(١) الفلك والنجوم
معظم هذه العلوم دخيل على العرب، اقتبسوه من الأمم الأخرى ممن هاجر إليهم
وقام بين ظهرانيهم أو التقوا بهم في أسفارهم، وأكثر أخذِهم عن الكلدان. فقد
أخذوا عنهم علم النجوم وتعلموا منهم مواقع الأبراج، ومناطقها ومنازل القمر
والشمس، وربما كان لهم علم بشيء من أحكامها من عند أنفسهم أو مما وصل إليهم من
طريق الهند أو غيرها، ولكن يقال بالإجمال: إن العرب مدينون بعلم النجوم
للكلدان، وهم يسمونهم الصابئة، والصابئة إن لم يكونوا الكلدان أنفسهم، فهم
خلفاؤهم أو تلاميذهم،
١ وكان الصابئة كثيرين في بلاد العرب، ولهم مثل منزلة النصارى، فأخذ
العرب عنهم علم النجوم باصطلاحاته وأسمائه، وإن كان معظم أسماء السيارات لا
يُرد إلى أصله الكلداني … فربما كان له أسباب عارضة ضاعت أخبارها.
على أن بعضها لا يزال أصله الكلداني ظاهرًا فيه كالمريخ مثلًا، فإنه يقابل
«مرداخ» الكلدانية لفظًا ومعنى، ولكن معظم تلك الأسماء قد ضاعت المشابهة
اللفظية بينها، وبقيت المشابهة المعنوية، فإن «زحل» معناه في العربية الارتفاع
والعلو، وهي نفس دلالة «كاون» اسم هذا السيار في الكلدانية، وأما الأبراج
ومنازل القمر فلا تزال كما كانت عند الكلدان لفظًا ومعنى، وإليك أسماء الأبراج
عند كليهما:
أسماؤها العربية |
أسماؤها الكلدانية |
الحمل أو الكبش |
امرا |
الثور |
ثورا |
الجوزاء أو التوأمين |
نامي |
السرطان |
سرطان |
الأسد |
أريا |
السنبلة |
شبلتا |
الميزان |
ماساثا |
العقرب |
عقربا |
القوس أو الرامي |
قشتا |
الجدي |
كديا |
الدلو |
دولا |
الحوت أو السمكة |
نونا |
وأما منازل القمر والشمس؛ فقد تبدل بعض أسمائها على نحو ما أصاب السيارت،
ولكن العبرة بالأكثر في قواعد هذا العلم ومصطلحاته، فإنها عند العرب كما كانت
عند الكلدان تمامًا حتى لفظ «منازل القمر» و«منازل الشمس»، فإن هذا التعبير هو
نفس ما كان يعبر به الكلدان، عن هذه المنازل، وقد أبدلته الأمم الأخرى التي
أخذت هذا العلم عن الكلدان بتعبير آخر إلا العرب والعبرانيين.
ومعرفة العرب بالنجوم مشهورة؛ فقد رأيت أنهم عرفوا السيارات والأبراج، وعرفوا
عددًا كبيرًا من الثوابت، ولهم في ذلك مذهب يختلف عن مذاهب المنجمين في الأمم
الأخرى،
٢ وفي قدم أسماء تلك النجوم في العربية دليل على قدم معرفة العرب بها
وبمواقعها مثل: بنات نعش الكبرى والصغرى، والسها، والظباء، والربع، والرابض،
والعوائذ، والذئبين، والنثرة، والفرقد، والقدر، والراعي، وكلب الراعي،
والأغنام، والرامح، والسماك، وعصا الضياع، وأولاد الضياع، والسماك الرامح،
وحارس السماء، والأظفار، والفوارس، والكف المخضب، والخباء، والعيوق، والعنز،
والجديين، وغيرها.
أما منازل القمر؛ فقد قسموها إلى ثمانية وعشرين قسمًا خلافًا لما كان عند
الهنود فإنها ٢٧ قسمًا عندهم، وأراد العرب منها غير ما أراده أولئك؛ إذ كان
مرادهم منها معرفة أحوال الهواء في الأزمنة وحوادث الجو في فصول السنة؛ لأنهم
كانوا أميين فلم تمكنهم معرفتها إلا بشيء يعاين فأشاروا إليها بالكواكب كما
رأيت في الكلام على الأنواء، وإليك أسماء منازل القمر في العربية وهي
٢٨:
الثريا |
الجبهة |
الإكليل |
سعد السعود |
الدبران |
الدبرة |
القلب |
سعد الأخبية |
الهقعة |
الصرفة |
الشولة |
الفرغ المقدم |
الهنعة |
العواء |
النعائم |
الفرغ المؤخر |
الذراع |
السماك |
البلدة |
بطن الحوت |
النثرة |
الغفر |
سعد الذابح |
الشرطان |
الطرف |
الزبانيان |
سعد بلع |
البطين |
وكان العرب إذا عدوا المنازل بدأوا بالشرطين لأسباب تتعلق بإقليمهم، وقد بالغ
المتعصبون للعرب في صدر الدولة العباسية في براعة العرب في علم النجوم، ومن
جملة المتعصبين ابن قتيبة؛ فقد قال في كتابه «تفضيل العرب على العجم»: إن العرب
أعلم الأمم بالكواكب ومطالعها ومساقطها،
٣ ومع اعترافنا بما في ذلك من المبالغة، فإننا نستدل منه على توسع
العرب في هذا العلم.
