السيدة الإلهية١
ساعات بين الكتب أو ساعات بين الصور! هي على حد سواء، ففي كل صورة مجودة عبقرية ممثلة، ونفس شاخصة، وتاريخ قد يفوق التواريخ والقصص بما تضمنه من غرائب الأقدار ونوادر الأسرار، وماذا في الكتب غير ذاك؟ فإذا أملك يومًا أن تقرأ الكتاب وتحادث المؤلف فقلما يملك أن تقرأ الصورة، وتساجل المصور، وكلاهما بعد ذلك في الصحائف سواء.
اليوم قائظ والشمس تقذف الأرض بالنار، والناس لائذون بالبيوت — بيوتهم لا بيوت الله! — من غضب السماء، وقد أغلقت نوافذي وجلست بيني وبين القيظ حجاب من الحجر والخشب والزجاج، فكأنني الشيخ أوى من حرارة الحياة إلى وقار السن فهو ينظر إلى القائظة المحتدمة في النفوس وبينه وبينها سور من التجارب يظلله ويحميه، وما أردأ التجارب من موصل لحرارة الحياة! وألقي بعيني إلى الكتب فكأنما هي ثراثرة على شفاهها حديث تهم أن تقذف به عند أهون إشارة، ومن الذي يؤمئ بتلك الإشارة الهينة؟ لا والله! ما اليوم يومك ولا يوم رقصاتك وصرخاتك يا مولانا نيتشه، وما اليوم يومك ولا يوم أبطالك ووعودك يا صاحبنا كارليل، وما اليوم يومك ولا يوم أرواحك ورياضاتك يا أبتا لودج! وما أراه يوم واحد من هذه الرءوس الصالحة التي تعودت أن تفرغ جعبتها في الرءوس صيفًا وشتاء وبالليل وبالنهار، فدعونا مما تقولون للدنيا ومما تقوله الدنيا لكم، فليس بين الإيمان بعقولكم وبالدنيا وبين الكفر بجميع العقول وجميع الدنياوات إلا بضع درجات في ميزان الجو، ثم تتساوى الحماقة والحكمة، ويتجاور العدم والوجود.
أعرضت عن الكتب كما أعرض عنها في كل يوم من هذه الأيام القائظة، وأخذت مجموعة الصور أقلب فيها بين اليقظة والنعاس، والعيان والحلم، وفي هذه المجموعة وجوه شتى حلم بها الفن المبدع، وارتقى فيها إلى ما فوق المشهود والمأمول، وفيها تماثيل أرباب وربات يعبدها من ليس يعبد اليوم فينوس وكيوبيد وسيكي والزفير. ولكنها لا تستوقفني جميعًا كما تستوقفني صورة واحدة ليست صاحبتها بربة، ولا هي بخاطر في منام، وليست إلا جسدًا من الدم واللحم ومخلوقًا ولده حداد في قرية خاملة من بلاد الإنجليز، وامرأة خاطئة باعت الخبز حينًا ثم عاشت حتى اشتهاها أصحاب العروش والتيجان، ورآها الأستاذ «رومني» كبير المصورين الإنجليز في عصره فجن بها جنونه ودعاها «المرأة الإلهية» وهو يعلم أنها هي المرأة الخاطئة؛ لأنه رأى فيها أبدع ما صنع الله، وعلم أن شعورها بالفضيلة لم يغلب قط، وإن كانت فضيلتها قد غلبت في بعض محن الحياة، ورسم لذلك الوجه الذي قلما يشهد مثيله في هذه الدنيا ثمانين رسمًا أو تزيد لم يدع ربة من ربات الأقدمين، ولا حورية من حور الأساطير، ولا عروسًا من عرائس الماء والآجام إلا ألبسها سمتها، وخلع عليها جمالها، فبدت فتنتها فتنة الربات والحور، وفاقت حقيقتها آمال الفن والعبقرية، وجعلت تخطر في مصنعه وكأنها سماء الأولمب كاملة بكل ما فيها من جمال الآلهة وسحر الخيال.
