الرَّاعِي وَفَتَاةُ الْغَزْلِ
كَانَ الرَّاعِي الصَّغِيرُ ابْنَ عَائِلَةٍ فَقِيرَةٍ. عِنْدَمَا كَانَ فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ عَمِلَ لَدَى مُزَارِعٍ لِيَرْعَى بَقَرَتَهُ. بَعْدَ بِضْعِ سَنَوَاتٍ أَصْبَحَتِ الْبَقَرَةُ سَمِينَةً وَكَبِيرَةً، وَكَانَ شَعْرُهَا يَلْمَعُ كَالذَّهَبِ الْأَصْفَرِ. لَا بُدَّ وَأَنَّهَا بَقَرَةٌ مِنْ عِنْدِ الْآلِهَةِ.
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، عِنْدَمَا أَخْرَجَهَا الرَّاعِي الصَّغِيرُ إِلَى مَرْعًى فِي الْجِبَالِ بَدَأَتْ تَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ فَجْأَةً بِلُغَةِ الْبَشَرِ وَقَالَتِ: «الْيَوْمُ هُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ. الْآنَ لَدَى حَاكِمِ الْجَنَّةِ الْأَبْيَضِ تِسْعُ بَنَاتٍ يَغْتَسِلْنَ الْيَوْمَ فِي بَحْرِ الْجَنَّةِ. الِابْنَةُ السَّابِعَةُ جَمِيلَةٌ وَذَكِيَّةٌ فَوْقَ كُلِّ الْمَقَايِيسِ. إِنَّهَا تَغْزِلُ حَرِيرَ السَّحَابِ مِنْ أَجْلِ مَلِكِ وَمَلِكَةِ الْجَنَّةِ، وَتُشْرِفُ عَلَى الْغَزْلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْفَتَيَاتُ عَلَى الْأَرْضِ؛ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا فَتَاةُ الْغَزْلِ. وَإِذَا ذَهَبْتَ وَأَخَذْتَ مَلَابِسَهَا بَيْنَمَا تَغْتَسِلُ، فَرُبَّمَا تُصْبِحُ زَوْجَهَا وَتَنَالُ الْخُلُودَ.»
قَالَ الرَّاعِي: «وَلَكِنَّهَا فِي الْجَنَّةِ! وَكَيْفَ يُمْكِنُنِي الْوُصُولُ إِلَى هُنَاكَ؟!»
أَجَابَتِ الْبَقَرَةُ الصَّفْرَاءُ: «سَأَحْمِلُكَ إِلَى هُنَاكَ.»
وَهَكَذَا تَسَلَّقَ الرَّاعِي ظَهْرَ الْبَقَرَةِ. وَفِي لَحْظَةٍ بَدَأَتْ تَتَدَفَّقُ مِنْ حَوَافِرِهَا سُحُبٌ وَارْتَفَعَتْ فِي الْهَوَاءِ. كَانَ هُنَاكَ صَفِيرٌ كَصَوْتِ الرِّيَاحِ بِجَانِبِ أُذُنَيْهِ، وَطَارَ الِاثْنَانِ مَعَ الرِّيَاحِ كَالْبَرْقِ، وَفَجْأَةً تَوَقَّفَتِ الْبَقَرَةُ.
قَالَتِ: «الْآنَ قَدْ وَصَلْنَا.»
رَأَى الرَّاعِي حَوْلَهُ غَابَاتٍ مِنَ الْعَقِيقِ الْأَخْضَرِ وَأَشْجَارٍ مِنَ الْجَادِ. كَانَ الْعُشْبُ مِنَ الْيَشْبِ وَالزُّهُورُ مِنَ الْمَرْجَانِ. وَفِي وَسَطِ كُلِّ تِلْكَ الرَّوْعَةِ كَانَ يَقَعُ بَحْرٌ عَظِيمٌ يَمْتَدُّ حَوَالَيْ خَمْسِمِائَةِ فَدَّانٍ. كَانَتْ أَمْوَاجُهُ الْخَضْرَاءُ تَعْلُو وَتَهْبِطُ، وَالْأَسْمَاكُ ذَاتُ الْقُشُورِ الذَّهَبِيَّةِ تَسْبَحُ بَيْنَهَا. إِضَافَةً إِلَى عَدَدٍ لَا يُحْصَى مِنَ الطُّيُورِ السِّحْرِيَّةِ الَّتِي تَطِيرُ فَوْقَهُ وَتُغَنِّي. تَمَكَّنَ الرَّاعِي مِنْ رُؤْيَةِ الْفَتَيَاتِ التِّسْعِ فِي الْمَاءِ بِالرَّغْمِ مِنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ. كُنَّ جَمِيعًا قَدْ أَلْقَيْنَ مَلَابِسَهُنَّ عَلَى الشَّاطِئِ.
