تقديم
قليلة ونادرة هي الكتب القديمة المجهولة التي تغيِّر حقيقةً ثابتةً في مجال الأدب المسرحي، وتضيف — في الوقت نفسه — تاريخًا مجهولًا لم يكُ معروفًا من قبل في تاريخ المسرح المصري. والأمر الصعب الذي يصادف الباحثين دائمًا هو كيفية الوصول إلى هذه الكتب؛ خصوصًا إذا كان الحصول عليها أشبه بالمستحيل، وذلك لقِدَمها وندرة نُسَخها! ولحسن طالع مصر أن حباها الله بوجود المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الذي يُعْتبر صرحًا شامخًا تفتخر به الأمة المصرية والعربية؛ لما يحتويه من كنوز تراثية فنية وأدبية يندر وجودها في أي مكان آخر.
والكتاب الذي تطلع عليه الآن — أيها القارئ العزيز — هو أحد إصدارات المركز القومي، وهو أحد الكتب القليلة النادرة التي ستغير حقيقةً ثابتةً في مجال الأدب المسرحي؛ تلك الحقيقة التي تغنَّى بها الكُتاب والباحثون، والتي تقول إن بيتر فايس «الألماني» هو رائد المسرح التسجيلي في العالم منذ ١٩٦٤، ولكن بعد قراءة هذا الكتاب — وتحديدًا بعد قراءة البحث المرفق به — سينتابك الشك في هذه المقولة الشهيرة شيئًا فشيئًا؛ لتصل في النهاية إلى الاطمئنان بأن حسن مرعي «المصري» هو رائد المسرح التسجيلي منذ عام ١٩٠٦.
كما أن هذا الكتاب — بالإضافة إلى بحثه المُرفَق — سيُضيف تاريخًا مجهولًا لم يكُ معروفًا من قبل في تاريخ المسرح المصري؛ حيث إن دراسات الباحثين السابقين أثبتت أن الألمان هم رواد المسرح التسجيلي في العالم منذ منتصف القرن العشرين، ولكن هذه الحقيقة التاريخية ستقف عاجزةً أمام هذا الكتاب الذي يحتوي على أدلة منطقية تثبت أن مصر كانت سباقةً إلى ريادة المسرح التسجيلي عالميًّا منذ أوائل القرن العشرين.
والكتاب الذي بين أيدينا الآن يحمل بداخله نصًّا مسرحيًّا تراثيًّا تم طبعه لأول مرة عام ١٩٠٩، والطبعة التي بين أيدينا الآن هي طبعته الثانية؛ حيث أراد الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إعادة نشره، فكلفني بكتابة كلمة عنه على سبيل التقديم، ولكن عندما قرأت النص قراءةً متأنيةً اكتشفت أنني وقعت على كنز ثمين لا يمكن وأده في مقدمة أو دراسة عادية، بل يجب عليَّ أن أكتب بحثًا علميًّا يليق به ويتناسب مع قيمته؛ لأنني أعتبر هذا النص المسرحي اكتشافًا كبيرًا يُضَاف إلى اكتشافات الباحثين في تاريخ المسرح المصري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لها قيمة تاريخية تعليمية وتربوية، بالإضافة إلى قيمتها الفنية؛ حيث إنها تؤرِّخ لأول اعتصاب قام به طلاب الأزهر الشريف طوال تاريخ الأزهر الديني والتعليمي، وهذا الاعتصاب أخذ شكل ثورة ومظاهرات قام بها الطلاب من أجل إلغاء قانون الأزهر عام ١٩٠٨، الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية، وإضافة مناهج جديدة ومواد علمية معاصرة؛ بهدف تطوير الأزهر علميًّا في الظاهر، وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن.
لذلك رفض طلاب الأزهر هذا المخطط، وقاموا بالاعتصاب، وامتنعوا عن تلقي الدروس، وأصبح الأزهر خاويًا من طلابه وعلمائه طوال شهر كامل، فقام الخديوي وحكومته بتهديد المعتصبين بقطع جراياتهم، فلم ينجحوا في إثناء الطلاب عما عزموا عليه، فقاموا بقطع رواتبهم فصمد الطلاب أكثر فأكثر! فقاموا بمخالفة القوانين بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، فتقبل المعتصبون الأمر بشجاعة فائقة! فقاموا بإحاطة الأزهر بالعساكر والسلاح، فلم يكترث المعتصبون بالأمر! فقاموا بإدخال القوة العسكرية إلى صحن الأزهر، فكظم المعتصبون غيظهم! فقام حمادة باشا وأعوانه بجلد الأزهريين داخل الجامع الأزهر، وحوِّل الرواق العباسي إلى سجن زجَّ فيه المعتصبين … وهنا هاج الشعب المصري ووقف بجانب الأزهريين، وأصبحت القضية قضية رأي عام لم يستطع الخديوي وأعوانه الصمود أمامها، فرضخ أخيرًا لمطالب الأزهريين وألغى قانون الأزهر الجديد، وأعاد العمل بالقانون القديم!
هذه الحادثة التاريخية التي حدثت منذ قرن تقريبًا لا يستطيع المرء حيالها إلا أن يتساءل: أكان الأزهريون مصيبين حقًّا في ثورتهم ضد تغيير المناهج الدينية وإدخال بعض العلوم العصرية في النظام التعليمي للأزهر الشريف؟ أم كانوا مخطئين؟! أليسوا بثورتهم هذه قد أخَّروا تطوير التعليم في الأزهر عدة أعوام؟! ماذا كان سيحدث لو قبل الأزهريون تغيير المناهج وإدخال العلوم العصرية في مناهج الأزهر الشريف الدينية منذ عام ١٩٠٨؟! وهل كان هذا الأمر له علاقة بما حدث منذ وقت قريب — وما زال يحدث حتى الآن — من الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية ومناهج اللغة العربية في البلدان الإسلامية والعربية بحجة التطوير والإصلاح؟! أم أن هذه الدعوة تهدف إلى عزل العربي والمسلم عن هويته وعقيدته؟! … مجرد سؤال!
وفي نهاية هذه الكلمة، أتوجه بخالص الشكر إلى الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية؛ لتكليفه إياي بكتابة هذا البحث الخاص بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وإتاحة الفرصة كي أضيف حجرًا جديدًا في بناء تاريخ ومكانة مسرحنا المصري؛ فإقدام الدكتور سامح مهران على نشر هذه المسرحية يُعْتبر خطوةً جديدةً من خطواته السديدة في سبيل الحفاظ على تراث أمتنا المصرية، وكذلك أتوجه بالشكر إلى كافة العاملين بالمركز القومي، وفي مقدمتهم: رضا فريد يعقوب، وأحمد محمد عبد الله، ورانيا عبد الرحمن … باعتبارهم قادة إدارة التراث المسرحي؛ تلك الإدارة التي تمثل عصب تراث المسرح المصري في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
أولًا: الإطار العام
(١) الموضوع
يعالج هذا البحث موضوع «ريادة المسرح التسجيلي في مصر» متخذًا من مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» نموذجًا، ويُقْصَد ببداية المسرح التسجيلي تلك الإرهاصات المبكرة للإبداع المسرحي التسجيلي؛ التي اتكأت على أحداث التاريخ توثِّقها وتُسجِّلها طبقًا للمفهوم العلمي للمسرح التسجيلي وسماته المتنوعة كما جاءت في الدراسات التنظيرية والتطبيقية المترجمة عن الألمان، وكذلك في الدراسات العربية. وقد اتخذت الدراسة من المبدع «حسن مرعي» نموذجًا لذلك المسرح، تحديدًا في الأنموذج المختار؛ وهو مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المؤلفة في وقت مبكر عام ١٩٠٩ من أجل تعقُّب السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال التحليل؛ طبقًا لمعايير الدراسة التي يتبناها البحث للتحقق من أهدافه المرجوة.
(٢) أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع
تُعَد دراسة المسرح التسجيلي واحدةً من أهم دراسات الأجناس الأدبية لفن له خصائصه الدقيقة والمتميزة؛ حيث إن خيال المبدع فيه محكوم بأطر فنية وأهداف؛ إذ هو لا ينقل لنا تاريخًا واقعًا كما هو في سرد الأحداث بالحياة. ومن جانب آخر، فهو لا يخرج عن إطار التاريخ والأحداث، وبين هذه وتلك فإنه لا يقع على مجرد حوادث عابرة، ولكنه يقف إزاء قضية لها قيمتها الاجتماعية والإنسانية، يتبنى منها موقفًا ينبثق منه خياله الإبداعي، متجسدًا في الرؤى الفنية التي يلبسها للأحداث من خلال مسرحتها، بشكل لا يخل بالحقيقة التاريخية؛ ولكنه تحت قناع المسرح في العمل الفني؛ ومن ثم فإن أهمية هذه الدراسة تتمثل في محاولة إلقاء الضوء على باكورة المسرح التسجيلي ونشأته في مصر عام ١٩٠٩، قبل أن يبتكره الألمان في ستينيات القرن العشرين تطبيقًا وتنظيرًا، كما أكدت على ذلك بعض الدراسات الحديثة.
(٣) الدراسات السابقة
لم تُعْن دراسة سابقة — على حد اطلاعي — بتناول أعمال حسن مرعي بالدراسة والتحليل من أية وجهة فنية؛ ناهيك عن مسرحيته «الأزهر وقضية حمادة باشا» على وجه الخصوص، إلا أننا إذا نظرنا إلى الموضوع من دائرة أوسع فيما يخص المسرح التسجيلي: تاريخه وتحديد مفهومه؛ فإننا نجد هناك دراسات عديدة نظرية وتطبيقية تتناوله — خصوصًا عن الكتاب الغربيين — ومن هذه الدراسات: معالجة جلال العشري — في صفحات قليلة — مفهوم المسرح التسجيلي في كتابه «لن يسدل الستار: اتجاهات المسرح المعاصر» الصادر عام ١٩٦٧؛ حيث وضَّح دور بيتر فايس في ازدهار هذا اللون المسرحي من خلال الإشارة إلى بعض مسرحياته. وتناول الدكتور يسري خميس في تقديمه لمسرحية «مارا صاد»، لبيتر فايس، المنشورة في سلسلة روائع المسرحيات العالمية عام ١٩٦٧، مفهوم المسرح التسجيلي، وحدد عناصره، وتبنى رأيًا يذهب إلى أن الكتَّاب الألمان هم المؤسسون الفعليون للمسرح التسجيلي.
وعالج الدكتور عبد القادر القط في كتابه «من فنون الأدب: المسرحية»، الصادر عام ١٩٧٨ — من خلال صفحات قليلة — معنى المسرح التسجيلي مع ذكر بعض خصائصه؛ مشيرًا في ذلك إلى دراسة بيتر فايس النظرية. وتنتظم دراسة الدكتور علي الراعي في كتابه «المسرح في الوطن العربي»، الصادر عام ١٩٨٠ بالكويت، سِلْك هذه الدراسات التي عُنِيت بمفهوم المسرح التسجيلي؛ حيث تحدث في صفحتين عن مسرحية «يوم الهاني»، الصادرة عام ١٩٧٦، للكاتب الليبي «الأزهر أبو بكر حميد»، التي اعتبرها د. علي الراعي مسرحيةً تاريخيةً لا مسرحيةً تسجيليةً، كما قال مؤلِّفها.
