الآداب الجاهلية
نريد بالآداب الجاهلية الآداب العربية التي كانت عند العرب قبل الإسلام وقد تطورت عندهم، وأهمها اللغة والشعر والخطابة والإنشاء، وننظر في كل منها على حدة.
(١) اللغة
اللغة مرآة عقول أهلها ومعرض آدابهم وأخلاقهم وسائر أحوالهم، تتبعهم فيما يطرأ عليهم من التغيير وتحفظ آثار ذلك التغيير. وقد تتبدل أحوال الأمة ويذهب كثير من عاداتها أو آدابها وتبقى آثار ذلك في ألفاظها وتراكيبها، وقد رأيت ما حدث في اللغة من الآداب الشرعية واللسانية، فاقتضى ذلك طبعًا أن يحدث فيها ألفاظ جديدة أو تتنوع بعض ألفاظها للتعبير عن المعاني الجديدة …
فمن المصطلحات اللغوية التي اقتضتها العلوم اللسانية قولهم: النحو والعروض والشعر والإعراب والإدغام والإعلال والحقيقة والمجاز والنقض والمنع والقلب والرفع والنصب والخفض والمديد والطويل وغيرها من أسماء البحور وضروب الإعراب والتصريف، وهي كثيرة جدًّا ولها فروع واشتقاقات … حتى لقد أصبح للفظ الواحد معنى فقهي وآخر لغوي وآخر عروضي وآخر ديني مما لا يمكن حصره، أما المصطلحات الشرعية فقد ذكرنا بعضها في الكلام على اللغة في عصر صدر الإسلام، فليقس عليها.
ودخل اللغة في هذا العصر كثير من المصطلحات الإدارية كالخلافة والوزارة والحجابة والإمامة وغيرها من مصطلحات الجند: كالمسترزقة والمتطوعة والعلوفة والعسكر، وضروب الحرب وأبواب الهجوم: كالزحف والكر والفر والبيات والكفاح والغرة، وصنوف الأسلحة: كالدبابة والكبش، والعرادة وغيرها … ناهيك بمصطلحات الدواوين على إجمالها كقولهم: الثغور والعواصم والإقليم والقصبة والعمل والولاية والضياع والحكومة والسكة والتوقيع والوظيفة والخراج والجزية والعشور والمرافق والصوافي والجوالي والجباية والوقف والمصادرة والمستغلات والصدقة والمكوس والمراصد ودار الضرب والضمان والدفاتر والجرائد والخرائط والإيغار والراتب والجاري والعطاء والبيعة والدعوى والختم والخطط والمطالعة والمؤامرة وغير ذلك كثير جدًّا.
(٢) الشعر في العصر الأموي
لم يكن للشعر العربي تأثير في النفوس ومنزلة في الدولة في عصر من عصور العرب مثل ما كان له في العصر الأموي ولا غرابة في ذلك بعد ما علمته من خصائص ذلك العصر السياسية وطبائع الأمويين، ولا بأس من ذكر الأسباب التي بعثت على ازدهار الشعر في هذا العصر ومنزلته في الدولة وتأثيره في النفوس بإيجاز، ثم نأتي على مميزاته.
أسباب رواجه
-
(١)
انقسام القبائل بالعصبية: اقتضت سياسة بني أمية استعداء القبائل بعضها على بعض بالرجوع إلى عصبية الجاهلية، وأول من فعل ذلك معاوية في الخلاف بينه وبين علي وأبنائه، ثم كان انقسام القبائل عند انتقال الخلافة من آل معاوية إلى آل مروان وكلاهما من بني أمية، ونشبت الحرب في مرج راهط، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. وأخيرًا قام طلاب الخلافة من غير العلويين في زمن يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان وهم الحسين بن علي وآل الزبير والأزارقة وسعيد بن الأشدق وغيرهم كما تقدم، ولكل خارج قبيلة أو بضع قبائل تنصره، والأمويون يستعينون بالشعراء على اختلاف قبائلهم وبطونهم … يتألفونهم بالعطاء؛ لعلمهم بما لقول الشاعر من التأثير في نفوس عشيرته لأنه لسان حالها، فازداد الشعراء بذلك نفوذًا وتقربًا من الخلفاء أو الأمراء، وكان الخليفة يعد مدح الشاعر له دليلًا على رضا قبيلته عن سياسته لأنه لسان حالها، والقبيلة تعد إكرام الخليفة لشاعرها إكرامًا لها.