قَالَتِ الْبَقَرَةُ: «خُذِ الْمَلَابِسَ الْحَمْرَاءَ بِسُرْعَةٍ وَاخْتَبِئْ بِهَا فِي الْغَابَةِ، وَعِنْدَمَا تَطْلُبُهَا مِنْكَ بِلُطْفٍ لَا تُعْطِهَا إِيَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَعِدَكَ بِأَنْ تُصْبِحَ زَوْجَتَكَ.»
نَزَلَ الرَّاعِي بِسُرْعَةٍ عَنْ ظَهْرِ الْبَقَرَةِ وَأَخَذَ الْمَلَابِسَ الْحَمْرَاءَ وَهَرَبَ بَعِيدًا، وَفِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ رَأَتْهُ الْفَتَيَاتُ التِّسْعُ وَشَعَرْنَ بِالْخَوْفِ.
صَاحَتِ الْفَتَيَاتُ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ وَكَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى أَخْذِ مَلَابِسِنَا؟ اتْرُكْهَا بِسُرْعَةٍ!»
وَلَكِنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَسْمَحْ لِمَا قَالُوهُ بِأَنْ يُزْعِجَهُ وَانْحَنَى أَرْضًا خَلْفَ إِحْدَى أَشْجَارِ الْيَشْبِ، ثُمَّ خَرَجَتْ ثَمَانٍ مِنَ الْفَتَيَاتِ مِنَ الْمَاءِ بِسُرْعَةٍ وَأَخَذْنَ مَلَابِسَهُنَّ.
قُلْنَ: «أُخْتُنَا السَّابِعَةُ الَّتِي قَدَّرَتْهَا السَّمَاءُ أَنْ تَكُونَ لَكَ قَدْ جَاءَتْ. سَنَتْرُكُهَا وَحْدَهَا مَعَكَ.»
كَانَتْ فَتَاةُ الْغَزْلِ لَا تَزَالُ فِي الْمَاءِ.
وَلَكِنَّ الرَّاعِيَ وَقَفَ أَمَامَهَا وَضَحِكَ.
قَالَ: «إِذَا وَعَدْتِنِي بِأَنْ تُصْبِحِي زَوْجَتِي فَسَأُعْطِيكِ مَلَابِسَكِ.»
غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ يُنَاسِبُ فَتَاةَ الْغَزْلِ.
قَالَتْ: «أَنَا ابْنَةُ حَاكِمِ الْآلِهَةِ وَلَا يُمْكِنُنِي الزَّوَاجُ بِدُونِ أَمْرِهِ. أَعْطِنِي مَلَابِسِي بِسُرْعَةٍ، وَإِلَّا سَيُعَاقِبُكَ وَالِدِي.»
ثُمَّ قَالَتِ الْبَقَرَةُ الصَّفْرَاءُ: «أَنْتُمَا مُقَدَّرَانِ أَحَدُكُمَا لِلْآخَرِ، وَسَأَسْعَدُ بِتَرْتِيبِ زَوَاجِكُمَا، وَأَنَا مُتَأَكِّدَةٌ أَنَّ وَالِدَكِ، حَاكِمَ الْآلِهَةِ، لَنْ يَعْتَرِضَ.»
أَجَابَتْ فَتَاةُ الْغَزْلِ: «أَنْتِ حَيَوَانٌ غَيْرُ عَاقِلٍ! كَيْفَ يُمْكِنُكِ تَرْتِيبُ زَوَاجِنَا؟»
قَالَتِ الْبَقَرَةُ: «هَلْ رَأَيْتِ شَجَرَةَ الصَّفْصَافِ الْقَدِيمَةَ هُنَاكَ عَلَى الشَّاطِئِ؟ جَرِّبِي فَقَطْ أَنْ تَسْأَلِيهَا. إِذَا تَحَدَّثَتْ شَجَرَةُ الصَّفْصَافِ، فَإِذَنِ السَّمَاءُ تُرِيدُ زَوَاجَكُمَا.»
وَسَأَلَتْ فَتَاةُ الْغَزْلِ شَجَرَةَ الصَّفْصَافِ.
هَذَا هُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ، وَقَدَ حَانَ وَقْتُ اجْتِمَاعِ الرَّاعِي بِفَتَاةِ الْغَزْلِ.