وتعرض الدكتور إبراهيم حمادة في كتابه «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية»، الصادر عام ١٩٨٥، لتعريف مصطلح المسرح التسجيلي، كما تناول الدكتور فاروق عبد القادر في كتابه «مساحة للضوء مساحات للظلال: أعمال في النقد المسرحي»، الصادر عام ١٩٨٦، بصورة سريعة، معنى المسرح التسجيلي من خلال حديثه عن بيتر فايس، وهو المسلك ذاته الذي صنعه الدكتور أحمد العشري في كتابه «مقدمة في نظرية المسرح السياسي»، الصادر عام ١٩٨٩؛ حيث وضَّح سريعًا تعريف المسرح التسجيلي.
(٤) المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار
إذا كانت الدراسة قد حددت لنفسها نقطةً محددة الأبعاد في المسرح التسجيلي — لما ذُكر قبلًا من أسباب — فإن مقتضى البحث العلمي يوجب على البحث أن يحدد بدقة مبنية على معايير واضحة المادة التي من خلالها ستتم معالجة الموضوع من خلال ثلاث نقاط كالآتي:
(أ) المؤلف وتاريخه الفني
يُعَد حسن مرعي من الشخصيات المغمورة تاريخيًّا في هذا المجال — وهذا شأن البدايات — حيث لا يوجد في الدراسات الحديثة، على قدر اطلاعي، ترجمة وافية تناولت حسن مرعي، ولا يوجد أيضًا من كتب عنه أو عن مسرحياته، كما ذكرت الدراسة، من قبلُ. وما استطاعت الدراسة الحصول عليه عن حسن مرعي هو بعض الأخبار التي نُشِرت في الدوريات القديمة؛ يمكن من خلالها أن يُحَدد على وجه التقريب إبداعه المسرحي ونشاطه الفني مع بعض ملامح شخصيته، وهو أمر مهم بالنسبة للبحث لاختبار سبق الريادة في المجال، وكذلك لتحديد آثار الشخصية في العمل الإبداعي.
(ب) المسرحيات
يتمثل نتاج حسن مرعي طبقًا للمتاح بين يدي الدراسة من مصادر ومراجع في مسرحيتين؛ الأولى: «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦، والأخرى: «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩. وستتناول الدراسة المسرحية الثانية — رغم أن المسرحيتين مشتركتان في عنصري الطباعة والمنع من التمثيل — لأن مسرحية دنشواي مفقودة حتى الآن، ولا توجد منها نسخة في دار الكتب أو في المركز القومي للمسرح. وهذا يعني أن ٥٠٪ من نتاج حسن مرعي الفني ليس متوافرًا؛ ومن ثم اعتمدت الدراسة على المسرحية الثانية نموذجًا للتحليل والتطبيق، وهي تمثل ٥٠٪ من نتاجه. وهذه المسرحية تقع في أربعين ورقة من القطع الصغير، ستتناولها الدراسة كاملةً مع استكشاف السمات الفنية، وعلاقة الحدث الدرامي بالحدث التاريخي … إلخ أهداف البحث المنطوية عليها الدراسة.
(ﺟ) الحدث التاريخي
اعتمدت مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» على حدث تاريخي سجَّله الكاتب فنيًّا، وهذا الحدث عُنِي به مصدران للكشف عن لثامه؛ الأول: العمل الفني، والثاني: ما سجلته الصحف في تاريخ القضية إبان وقوعه؛ لذلك فقد جُعِل من تلك الصحف مصدرًا مساندًا للعمل؛ لكون الدراسة تبحث عن سمات المسرح التسجيلي، وكيفية توظيف الحدث فنيًّا بطريقة لا تخلُّ به واقعيًّا؛ ولهذا فقد تعقبت الدراسة الصحف التي عُنِيت بالموضوع، فوقعت على ثلاث صحف قامت بتسجيل الأحداث التاريخية التي تناولتها المسرحية بطريقة فنية؛ وهذه الصحف هي: الجريدة واللواء والمؤيد، ويقوم هذا التحديد على ثلاثة معايير؛ الأول: أنها أكثر الصحف تسجيلًا لهذه الأحداث، والثاني: أن بعضها ذُكِر في نص المسرحية، والثالث: أن مظاهرات طلبة الأزهر توجهت إليها أثناء مسيرتها. وبالرغم من ذلك فسيكون اعتماد الدراسة الأساسي على جريدة الجريدة؛ لأنها كانت جريدةً محايدةً في الأحداث، بعكس جريدة اللواء التي وقفت بجانب اعتصاب الطلاب وساندتهم، وبعكس جريدة المؤيد التي وقفت ضد اعتصاب الطلاب وهاجمتهم.
(٥) المنهج والأدوات
لقد حاول البحث أن يجد لنفسه منهجًا يمكِّنه من الوصول إلى أهدافه بيُسر ووضوح؛ فاختار المنهج التكاملي الذي يأخذ بحظٍّ من المناهج الأدبية المختلفة؛ كالفني والتحليلي والتاريخي والنفسي والوصفي، الأمر الذي يمكِّن الدراسة من استقصاء الظواهر المختلفة التي تناولها النص المسرحي، وهو ما يخدم أيضًا الأهداف التي تطمح إليها الدراسة. ومن أجل ذلك، ستقوم الدراسة بمعالجة عناصر المسرحية تبعًا لتعريف ومفهوم وسِمات المسرح التسجيلي، وذلك في ضوء الأحداث التاريخية الفعلية التي صاحبت اعتصاب طلاب الأزهر عام ١٩٠٩.
(٦) أهداف الدراسة
- (أ)
تتبع بواكير المسرح التسجيلي في مصر.
- (ب)
تبين سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا.
- (جـ)
استيضاح الفروق الفنية للأحداث بين الواقع التاريخي والإبداع الفني.
- (د)
استكشاف أسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق.
ثانيًا: الدراسة التحليلية
(١) بواكير المسرح التسجيلي في مصر
وبناءً على هذه الأخبار، يمكن القول إن هذه المسرحية تجاوزًا مسرحية تسجيلية؛ وذلك لأن الدراسة لا تملك الدليل على أن تأليفها جاء من خلال أقوال الصحف والتقارير الرسمية التي تحدثت عن هذه الحرب في هذا الوقت، كما أنها لا تملك الدليل على أن هذه المسرحية مؤلفة؛ لأنه من الممكن أن تكون مترجمةً عن التركية، ولا تملك أيضًا الدليل على أن مؤلفها مصري، فربما يكون تركيًّا. وأخيرًا لا يمكن الجزم أن هذه المسرحية منشورة؛ لعدم وجودها في فهارس دار الكتب أو في مقتنيات المركز القومي للمسرح، والأرجح أنها مسرحية مخطوطة ومفقودة. وهذه الأمور كلها لا تتوافر لها أدلة قاطعة لتثبت أن مسرحية «أدهم باشا» مسرحية تسجيلية بصفة نهائية. ويبقى الأمر مجرد احتمال يفتح طريقًا للبحث لتعقبه، أو ربما يتعقبه آخرون.
وإذا عادت الدراسة مرةً أخرى إلى تعريف المسرح التسجيلي ستجده مسرحًا يعبر عن وجهة نظر الجماهير العريضة؛ أملًا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانة موقف معين. وهذا التعريف بهذا الوصف يحمل بين جنباته موانع رقابية لم تسمح بها أية رقابة مسرحية في مصر طوال تاريخها السياسي؛ فمن غير المعقول أن توافق الحكومة أو السلطة على عرض مسرحية تعبر عن الرأي العام للجمهور في قضية مُثَارة في الصحف بهدف التهييج السياسي وإدانة موقف معين؛ لأنه من المحتمل — بل من المؤكد — أن هذه الإدانة ستكون موجهةً إلى الحكومة أو السلطة الاستعمارية؛ ولهذا السبب ترجح الدراسة أن المسرح التسجيلي في مصر هو المسرح المرفوض رقابيًّا لأسباب سياسية أو اجتماعية.
وإذا كانت الدراسة قد جعلت من عنصر الزمان معيارًا لتعقب بواكير الريادة في المسرح التسجيلي، فاتخذت من عام ١٩٠٦ حدًّا للبحث عن ظهور المسرح التسجيلي في مصر، لكونها تعتقد أن هذا المسرح ظهر في مصر على يد حسن مرعي، عندما كتب مسرحيته «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦. وهذا الاعتقاد — رغم عدم وجود النص وفقدانه حتى الآن — يرجع إلى المنطق وبعض الأخبار المتوفرة عن المسرحية، التي تشير إلى تطابق تعريف المسرح التسجيلي على هذه المسرحية.
وإذا كان المسرح التسجيلي يعكس — بشكل ما — وجهة نظر الجماهير العريضة، أملًا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانته موقفًا معينًا تبعًا لتعريفه. إذا كان الأمر كذلك فإن الدراسة لاحظت أن مسرحية دنشواي لحسن مرعي عبَّرت عن وجهة نظر الجماهير المصرية في ذلك الوقت، وأدانت المحاكمة والاستعمار ودور اللورد كرومر. والدليل على ذلك — رغم عدم وجود النص بين يدي الدراسة — أن المسرحية مُنِعت من التمثيل بأمر من الحكومة والاستعمار. وكفي بالدراسة للتدليل على ذلك ذكرُ قول جريدة اللواء بتاريخ ١٢ / ٧ / ١٩٠٦: «منعت الحكومة تمثيل رواية «حادثة دنشواي» التي سبق الإعلان عن تمثيلها يوم ١٩ أغسطس القادم في تياترو حديقة الأزبكية بمعرفة حسن أفندي مرعي؛ حتى لا تزيد الناس أشجانًا، والقلوب أحزانًا، بعرض أفظع مظهرٍ من مظاهر القسوة والجبروت.»
(٢) سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر
على الرغم من التحفظ الشديد في القول بأن حسن مرعي يُعْتبر من رواد المسرح التسجيلي في مصر — إن لم يك رائده بالفعل — بناءً على مسرحيته «دنشواي» المفقودة؛ فإن هذا التحفظ له وجه آخر عندما تتناول الدراسة مسرحيته الثانية «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩؛ وذلك لأن نص المسرحية بين يدي الدراسة، ثم يمكن اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلالها — كما مر ذكره آنفًا — خصوصًا تعريف المسرح التسجيلي. ولكن المُلَاحظ على هذا التعريف أنه جاء بصورة جامعة لسمات عديدة أوردتها الدراسات السابقة عن المسرح التسجيلي. وطالما النص في حوزة الدراسة الآن، فيجب عليها عدم الاكتفاء فقط بتطبيق تعريف المسرح التسجيلي عليه، بل يجب عليها التحقق من توافر سمات المسرح التسجيلي فيه؛ لذلك فإنه من المفيد لمنهج البحث أن تكون الخطى منظمةً من خلال نقطتين؛ أُولاهما: عرض ملخص عام لفصول العمل المسرحي المناط بالتحليل، وثانيتهما: اختبار السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال النص المسرحي المتاح بين يدي الدراسة على النحو التالي:
(أ) ملخص عام للمسرحية
تقع مسرحية حسن مرعي «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩ في أربعة فصول. أدار أحداث الفصل الأول في ساحة الدرس بالأزهر الشريف من خلال حوار بين الطلاب والعلماء حول مطالب مشروعة من قبل الطلاب؛ يطالبون فيها بتحسين أحوالهم الدراسية والمعيشية التي ساءت بسبب فرض قانون جديد طُبِّق عليهم في الأزهر. وتصاعدت وتيرة الحوار بينهم لتصل إلى درجة اتهام الحكومة والخديوي بسرقة أموال أوقاف الأزهر، وحرمان الأزهريين من حقهم فيها. وينتهي الحوار بإعلان الطلبة اعتصابهم؛ أي امتناعهم عن حضور الدروس في الأزهر حتى تُجاب مطالبهم.