تلك هي «أما» كما يدعوها المقربون أو «لادي هاملتون» كما عرفها المجتمع، أو هي المرأة الإلهية وكل إلهة في القدم كما كان ينعتها رومني المفتون.
تعود صاحب لي كلما رأى صورها التي عندي أن يقول: طوبى لنلسون؟ إني أريد أن أحسده فلا أدري أعلى هذه الحبيبة أحسده أم على تلك العظمة التي أصبح بها في الخالدين؟ إن الرجل لسعيد، ولكني لا أعلم أسعيد هو بالنصر في عالم الحرب، أم سعيد بالنصر في عالم الغرام؟ ولو أننا سألنا نلسون لأجاب وأغنانا عن التخمين، فما كانت العظمة لنلسون ولا لغيره إلا تكاليف وفروضًا يشقى بها المكلفون، وما كان المجد إلا صخبًا لجوجًا لا نوم فيه ولا سكون، وإن لم يخلُ من أمانيه وأحلامه، فإن كانت سعادة في المجد فهي سعادة قلب لا سعادة رءوس وأكاليل، ولن يسعد قلب بغير عطف ولن يكمل عطف بغير حب جميل.
وانظر إلى وجه القدر! إني إخاله يومض ويبتسم ونحن نذكر السعادة والسعداء، وما يضحك القدر من أحد ضحكه من السعداء ومن يهبون السعادة! فهذه المرأة التي ولدت في كوخ الحداد وعاشت بعد ذلك في قصور الإمارة، وهذه المرأة التي وهبت نلسون من النعيم ما لم تهبه الأساطيل ولم ييسره النصر المبين بعد النصر المبين، وهذه المرأة التي تحدث العالم بجمالها كما يتحدث بظواهر السماء وطوالع الأفلاك، وهذه المرأة التي حسدتها النبيلة والماهنة، ونفست عليها العفيفة والفاجرة، وتمنت حظوظها الطموحة والقانعة، وهذه المرأة التي ذاقت حلاوة الشرف ورويت بكأس العار — هذه المرأة التي عرفت كل ما تعرفه حواء في حياتها — هل في بنات حواء من شقيت أشد من شقائها، وابتليت آلم من بلائها وذرفت أكثر من دموعها؟ قليل فيما نظن، فقد سقاها الدهر بكأسيه، لا بل سقاها بكأسه! فما نعلم لهذا الدهر الضنين إلا كأسًا واحدة يملأها للسعداء وللأشقياء، فلا يزال الشقي يتحسس فيها طعم السعادة، ولا يزال السعيد يجرع منها طعم الشقاء.
حياة لو خلقتها قصة لكانت غريبة، وجمال لو أبدعه مصور لكان طيفًا موهومًا، فكأنما ولدت هذه المرأة لتتخذها الحقيقة معجزة لغرائبها، تقر لها غرائب الأكاذيب وبدائع الأوهام، ثم جزتها على ذلك جزاء الحقيقة في كل زمان، وهل جزاء الحقائق إلا صدمة الجد وسخرية الخيبة ومرارة الرجاء المضاع؟
بنت حداد فقير نزلت لندن في الخامسة عشرة فتناهبتها الفاقة والرذيلة، ثم عثر بها نبيل من أجلاف النبلاء، فاحتملها إلى قصره في الريف تسقيه الخمر ويباهي بها على مائدة الشراب ثم هو يهينها ويسومها العسف فتخضع للعسف وتصبر على الهوان، ثم هي على صبرها وطاعتها جامحة النفس تتفزز بالحياة، وتهجم على المخاطر، وتروض الخيل العصيَّة لا يجرؤ على ركوبها أشجع الفرسان، ويلقاها هناك سيد مهذب على شيء من العلم والذوق يسمى «جريفيل» فإذا هي مأخوذة بأدبه ومجاملته، مبهورة بظرفه وكياسته، مصغية إليه في دهشة الطفل الغرير تستمع إلى نصحه، وتجهد نفسها في إرضائه