مقدمة المؤلف
(١) تاريخ التأليف في هذا الموضوع
لم يكن تاريخ آداب اللغة معروفًا عند الإفرنج قبل نهضتهم الأخيرة في التمدن الحديث، وما لبثوا حين تنبهوا له أن ألفوا فيه، وأصبحوا وما من لغة من لغاتهم إلا وفيها كتاب أو غير كتاب في تاريخ آدابها … ولما استشرقوا أخذوا في درس اللغة العربية، وكتبوا في تاريخ آدابها غير كتاب سيأتي ذكره …
أمَّا العرب فالمشهور أنهم لم يؤلفوا في تاريخ آداب لسانهم، والحقيقة أنهم أسبق الأمم إلى التأليف في هذا الموضوع مثل سبقهم في غيره من الموضوعات … فإن في تراجم الرجال كثيرًا من هذا التاريخ؛ لأنهم يشفعون الترجمة بما خلفه المترجم من الكتب، ويبينون موضوعاتها، وقد يصفونها، وأوَّل كتاب خصصوه للبحث في المؤلفين والمؤلفات «كتاب الفهرست» لابن النديم (سنة ٣٧٧ﻫ)، وهو يشتمل على آداب اللغة العربية من أول عهدها إلى ذلك العصر مرتبة حسب الموضوعات، ولم يقتصر ذلك الكتاب على آداب العرب الأصلية، ولكنه تضمن ما أحدثوه من العلوم الإسلامية واللسانية، أو ما نقلوه عن اللغات الأخرى بالتفصيل مع تراجم المؤلفين والمترجمين والشعراء والأدباء … ولولاه لضاع أسماء كثير من الكتب النفيسة، ولأعوزنا تراجم كثيرين من الأدباء والشعراء والعلماء … فهو ذخيرة أدب وعلم، وقد طبع في ليبسك سنة ١٨٧٢، ثم طبع في مصر.
ولم يظهر بعده كتاب يستحق الذكر قبل كتاب «مفتاح السعادة ومصباح السيادة»، ويعرف بموضوعات العلوم لطاشكبرى زاده المتوفى سنة ٩٦٨ﻫ، رتَّبه حسبَ الموضوعات أيضًا، وذكر فيه ١٥٠ فنًّا، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية.
يليه كتاب «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لملا كاتب جلبي المتوفى سنة ١٠٦٧ﻫ، وهو معجمٌ مرتبٌ على الأبجدية حسب أسماء الكتب، وبلغ ما حواه منها نحو ١٥٠٠٠ كتاب مع أسماء أصحابها ووفياتهم وتواريخ أهم العلوم، وقد طُبِعَ عِدَّةَ طبعاتٍ، أهمُّها طبعة ليبسك ولندن (سنة ١٨٣٥–١٨٥٨) في سبعة مجلدات، معها ملحق فيه ذيل أحمد منيف زاده، وفهارس مكاتب دمشق وحلب ورودس والمغرب وفهرس السيوطي وابن خليفة الأندلسي وبعض مكاتب الأستانة، وله طبعات أخرى في الأستانة ومصر …
وأخيرًا كتاب «أبجد العلوم» لصديق القنوجي من أهل هذا العصر، وهو كتاب ضخم عول فيه صاحبه على من تقدمه ورتبه على الموضوعات، وقد طبع على الحجر في الهند سنة ١٢٩٦ﻫ في ثلاثة مجلدات كبيرة.
على أن هذه الكتب وأمثالها تعد من المآخذ الأساسية لدرس آداب اللغة، ولكنها لا يصح أن تسمى تاريخًا لها بالمعنى المراد بالتاريخ اليوم … ولم يتصدَّ أحد للتأليف في تاريخها على النمط الحديث قبل الإفرنج المستشرقين، فهم أول من كتب فيه من أواسط القرن الماضي، لكنهم لم يوفوه حقه إلا في أول هذا القرن، وسنأتي على أسماء مؤلفاتهم فيما يلي.