-
(٢)
سخاء بني أمية بالأموال: واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال فضلًا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفًا من قطع العطاء عنهم، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندًا، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان٢ فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه، فإذا كان القابض عليه حكيمًا يعرف كيف يعطي ولمن يعطي، أغناه ذلك عن سائر الأسباب فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية، وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان أكبر دهاة العرب … فقد جعل تصرفه في العطاء وسيلة لاكتساب قلوب المسلمين حتى أشياع العلويين وغيرهم من أبناء الصحابة الذين كان يخاف قيامهم للمطالبة بالملك، فأحر به أن يفعل ذلك بالشعراء ولهم رواتب في بيت المال مثل سائر المسلمين، فلم يكن الشعراء يرون بدًّا من استرضاء بني أمية؛ خوفًا من قطع أعطيتهم فضلًا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم …
-
(٣)
رغبة بني أمية في الشعر: كان لبني أمية رغبة شديدة في إحياء لسان العرب وآدابه كما قدمنا، وكان الخلفاء أنفسهم من أهل الأدب، نفوسهم شاعرية حساسة، حدث معاوية عن نفسه: قال: «اجعلوا الشعر أكبر همكم وأكثر دأبكم، فلقد رأيتني ليلة الهرير بصفين وقد أتيت بفرس أغر محجل بعيد البطن من الأرض وأنا أريد الهرب لشدة البلوى، فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الأطنابة»:
أبتْ لي همتي وأبى بلائيوأخْذي الحمد بالثمن الرَّبيحِوإقحامي على المكروه نفسيوضربي هامةَ البطل المُشيحِوقولي كلما جشَأت وجاشتمكانَك تحْمَدِي أو تَستريحيلأدفع عن مآثر صالحاتٍوأحمي بعدُ عن غَرَضٍ صحيح٣
ويزيد بن عبد الملك رد الأحوص الشاعر من منفاه ببيت شعر له غنته فيه جميلة المغنية وهو قوله:
فطرب يزيد وقال: «ويحك، من كريم قريش هذا؟» قالت: «أنت وقد قاله الأحوص وهو منفي»، فكتب برده، وأنفذ له حللًا سنية وأدناه وقربه، وقال له يومًا: «لو لم تمت إلينا بحق ولا صهر ولا رحم إلا بقولك:
وقد يخطر لأحدهم شعر لا يعرف قائله أو يحتاج إلى تفسير، فيكتب إلى الشاعر أو الراوية فيستقدمه من العراق إلى الشام على البريد كما فعل هشام المذكور … إذ بعث برسالة عاجلة من دمشق إلى عامله بالبصرة أن يشخص إليه حمادًا الراوية على البريد، فقضى حماد اثنتي عشرة ليلة في الطريق وهو خائف من تلك الدعوة العاجلة فإذا هو يقول له: «بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدرِ من قائله»:
فهدأ روعه وقال: «وما هو؟» فقال:
فقال حماد: «هذا يقوله عدي بن زيد من قصيدة» وأنشده إياها.
وكان من الخلفاء شعراء، كالوليد بن يزيد؛ فقد كان شاعرًا بليغًا، وسيأتي خبر ذلك، وينسبون إلى يزيد بن معاوية القصيدة المشهورة التي مطلعها:
وربما كانت لغيره، لكنه كان من أصحاب الشاعرية.