وأمام هذا الاعتصاب يجتمع شيخ الأزهر مع علماء وشيوخ الجامع لمعالجة هذا الأمر، ويُفْهم من الحوار أن شيخ الأزهر قدم مطالب الطلاب إلى أولي الأمر، ولكنهم لم يستمعوا إليه ولم يهتموا بالأمر بسبب تدخل الغرباء في شئوننا — على حد قول المسرحية — ويقصد بذلك الإنجليز. وعندما يلمح أحد الشيوخ بأن الأزهر من اختصاص الخديوي شخصيًّا ولا دخل للإنجليز في أموره يتصاعد الحوار، ويبين — بصورة تهكمية — أن الخديوي لا يهتم بالأزهر بقدر اهتمامه بتجارته وزراعته الخصوصية، واستبدال أراضيه بأملاك أخرى من الأوقاف، والاحتفاظ بأموال الأوقاف المخصصة للأزهر في خزانته الشخصية. وفي هذا الوقت تأتي الأخبار بأن اعتصاب الطلبة وصل إلى درجة الهياج والثورة، فيقوم شيخ الأزهر بطلب قوة عسكرية للمحافظة على الأمن.
وتنتقل الأحداث في الفصل الثاني إلى قصر عابدين لنرى اجتماعًا بين شيوخ الأزهر ورئيس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين. وفي هذا الاجتماع نعلم أن الخديوي متغيب لتفقُّد مزارعه الخاصة، فيطلب شيخ الأزهر من رئيس الوزراء التصرف في أمر اعتصاب الطلبة، فيرد عليه بأنه اكتفى بوجود القوة العسكرية التي تحيط بالجامع الأزهري، وهنا تثور ثورة شيخ الأزهر على الجميع لعدم اكتراثهم بالأمر بالصورة المطلوبة، كما أظهر استياءه من وجود هذه القوة العسكرية التي أحالت الأزهر إلى ساحة حرب لا ساحة علم ودين. وأثناء هذا النقاش تُسْمع أصوات طلبة الأزهر خارج أسوار قصر عابدين مطالبين بحقوقهم المهضومة، بعد أن قاموا بمظاهرة سلمية واصلت طريقها إلى قصر عابدين، فيقوم رئيس الوزراء بإبلاغ الجموع المحتشدة من الطلاب بأن الخديوي سوف ينظر في مطالبهم قريبًا؛ وذلك تسكينًا لثورتهم.
وتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى ساحة حديقة عامة بالجيزة اجتمع فيها الطلاب المعتصبون، ووقف بينهم خطيب ألقى خطبةً حماسيةً؛ أبان فيها مطالب الأزهريين، كما أبان عيوب النظام الجديد الذي طُبِّق في الأزهر، ومن ذلك: أن العلوم الدراسية المستحدثة في الأزهر أُحِيل تدريسها إلى أساتذة غير أكْفاء، هذا بالإضافة إلى زيادة عدد الساعات الدراسية، حتى إن الطالب لا يجد وقتًا لدراسة ما هو مقرر عليه، كما أن الفقر يزداد يومًا بعد يوم على طلاب الأزهر، لدرجة أن الطالب لا يجد ثمن الكتب والأدوات المدرسية؛ وذلك بسبب نهب الحكومة لأموال الأوقاف الأزهرية. ويطالب هذا الخطيب رجال الفكر والثقافة والصحافة ونواب الأمة وأعضاء الجمعية العمومية بالوقوف بجانبهم حتى تجاب مطالبهم، ثم تتوالى الخطب الحماسية بعد ذلك من قبل الطلاب؛ لتبيِّن أمورًا كثيرةً وشروحًا أكثر حول هذه المطالب.
وفي الفصل الرابع والأخير، تنتقل الأحداث إلى داخل الأزهر؛ لنرى المدرسين وسط طلابهم مع وجود المفتشين والملاحظين وحجاب ديوان الأوقاف ممسكين بقضبان الخيزران وآلة التعذيب (الفلقة)؛ متحرشين بالطلبة في وجود دولار بك والشيخ عاشور، وهما من أعوان خليل حمادة باشا، الذي يتحدث معهما عن وجوب اتباع الشدة مع الطلاب المتمردين، فتتوجه مجموعة من الطلبة إلى الباشا مطالبين السماح لزملائهم الممنوعين بدخول الأزهر لاستكمال تعليمهم، فيحتدم النقاش بينه وبينهم، وينتهي بحبسهم في الرواق العباسي. ويقوم أعوان الباشا بوضع كل طالب متمرد في هذا الرواق الذي أصبح سجنًا داخل الأزهر، فتحدث ثورة بين الطلاب خارج الرواق، فيقوم الباشا وأعوانه بضرب مجموعة من الطلاب بالفلقة في صحن الجامع وأمام أعين زملائهم، فيشتد الأمر هياجًا بين الجميع، فيستصدر الباشا أمرًا بإدخال القوة العسكرية إلى الجامع، ويأمر جنودها بالقبض على كل طالب مهيج، وأن يضربوا كل عاصٍ. وبذلك تنتهي المسرحية.
(ب) اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلال المسرحية
أولًا: ملمح التقرير
وهذه الأمور متوفرة في مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»؛ حيث إنه نص يقر بحادثة تاريخية معاصرة حقيقية وقعت قبيل تأليف النص بأيام قليلة، بل وتمت كتابة النص أثناء وقائع الحادثة، كما سنرى فيما بعدُ. ومادة النص المسرحي مختارة من أقوال الصحف المصرية التي غطت الحادثة بتفاصيلها عام ١٩٠٩، وبالأخص صحف الجريدة واللواء والمؤيد، بالإضافة إلى بعض المنشورات الرسمية والخطب الحماسية، كما سيُعْرَض في البحث عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
ثانيًا: ملمح معالجة الأحداث بصورة فنية
- (١) المادة التاريخية: والشواهد على ذلك كثيرة في النص المسرحي؛ حيث إن المؤلف قام بمسرحة مادته التوثيقية بصورة فنية مع احتفاظه بمحتوى الحقيقة التاريخية؛ وذلك عندما نظم الأخبار الصحفية في شكل مسرحي تنظيمًا منطقيًّا في الأحداث أخضعه للمنهج الفني. ويتضح ذلك من ملخص المسرحية سالف الذكر، ومقارنته بملخص القصة التاريخية لاعتصاب الطلاب، كما سيأتي في الجزء الخاص بالفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
- (٢) استغلال مقتطفات الأخبار: قام المؤلف بوضع مقتطفات من الأخبار في مقاطع دقيقة التوقيت في نصه المسرحي. وهذا أمر له شواهده في النص المسرحي، ومثال على ذلك: المناقشة التي دارت بين شيخ الأزهر وأعوانه حول اعتصاب الطلاب في أول الأمر. ومن هذه المناقشة هذا الموقف:آخر: قلت يا فضيلة الشيخ أنك كثيرًا ما عرضت أمرنا على أولي الأمر، أو بالأحرى على جناب خديوينا المعظم، فما كانت النتيجة؟الشيخ: إن مولانا المعظم ليس خاليًا لنا، ولا لمصلحة معهدنا ولا لمصلحة الأزهريين التي أصبحت من خصائصه وشأنه الخاص.عالم: وما الذي يشغله عن مصالحنا؟ فلعلها أمور سياسية لمصلحة بلاده العامة، وقد تكون خيرًا لنا.الشيخ: لا، مولانا — حفظه الله — لا يشغله هذا الأمر، بل تشغله أمور أخرى.عالم: وما هي؟ أمشتغل بالسعي في مطالبة الأوقاف بإبدال بعض أراضيه المجهول مكانها وقيمتها بأراضٍ أخرى في الجزيرة أو في وسط عاصمة البلاد؟الشيخ: وغير ذلك! فإن ما يشغله عن مصلحة الأزهر وغيره من مصالح الأمة اشتغالُ سُموِّه بالتجارة وزراعاته الخصوصية.٣٢
وهكذا يتضح للدراسة أن المؤلف وضع بعض مقتطفات من حقائق التاريخ ومن أقوال الصحف حول هذه الأزمة في توقيت دقيق للغاية. فبدلًا من اهتمام الخديوي الذي يرأس المجلس الأعلى للأزهر بأمر اعتصاب الطلاب، نجده يهتم بأموره الشخصية من تجارة وزراعة واستبدال الأراضي. واختيار هذه الأمور في هذا التوقيت له دلالته السياسية والاجتماعية، كما سيتضح — فيما بعد — عند الحديث عن فنية عنصر الإضافة.