أما في العربية، فلعلنا أول من فعل ذلك، ونحن أول من سمى هذا العلم بهذا الاسم «تاريخ آداب اللغة العربية» فنشرنا منه فصولًا صدر أولها سنة ١٨٩٤ في عدد الهلال التاسع من السنة الثانية، وآخرها في أواخر السنة الثالثة، وقد انتهينا فيه إلى تاريخ آدابها في عصر الانحطاط، ثم شغلنا عن إتمامه ووعدنا القراء بالعود إلى هذا الموضوع، على أن نفرد له كتابًا خاصًّا مع التوسع والتدقيق … فقضينا بضع عشرة سنة ونحن لا تقع لنا شاردة إلا قيدناها وملاحظة إلا حفظناها وتدبرناها، والقراء يطالبوننا به … فأعلنَّا أخيرًا عزمنا على القيام بوعدنا وها نحن فاعلون.
(٢) الغرض من هذا الكتاب
- (١)
بيان منزلة العرب بين سائر الأمم الراقية من حيث الرقي الاجتماعي والعقلي.
- (٢)
تاريخ ما تقلبت عليه عقولهم وقرائحهم، وما كان من تأثير الانقلابات السياسية على آدابهم باختلاف الدول والعصور.
- (٣)
تاريخ كل علم من علومهم على اختلاف أدواره من تكونه ونشوئه إلى نموه ونضجه وتشعبه وانحلاله حسب العصور والأدوار.
- (٤)
تراجم رجال العلم والأدب مع الإشارة إلى المآخذ التي يمكن الرجوع إليها لمن يريد التوسع في تلك التراجم.
- (٥)
وصف الكتب التي ظهرت في العربية باعتبار موضوعاتها، وكيف تسلسلت بعضها من بعض، وبيان مميزاتها من حيث حاجة القراء إليها ووجه الاستفادة منها.
- (٦)
لا نهتم من هذه الكتب إلا بما لا يزال باقيًا منها، ويمكن الحصول عليه … فإذا كان مطبوعًا ذكرنا محل طبعه وسنته، وإذا كان لم يطبع أشرنا إلى المكاتب التي يوجد فيها — نعني المكاتب الدولية في أوربا أو غيرها — كالمكتبة الملكية في برلين، ومكتبة المتحف البريطاني في لندن، والمكتبة الأهلية في باريس، والمكاتب الدولية في فينا وغوطا وأكسفورد ومنشن وليدن وغيرها، ودار الكتب المصرية في القاهرة، ومكاتب أيا صوفيا وكوبرلي وبايزيد أو غيرها في الأستانة … حتى إذا أراد أحد الوقوف على شيء من الأصول الخطية، طلبها في فهارس تلك المكاتب.
وبالجملة فإن غرضنا الرئيسي أن يكون لهذا الكتاب فائدة عملية فضلًا عن الفائدة النظرية، بحيث يسهل على طلاب المطالعة معرفة الكتب الموجودة ومحل وجودها وموضوع كل منها وقيمته بالنسبة إلى سواه من نوعه … فهو أشبه بدائرة معارف تشتمل تاريخ قرائح الأمة العربية وعقولها وتراجم علمائها وأدبائها وشعرائها ومن عاصرهم من كبار الرجال، ووصف المؤلفات العربية على اختلاف موضوعاتها، ومتى تم الكتاب ألحقناه بفهرس أبجدي للأعلام والموضوعات، فيصير معجمًا للعلم والعلماء والأدب والأدباء والشعر والشعراء، ولما جادت به قرائحهم من التصانيف أو المنظومات ووصف كل منها ومحل طبعه أو وجوده …
(٣) تقسيم الموضوع وأبوابه
ترددنا كثيرًا في الخطة التي نتخذها في تقسيم هذا الكتاب، بين أن نقسمه حسب العلوم أو حسب العصور … ومعنى قسمته حسب العلوم أن نستوفي الكلام في كل علم على حدة من نشأته إلى الآن، على أن نبدأ بأقدمها فنذكر تاريخ الشعر مثلًا وتراجم الشعراء وما تقلب على الشعر من أول عهده إلى الآن، ونفعل مثل ذلك بالخطابة وغيرها من آداب الجاهلية، وهكذا في العلوم الإسلامية كالفقه والتفسير والنحو واللغة، والتاريخ والجغرافية وغيرها، أما قسمته حسب العصور فيراد بها الكلام من أحوال العلوم معًا في كل عصر على حدة، وهذا الذي اخترناه … فقسمنا هذا الكتاب إلى تاريخ آداب اللغة العربية قبل الإسلام وتاريخها بعده، وقسمناها في الإسلام إلى عصور حسب الانقلابات السياسية لبيان ما يكون من تأثير تلك الانقلابات فيها … فبدأنا بعصر صدر الإسلام، فالعصر الأموي، فالعباسي، فالمغولي، فالعثماني، فالعصر الحديث، وقسمنا كلًّا منها إلى أدوار حسب الاقتضاء … وسيتضمن هذا الكتاب أربعة أجزاء؛ هذا أولها.
