتْ تَجْلِسُ طَوَالَ الْيَوْمِ مَشْغُولَةً فَقَطْ بِحُلِيِّهَا وَصِبْغَاتِهَا، وَلَمْ تُشْغِلْ نَفْسَهَا بِالْخِيَاطَةِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى وَالِدَةِ سيا كونج-شونج الْعِنَايَةُ بِمَلَابِسِ ابْنِهَا.
وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ غَضِبَتْ وَالِدَتُهُ وَقَالَتْ: «لَدَى ابْنِي زَوْجَةٌ وَلَكِنْ لَا يَزَالُ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِكُلِّ الْعَمَلِ! فِي الْمَنَازِلِ الْأُخْرَى تَخْدُمُ الْكَنَّةُ حَمَاتَهَا، وَلَكِنْ فِي مَنْزِلِنَا تَخْدُمُ الْحَمَاةُ كَنَّتَهَا.»
سَمِعَتِ الْأَمِيرَةُ هَذَا الْكَلَامَ مُصَادَفَةً. دَخَلَتْ وَهِيَ مُنْفَعِلَةٌ وَقَالَتْ: «هَلْ قُمْتُ بِإِهْمَالِ زِيَارَتِكِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ كَمَا هُوَ لَائِقٌ؟ خَطَئِي الْوَحِيدُ هُوَ أَنِّي لَنْ أَتَحَمَّلَ عِبْءَ كُلِّ هَذَا الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ تَوْفِيرِ مَبْلَغٍ تَافِهٍ مِنَ الْمَالِ!» لَمْ تُجِبِ الْأُمُّ بِأَيِّ كَلِمَةٍ وَلَكِنَّهَا بَكَتْ بِحَسْرَةٍ عَلَى الْإِهَانَةِ الَّتِي وُجِّهَتْ لَهَا.
جَاءَ ابْنُهَا، وَلَاحَظَ أَنَّ أُمَّهُ تَبْكِي. أَصَرَّ عَلَى مَعْرِفَةِ السَّبَبِ وَعَرَفَ بِمَا جَرَى. ذَهَبَ إِلَى زَوْجَتِهِ بِغَضَبٍ، فَقَامَتْ هِيَ بِالِاعْتِرَاضِ وَرَفَضَتِ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُخْطِئَةً. وَأَخِيرًا قَالَ سيا: «عَدَمُ وُجُودِ زَوْجَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَفْضَلُ مِنْ وُجُودِ زَوْجَةٍ لَا تَقُومُ عَلَى سَعَادَةِ حَمَاتِهَا. مَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ لِي إِذَا أَغْضَبْتُهُ غَيْرَ إِنْزَالِ الْمَصَائِبِ عَلَيَّ وَأَخْذِ حَيَاتِي؟!» وَهَكَذَا أَبْعَدَ زَوْجَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى عَنِ الْمَنْزِلِ.
تَرَكَتِ الْأَمِيرَةُ مَنْزِلَهَا وَرَحَلَتْ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، انْدَلَعَتِ النِّيرَانُ فِي الْمَنْزِلِ وَانْتَشَرَتْ فِي بَعْضِ الْمَبَانِي الْأُخْرَى؛ الطَّاوِلَاتُ وَالْأَسِرَّةُ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ قَدِ احْتَرَقَ.
سيا، الَّذِي كَانَ غَاضِبًا بِسَبَبِ الْحَرِيقِ، ذَهَبَ إِلَى الْمَعْبَدِ لِيَشْتَكِيَ: «تَرْبِيَةُ ابْنَةٍ بِطَرِيقَةٍ تَجْعَلُهَا لَا تُرْضِي حَمَوَيْهَا تُبْرِزُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَهْذِيبٌ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي تَرَبَّتْ فِيهِ. وَالْآنَ أَنْتَ تُشَجِّعُ تَصَرُّفَاتِهَا. يُقَالُ إِنَّ الْآلِهَةَ عَادِلَةٌ. هَلْ هُنَاكَ آلِهَةٌ تُعَلِّمُ الرِّجَالَ أَنْ يَخْشَوْا زَوْجَاتِهِمْ؟ بِالْمُصَادَفَةِ تَقَعُ مَسْئُولِيَّةُ الشِّجَارِ عَلَيَّ وَحْدِي. لَمْ يَكُنْ لِوَالِدَيَّ دَخْلٌ بِالْأَمْرِ. إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ عِقَابِي عِقَابًا صَارِمًا، كَانَ يُمْكِنُكَ تَنْفِيذُ هَذَا الْعِقَابِ بِنَفْسِكَ، وَلَكِنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ سَأَحْرِقُ مَنْزِلَكَ لِكَيْ أُشْبِعَ رَغْبَتِي فِي الْعَدْلِ!»