وكان لبعض خلفائهم الدهاة شغف بالأدب على الإجمال، ونخص منهم ثلاثة: معاوية، وعبد الملك، وهشامًا. حكم كل منهم أكثر من عشرين سنة، وكانت لهم عناية بالأدباء وخصوصًا عبد الملك، والأدب لا ينمو ويورق ويثمر إلا في ظل محبيه من الملوك أو الأمراء، وإذا تدبرت النهضات التي مر بها الأدب في أثناء التمدن الإسلامي رأيت لكل نهضة أميرًا أو ملكًا أخذ يناصرها وأحيا الأدب بتقديم أهله أو تنشيطهم، وسترى أدلة كثيرة من ذلك فيما يأتي من هذا الكتاب.
- (٤)
الحركة الأدبية في البصرة والكوفة: قد علمت ما كان من حال هذين البلدين في العصر الأموي، وفيهما احتك العرب بغيرهم من الأمم المتمدنة، وفيهما اشتغل المسلمون بجمع أخبار العرب وأشعارهم وأمثالهم، وفيهما ولد النحو وغيره من الآداب اللسانية، فتكاثرت الأندية الأدبية هناك ولا سيما المربد عكاظ الإسلام كما تقدم، فكان ذلك من جملة البواعث على ازدهار الشعر في العصر الأموي.
(٣) مميزات الشعر في العصر الأموي
- (١)
خلوه من وحشي الكلام: إن قرب العصر الأموي من الجاهلية ورغبة الأمويين في البداوة وتقليدهم عرب الجاهلية في آدابهم وأشعارهم، كل ذلك أبقى للشعر الأموي بلاغة الجاهلية وسلامتها من العجمة والركاكة، لكن الإسلام أكسبه أسلوب القرآن والحديث، فتخلص من التركيب الغريب والكلام الوحشي، فهو من حيث البلاغة أحسن في هذا العصر مما في سائر العصور وإن كان لكل عصر مميزات.
- (٢) كثرة التشبيب: كان الشاعر الجاهلي يقول الأبيات تغزلًا في حبيبته، يعبر بذلك عن حبه أو ما تكنه جوارحه من الغرام أو الشوق، ولا يشبب في غير حبيبته أو خطيبته، وقد يسميها بغير اسمها، والغالب أن يكني عنها بإحدى عرائس الشعر؛ لئلا يعلم أهله بتشبيبه فيمنعوه من التزوج بها؛ لأنهم كانوا شديدي الغيرة على النساء حتى إن أحدهم إذا سطا عليه عدو وخاف على حياته منه عمد إلى امرأته أو حبيبته فيقتلها غيرة عليها من أن يمسها سواه بعد موته،١١ ويندر في الجاهليين أن يشبب شاعرهم بغير حبيبته، وإذا فعل فلداع فوق العادة، كما فعل دريد بن الصمة إذ رثى أخاه بقصيدة صدَّرها بأبيات غزلية،١٢ وقد رأيت الشعراء العشاق في الجاهلية يُعدون على الأصابع، فأصبحوا في العصر الأموي أضعاف ذلك، وأكثروا من وصف الحب وأعراضه وأحواله …
فلما أفضت الدولة إلى بني أمية — وقد انتقلت عاصمتها من المدينة إلى دمشق، وكثر الاختلاط بالأعاجم، وأخذ العرب بأسباب الحضارة، وذهبت هيبة العفة من نفوسهم، وانقضت شدة الخلفاء الراشدين في المحافظة عليها — هان عليهم التشبيب، فأكثروا منه ولا سيما في المدينة لأن أهلها أغرقهم معاوية بالعطايا والرواتب ليشغلهم باللهو عن طلب الملك، فكانوا ينفقون الأموال على المغنين ونحوهم، فكثر اللهو في المدينة وسبقت سائر المدائن الإسلامية إلى الغناء وشاع القصف بين أهلها وتجرأ الشعراء على التشبيب بغير أحبائهم.
إمام أهل النسيب
فجميل كان يشبب بحبيبته ولا حرج عليه، وأراد الشعراء تحديه والتغزل بجميلات النساء وهن في الغالب بحوزة الأمراء أو الخلفاء … فخافوا غضب بعولتهن أو آبائهن، فلم يكن يجرؤ على المجاهرة بذلك من الشعراء إلا من كان ذا عصبية تنصره أو منزلة تشفع له، ولذلك كان أسبق الشعراء إلى التشبيب من قريش، نظرًا لما كان للقرشي من المنزلة الرفيعة والهيبة في العصر الأموي. ولأن القرشيين أقرب إلى الحضارة لنزولهم في مكة، وإليها يحج الناس من أقطار العالم ومعهم أجمل النساء.