- (٣) استبدال اللحظات القصيرة بوحدات طويلة: لجأ المؤلف إلى استبدال اللحظات القصيرة من الحدث الحقيقي بوحدات طويلة ومعقدة، فأهم شاهد على ذلك معالجته لزيادة مرتبات المدرسين بالأزهر، وهو أحد مطالب الاعتصاب الأزهري. وقد ذكرت الصحف هذا المطلب بأكثر من صورة؛ منها: «… أن تكون مرتبات المدرسين على الأقل مثل مدرسي المدارس الابتدائية الأميرية.» أو «… أن غلاء جميع حاجات العيش يدعو إلى جعل مرتبات العلماء غير كافية بحاجتهم.» أو «… أن مرتبات علماء الأزهر ومدرسيه في الحقيقة قليلة جدًّا، بل هي لا تكاد تُذْكر في جنب مرتبات أساتذة أصغر مدرسة في العالم.»٣٣ وهذا الأمر الذي لم يستغرق سوى سطر أو سطرين في الصحف عالجه المؤلف في مسرحيته بصورة فنية، من خلال حوار طويل هذا جزء منه:طالب: وعلى هذا؛ أيمكن لسيدي أن يخبرني عن مرتبه الذي يتقاضاه قيامًا لما يقوم به من الأعمال الجليلة؟عالم: لنَدَعْ مقدار المرتب الذي لا يُذْكر، ونبشِّركم بأنه وإن كان مرتبنا قليلًا جدًّا؛ فإن لنا مكافآت متوالية نأخذها عند نجاحنا في كل امتحان!طالب: وما هي مدة كل امتحان؟ وما هو مقدار المكافأة؟عالم: أما المدة فهي قصيرة جدًّا، وهي سنتان أو ثلاث بالأكثر، ومقدار المكافأة فعظيم جدًّا؛ وهو جنيه واحد إنكليزي يُخْصم منه ستون غرش ثَمَنُ استمارات ورسوم للامتحان، والباقي وهو الأربعون قرش إلا قرشي ونصف لنا خاصةً. بارك الله لنا فيها. وقد نصَّت اللائحة أن هذه المكافأة لم تُعْط إلا تشجيعًا للاجتهاد على العمل، والإقدام في خدمة الدين الإسلامي.٣٤
- (٤) تركيب المواقف اعتمادًا على المقتبس: عُنِي حسن مرعي بتركيب مواقف اعتمادًا على قول مُقتَبَس، والشاهد الأبرز على ذلك من المسرحية ما جاء على لسان أحد الطلبة في خطبته أمام زملائه من المعتصبين قائلًا: «إخواني … اسمعوا مني هذه الكلمة الأخيرة، وهي أنه إذا أرسلت لكم الإدارة للتفاوض مع لجنة مخصوصة، فلا تُفَعِّلوا هذه اللجنة بالمرة، كما لا تُفَعِّلوا رئاسة لجنة الإصلاح الأزهري، إلا إذا كانت مسندةً إلى صاحب الفضيلة قاضي مصر، وأعضاؤها: الشيخ بخيت، وحسن مدكور باشا، وإبراهيم رفعت باشا، ومجدي بك؛ المستشار بالاستئناف، وإبراهيم ممتاز باشا، وحسن جلال بك، على شرط أن تُنْشر المناقشات على صفحات الجرائد يوميًّا. فإذا نفَّذت اللجنة طلباتنا كان بها، وإلا فنحن باقون على ما نحن عليه من المظاهرات.»٣٥والجدير بالذكر أن الأسماء الواردة هنا مقتبسة مما أوردته الصحف المصرية حول تشكيل لجنة فحص مطالب المعتصبين؛ فعلى سبيل المثال: طالب المعتصبون أن اللجنة تضم ضمن أعضائها الأسماء الآتية: الشيخ محمد بخيت، والشيخ عبد الكريم سلمان، والشيخ محمد الطوخي، ومحمود بك عبد الغفار، وعبد العزيز بك فهمي المحامي، وعمر بك لطفي. أما اللجنة في صورتها النهائية فقد شكلها الخديوي من: الشيخ محمد أبو الفضل؛ وكيل مشيخة الأزهر، والشيخ عبد الغني محمود؛ عضو مجلس الإدارة، والشيخ أحمد نصر؛ وكيل رواق الصعايدة، والشيخ علي الفزاني؛ شيخ رواق المغاربة، وإبراهيم بك ممتاز؛ مندوب الداخلية، وحسن بك جلال؛ مندوب الحقانية.٣٦
- (٥) تركيب المواقف بالاعتماد على المقولات المضادة: أما من حيث قيام المؤلف بتركيب موقف اعتمادًا على المقولات المضادة، فخير شاهد على ذلك قول أحد المعتصبين في خطبته أمام الطلبة: «… واحذروا من في الظاهر يتظاهر بالميل لكم، وفي الباطن يدس لكم الدسائس ليفشل مسعاكم. ولكن لا أخشى أن أقول إنه خاب مسعاهم، وساء حالهم، فنحن رجال لا تؤثر فينا الدسائس.»٣٧ وهذا الموقف من الخطيب جاء به المؤلف مركبًا من مقالة كتبها أحمد علي المنشاوي تحت عنوان: «دس الدسائس ودفع المفتريات في الأزهر»، قال فيها على سبيل المثال: «علمنا من ثقة أن بعض الخائنين لأمتهم يرسلون أناسًا إلى المساجد يؤذون العلماء ليُنْسب ذلك إلى الطلبة، ويقصدون بذلك تثبيط هممهم، والضرب على مطالبهم.»٣٨ كما جاء في مقالة أخرى هذا القول: «… ثم علم الطلاب من جهة أخرى أن يدًا خفيةً حركت بعض صنائعها على إهانة بعض المدرسين؛ لإلقاء تبعة الاضطراب على المتظلمين، فتنبَّه الطلاب إلى ذلك.»٣٩
- (٦) تحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية: وأما من حيث قيام المؤلف بتحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية أخرى، فهذا أمر واضح في المسرحية، وخير دليل على ذلك تحويل بعض المقالات المنشورة في الصحف إلى خطب حماسية ألقاها الطلبة في المسرحية.٤٠ وكذلك تحويل نشرات الأزهر الرسمية وقرارات المجلس الأعلى للأزهر المنشورة في الصحف إلى حوار فني بين شخصيات المسرحية.٤١
وهذا الأمر سيتضح أكثر عندما تتعرض الدراسة إلى الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
- (٧) ظاهرة الرجوع للخلف: لقد لجأ المؤلف لفكرة الرجوع إلى الخلف من أجل كشف سلوك معين، فخير دليل على ذلك من المقالات المنشورة في الصحف قيام الطلبة في مظاهرتهم بالهتاف ضد جريدة المؤيد، وضد صاحبها الشيخ علي يوسف.٤٢ فيقوم المؤلف بصورة فنية بتفسير هذا الأمر بأسلوب الرجوع إلى الخلف تاريخيًّا؛ وذلك عن طريق قول طالب مع آخر أثناء المظاهرة قائلًا له: «لندع يا أخي صاحب المؤيد وشأنه، بعدما تحقق لنا أن هذا الرجل هو الذي قد أثار غبار مسألتنا الأزهرية بدسائسه وسوء قصده، بما ألقاه من المنشورات المفسدة على مسامع سمو خديوينا المعظم.»٤٣ وهذا الأمر تثبته مقالات المؤيد التي نُشِرت قبل إثارة مسألة الاعتصاب في الأزهر تمجيدًا في قانون الأزهر الجديد؛٤٤ ذلك القانون الذي رفضه الأزهريون واعتصبوا من أجل إلغائه.
ثالثًا: ملمح العناية بالقضية الاجتماعية والسياسية
- (١) التركيز على القضية العامة: وهذا الأمر قام به المؤلف خير قيام، خصوصًا عندما اهتم بقضية الأزهر واعتصاب طلابه أكثر من اهتمامه بالأفراد؛ فعلى سبيل المثال: لا يوجد حوار في المسرحية يقوم به شخصيات ذات أسماء محددة إلا في موضعين اثنين.٤٦وكان حوار المسرحية في مجملها يدور بين طالب وطالب، أو بين طالب وعالم، أو بين عالم وملاحظ، أو بين ملاحظ ومفتش، أو بين مفتش وشيخ، أو بين شيخ وناظر، أو بين ناظر ورئيس … إلخ. ولم نجد اسمًا لطالب أو لعالم أو لملاحظ أو لمفتش طوال المسرحية؛ وذلك على الرغم من ذكر الصحف لبعض هذه الأسماء، ومنها: عبد الظاهر محمد، أحمد علي المنشاوي، علي أحمد الجرجاوي، أبو زيد، سليمان نوار، محمد قنديل، محمد زهدي الخماس، أحمد نديم، مسعود فراج، حامد مطاوع، عبد السلام المليجي، سليمان فهمي، فهيم قنديل، محمد منصور، حسن موسى، محمد خاطر.٤٧
- (٢) إضفاء اللمسات الإنسانية: عُنِي المؤلف بإضفاء لمسات إنسانية مؤثرة على الموضوع العام، من خلال تصوير بعض لوحات من مآسي الأفراد؛ فقد حقق المؤلف هذا الأمر عندما قال طالب لآخر واصفًا زملاءه المقبوض عليهم بسبب الاعتصاب: «وقد قضينا ليلة الحادثة والأسف ملء قلوبنا على الثلاثة الأبرياء الذي قُبِض عليهم وزجوا في أعماق السجون … وكان الغرض بلا شك استعمال كل قسوة زائدة، وتشديدًا بتكسير هؤلاء المساكين، وذلك إرهابًا لباقي المعتصبين.»٤٨
- (٣) استخدام السخرية للبُعد عن المباشرة: لجأ المؤلف إلى استخدام السخرية الطريفة من أجل التغطية على المعالجة المباشرة؛ فخير مثال على ذلك في المسرحية ما قاله شيخ الأزهر لرئيس الوزراء، عندما انشغل الخديوي بأعماله الخاصة غير مُبالٍ باعتصاب الطلبة: «وهل تظنون سعادتكم أن مولانا الخديوي — حفظه الله — يأتي مسرعًا على إثر وصول تلغرافكم، ويترك أعماله الزراعية الخصوصية التي لولاها لرأينا سُموَّه قد تفرَّغ إلى نُصرة العلم وتعضيد المشروعات الدينية، بل ورأيناه ندِيَّ الكفِّ، مُطلق اليسار بالعطا والجود للمشروعات الخيرية.»٤٩
رابعًا: ملمح تواري الرأي الشخصي
وهذا الأمر له وجود فعلي في المسرحية؛ حيث إن الدراسة لم تجد قولًا مباشرًا للمؤلف — على لسان شخصياته — يفيد صراحةً أنه مع الحكومة ضد اعتصاب الأزهريين، أو أنه مع الأزهريين ضد الحكومة. وبالرغم من ذلك، فالقارئ يستشعر من اختيار الأحداث التاريخية وترتيبها — وفقًا لأحداث الاعتصاب كما جاءت في الصحف المصرية — أن المؤلف كان له موقف إيجابي من هذه القضية، وهو الموقف الذي أعلنه الرأي العام بأحقية طلبة الأزهر في مطالبهم. وهذا الأمر سيتضح أيضًا عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
خامسًا: ملمح تجلية الموقف السياسي للجماهير
- (١) التهييج السياسي: وهذا الأمر متوفر في النص المسرحي؛ حيث إن المسرحية تدعو الجماهير أو القراء إلى التهيج السياسي. وهذا يتضح من ذلك الحوار الذي جاء قبيل الاعتصاب بين طالب وأستاذه العالِم من أجل تغيير الوضع الراهن:عالم: وما بال إخوانكم متهيجين، وأراهم ليسوا براضين عما يلقيه عليهم حضرة المدرس؟طالب: لعلهم يتفكرون في مطالبهم التي طالما طالبوا بها من زمن بعيد ولم يُصغِ لقولهم أحد!عالم: وأي شيء يطلبون؟ … وهل هذا الوقت هو مُعدٌّ لتقديم طلبات؟ … وهل بمثل تلك الغوغاء يؤمِّلون الالتفات إلى مطالبهم؟طالب: وبأي كيفية يطلبون مطالبهم الحقة إذا لم يفعلوا ما هم فاعلون الآن من الغوغاء وتهييج الأفكار؟٥٢
وهكذا يستمر الحوار وتتصاعد وتيرته، فيطلب العالم أحد المفتشين لتهدئة الأمر، فيأتي الحوار:
مفتش: إن لم تجلسوا مختارين أجلسناكم مجبرين.طالب: أتجبروننا بالقوة على الجلوس؟ فإذا كان كذلك فنحن أقوى منكم بالنسبة لعددنا!مفتش: في أقل من لمح البصر أحضرنا قوة الحكومة، عندها تعلموا يا ذا الهفوة أن الحق مع القوة.طالب: كلا يا حضرة المفتش؛ ليس الحق مع القوة، فإن القوة مع الحق. ومع ذلك، فها أنا أول من ينادي على إخواني بالاعتصاب والإيقاف عن العمل إن لم يُجِيبوا مطالبنا (يقف على مقعد عالٍ وينادى بصوت جهوري): يا إخواني الطلبة، ويا من تجمعني وإياكم أكبر كلية دينية، ويضمنا أعظم معهد علمي، أشير عليكم بالاعتصاب والانقطاع عن دروسكم حتى تُجَاب مطالبنا الحقة، أو خير لنا ترك هذا المعهد غير آسفين، ما دمنا بهذا الشكل السيئ والضنك والبؤس.طلبة: نعم، نعم، فهذا خير لنا … وها نحن يد واحدة معتصمين بحبل الله جميعًا؛ فإن القوة في الاتحاد.٥٣وهذا الحوار وغيره مما جاء في المسرحية كان القصد منه تهييج القارئ أو المشاهد سياسيًّا؛ لإعادة النظر في قضية إصلاح الأزهر، وتبني رأي الأزهريين في مطالبهم الحقة، خصوصًا وأن المسرحية نُشِرت أثناء ذروة أزمة الأزهريين. وكان المؤلف يأمل في تمثيلها أيضًا ولكن الحكومة منعت تمثيلها، كما بينت الدراسة. وكدليل على أن مطالب الأزهريين حقوق مهضومة قول أحد العلماء في مجلس الوزراء، عندما سمع أصوات الأزهريين خارج قصر عابدين: «اسمعوا … اسمعوا، ثم انظروا من هذه النوافذ تروا بأعينكم، وتسمعوا بآذانكم صراخ هذا الجمع المحتشد الذي تجمع للمطالبة بحقوقه المهضومة، فها قد حضروا للمطالبة بأنفسهم بحقوقهم من سمو الأمير.»٥٤ - (٢) تجلية ضبابية الموقف: وأما من حيث إن المسرحية تقف ضد كل الفئات التي يهمها خلق ذلك الجو السياسي المضبب والمظلم والمزيف، الذي يقف ضد ميول أغلبية الجماهير؛ فإن الشاهد على ذلك من المسرحية قول شيخ الأزهر لمجلس الوزراء، أثناء التباحث في أمر الاعتصاب وتنصُّل الوزراء من الأمر؛ لأنه بيد الخديوي المتغيب عن العاصمة لمباشرة أموره الخاصة: «ما هذا الكلام يا نظار حكومتنا؟ وكيف لا تعلمون وقد أُلْقِيت بيدكم مقاليد الأحكام وزمام الأنام، وعلى الخصوص حفظ أموال بيوت الإسلام؟ وكان أول واجب عليكم أن تنظروا أولًا في تحسين شئون خدمة الدين، وحملة كتاب رب العالمين … أوليس هذا خيرًا لكم من تشييد عمارات، وعمار مهجورات، وشراء خرابات، وسفرياتكم إلى المنتزهات، وانتقائكم أحسن مياه الحمامات، وإصدار أوامركم بتوسيع حساب الوليمات، وإسرافكم الزائد على المراقص والباللوات.»٥٥
- (٣) إدانة موقف مخصوص: لا تقف المسرحية عند حد تجلية ضبابية الموقف فحسب، بل تزيد خاصيةً أخرى من خصائص المسرح التسجيلي؛ أعني قصد المؤلف الواضح لإدانة موقف محدد باعتباره جريمةً من طرف واحد، فهذا الأمر يتضح من سياق أحداثها التي تنتهي إلى إدانة الحكومة بعدم اهتمامها بمطالب الأزهريين، وسعيها إلى إرضاء الخديوي على حساب الأزهر، وإطلاق يده في أموال الأوقاف الأزهرية. هذا فضلًا عن إدانة خليل حمادة باشا وأعوانه على جريمتهم لضرب الأزهريين في صحن الجامع، ومخالفتهم للقوانين الأزهرية والإنسانية.