وَارْتَضَتْ فَتَاةُ الْغَزْلِ الْحُكْمَ. وَضَعَ الرَّاعِي مَلَابِسَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَمَضَى. ارْتَدَتِ الْفَتَاةُ مَلَابِسَهَا وَتَبِعَتْهُ؛ وَبِذَلِكَ أَصْبَحَا زَوْجًا وَزَوْجَةً.
وَلَكِنْ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ تَرَكَتْهُ.
قَالَتْ: «لَقَدْ أَمَرَنِي حَاكِمُ الْجَنَّةِ بِأَنْ أَعْتَنِيَ بِغَزْلِي. لَوْ أَخَّرْتُ الْأَمْرَ أَخْشَى أَنْ يُعَاقِبَنِي. وَلَكِنْ بِالرَّغْمِ مِنْ ضَرُورَةِ افْتِرَاقِنَا الْآنَ، فَسَنَلْتَقِي مُجَدَّدًا.»
عِنْدَمَا قَالَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ سَارَتْ مُبْتَعِدَةً. رَكَضَ الرَّاعِي خَلْفَهَا، وَلَكِنْ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ مِنْهَا أَخَذَتْ إِبْرَةً كَبِيرَةً مِنْ شَعْرِهَا وَرَسَمَتْ بِهَا خَطًّا عَبْرَ السَّمَاءِ، وَتَحَوَّلَ هَذَا الْخَطُّ إِلَى نَهْرٍ فِضِّيٍّ؛ وَبِذَلِكَ وَقَفَا يُفَرِّقُهُمَا نَهْرٌ وَيَنْظُرَانِ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ.
وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ يَلْتَقِيَانِ مَرَّةً كُلَّ عَامٍ فِي عَشِيَّةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ. عِنْدَمَا يَحِينُ هَذَا الْوَقْتُ، كُلُّ الْغِرْبَانِ فِي أَرْضِ الْإِنْسَانِ تَأْتِي وَتُكَوِّنُ جِسْرًا تَعْبُرُ بِهِ فَتَاةُ الْغَزْلِ النَّهْرَ؛ وَلِذَا فِي ذَاكَ الْيَوْمِ لَنْ تَرَى غَرَابًا وَاحِدًا عَلَى الْأَشْجَارِ مُنْذُ الصَّبَاحِ وَحَتَّى الْمَسَاءِ. بِدُونِ شَكٍّ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْتُ. وَإِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، كَثِيرًا مَا تَتَسَاقَطُ أَمْطَارٌ خَفِيفَةٌ فِي لَيْلَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَعِنْدَئِذٍ تَقُولُ النِّسَاءُ وَالْجَدَّاتُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ: «هَذِهِ هِيَ الدُّمُوعُ الَّتِي يَذْرِفُهَا الرَّاعِي وَفَتَاةُ الْغَزْلِ عِنْدَ الْفِرَاقِ!» وَلِهَذَا السَّبَبِ، الْيَوْمُ السَّابِعُ هُوَ احْتِفَالُ الْمَطَرِ.
عِنْدَ غَرْبِ النَّهْرِ الْفِضِّيِّ تَقَعُ كَوْكَبَةُ نُجُومِ فَتَاةِ الْغَزْلِ، وَتَتَكَوَّنُ مِنْ ثَلَاثَةِ نُجُومٍ. وَأَمَامَهَا مُبَاشَرَةً تَقَعُ ثَلَاثَةُ نُجُومٍ أُخْرَى تُشَكِّلُ مُثَلَّثًا. يُقَالُ إِنَّهُ فِي مَرَّةٍ غَضِبَ الرَّاعِي لِأَنَّ فَتَاةَ الْغَزْلِ لَمْ تُرِدْ عُبُورَ النَّهْرِ، وَرَمَى عَلَيْهَا نِيرَهُ، وَالَّذِي سَقَطَ تَحْتَ أَقْدَامِهَا. عِنْدَ شَرْقِ النَّهْرِ الْفِضِّيِّ تَقَعُ كَوْكَبَةُ نُجُومِ الرَّاعِي، وَالَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْ سِتَّةِ نُجُومٍ، وَإِلَى جَانِبِ وَاحِدٍ مِنْهَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ النُّجُومِ الصَّغِيرَةِ تُشَكِّلُ كَوْكَبَةَ نُجُومٍ مُسْتَدَقَّةَ الطَّرَفَيْنِ وَعَرِيضَةً فِي الْمُنْتَصَفِ. يُقَالُ إِنَّ فَتَاةَ الْغَزْلِ رَمَتْ بِدَوْرِهَا مِغْزَلَهَا عَلَى الرَّاعِي، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُصِبْهُ وَوَقَعَ الْمِغْزَلُ بِجَانِبِهِ.
•••