شعراء قريش والتشبيب
وأول من تجرأ على التشبيب منهم ابن أبي عتيق، وهو ابن حفيد أبي بكر الصديق. ويقولون: إنه كان طاهرًا عفيفًا يشبب عن غير ريبة، ثم عمر بن أبي ربيعة من قريش، والعرجي وهو من قريش أيضًا، وغيرهم، وكلهم من شعراء العصر الأموي، فتجرأ الشعراء من غير قريش على الاقتداء بهم حتى شاع التشبيب، وصاروا يعتقدون أن الشعر لا يحسن إلا به لما فيه من عطف القلوب، فيبدأ الشاعر الحضري بذكر الحبيب والصدود والهجران، كما يبدأ البدوي بذكر الرحيل والانتقال ووصف الطلول.
الخلفاء والتشبيب
ولكن المرأة كان يسرها أن يشبب بها شاعر مشهور وإن كانت لا ترجو التزوج به، ولكن يسرها ما في التشبيب من الإعجاب بجمالها (والغواني يغرهن الثناء) سواء في ذلك الأميرة والحقيرة، ذكروا أن زوجة الوليد بن عبد الملك هي التي اقترحت على وضاح اليمن أن يشبب بها … واقترحت أم محمد بنت مروان بن الحكم أخت عبد الملك على عمر بن أبي ربيعة أن يشهرها بشعره، وبعثت إليه ألف دينار … فأبى أن يؤجر على التشبيب، فابتاع بالجائزة حللًا وطيبًا وأهداه إليها فردته، فقال فيها أبياتًا مطلعها:
- (٣)
المهاجاة بين الشعراء: كان الجاهليون يتنافسون ويتفاخرون فيذكر أحدهم ما في قبيلته من الشجاعة والنجدة وما أوتوه من النصر أو الغلبة أو ما هم عليه من هذه الفضائل، ويندر فيهم من يتخطى ذلك إلى الهجو، وأكثر من تخطاه منهم المخضرمون كما تقدم، وقد كثر الهجو واتسعت دائرته في العصر الأموي وأجاد الشعراء فيه، ولبعضهم مهاجاة ونقائض تدخل في كتاب ضخم.
الهجاء السياسي
وقد راج الهجاء في العصر الأموي لاحتياج ولاة الأمر إليه بسبب الانقسام الذي قام بين الأحزاب المختلفة، وهو الهجاء السياسي، وكان أكثر الشعراء يأخذون بناصر الأمويين لأنهم أهل السيادة، وكان خلفاؤهم يبذلون الأموال للشعراء ليستعينوا بألسنتهم على أعدائهم؛ لتأثير الهجاء في نفوس العرب لشدة إحساسها ونخوة أهلها.
فلما أفضى الأمر إلى معاوية، اقتضت سياسته ومصلحته أن يجدد تلك الضغائن … فجعل يغري الشعراء على الطعن في الأنصار لأنهم أصحاب علي بن أبي طالب خصمه، وكان يفعل ذلك تحت طي الخفاء، ومن الذين أغراهم على ذلك الطعن الأخطل، الشاعر التغلبي المشهور … فعظم ذلك على الأنصار خصوصًا لأنه نصراني، واستعان به معاوية على المسلمين، فغضب متكلم الأنصار وشاعرهم، وهو يومئذ النعمان بن بشير، ودخل على معاوية وأنشده قصيدة في الدفاع عن الأنصار مطلعها:
فلما سمع معاوية تهديده أظهره أن الأخطل فعل ذلك من عند نفسه، وأمر أن يدفع إليه ليقطع لسانه، وأوشك أن يفعل، لو لم يستجر الأخطل بيزيد بن معاوية فأجاره وأرضى النعمان، وعرف الأمويون هذا الفضل للأخطل، فجعله عبد الملك بن مروان شاعر الدولة، وسنعود إلى ذلك.