ومما سبق يتضح إن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المنشورة عام ١٩٠٩، تُعْتبر مسرحيةً تسجيليةً؛ لتطابق تعريف المسرح التسجيلي عليها، ولاشتمالها على كافة عناصر وسمات هذا النوع المسرحي. وبذلك يُعْتَبر حسن مرعي من أوائل من كتبوا المسرحية التسجيلية في مصر، إن لم يكن الأول بالفعل.
(ﺟ) الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع
للتعرف على الفروق الفنية بين واقع أحداث اعتصاب طلاب الأزهر، كما جاء في الصحف المصرية، وبين فنية هذا الواقع، كما عالجه المؤلف بأدواته المتنوعة في المسرحية؛ لذلك يمكن أن تقسم الدراسة هذا المحور إلى نقطتين؛ الأولى: ذكر ملخص لهذه الأحداث حسب واقعها التاريخي، كما جاءت في الصحف؛ لتكون خلفيةً لها عند الحديث عن الفرق بين هذا الواقع التاريخي وبين معالجته فنيًّا، كما جاء في النص المسرحي، والأخرى: ملامح المعالجة الفنية لهذه الأحداث طبقًا لتوظيفها فنيًّا خلال العمل الإبداعي.
(١) الأحداث من واقع الصحف
(٢) الأحداث طبقًا للمعالجة الفنية
-
أولًا: التصريح: وأعني به كشف التلميحات العابرة؛ إذ إن الحدث عندما يأخذ منحًى
سياسيًّا يصبح من الصعب على متناوله في حينه أن يتحدث بصورة واضحة
عن أمور قد تكون لها عواقبها الوخيمة، حسب تقدير الموقف بالنسبة
للسلطة، أو بالنسبة للمساس بمقدسات دينية. وفي الوقت الذي يمكن فيه
القول إن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» تُعَد نسخةً فنيةً
تسجيليةً من الأحداث التاريخية لاعتصاب طلبة الأزهر، كما جاءت في
الصحف التي تحدثت عن هذا الاعتصاب وقت حدوثه؛ حيث إن المؤلف صرح
بأهم الأحداث التاريخية، وأثبت ذلك بصورة فنية على امتداد صفحات
المسرحية، في الوقت الذي يمكن القول فيه بذلك، وجدت الدراسة أنه
صرح بأمور لم تستطع الصحف التصريح بها، واكتفت فقط بالتلميح
عنها.
ومن ذلك على سبيل المثال: تلميح الصحف بأن أموال أوقاف الأزهر لا تذهب إليه؛ وفي ذلك يقول ابن النجوم محمود في مقالته: «لو كان ما حُبِس على الأزهر يُصْرف على الأزهر لما فُرِش إلا بأفخر البسط والسجادات، ولأُثِير بأفخر الثريات، ولأُعْطِي صغار الطلبة ما للعلماء من المرتبات، ولركب العلماء العربات الفاخرات، والدواب الفارهات، ولكانت مكتبته حاويةً لمئات آلاف المجلدات، ولكان للأزهر فروع في سائر الجهات.»٩٠وعلى الرغم من هذا التلميح في الصحف، إلا أن المؤلف صاغه بصورة صريحة؛ متهمًا الخديوي نفسه بسرقة أموال أوقاف الأزهر. وقد جاء هذا التصريح على لسان أحد مشايخ الأزهر الثائرين أمام عدم اكتراث الخديوي بالأزهر قائلًا: «… أو على الأقل إدارة مصلحة معهدنا هذا، الذي قد تعهَّد سموُّه بإصلاحه شخصيًّا، وأصبح كل فرد من أفراد الأمة يعرف هذه المسئولية؟ أو لعل سموه لا يرغب إلا في حفظ أمواله وما هو مخصص لهذا المعهد في خزينته العامرة؛ للاستعارة منها متى شاء بلا حساب …»٩١
وهذا الاتهام ربما كان الناس يتحدثون به همسًا في ذلك الوقت، وكان يسمعه حسن مرعي أو ينقله بحسِّه الصحفي، فصرح به في جرأة كبيرة كانت السبب في منع الحكومة هذه المسرحية من التمثيل، كما جاء في الدراسة سابقًا. ومهما يكن من أمر تمثيل المسرحية من عدمه، إلا أن هذا الاتهام تم تسجيله في المسرحية المنشورة. وهذا يُحْسب للمؤلف؛ لأنه استطاع أن يسجل أحداثًا لم ترد في الصحف. وهذا يُعْتبر إضافةً تاريخيةً يعلم من خلالها قارئ المسرحية ماذا كان يدور بين الناس من أمور خطيرة لم تستطع الصحف تسجيلها، واستطاع حسن مرعي — على سبيل المثال — تسجيلها وحفظها للتاريخ وللمستقبل.
ومن أمثلة التصريح أيضًا: ما كشفه المؤلف عن مظاهرة الطلاب أمام دار المؤيد؛ إذ وصفت الصحف مظاهرة الطلبة أمام مبنى جريدة المؤيد هكذا: ولما مروا أمام دار المؤيد أخذوا يصيحون: فليسقط المؤيد! وإذا بحجارة أخذت تتساقط من أعلى دار المؤيد، فاستشهد الأزهريون بالبكباشي جرفس على هذا العمل، فوقف عندئذٍ البكباشي ونظر إلى الناس الذين يلقون الحجارة، وقال لهم بالعربية: «ارجعوا … ارجعوا.» فلم يسمعوا لقوله، بل ظلوا يرجمون الطلبة بالحجارة، فأراد بعض الأزهريين الدخول إلى دار المؤيد للقبض على المعتدين وتسليمهم للبوليس، وتناول بعضهم لحجارة المتساقطة ورجموا بها جدران المؤيد. وفي هذه الساعة وصلت إشارة تلفونية إلى محافظة العاصمة من جريدة المؤيد تفيد أن الأزهريين اجتمعوا أمام المؤيد يريدون الدخول عنوةً.٩٢وبالنظر إلى وصف الحدث من خلال الجريدة؛ نلحظ أنه يخلو من ذكر الشيخ علي يوسف؛ صاحب المؤيد، إلا أن حسن مرعي صرح بشخصيته — لأنه كان يكتب المقالات ضد اعتصاب الأزهريين مؤيدًا قانون الأزهر الجديد، كما أوضحت الدراسة ذلك سابقًا — وجعله هو ومحرر الجريدة سليم شاهين سركيس يشتركان في حوار المسرحية في هذا الموقف:
مفتش البوليس (ملتفتًا إلى دار المؤيد): ارجعوا يا أفندية … ومروا عمَّالكم بعدم رمي الأحجار على الطلبة؛ إذ هذا يُعَدُّ تعدِّيًا فاحشًا منكم، ونحن نخاف عليكم وعلى إدارة جريدتكم من أن يمسَّكم ضرٌّ من هؤلاء المعتصبين.الشيخ (من داخل نافذة): من هذا الذي يخاطبكم يا حضرات الأفندية بقوله: أخشى عليكم وعلى إدارة جريدتكم من هؤلاء المعتصبين؟سركيس: هذا يا سعادة الباشا جناب وكيل حكمدارية مصر يأمرنا بمنع عمال لنا وقفوا على سطح الدار يقذفون الأحجار على الطلبة المارِّين.الشيخ: ومن هم أولئك الطلبة الذين نخشى منهم علينا وعلى إدارة المؤيد؟ ولِمَ نمنعُ أطفالًا يتسلَّوْنَ برمي الحجارة على الطلبة؟ ولأي شيء يهددنا البوليس بالتخوف من الطلبة (يتزايد رمي الحجارة على الطلبة).طالب: انظروا يا إخواني كيف أن صاحب المؤيد يأمر عماله بأن تقذفنا بالأحجار ونحن سائرون، وقد أمرهم جناب وكيل الحكمدار بمنع ذلك ولم يمتنعوا!الجميع (يصيحون): فليسقط المؤيد، فليسقط المنافق، فلتسقط الخونة (يقترب البعض منهم بالهجوم على إدارة المؤيد ليُرجعوا قاذفي الأحجار، فيردهم البوليس ويغلق باب المؤيد … الجميع يسيرون وينادون: فليسقط المؤيد).الشيخ: اطلب يا خواجة سركيس تلفونيًّا من المحافظة إرسال قوة لحفظ الإدارة، وزِدْ على ذلك أن حياة الشيخ في خطر، ويجب الإسراع بالقوة بكل سرعة؛ حيث تعدي الطلبة يزداد علينا.سركيس: إنني يا سعادة الباشا قد أرسلت في طلب القوة من لحظة، وما أظنها إلا حاضرة الآن.٩٣وربما هذا الحوار سمعه حسن مرعي من الشيخ علي يوسف أو من سركيس، أو ربما سمعه من آخرين نقلًا عنهما باعتباره صحافيًّا، وربما أيضًا تخيله ونسج أحداثه من خياله المسرحي. ومهما يكن من أمر حقيقة مصدر هذا الحوار، إلا أن هذا الموقف إذا كان متخيلًا لا يختلف كثيرًا عن حقيقة ما وقع؛ لأن الثابت أن إشارة تلفونية وصلت إلى المحافظة من جريدة المؤيد تطلب قوةً عسكريةً لحماية مبنى الجريدة من الطلبة المعتصبين.٩٤ وهذا يعني أن هناك حوارًا تم بين أعضاء الجريدة انتهى بطلب القوة العسكرية، وهكذا يتفق الحوار المُتَخيل في المسرحية مع حقيقة ما ذكرته الصحف بخصوص هذه الواقعة. -
ثانيًا: التلميح: وعلى عكس ما سبق، وجدت الدراسة أن الصحف صرحت بأمور لمَّح بها
حسن مرعي في مسرحيته دون التصريح بها، ومن ذلك قضية أحمد باشا
المنشاوي، وتشابه موقفه مع موقف خليل باشا حمادة. وقصة المنشاوي
تتلخص في قيام لص عام ١٩٠٢ بسرقة ثورين من مزارع الخديوي ولم تفلح
المديرية في القبض عليه، ولكنها حصرت الشبهة في لصين أودعتهما سجن