(٤) موضوع هذا الجزء
- (١)
الآداب العربية، ويدخل فيها اللغة والشعر والخطابة والأمثال والنسب ومجالس الآداب والأخبار ونحوها.
- (٢)
العلوم الطبيعية، وتحتها الطب والبيطرة والخيل ومهاب الرياح.
- (٣)
العلوم الرياضية، أردنا بها الفلك والميثولوجيا والتوقيت.
- (٤)
ما وراء الطبيعة، ويدخل فيها الكهانة والعيافة والقيافة وتعبير الرؤيا والزجر وغير ذلك …
وأخذنا في الكلام عن كل علم على حدة، فبدأنا باللغة … فذكرنا تاريخها قبل الإسلام، وما دخلها من الألفاظ الأعجمية، وكيف كانت لما جاء الإسلام، وفروعها ومميزاتها عن سائر اللغات … ثم الأمثال وأنواعها وما ألف فيها، وانتقلنا إلى الشعر، وهو أهم تلك الآداب … فأفضنا في درسه، وبحثنا في هل عند العرب شعر تمثيلي، وكيف بدأ العرب ينظمون، وما هو أصل ذلك الشعر عندهم وأسباب نهضة الشعر في الجاهلية، وأهمها استقلال عرب الحجاز من اليمن وحروبهم فيما بينهم، وبينا عدد الشعراء بالنظر إلى القبائل، وبالنظر إلى الأقاليم، وتأثير الإقليم في قرائحهم، ثم عقدنا فصلًا في خصائص الشعر الجاهلي وأحوال شعرائه، وتسهيلًا لدرسهم وتفهمهم، قسمناهم حسب أغراضهم إلى: أصحاب المعلقات، والشعراء الأمراء، والشعراء الفرسان، والشعراء الحكماء، والشعراء العشاق، والصعاليك، واليهود، والنساء الشواعر، والشعراء الهجائين، ووصاف الخيل، والموالي، وسائر الشعراء، وذكرنا مميزات كل طبقة، وأشهر شعرائها، وتراجم وأمثلة من أقوالهم وما صارت إليه دواوينهم، والمآخذ التي يرجع إليها في معرفة أخبارهم … ثم تقدمنا للكلام على سائر علوم الجاهلية …
وفي عصر صدر الإسلام، بدأنا بذكر التغيير الذي أحدثه الإسلام في نفوس العرب، وما كان من تأثير ذلك في آدابهم ولا سيما الشعر والخطابة … ثم كتبنا فصلًا في الشعر والرسول، وآخر في الشعر والخلفاء الراشدين وما حدث من العلوم في هذا العصر مع تاريخ الخط.
وقدمنا الكلام في العصر الأموي بمميزات ذلك العصر، وما اقتضته سياسة بني أمية من التفريق بين القبائل واصطناع الأحزاب وتأثير ذلك في آدابهم … فبدأنا بالعلوم الشرعية كالقراءة والتفسير والحديث والفقه مع تمهيد في البصرة والكوفة … ثم العلوم اللسانية: النحو والحركات والإعجام ثم التاريخ والجغرافيا … ورجعنا إلى ما صارت إليه آداب الجاهلية في ذلك العصر وهي اللغة والشعر والخطابة، وتكلمنا عن أسباب رواج الشعر ومميزاته، وقسمنا هذا العصر إلى ثلاثة أدوار، وقسمنا شعراءه إلى شعراء السياسة وشعراء الغزل والشعراء الخلفاء والسكيرين والشعراء الأدباء، وقدمنا الكلام في فحول ذلك العصر، وقسمنا شعراء السياسة إلى أحزاب؛ أهمها: أنصار بني أمية، وأنصار آل المهلب وأنصار العلويين والخوارج وغيرهم، وأتينا بتراجم الشعراء من كل طبقة وأمثلة من أقوالهم حسب أغراضهم وأدوارهم، مع ذكر دواوينهم ومآخذ أخبارهم، وختمنا الجزء بفصول في قرائح الشعراء وشياطينهم والقراءة فيهم، وأخيرًا تحدثنا في الخطابة والخطباء، والإنشاء، وبه تم العصر الأموي وهو آخر الجزء الأول.