واحتذاء مثال المرأة الحسناء في نظره، ويغضب عليها النبيل الريفي فتلجأ إلى جريفيل في لندن، فيقوم لها مقام المعلم الصارم العسير، ويجلب لها المهذبين ويحاسبها على الهفوة، ويعتد الإحسان إلى الفقراء من هفواتها! ويتلقى سورة إعجابها وحبها بفتور الكَيِّس الذي يغتفر الجريمة الصامتة، ولا يغتفر السورة الناطقة! وتنقضي على ذلك سنوات أربع وهو يزيدها تزمتًا وجفاء، وهي تزيده حبًّا ووفاء، وتلد له بنتًا فتقر بها عينها ويزورُّ لها وجهه، ويبدو له أن يتزلف إلى عمه الغني فيبيعها إياه؛ ليكتب له العم الغني ميراثه وتأبى هي الفراق، ثم ترضى به حين يخدعها جريفيل ويفهمها أنه يستعين بها على قضاء مأربه عند عمه، وأنه يرسلها معه إلى إيطاليا لتتم هنالك فن الغناء وتستوي على المسارح نجمًا ساطعًا ينتفع بماله ويستمتع بضيائه، وتقبل هي هذه الخدعة، فتبرح لندن على أمل اللقاء القريب، فإذا هي مع أمها التي لا تفارقها في قصر اللورد هاملتون سفير الجلالة البريطانية في بلاط نابولي وعم ذلك الحبيب الشريف!
وتنطوي صفحة من حياة «أما» في وطنها وتبدأ صفحة جديدة في بلاد أخرى، وهي يومئذ في العشرين وصديقها اللورد في الخمسين، قسيم وسيم، خبير بالفنون والتماثيل ولا سيما تماثيل الحياة، ويعلم هو حبها لابن أخيه فيمهلها على ثقة من فعل الزمان، وفعل الفراق وفعل الحكمة الجافية في خليقة جريفيل، ويستغرب الناس مكانها من القصر فيقول لهم: إنه يحب الغناء ويحب النابغات في الغناء فهو يعد هذه الفتاة لمستقبلها في عالم الإنشاد والتمثيل، ويفتتن بها زواره فإذا هي حديث المدينة، وإذا بالملك يسعى إليها متخفيًا ليظفر برؤيتها وسماع غنائها، وإذا بالملكة تدبر المفاجآت لتنظر إلى ذلك الوجه الذي يلهج به كل شريف وشريفة في البلاط، ويكسف نجمه كل نجم في تلك السماء المرصعة بالزواهر والشموس، ويقدم جيتي ملك الشعراء في زمانه، وجوبيتير سماء الأولمب في جلاله وكبريائه، فلا تفوته هذه التحفة النادرة بأرض التحف والآيات، ويكتب عنها فيقول في حماسة لم يألفها قلم ذلك الجوبيتير الوقور: «ها نحن نرى رأي العين — كاملًا ومجسمًا في حركاته الرائعة — كل ما جاهد في تمثيله رجال الفنون في غير طائل، فهي بين واقفة أو راكعة أو جالسة أو مضطجعة أو جادة أو حزينة أو لاعبة أو مهجورة أو نادمة أو مغرية أو متوعدة أو ملتاعة القلب مفجوعة تتلو كل حركة بحركة من حركاتها الأخرى وتتولد منها، وهي تعرف كيف تلعب بطيات منديلها الواحد بما يوائم كل لمحة من الملامح، وكيف تلبسه على رأسها على مائة شكل مختلف من ملابس الرءوس» وذاك أنها تعلمت من «رومني» الذي عرفها به جريفيل كيف تحكي أشكال الآلهة وبنات الأساطير، فأحسنت في جميع المواقف إحسانًا فاق تعليم المعلم وحكاية المقلد، وعرضت ذلك كله على جيتي؛ لأنه كما قالت وافق هيئة الملك في خيالها أكثر من ذلك الملك المتوج وهو يلاحقها بحبه