مركز طنطا لتسليمهما النيابة. وبعد يومين، طلب المنشاوي باشا من
مأمور المركز تسليم المشتبهين له في منزله بالقرشية حتى يجبرهما
على الاعتراف بجريمتهما، وبالفعل قام المأمور بتنفيذ الأمر، وبعد
فترة أُعيدا إلى السجن. ولما ذهب رئيس النيابة لسؤالهما قررا أنهما
عُذِّبا بالضرب في منزل المنشاوي باشا، فأُحِيلا للكشف الطبي،
ووُجِدت بهما آثار الضرب، فأخذت النيابة في تحقيق الواقعة الجديدة،
وذهب النائب العام إلى طنطا والمستر ويلسون؛ مفتش الداخلية. وانتهى
الأمر بالقبض على المنشاوي باشا، والقبض على مأمور المركز نفسه؛
لإخراجه مسجونين من السجن بدون إذن من النيابة، وأُوقف مدير
الغربية لسماحه للمأمور بهذا العمل. وسرعان ما أصبحت القضية قضية
رأي عام في مصر انتهت بحبس المنشاوي باشا ثلاثة أشهر. وهذا الحكم
ترك صدًى في الرأي العام؛ لعلو شأن المحكوم عليه باعتباره من كبار
الأعيان في البلاد.٩٥وعندما قام حمادة باشا بضرب طلاب الأزهر في المسجد كتبت الصحف عن قصة المنشاوي باشا؛ لتذكر الرأي العام بتشابه الجريمتين، ومثال على ذلك ما كتبه حسن موسى العقاد قائلًا عن حمادة باشا: «أنسي هذا الضارب وأعوانه ما حل بالمرحوم منشاوي باشا حين أمر بضرب رجل من ذوي السوابق في بيته من الإهانة والحبس، وما أغنى عنه ماله ولا عظيم رتبته شيئًا. فمن هو حمادة الأجنبي عنا بجانب المنشاوي العزيز بيننا».٩٦وبالرغم من تصريح الصحف باسم المنشاوي باشا وبقضيته، إلا أن حسن مرعي لمَّح بذلك — في المسرحية — من خلال قول أحد الطلبة إلى حمادة باشا، بعد قيام الباشا بضرب بعض الطلاب قائلًا له في جرأة وشجاعة: «… كان يجب عليك الصلاة في المكان الذي تجلد خدام الدين فيه. لقد أجرمت جرمًا عظيمًا يعاقبك عليه العدل. إن كنت تقول إنك باشا ولا تُحَاكم على فعلك هذا، فأقول لك يا سعادة الباشا أنك مخطئ وألف مخطئ؛ فقد سبقك لهذا الفعل كثيرون أعظم منك مقامًا ورفعةً بين الناس، حكم عليهم القانون. ويعاقبك القانون على جلدك للطلاب خدام الدين.»٩٧
وربما عدم ذكر حسن مرعي لاسم المنشاوي باشا صراحةً، والاكتفاء فقط بالتلميح عنه راجع إلى حسِّه المسرحي الذي كان أسبق تطبيقًا — من تنظير الألمان للمسرح التسجيلي — عندما عُنِي في المقام الأول في مسرحيته بالقضية الاجتماعية والسياسية، ولم يحفل كثيرًا بالفرد من حيث وجوده الذاتي. وهذا مما يُعَد سمةً من سمات المسرح التسجيلي — كما مر شرحه — وبناءً على ذلك، لمَّح المؤلف بالاسم ولم يُصرح به؛ لأن اهتمامه اتجه إلى القضية لا إلى الأفراد.
-
ثالثًا: التغيير: قام حسن مرعي في مسرحيته بتغيير بعض الأمور التي جاءت صريحةً في
الصحف، ومن ذلك قيام شيخ الأزهر مضطرًّا باستدعاء القوة العسكرية
لحفظ الأمن في الأزهر، وفي ذلك يقول الشيخ لأعوانه: «يعزُّ عليَّ
كثيرًا طلب قوة لحفظ نظام أشرف معهد، ولكن للضرورة أحكام؛ فاذهب يا
حضرة المفتش واطلب عن لساني تلفونيًّا من المحافظة إرسال قوة
عسكرية لحفظ ما طرأ من التهييج في الأزهر.»٩٨ وهذا الأمر لم تذكره الصحف — فيما يتوافر بين يدي
الدراسة من صحف — ولم تقل أية صحيفة بأن شيخ الأزهر هو الذي طلب
القوة، بل ذكرت إن الحكمدارية عينت القائمقام أحمد عفت، والصاغ بدر
الدين رأفت، وحسين كامل؛ مأمور قسم الدرب الأحمر، ونحو عشرين من
فرسان البوليس، ومائتين من الجنود؛ للمحافظة على الأمن والنظام في
الأزهر، مع استخدام القوة والقسوة عند الضرورة.٩٩
وربما اتهام شيخ الأزهر بجلب القوة العسكرية إلى الأزهر كان يدور بين الناس في ذلك الوقت، فنقله المؤلف بوصفه تسجيلًا حيًّا لما كان يدور بين عامة الناس في هذا الأمر، خصوصًا وأن القوة العسكرية — مهما كان مصدر الأوامر بتواجدها في الأزهر — لا تستطيع التواجد حول الأزهر أو فيه إلا بموافقة شيخ الأزهر نفسه؛ لأن شيخ الأزهر هو أحد أعضاء المجلس الأعلى للأزهر الذي يرأسه الخديوي نفسه.
-
رابعًا: الإضافة والحذف: والأمثلة على قيام حسن مرعي بحذف أو إضافة في الأحداث كثيرة.
ومنها — على سبيل المثال: عدم ذكره لاسم لجنة أو جماعة أو جمعية
«الاتحاد الأزهري»، رغم ذكره في المسرحية لكثير من أقوالها
وأفعالها.١٠٠ كذلك ذكره لأسماء لم ترد في الصحف ضمن الأسماء
المقترحة من قبل الأزهريين لضمهم إلى لجنة الحكومة لتسوية أمر
الاعتصاب.١٠١ وقد تحدثت الدراسة عن هذه الأسماء سابقًا. وأيضًا ذكره
لهتاف الطلبة في مظاهراتهم بتمجيد وحياة صحيفة اللواء، وبسقوط
صحيفة المؤيد، دون ذكره لهتافهم بحياة صحيفة الجريدة.١٠٢ والسر في ذلك ربما يعود إلى أن صحيفة اللواء كانت تقف
دائمًا بجوار أزمة الأزهريين، خصوصًا مقالات عبد العزيز
جاويش.١٠٣ أما صحيفة المؤيد فكانت على النقيض تمامًا. وهنا التزم
المؤلف بهتاف الطلبة المتناقض بين الصحيفتين؛ ليبين عن تناقضهما
أمام القضية. وتجاهله لصحيفة الجريدة كان بسبب محايدتها. وهذا هو
السبب في التزام الدراسة بالنقل عنها؛ حتى لا تتأثر بأي طرف من
الطرفين المتناقضين.
ومن هذه الظاهرة أيضًا قيام المؤلف بإضافة أمور تاريخية لم تتحدث عنها الصحف أثناء نشوب أزمة ١٩٠٩، ومن ذلك مسألة قيام الخديوي باستبدال أجزاء من أراضيه بأجزاء أخرى من أراضي الأوقاف. وهذا الموقف عبَّر عنه المؤلف صراحةً على لسان أحد العلماء أثناء مناقشته لشيخ الأزهر في أمر الاعتصاب، وتعجبه من عدم اكتراث الخديوي بالأمر وانشغاله عن أمور الدولة بأموره الشخصية، فعندما قال:
شيخ الأزهر: مولانا — حفظه الله — لا يشغله هذا الأمر، بل تشغله أمور أخرى.
ردَّ عليه العالم: وما هي؟ أمشتغل بالسعي في مطالبة الأوقاف بإبدال بعض أراضيه المجهول مكانها وقيمتها بأراضٍ أخرى في الجزيرة أو في وسط عاصمة البلاد؟!١٠٤وقصة استبدال الأراضي هذه بدأت عام ١٩٠٥، عندما فكر الخديوي في استبدال جزء من أطيانه الزراعية مقابل بعض أراضي البناء الموقوفة في مدينة الجيزة، وطلب أن يُعطى له ثلاثون ألف جنيه فوق الأراضي الزراعية، على أساس أن الأرض الزراعية تغل ريعًا سنويًّا، وأن أرض المباني لا تغل أي ريع، وعرض الأمر على مجلس الأوقاف فوقف له بالمرصاد الشيخ محمد عبده؛ عضو المجلس — والذي كان دائمًا يقف أمام محاولات الخديوي لسرقة أموال الأوقاف؛ التي كان ينفقها على أسرته وعلى مزارعه الخاصة — وذكر الحكم الشرعي بأن الوقف يُقَدر بقيمته وليس بغلته، فألف المجلس لجنةً لفحص الموضوع انتهت بأن قررت أنه على الخديوي أن يدفع مبلغ عشرين ألف جنيه فوق الأرض الزراعية؛ لتكون مساويةً في القيمة لأرض الوقف. وبسبب هذا الموقف وغيره، بدأ الخديوي يشن الحرب على الشيخ محمد، فأجبره على الاستقالة من مجلس إدارة الأزهر.١٠٥وربما كان هذا الموضوع من الموضوعات المثارة بين الناس، والذي من الصعب تسجيله في المقالات الصحفية؛ لأنه طعن مباشر في ذات الخديوي، فأراد حسن مرعي أن يُفيد بالحدث التاريخي بصورة فنية، كذلك قام المؤلف بوضع مجموعة كبيرة من خُطب الأزهريين في مسرحيته،١٠٦ والتي أُلْقيت في تجمعهم بحديقة الجزيرة. وهذه الخطب لم تسجلها الصحافة في وقتها، بل أخذت منها بعض المقتطفات التي تمثل مطالب الأزهريين.١٠٧ وهذا الأمر يُحْسب للمؤلف؛ لأنه سجَّل في مسرحيته نصوصًا من خطب الأزهريين يُسْتفاد منها في الدراسات الأدبية والتاريخية. -
خامسًا: التلخيص: قام حسن مرعي بتلخيص بعض الأمور الخاصة بقضية اعتصاب الأزهريين،
ومن أهمها مطالبهم الحقة؛ فقد ذكرت الصحف هذه المطالب١٠٨ التي وصلت إلى ثمانية عشر مطلبًا، وأسهبت في توضيحها.