وَبَدَأَ فِي تَجْمِيعِ قِطَعِ الْخَشَبِ أَمَامَ الْمَعْبَدِ، وَأَشْعَلَ شَرَارَةً وَأَرَادَ أَنْ يُضْرِمَ النَّارَ فِي الْخَشَبِ. جَاءَ الْجِيرَانُ رَكْضًا وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ ابْتَلَعَ غَضَبَهُ وَعَادَ أَدْرَاجَهُ لِمَنْزِلِهِ.
عِنْدَمَا سَمِعَ وَالِدَاهُ بِالْأَمْرِ، امْتُقِعَ وَجْهَاهُمَا فِي خَوْفٍ، وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ ظَهَرَ الْإِلَهُ لِسُكَّانِ الْقَرْيَةِ الْمُجَاوِرَةِ وَأَمَرَهُمْ بِإِعَادَةِ بِنَاءِ مَنْزِلِ زَوْجِ ابْنَتِهِ. وَعِنْدَمَا بَزَغَ الْفَجْرُ، حَمَلُوا أَخْشَابَ الْبِنَاءِ وَحَضَرَ الْعُمَّالُ لِلْبِنَاءِ مِنْ أَجْلِ سيا، وَلَمْ يَمْنَعْ عَمَلَهُمْ أَيُّ شَيْءٍ مِمَّا قَالَهُ. طَوَالَ الْيَوْمِ، كَانَ مِئَاتُ الْعُمَّالِ مَشْغُولِينَ فِي أَعْمَالِ الْبِنَاءِ. وَفِي غُضُونِ الْأَيَّامِ التَّالِيَةِ، كَانَتْ كُلُّ الْغُرَفِ قَدْ تَمَّتْ إِعَادَةُ بِنَائِهَا، وَكُلُّ الْأَوْعِيَةِ وَالسَّتَائِرِ وَالْأَثَاثِ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ. وَعِنْدَمَا انْتَهَى الْعَمَلُ كُلُّهُ، عَادَتِ الْأَمِيرَةُ أَيْضًا. صَعِدَتِ الدَّرَجَ إِلَى الْغُرْفَةِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَاعْتَرَفَتْ بِخَطَئِهَا بِكَلِمَاتٍ رَقِيقَةٍ وَبِمَحَبَّةٍ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى سيا كونج-شونج وَابْتَسَمَتْ لَهُ. وَبَدَلًا مِنَ الْغَضَبِ، امْتَلَأَ الْمَنْزِلُ بِالسَّعَادَةِ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ أَصْبَحَتِ الْأَمِيرَةُ مُسَالِمَةً بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَمَرَّ عَامَانِ بِدُونِ أَنْ تَلْفِظَ أَيَّ كَلِمَةٍ غَاضِبَةٍ.
كَانَتِ الْأَمِيرَةُ تَكْرَهُ الثَّعَابِينَ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ. وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، عَلَى سَبِيلِ الدُّعَابَةِ، وَضَعَ سيا الشَّابُّ ثُعْبَانًا صَغِيرًا فِي حُزْمَةٍ وَأَمَرَهَا بِأَنْ تَفْتَحَهَا. امْتُقِعَ وَجْهُ الْأَمِيرَةِ وَوَبَّخَتْهُ. أَخَذَ سيا كونج-شونج مَزْحَتَهُ بِجِدِّيَّةٍ وَتَطَايَرَتِ الْكَلِمَاتُ الْغَاضِبَةُ.