وتحولت المهاجاة بين الأنصار وقريش إلى المشاتمة بين بني هاشم وبني أمية، وانتشر ذلك في أطراف المملكة الإسلامية، وكان سديف الشاعر يخرج في جماعة من موالي بني هاشم في مكة، وشبيب يخرج في جماعة من موالي بني أمية، فيفتخرون ثم يتشاتمون ثم يتجالدون بالسيوف، وكان يقال لهم السديفية والشبيبية، وكان أهل مكة منقسمين بينهما في العصبية.
الهجاء الأدبي
وأشهر ضروب المهاجاة في العصر الأموي المهاجاة بن جرير والفرزدق، وبين جرير والأخطل، وغيره من الشعراء المعاصرين. والبادئ في ذلك كله هو جرير، وكان لمهاجاته مع الفرزدق والأخطل شهرة كبيرة حتى أصبح حديث القوم في مجالسهم وموضوع مناقشاتهم في أي الشاعرين أفضل، وانقسم الناس في ذلك حزبين: نسب أحدهما إلى جرير فسمى جريريًّا، والآخر إلى الفرزدق فسمي فرزدقيًّا، وكثيرًا ما احتدم الجدال بين الأدباء في المجالس حتى آل إلى الخصام، وسيأتي تفصيل ذلك في الكلام عن شعراء بني أمية، وقد يكون الباعث على الهجاء تخويف المهجو ليسترضي الهاجي بالمال أو غيره، كما تفعل بعض الصحف اليوم.
- (٤) نبوغ الموالي في الشعر: قد رأيت أنه لم يقل الشعر في الجاهلية من الموالي إلا عبد بني الحسحاس، وأما في الإسلام فانتظم في عداد الشعراء طائفة من الموالي وهم المسلمون غير العرب،٣٢ وفيهم الفرس والروم وممن دخل في حوزة العرب في أثناء الفتح ثم أسلموا، وأكثرهم من موالي بني أسد وقريش … وفيهم جماعة من نوابغ الشعراء، ولولا تقيد القوم بأساليب الجاهلية لأدخلوا كثيرًا من المعاني الشعرية نقلًا عن لغاتهم الأصلية.
- (٥)
الشعر السياسي أو المديح للاستجداء: قد علمت مما تقدم أن الشعراء الجاهليين نظموا المديح، لكنهم قلما كانوا يستجدون بمدحهم … وإنما كانوا يمدحون شكرًا لصنيع، وأما في العصر الأموي، فأصبح الغرض الأول من المدح التماس العطاء، وقد جرهم إلى ذلك استدرار الخلفاء للمدح ببذل الأموال للأسباب التي قدمناها.
- (٦)
وصف الخمر: لم يتقن الشعراء وصف الخمر إلا في العصر العباسي، لكنهم بدأوا بذلك في العصر الأموي على أثر انغماس الأمويين في القصف واللهو في أواخر الدولة، وأول من وصفها من المسلمين الوليد بن يزيد الخليفة الخليع السكير، وقد ذكر الخمر في الجاهلية عدي بن زيد والأعشى، ثم ذكرها الأخطل ووصف الزجاجة بقوله:
وتظل تتحفنا بها تَرْوِيَّةٌإبريقها برقاعهِ مَلثُومُفإذا تعاورتِ الأكفُّ زجاجهانَفحتْ فشَمَّ رياحَها المزكوم٣٣ثم أجاد في وصفها الوليد بن يزيد بقصيدة قال منها:
من قهوةٍ زانها تقادمُهافهي عجوزٌ تعلو على الحِقَبِأشهَى إلى الشَّرْب يوم جَلوتهامن الفتاة الكريمة النسبفقد تجلتْ ورقَّ جوهرهاحتى تبدَّتْ في منظر عَجبِفهي بغير المزاج من شَررٍوهي لدى المزج سائلُ الذهبكأنها في زجاجها قَبَسٌتذكو ضِياء في عَيْن مُرتقب