وقد أوردت الدراسة أهمها فيما سبق. وبالرغم من ذلك لم يذكر منها
حسن مرعي إلا ثلاثة مطالب فقط، جاءت على لسان خطيبين
معتصبين.
قال الخطيب الأول عن نظام الأزهر المعمول به قبل الاعتصاب: «… إن العلوم وُزِّعت بطريقة غير معقولة، فأُنِيطت الدروس بالعلوم المهمة لأساتذة غير أكْفَاء فيها … وزِيد في عددها عن ذي قبل، حتى أصبح الطالب لا يجد لحظةً من أوقاته يصرفها في إعداد الدروس لمذاكرته وحده، ليعرض بعد ذلك فكره على أستاذه؛ حتى يتبين أصاب أم أخطأ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أكثر طلبة الأزهر بفضل إصراف رجال الحكومة بأموال المسلمين فيما لا يعود على المسلمين ولا على الدين الحنيف بأي فائدة كانت؛ تراهم في فاقة وفقر شديد، بحيث لا يتسنى لهم شراء الكتب التي التزموا بدرسها بمقتضى النظام الجديد.»١٠٩وقال الخطيب الآخر: «… إن الإنسان منا يا حضرات الأفاضل يقضي زهرة عمره وعنفوان شبابه في طلب العلم، حتى إذا ما انتهى يأخذ من المرتب ما لا يسد به رمق الفؤاد. هذا إذا كان وحده، وما بالك إن كان رب عائلة وصاحب منزل؟! فماذا يفعل؟ ومن أين له أن يصرف على أولاده وعائلته إذا كان هذا مرتبه؟»١١٠
والدراسة تلاحظ هنا أن حسن مرعي ذكر فقط المطالب التي تتعلق بالأمور الإنسانية، دون الاهتمام بالأمور الإدارية والوظيفية التي ذُكِرت في بقية المطالب، مثل: أن يكون انتخاب مجلس إدارة الأزهر بمعرفة جميع العلماء بالقرعة السرية، وأن تكون الشهادة الابتدائية مسوغةً لحاملها حق المأذونية والإمامة والخطابة، وأن توجد المشيخة طريقةً منضبطةً لامتحان شهادة العالمية … إلخ هذه المطالب. وكأن المؤلف أدرك بحسه الفني التطبيقي — قبل التنظير — أن المسرح التسجيلي يهتم بالمضمون الإنساني.
-
سادسًا: التجاهل: قام حسن مرعي في مسرحيته بتجاهل بعض الأمور المهمة التي حدثت في
قضية اعتصاب طلاب الأزهر. ومن هذه الأمور: استقالة شيخ الأزهر
الشيخ حسونة النواوي، فقد أفردت الصحف صفحاتها لملابسات هذه
الاستقالة، وأوضحت أن الشيخ عقد مجلس الأزهر الأعلى تحت رئاسته
أثناء سفر الخديوي في سياحة بالصعيد، وأعلن الشيخ إعادة الطلبة إلى
الأزهر؛ حيث إنه سيقنع الخديوي بالعفو عنهم عند عودته. ولما عاد
الخديوي، أصرَّ على عدم العفو إلا بعد أن يوقِّع كل طالب معتصب على
طلب عفو واسترحام من الخديوي، يقرُّ فيه بأنه كان معتصبًا. وأمام
هذا التعنت من قبل الخديوي، قدَّم الشيخ استقالته، وعبثًا حاول
الأعيان والعلماء والرأي العام ردَّ الاستقالة بعد ذلك.١١١
وهذه الأمور الخاصة باستقالة حسونة النواوي تجاهلها المؤلف في مسرحيته مطلقًا. وربما السبب في ذلك راجع إلى أن المؤلف أراد أن يوجه مسرحيته نحو قضية اعتصاب الطلاب دون أن يوجهها إلى أية قضية أخرى، خصوصًا وأن الطلاب كانت تجمعهم رابطة روحية كبيرة بهذا الشيخ، وذِكْر موقف استقالة الشيخ ربما يحيد بقضية الاعتصاب عن غرضها الأساسي، وهو إبرازها بوصفها قضيةً إنسانيةً اجتماعيةً سياسيةً عامةً، لا قضيةً شخصيةً تختص بفرد أو بأفراد بأعينهم.
بالرغم من ذلك، فقد قام المؤلف برسم الشخصية الفنية لحسونة النواوي في المسرحية بما يتناسب مع صورتها الواقعية في بُعديها الاجتماعي والنفسي، وذلك عندما قال الشيخ للوزراء أثناء تباحثهم في أمر الاعتصاب، وأثناء وجود القوة العسكرية بالأزهر: «وهل تودون سعادتكم إبقاء هذه القوة بمنظرها البشع وشكلها المرعب في ذاك المعهد لحين حضور الجناب العالي؟ أفيما بكرة وعشية تستحيل كعبة الإسلام الثانية طللًا مقفرًا، ويعود أكبر معهد علمي على المسلمين في شرق الأرض وغربها موصدًا هامدًا، ويُخْلى من أساطين الدين وحماة اللسان المبين، وحملة العلم من قديم السنين، ويُشَرد منه ورثة الأنبياء، فيتبدل الأنس وحشةً، وتنسخ آية الخذلان آية الفتح، ويتفرق في يوم أو بعض يوم ما جُمِع في عشرة قرون؟ أفيما بين غدوة وأصيل يتحول المسجد الأكبر ميدانًا تُصادم فيه القواتُ العسكرية دعاةَ السكينة والسلم، وحملة القرآن والعلم؟ أفيما بين صباح ومساء يمعنون في الأزهريين تنكيلًا وتكبيلًا، فتتفرق بتفرقهم أجزاء القوة العظمى الدينية التي كانت تعمل للخير العام؟ … أما في قلوب الناس رحمة للناس؟ اللهم لا سبيل إلى العداء؛ فقد جلَّ الخطبُ! … فيا للرحمة بالأزهر والأزهريين!»١١٢ومن أمثلة التجاهل أيضًا عدم تعريج المؤلف على نهاية أحداث اعتصاب الطلاب، وبالتحديد ما نتج عن قيام خليل حمادة باشا بضرب الطلاب في الأزهر من إثارة للرأي العام، وتحويل الأمر إلى النيابة، التي حققت مع الباشا باعتباره متهمًا، وإنهاء التحقيق بحفظ أوراقه. وربما يظن القارئ أن المؤلف أنهى كتابته المسرحية قبل هذه الأحداث، بدليل أن آخر مشهد في المسرحية كان ضرب حمادة باشا للطلاب، وإصدار أمره بدخول العسكر إلى الأزهر.١١٣ هذا بالإضافة إلى أن المسرحية مؤرخة في مارس ١٩٠٩ كما جاء على غلافها.١١٤ وعلى ذلك فلا بد أن المؤلف أنهى كتابتها في منتصف أو أواخر فبراير ١٩٠٩، ورغم وجاهة هذه التبريرات، إلا أن عنوان المسرحية يقول شيئًا آخر!فالعنوان يقول: «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وهذا يعني أن المؤلف يعلم تمامًا بأن هناك قضيةً مرفوعةً على حمادة باشا، أو أن قضيته ما زالت تُحقِّق فيها النيابة حتى وقت نشر المسرحية؛ حيث إن أحداث ضرب الباشا للطلاب وقعت يومي ١٦ و١٧ فبراير، وأن النيابة باشرت تحقيقها في القضية ابتداءً من يوم ٢١ فبراير، وأن قرار حفظ أوراق القضية تم يوم ٣ مارس.١١٥ وإذا كان الأمر غير ذلك، فكان من الممكن أن يقول المؤلف في عنوانه مثلًا: «الأزهر ومهمة حمادة باشا» … إلخ العناوين البعيدة عن ذكر كلمة (قضية). وهناك دليل آخر على أن المؤلف لم يرد ذكر تفاصيل القضية؛ وهو تذييله للمسرحية بمجموعة من قصائد الشعراء — أمثال: أحمد نسيم،١١٦ وإبراهيم الدباغ١١٧ — التي قِيلت في حمادة باشا وضربه لطلاب الأزهر. ومن هذه القصائد قصيدة الشاعر ثابت فرج الجرجاوي١١٨ الذي أنهاها بقوله:قف عند حدِّك يا حمادة وانتظرعدل الحكيم فإنه إنذارالآن قد حُسِم النزاع واقشعتسحب القرار وزالت الأكدارسمح المليك بعفوه مع أننابرَّاء عما تفتري الفجار١١٩والمعنى الواضح بأن الشاعر يقر بأن القضية انتهت، وأن تدخل الخديوي بالعفو عن الطلاب وحفظ أوراق القضية ليس معناه أن الرأي العام يوافق على ذلك؛ لأن ما فعله حمادة باشا هو فعل الفجار الذي سيُجَازى عليه في الآخرة من قبل الحكيم العادل. وإذا صح ظن الدراسة بأن المؤلف تعمد عدم ذكر تفاصيل القضية ونهايتها — تبعًا لما أوردته من أدلة — فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تعمَّد المؤلف عدم ذكر قضية حمادة باشا رغم وضعها في عنوان المسرحية؟
الإجابة من وجهة نظر الدراسة تتمثل في أن حسن مرعي أراد ألا يكون قاضيًا لحمادة باشا، ويُصدر الحكم عليه بالإدانة، بل أراد أن يحاكمه ويدينه كل قارئ لهذه المسرحية التي نُشِرت أثناء توهج القضية بين الناس، وأراد أن يحاكمه ويدينه كل متفرج لهذه المسرحية قبل أن تمنعها الحكومة من العرض على المسرح. وهذا الأمر يتوافق تمامًا بالنسبة لكاتب المسرح التسجيلي، الذي يعي أن رأيه الشخصي لا أهمية له بخصوص القضية التي يعالجها في مسرحيته، فليس من حقه أن ينصِّب نفسه قاضيًا على التاريخ وكأن حسن مرعي طبَّق هذا المعنى عمليًّا قبل أن يُنظِّر له الألمان بسنوات كثيرة.