وهي ترفض ذلك الحب الذي يتنافس فيه الملوك والخوَّاتين. هذا وهي لا تزال على الوفاء لجريفيل تواليه بالكتب، وتتوسل إليه أن يشخص إليها وهو لا يزيد على السكوت وإرسال كتبها واحدًا بعد واحد إلى عمه المتلهف على يوم النسيان والقطيعة بينها وبين ابن أخيه، ولما خطر له أن معين الصبر أوشك أن ينفد وأن أمد الوفاء قد جاوز حده خاطبها متوددًا وعرض لها متغزلًا فغشي عليها من ألم الصدمة، ولزمت غرفتها تبكي وتنتحب لهذا الغدر من اللورد في حق جريفيل، ويفطن الكهل المحنك إلى الموقف الدقيق فيبلغها عزمه على السفر إلى روما عسى أن تفقد محضره فتعرف قيمته لديها، وتتطرق من الاشتياق إلى قبول الغزل والتودد! فتفلح الحيلة ويجتمع غياب هاملتون وإعراض جريفيل على الفتاة المهجورة، فتسكن إلى قسمتها المحتومة في تسليم وديع لا يخلو من بعض الرضا والارتياح.
وكانت في قصر هاملتون قريبة له تستقبل ضيوفه بعد موت زوجته الأولى، فما زالت به تلومه في شأن «أما» واللوم يغريه حتى نحَّاها عن استقبال الضيوف وعهد بذلك إلى «أما» فأصبحت ربة داره وصاحبة بيته، ومهدت لها تلك القريبة الخرقاء سبيل التزوج به، فلما سمع أن ملكة نابولي توحي بهذا المقترح لم يستغربه، ولم يجفل لسماعه إجفال السفير العظيم من البناء بخليلته، وكان قد شاخ ووهنت نفسه فيئس من زاوج يلائمه غير هذا الزواج بمن أحبها وأنس إلى عشرتها، وأقامها مقام الزوج في كل شيء إلا في الاسم والكتابة، فعقد العزم على القران وهونه على البلاط الإنجليزي بخطاب من ملكة نابولي وعدت فيه أن تستقبل السفيرة في بلاطها، وتعاملها معاملة أترابها، وما دعا الملكة إلى كل هذا البر بأما إلا أمران أحدهما الشكر لها على رفض غرام الملك، والإعراض عن إلحافه وألطافه، والثاني حاجتها إلى صديقة في السفارة البريطانية تأسرها بفضلها، وتعتمد عليها في تمكين عرشها الذي يوشك أن تعصف به الثورة الفرنسية والمطامع النابليونية، فكان لها ما أرادت وكافأتها أما فيما بعد بإنقاذ حياتها وحياة آلها، فكان جزاء الفتاة الوضيعة خيرًا من جميل الملوك.
ثم ظهر نلسون في حياة أما بعد أن شاخ هاملتون، وتعاورته الأمراض ولزم الفراش في أكثر الأيام. ظهر في الشواطئ الإيطالية ينازل الفرنسيين، ويطارد سفنهم، ويحتاج في كل حركة يتحركها إلى السفارة الإنجليزية أو إلى شخص «أما»؛ لأنها هي كل شيء في البلاط، وخشي الملك سطوة الفرنسيين فمنع تموين السفن الإنجليزية، فكادت تفشل الرقابة وينطوي نلسون في غمرة الخمول، فصمدت أما لهذه الأزمة العضال، ولم تهدأ ولم تنثن حتى تغلبت بإرادة الملكة على إرادة الملك، وأسلمت الأسطول أمرًا يبيحه التزود بالماء والطعام حيث شاء، فإذا كانت وقعة أبي قير مستحيلة بغير هذه المعونة، وكانت حماية الهند مستحيلة بغير وقعة أبي قير، فالدولة البريطانية مدينة لهذه المرأة بأكبر ما تدان به دولة عظيمة لفرد من الأفراد.