(٥) الكتب التي عوَّلنا عليها
يطول بنا ذكر الكتب التي اطلعنا عليها قبل تأليف هذا الكتاب، وهي على الإجمال كتب التاريخ والأدب واللغة والشعر، وقد ذكرنا جانبًا كبيرًا منها بين مآخذ تاريخ التمدن الإسلامي وتاريخ العرب قبل الإسلام، وأتينا بثبت آخر في خاتمة باب الشعر الجاهلي من هذا الكتاب، فنكتفي هنا بذكر الكتب التي هي من قبيل تاريخ آداب اللغة في العربية وفي الإفرنجية، مما لم يرد ذكره في ذلك الثبت وإليك أهمها:
(٥-١) الكتب العربية
-
الفهرست لابن النديم طبع في ليبسك سنة ١٨٧٢.
-
مفتاح السعادة لطاشكبري زاده خط في دار الكتب المصرية.
-
كشف الظنون ٣ أجزاء لكاتب جلبي طبع في ليبسك سنة ١٨٥٨.
-
أبجد العلوم ٣ أجزاء لصديق القلوجي طبع في الهند سنة ١٢٩٦ﻫ.
-
مقدمة ابن خلدون ابن خلدون طبع في بولاق سنة ١٢٨٤ﻫ.
-
طبقات الأدباء للأنباري طبع مصر سنة ١٢٩٤ﻫ.
-
طبقات الأطباء جزآن لابن أبي أصيبعه طبع مصر سنة ١٨٨٢.
-
وفيات الأعيان ٣ أجزاء لابن خلكان طبع مصر سنة ١٣١٠ﻫ.
-
فوات الوفيات جزآن لابن شاكر طبع مصر سنة ١٢٨٢ﻫ.
-
المزهر — جزآن لابن شاكر طبع بولاق سنة ١٢٨٢ﻫ.
-
اكتفاء القنوع لادوارد فنديك طبع مصر سنة ١٨٩٧.
(٥-٢) الكتب الفرنسية
-
Loliée, Hist. des litératures comparées des origines au XXe siècle. Paris 1900.
-
Deltour, Hist. de la littérature grecque. Paris 1896.
-
Bouchot, Précis de la littérature ancienne. Paris 1874.
-
Prrens, Hist, de la littérature italienne. Paris 1867.
-
Baret, Hist. de la littérature espagnole. Paris 1863.
-
Jusserand, Hist, abr. de la littérature anglaise. Paris 1896.
-
Duval, La littérature syriacque. Paris 1907.
-
Seignobos, Hist. de la civilisation, 3 Vol. Paris 1905.
-
Sédillot, Hist. gen. des arabes, leur civil, etc. Paris 1877.
-
Huart, Littérature arab. Paris 1902.
-
Dozy, Recherches sur l’histoire et lit. de l’Espagne 2 Vol. Paris 1881.
-
Brunetière, Hist. de la littérature française. Paris 1900.
-
Le Bon, La civilisation des arabes. Paris 1884.
(٥-٣) الكتب الإنجليزي
-
Browne, A literary hist. of Persia, 2 Vol. London 1900.
-
Margoliouth, Mohammed and the rise of Islam. London 1905.
-
De Boer, The hist. of philos, in Islam. London 1903.
-
Scott. Hist, of Moorish Empire in Europe, 3 Vol. New York 1904.
-
Nicholson, A literary hist. of the Arabs. London 1907.
-
Frazer, A literary hist, of India. London 1892.
(٥-٤) الكتب الألمانية
-
Hammer-Puégstall Litteraturges chichte der Araber bis zum Ende des 12 Johrhundert der Hidschret, 7 Vol. Vienna 1856.
-
Wuestenfeld, Geschichtschreiber der Araber und ihre Werke, Gothingen 1882.
-
Goldziher, Muhammedanische Studien. Halle 1890.
-
Diercks, Die Araber im Mittelalter und ihr Einfluss auf die Cultur Suropa’s. Leipzig 1882.
-
Schak, Pœsie und Kunst der Araber in Spanien Stuttgart 1877.
-
Brockelmann, Geschichte der Arabischen Lit. 2 Vol. Weimar 1902.