وَأَخِيرًا قَالَتِ الْأَمِيرَةُ: «فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ لَنْ أَنْتَظِرَ حَتَّى تَرْمِيَنِي خَارِجًا. هُوَ فِرَاقٌ بَيْنَنَا هَذِهِ الْمَرَّةَ!» وَهَكَذَا خَرَجَتْ مِنَ الْبَابِ.
فَزِعَ سيا الْأَبُ، وَضَرَبَ ابْنَهُ بِنَفْسِهِ بِعَصَاهُ، وَتَوَسَّلَ إِلَى الْإِلَهِ لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا وَغَفُورًا. وَلِحُسْنِ الْحَظِّ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ عَوَاقِبَ شِرِّيرَةٍ. كَانَ الْجَوُّ هَادِئًا وَلَا يُسْمَعُ أَيُّ صَوْتٍ.
وَعَلَى هَذَا الْحَالِ مَرَّ أَكْثَرُ مِنْ عَامٍ. اشْتَاقَ سيا كونج-شونج لِلْأَمِيرَةِ وَأَخَذَ الْأَمْرَ بِجِدِّيَّةٍ؛ فَكَانَ يَتَسَلَّلُ إِلَى الْمَعْبَدِ فِي السِّرِّ وَيَنْتَحِبُ عَلَى خَسَارَتِهِ لِلْأَمِيرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَيُّ صَوْتٍ. وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، سَمِعَ أَنَّ الْإِلَهَ قَدْ خَطَبَ ابْنَتَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ. وَهَكَذَا فَقَدَ الْأَمَلَ وَفَكَّرَ فِي أَنْ يَبْحَثَ عَنْ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَهْمَا بَحَثَ لَا يَجِدُ مَنْ تُمَاثِلُ الْأَمِيرَةَ. وَقَدْ زَادَ هَذَا مِنْ شَوْقِهِ إِلَيْهَا، وَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِ عَائِلَةِ يوان، الَّتِي خُطِبَتِ الْأَمِيرَةُ لِأَحَدِ أَفْرَادِهَا. كَانُوا هُنَاكَ قَدْ طَلَوُا الْجُدْرَانَ وَكَنَسُوا الْبَاحَةَ وَجَهَّزُوا كُلَّ شَيْءٍ لِاسْتِقْبَالِ الْعَرُوسِ. غَلَبَ النَّدَمُ وَالْحُزْنُ سيا وَلَمْ يَعُدْ يَأْكُلُ فَسَقَطَ مَرِيضًا. كَانَ أَهْلُهُ مَذْعُورِينَ خَوْفًا وَقَلَقًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مُسَاعَدَتِهِ.
وَفَجْأَةً، بَيْنَمَا كَانَ سيا يَسْتَلْقِي شِبْهَ غَائِبٍ عَنِ الْوَعْيِ، شَعَرَ بِأَحَدٍ يُمَرِّرُ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ: «وَكَيْفَ حَالُ زَوْجِي الْحَقِيقِيِّ الَّذِي أَصَرَّ عَلَى إِبْعَادِ زَوْجَتِهِ؟»
فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَأَى الْأَمِيرَةَ أَمَامَهُ.
قَفَزَ مِنَ الْفَرْحَةِ وَقَالَ: «كَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّكِ عُدْتِ لِي؟» أَجَابَتِ الْأَمِيرَةُ: «فِي الْحَقِيقَةِ، بِسَبَبِ طَرِيقَتِكَ السَّيِّئَةِ فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ، كَانَ يَجِبُ أَنْ آخُذَ بِنَصِيحَةِ وَالِدِي وَأَتَزَوَّجَ رَجُلًا آخَرَ. وَفِي الْوَاقِعِ، إِنَّ هَدَايَا الزَّوَاجِ مِنْ عَائِلَةِ يوان مُلْقَاةٌ فِي مَنْزِلِي مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ وَفَكَّرْتُ وَلَمْ أَسْتَطِعْ حَمْلَ نَفْسِي عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ. كَانَ سَيُقَامُ حَفْلُ الزِّفَافِ اللَّيْلَةَ، وَيَظُنُّ وَالِدِي أَنَّهُ مِنَ الْعَارِ أَنْ نُعِيدَ هَدَايَا الزِّفَافِ؛ وَلِذَلِكَ قُمْتُ بِالْأَمْرِ بِنَفْسِي وَوَضَعْتُهَا أَمَامَ بَابِ مَنْزِلِهِمْ. وَعِنْدَمَا خَرَجْتُ هُرِعَ أَبِي إِلَيَّ وَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ الْمَجْنُونَةُ، لَنْ تَسْتَمِعِي إِلَى كَلَامِي إِذَنْ! إِذَا عَامَلَكِ سيا بِطَرِيقَةٍ سَيِّئَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَنْ أَتَدَخَّلَ، حَتَّى وَإِنْ كَانُوا سَيَقْتُلُونَكِ فَلَنْ تَعُودِي إِلَى مَنْزِلِي مُجَدَّدًا!»
انْهَمَرَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِ سيا تَأَثُّرًا بِوَفَائِهَا، وَرَكَضَ الْخَدَمُ مِنْ فَرْحَتِهِمْ إِلَى الْوَالِدَيْنِ لِيُخْبِرُوهُمَا بِالْأَخْبَارِ السَّعِيدَةِ. وَعِنْدَمَا سَمِعَ وَالِدَاهُ بِالْخَبَرِ، لَمْ يَسْتَطِيعَا انْتِظَارَ مَجِيءِ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَهُرِعَا إِلَى غُرَفِ ابْنِهِمَا وَاسْتَقْبَلَا الْأَمِيرَةَ وَبَكَيَا. أَصْبَحَ سيا الشَّابُّ، أَيْضًا، نَاضِجًا هَذِهِ الْمَرَّةَ وَلَمْ يَعُدْ مُشَاغِبًا، وَأَصْبَحَ الْحُبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ يَكْبَرُ بِصِدْقٍ مَعَ الْأَيَّامِ.
وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ قَالَتْ لَهُ الْأَمِيرَةُ: «فِي السَّابِقِ، عِنْدَمَا كُنْتَ تُعَامِلُنِي بِسُوءٍ دَائِمًا، كُنْتُ أَخْشَى أَلَّا يَكُونَ أَحَدُنَا مَعَ الْآخَرِ حِينَ نَكْبَرُ فِي الْعُمُرِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ أَطْلُبْ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ تُعْطِيَنَا طِفْلًا، وَلَكِنِ الْآنَ تَغَيَّرَ الْأَمْرُ وَسَأَتَوَسَّلُ لِلْآلِهَةِ مِنْ أَجْلِ وَلَدٍ.»
وَبِالْفِعْلِ، وَقَبْلَ مُضِيِّ وَقْتٍ طَوِيلٍ، ظَهَرَ وَالِدَا الْأَمِيرَةِ فِي الْمَنْزِلِ مُرْتَدِيَيْنِ أَثْوَابًا حَمْرَاءَ، وَبَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ وَلَدَيْنِ بَدَلًا مِنْ وَلَدٍ وَاحِدٍ.
وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ تَنْقَطِعْ صِلَاتُهُمْ مَعَ الْمَلِكِ الضُّفْدَعِ. وَعِنْدَمَا كَانَ أَحَدٌ يُغْضِبُ الْإِلَهَ، كَانَ فِي الْبِدَايَةِ يُحَاوِلُ أَنْ يُقْنِعَ سيا الشَّابَّ بِالتَّحَدُّثِ نِيَابَةً عَنْهُ، وَيَبْعَثَ بِزَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ إِلَى الْأَمِيرَةِ الضُّفْدَعِ لِطَلَبِ مُسَاعَدَتِهَا. وَإِذَا ضَحِكَتِ الْأَمِيرَةُ، فَسَيُصْبِحُ الْأَمْرُ يَسِيرًا.
انْحَدَرَتْ مِنْ عَائِلَةِ سيا سُلَالَةٌ كَبِيرَةٌ يُلَقِّبُهُمُ النَّاسُ وَالْأَبْعَدُونَ عَنْهُمُ «الرِّجَالَ الضَّفَادِعَ»، وَلَكِنَّ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْهُمْ لَا يُلَقِّبُونَهُمْ بِذَلِكَ.