وانتصر نلسون فحببها فيه النصر والإشفاق، وماذا غير المجد والوطنية والرحمة يحببها في رجل مقطوع الذراع، مفقود العين، مشوه الجبين، معروق اللحم، يرجف لكل خطب يعتريه كما ترجف القصبة في الريح، وتنكأه جراحه الأليمة فإذا هو عابس السحنة، حزين أو ثائر النفس كالمجانين؟ ما كان ذلك حب شهوة، ولا حب رذيلة، ولكنه حب القلب والرأس، وحب المجد والوطن، وليس أكرم من ذلك الحب في صدور النساء.
وجاءت حادثة الفرار بالأسرة المالكة من نابولي إلى بلارم، فكان الفضل فيها أكبر الفضل لأما ثم لتمساح النيل كما كانت تسمي نلسون بعد وقعة أبي قير، وأقاما في العاصمة الجديدة إلى أن كان العود إلى لندن، فوجدت أعداءها الفرنسيين قد سبقوها بالإشاعات والأقاويل في وطنها، ونبشوا ماضيها وحاضرها وزادوا على ما علموا شيئًا كثيرًا من افتراء الضغينة، وكيد الخصومة، فلم يشأ البلاط الملكي أن يستقبلها، وعاشت في عزلة عن المجتمع الشريف وفي غبطة بقرب نلسون الوفي الأمين، ثم مات اللورد هاملتون، ولم يوص لها إلا بثمانمائة جنيه في العام، وماذا تصنع ثمانمائة جنيه لامرأة تعودت بذخ القصور، وعلمها البلاط القمار الذي لم تتعلمه في أزقة الفساد؟ ثم مات نلسون وهو يذكر اسم بنته الوحيدة منها، ويتركهما بعده في كفالة الوطن الشكور، ولكن الوطن الشكور سجن السفيرة التي وهبت له نصرة أبي قير عقابًا لها على المطال بالدين، وألجأها إلى الأرض الفرنسية التي فضحتها، وأطلقت ألسنتها بالتقول عليها، فعاشت في مدينة كاليه ما عاشت، ثم ماتت فيها وهي تناهز الرابعة والخمسين ودفنت بها في قبر حقير بمال سيدة من المحسنات.
هذه قصة المرأة الخاطئة أو المرأة الإلهية! قصة امرأة كان حسنها آية فنية، وكان تاريخها آية فنية أخرى، وبلغت بها الحقيقة شأو الخيال، ثم نمت فيها عبرة الرواية الإلهية، فكانت ضحية لا بد منها للعرف المرعي والأدب المصون، فلو قيل لنا بعد كل هذا أكان البلاط الإنجليزي على خطأ أم على صواب في رفضها لقلنا بل كان على صواب فيما فعل، وكان لا يقدر على غير هذا الجزاء الكنود، فإن حسنًا أن يبقى للآداب المعروفة وجهها المنظور ولو شقيت في ذلك بعض النفوس، وليس الذنب فيما أصاب المرأة المظلومة ذنب البلاط، وإنما هو ذنب الزمن الذي أنشأ المسكينة على أن تكون قصة من القصص، ونسي أنها حقيقة من الحقائق، وبماذا تنتهي تلك القصة الفنية التي نسجتها حياة الحسناء العجيبة إن لم تنتهِ بالتضحية الفاجعة، والختام العجيب؟ لقد كانت رضا الفن في حياتها ومماتها ونعيمها وشقائها! ولم تكن رضا العدل إلا في القليل من هذه المقادير، فإن ذكر لها الذاكرون خطيئتها وجماحها، فليذكروا لها منصفين إحسانها حتى ما كانت تضن بمال على فقير، وحبها لأمها حتى ما كانت تهجرها في بيئة الملوك والأمراء، وتقديسها لوطنها، حتى ما كان في زمانها من خدمة ونصرة أعظم من نصرها إياه.