-
سابعًا: التضمين الحدثي والإسهاب: قام حسن مرعي في مسرحيته بتضمين بعض الأحداث التي حدثت في
الماضي، ولا علاقة مباشرة لها مع قضية اعتصاب طلاب الأزهر، ولم
يكتف المؤلف بذلك، بل أسهب في هذه الأحداث المتضمنة إسهابًا لافتًا
للنظر، فأخذت مساحةً أكبر من حجمها في نص المسرحية. ومن ذلك على
سبيل المثال: تضمينه لمسألة القاضي الشرعي؛ فتاريخيًّا حدثت هذه
المسألة في أوائل يناير ١٩٠٩، وكان محورها يدور حول: هل للحكومة
العثمانية حق تعيين القاضي الشرعي؟ أو هذا الحق للحكومة المصرية؟
واتفقت آراء مجلس الوزراء المصري على أن يكون انتخاب القاضي من حق
الحكومة المصرية، وأن يكون تعيينه من حق الحكومة
العثمانية.١٢٠وعالج حسن مرعي هذه المسألة في مسرحيته من خلال حوار طويل دار بين شيخ الأزهر وأعوانه، عندما سأله أحد العلماء قائلًا: «وأي غرباء تعني يا مولانا؟ وهل صار الأزهر كباقي مصالح الحكومة تلعب به يد الأغراض والغايات والمفاسد؟» فيرد عليه الشيخ قائلًا: «وهل تستغرب من ذلك؟ أوَلَمْ يتداخل ذوو المفاسد من قبل في القضاء الشرعي، وهو لم يقلَّ في احترامه عن معهدنا هذا؟ أما تعلم قبل الآن ما حل بمحاكمنا الشرعية، وما أنزلوه على سماحة قاضي قضاتنا، وما قاموا به في وجهه بحجة الإصلاح المقلوب الذي وضعه أذناب الاحتلال؛ ليقطعوا الصلة التي تربط مصر بالدولة العلية، ولينزعوا القضاء الشرعي المصري من يد الخليفة المُمَثَّل في سماحة القاضي؟»١٢١ … إلخ الحوار الذي شغل ثلاث صفحات من المسرحية.وربما تضمين هذا الموضوع والإسهاب فيه من قِبل المؤلف في مسرحيته؛ راجع إلى تخوُّف عامة الناس من استغلال الاحتلال الإنجليزي لهذا الاعتصاب كحجة للتدخل في شئون الأزهر،١٢٢ كما تدخل في مسألة القضاء الشرعي. فمن المعروف أن الاحتلال تدخل في كل أمور الدولة، ولم يبق له إلا أن يتدخل في شئون الخديوي الخاصة، وهي شئون تتعلق بالجامع الأزهر وبالأوقاف وبالقضاء الشرعي.١٢٣ وطالما تدخل الاحتلال في القضاء الشرعي، فمن المؤكد أنه سيسعى للتدخل في الشأنين الباقيين، ومنهما الأزهر. وربما سمع المؤلف أو عاصر هذه المخاوف بنفسه، فأراد إثبات مسألة القضاء الشرعي كتنبيه للقراء أو للمشاهدين إلى هذا التخطيط من قبل الاحتلال.وأمر آخر ضمنه حسن مرعي في مسرحيته وأسهب فيه: عندما تحدث عن حياة وتصرفات بعض أميرات الأسرة الحاكمة، وبالأخص الأميرة نازلي فاضل، التي ذكرها باسم الأميرة نازلي هانم. واتخذ هذا التضمين شكل حوار بين طالبين أثناء المظاهرة؛ تحدَّثا فيه عن صاحب المؤيد ودفاعه عن الأميرة نازلي، وبدأ الحوار عندما قال طالب لآخر: «حقيقة ذلك يا أخي، ولقد تعجبتُ من دفاع هذا الشيخ المنافق هذا الدفاع الفظيع، الذي قام يدافع عن الأميرة نازلي هانم التي أهانت المصريين بقولها لمحرر إحدى الجرائد الإفرنكية؛ بأن المصري لا يساوي ثمن الحبل الذي يُشْنق به، بعدما أطنبت بالتبجيل والتمجيد في رجال الإنكليز.»١٢٤ ويستمر الحوار بعد ذلك على مدار أربع صفحات حول تصرفات هذه الأميرة وتصرفات أميرة أخرى لم يذكر المؤلف اسمها.
وربما تضمين هذا الموضوع من قِبَل المؤلف في مسرحيته والإسهاب فيه — رغم عدم علاقته المباشرة بقضية الاعتصاب وعدم وجوده في الصحف في تلك الفترة — راجع إلى شيوعه بين الناس في ذلك الوقت، وربما كان الحديث به سرًّا على اعتبار أنه مساس بالأسرة الحاكمة، فأراد المؤلف أن يجعل منه تُكأةً فنيةً باستخلاص وجه الشبه الرابط بين الأمور، حينما تتردى وتسوء الأحوال، وتُفْتَعل الأحداث للتدخل في شئون البلاد من قِبَل الغرباء، أو ربما لبيان عدم اكتراث ذوي الأمر بالموضوع. ومن المحتمل أن ذكر هذا الأمر في المسرحية وغيره من الأمور التي تمسُّ الخديوي شخصيًّا كان من أهم الأسباب التي جعلت الحكومة تمنع تمثيل هذه المسرحية.
(د) أسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق
وصلت الدراسة من خلالها خطواتها السابقة إلى قناعة بأن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، التي نُشِرت في مصر عام ١٩٠٩، هي مسرحية تسجيلية؛ ينطبق عليها تعريف المسرح التسجيلي، وتحمل بين طياتها معظم — إن لم يكن كل — سِمَات المسرح التسجيلي التي جاءت في الدراسات التنظيرية المنشورة — ابتداءً من ستينيات القرن الماضي — عن المسرح التسجيلي.
وهنا تتساءل الدراسة: أيهما أجدى للمسرح التسجيلي: وجود المؤلف في زمن آخر غير زمن أحداث مسرحيته ليطلع على صحفها وسجلاتها وتقاريرها؟ أم وجوده في زمن الأحداث ومعايشتها، والاطلاع على صحفها وسجلاتها وتقاريرها؟! فإذا كان الاختيار الأول هو الأجدى بالنسبة للمكان والزمان، فللألمان الريادة في ذلك المضمار. أما إذا كان الاختيار الآخر هو الأجدى، فلحسن مرعي الريادة المصرية والعربية، بل والعالمية في مضمار تأليف المسرحيات التسجيلية؛ حيث إنه عاش وتعايش في مكان وزمان الأحداث.
وفي ختام هذا الأمر، تستطيع الدراسة أن تقول: إن حسن مرعي بكتابته للمسرحية التسجيلية كان أسبق تطبيقيًّا من الألمان روَّاد تنظير وتأليف المسرح التسجيلي، بل وكان أقرب من تنظيرهم وتطبيقهم إلى الروح الفنية والمنطقية للمسرح التسجيلي، عندما كتب مسرحيتيه وهو في قلب أحداثهما، وعايش زمن أحداثهما بكل دقائقه وتفاصيله. وعلى ذلك، فيُعْتبر حسن مرعي رائد التطبيق المسرحي للمسرح التسجيلي في مصر والعالم العربي، بل وفي العالم الغربي، إن صحت خطوات الدراسة في إثبات ذلك.
ثالثًا: النتائج
في نهاية هذه الدراسة التي تناولت قضية «بداية المسرح التسجيلي في مصر»: مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجًا»، توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:
-
(١)
من حيث «بواكير المسرح التسجيلي في مصر»، اتضح أن المسرح التسجيلي في مصر هو المسرح المرفوض رقابيًّا لأسباب سياسية أو اجتماعية، وأن هذا المسرح ظهر في مصر على يد حسن مرعي عندما كتب مسرحيته الأولى «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦.
-
(٢)
من حيث «سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا»، لُوحِظ أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المنشورة عام ١٩٠٩، تُعْتبر مسرحيةً تسجيليةً؛ لتطابقها مع تعريف المسرح التسجيلي، ولتضمُّنها عناصر وسمات هذا النوع المسرحي، كما جاءت في الدراسات التنظيرية. وبذلك يُعْتبر حسن مرعي من أوائل من كتبوا المسرحية التسجيلية في مصر، إن لم يكن الأول بالفعل.
-
(٣)
من حيث «الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع»، وُجِد أن تعامل حسن مرعي مع النص المسرحي كان تعاملًا فنيًّا في مسرحة الأحداث التاريخية، وذلك من خلال أدواته الفنية التي تنوعت بين التصريح والتلميح، والتغيير والإضافة والحذف، والتلخيص والتجاهل، والتضمين الحدثي والإسهاب؛ وذلك عندما صرح بأن الخديوي يسرق أموال أوقاف الأزهر، ولمح بقضية المنشاوي باشا، وغيَّر في بعض الأحداث؛ كطلب شيخ الأزهر لقوة البوليس، وأضاف مسألة قيام الخديوي بإبدال بعض أراضيه بأراضي الأوقاف، وحذف اسم لجنة الاتحاد الأزهري، ولخص مطالب الأزهريين، وتجاهل ذكر استقالة شيخ الأزهر حسونة النواوي، وضمَّن مسألة القضاء الشرعي، وأسهب في وصف تصرفات الأميرة نازلي فاضل.
-
(٤)
من حيث «أُسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق»، انتهت الدراسة إلى أن حسن مرعي بكتابته للمسرحية التسجيلية كان أسبق تطبيقيًّا من الألمان؛ روَّاد تنظير وتأليف المسرح التسجيلي العالمي، بل وكان أقرب من تنظيرهم وتطبيقهم إلى الروح الفنية والمنطقية للمسرح التسجيلي، عندما كتب مسرحيتيه «دنشواي» و«الأزهر» وهو في مكان أحداثهما، معايشًا لزمانهما، بكل ما في المكان والزمان من دقائق وتفاصيل. وعلى ذلك، يُعْتبر حسن مرعي رائد التطبيق المسرحي للمسرح التسجيلي في مصر والعالم العربي، بل وفي العالم الغربي؛ سابقًا بذلك تنظيرات الألمان، كما مر توضيحه في الدراسة.
رابعًا: التوصيات
وبناءً على ما تكشَّف للدراسة من خلال تناول الموضوع، يمكن القول: إن قضية المسرح التسجيلي بحاجة إلى دراسات مُسانِدة تتعقب النصوص المسرحية المجهولة التي عُرِضت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأخص تلك المسرحيات التي سجلت الأحداث التاريخية أو الاجتماعية في حينها؛ حتى نتمكن من رسم صورة متكاملة للمسرح التسجيلي في مصر؛ ومثال على ذلك:
-
(١)
هناك نص مفقود لمسرحية «أدهم باشا»، التي عُرِضت في مصر عام ١٨٩٧، والعثور على هذا النص والتحقق منه: هل هو نص مُتَرجم عن التركية أو هو نص مُؤَلَّف؟ وهل مؤلِّفه تركي أو مصري؟ وهل هو نصٌّ منشور أو مخطوط؟ كل ذلك يُمكِّن دراسةً من الوقوف على سمات فنية لمسرحية تنبئ أخبارها القليلة أنها من الجائز أن تكون ضمن جنس المسرح التسجيلي.
-
(٢)
إذا كانت الدراسة قد عنيت بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لحسن مرعي، فإن هناك نصًّا مسرحيًّا آخر للمؤلف ذاته مفقودٌ؛ هو مسرحية «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي»، وهو لا يقل أهميةً — حسب ظني — عن النص السابق؛ حيث إن هذه المسرحية تُعْتبر باكورة كتابات حسن مرعي، والعثور على مثل هذا النص يمكِّن دراسةً من فحص واستبيان تطور الحس الفني في الإبداع المسرحي التسجيلي لدى حسن مرعي؛ إذ ربما تكون السمات الفنية متطابقةً مع سمات النمط الذي عالجه البحث، أعني مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وربما تكون مختلفةً قليلًا. وهذا أمر لا تكشفه إلَّا دراسة النص، ومن ثمَّ يمكن أن يرسِّخ لظاهرة المسرح لدى حسن مرعي، ويمكن أن يُكتشف أنها خطوة سابقة في استخدام الأدوات.
-
(٣)
أن تُعْنَى دراسة برصد وتجميع القصائد الشعرية التي كُتِبت ونُشِرت عن أحداث اعتصاب طلاب الأزهر عام ١٩٠٩، خصوصًا وأن المؤلف أورد أربع قصائد منها في تذييل مسرحيته، حتى تتم المقارنة بين تسجيل هذه الحادثة مسرحيًّا وشعريًّا. وهذا الأمر ربما يكشف لنا عن نمط جديد في الأدب يقوم على الرصد والتسجيل بغير أدوات المسرحي. فإذا عُنِيت دراسات بمثل ذلك أمكنت الحقل الأدبي من الإفادة من نتائجها، وأثْرَت المكتبة العربية في هذا المجال.