ولا غرابة في إتقانهم معرفة النجوم ومواقعها، فإنها كانت دليلهم في أسفارهم
وأكثر أحوالهم … فكانوا إذا سألهم سائل عن الطريق المؤدي إلى البلد الفلاني،
قالوا: «عليك بنجم كذا وكذا» فيسير في جهته حتى يجد المكان، وربما استعانوا على
ذلك أيضًا بذكر مهاب الرياح يعبرون بها عن الجهات، ومن أمثلة ذلك أن سليك بن
سعد سأل قيس بن مكشوح المرادي أن يصف له منازل قومه ثم يصف هو له منازل قومه،
فتوافقا وتعاهدا ألا يتكاذبا، فقال قيس بن مكشوح: «خذ بين مهب الجنوب والصبا ثم
سر حتى لا تدري أين ظل الشجرة، فإذا انقطعت المياه فسر أربعًا حتى تبدو لك رملة
وقف بينها الطريق … فإنك ترد على قومي مراد وخثعم»، فقال السليك: «خذ مطلع سهيل
ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها من أفق السماء، فثم منازل قومي بني سعد بن زيد
مناة» واشتهر في جاهلية العرب في إتقان علم النجوم جماعة منهم: بنو مارية بن
كلب، وبنو مرة بن همام الشيباني.
٤
وقد ألف الأدباء في صدر الإسلام كتبًا في الأنواء ضاعت، وتجد أشياء متفرقة في
كتاب الآثار الباقية للبيروني، والأمثال للميداني، وعجائب المخلوقات للقزويني،
وحياة الحيوان للدميري، وكلها مطبوع ومتداول.
(٢) الميثولوجيا
ومما يلحق بعلم النجوم أيضًا ما يعبر عنه الإفرنج بالميثولوجيا، وهي عبارة
عما كانوا يزعمون وقوعه بين الكواكب، وهي الآلهة عندهم، من الحروب أو الزواج أو
نحو ذلك، من حوادث البشر على نحو ما ذكروه عن آلهة اليونان … فالعرب ألهوا
الأجرام وعبدوها، وقد ضاع خبر ذلك؛ لعدم تدوينه، على أننا نستدل عليه من بعض ما
وصل إلينا من أسماء أصنامهم وعبادة بعض رجالهم، فاللات اسم للزهرة، وقد اشتهر
كثيرون بعبادتها وعبادة الشمس والقمر والشعرى، وكانوا يتناظرون في أفضلية بعضها
على بعض، قالوا: «وأبو كبشة أول من عبد الشعرى، وكان يقول الشعرى تقطع السماء
عرضًا، ولا أرى في السماء شمسًا ولا قمرًا ولا نجمًا يقطع السماء عرضًا
غيرها».
٥
أما تشخيص تلك الأجرام وإنزالها منزلة البشر؛ فقد كان معروفًا عند العرب، ومن
الأقاصيص الميثولوجية التي كانوا يتناقلونها أن الدبران خطب الثريا وأراد القمر
أن يزوجه بها، فأبت عليه وولت عنه وقالت للقمر: «ما أصنع بهذا السبروت الذي لا
مال له؟» فجمع الدبران قلاصة يتمول بها فهو يتبعها حيث توجهت يسوق صداقها قدامه
يعنون القلاص.
وأن الجدي قتل نعشًا فبناته تدور به تريده، وأن سهيلًا ركض الجوزاء فركضته
برجلها فطرحته حيث هو وضربها هو بالسيف فقطع وسطها. وأن الشعرى اليمانية كانت
مع الشعرى الشامية ففارقتها وعبرت المجرة فسميت الشعرى العبور، فلما رأت الشعرى
اليمانية فراقها إياها بكت عليها حتى غمصت عينها فسُميت الشعرى
الغميصاء.
٦
ومن هذا القبيل تأليههم بعض المشاهير من الملوك أو القواد أو الأسلاف واعتبار
البعض الآخر من نتاج الملائكة أو الجان … فعندهم مثلًا أن بلقيس كانت أمها جنية
وأن جرهمًا كان من نتاج الملائكة وبنات آدم، وكذلك كان ذو القرنين عندهم أمه
آدمية وأبوه من الملائكة،
٧ وأما أصل هذه الاعتقادات فإما هندي أو يوناني أو مصري … أما
الكلدان فقلما كانت لهم عناية بأمثال ذلك.
(٣) التوقيت
كان العرب يؤرخون بكل عام فيه أمر مشهور، وأشهر الحوادث التي وصلت إلينا
أخبارها مما أرخوا بها عام الفيل، أي هجوم الأحباش على مكة، وكان ذلك سنة ٣٨ من
ملك كسرى أنوشروان، وأرخت قريش بموت هشام بن المغيرة المخزومي، وكان عندهم
تاريخ يسمى «زمن الفطحل» وهو أقدم أزمنتهم، وفيه أقوال لا محل لها
هنا.
٨
وكانت سنتها قمرية وأشهرها ١٢ شهرًا كما هي الآن، وكانوا يكبسون أي يزيدون
أيامًا كل سنة حتى تبقى النسبة محفوظة بين شهورهم وتوالي الفصول، ولهم في الكبس
طريقة ذكرها البيروني قال:
وكذلك كانت العرب تفعل في جاهليتها فينظرون إلى فضل ما بين سنتهم
وسنة الشمس وهو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس ساعة بالجليل من
الحساب، فيلحقون بها شهرًا كلما تم منها ما يستوفى أيام شهر. ولكنهم
كانوا يعملون على أنه عشرة أيام وعشرون ساعة، وتتولى ذلك النسأة من
كنانة المعروفون بالقلامس، وأحدهم قلمس وهو البحر الغزير، وهم أبو
ثمامة جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عباد بن قلع بن حذيفة، وكانوا
كلهم نسأة، وأول من فعل ذلك منهم كان حذيفة، وهو ابن عبد فقيم بن عدي
بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن كنانة وآخر من فعله أبو ثمامة.
وكان أخذ ذلك من اليهود قبل ظهور الإسلام بقريب من مائتي سنة، غير
أنهم كانوا يكبسون كل أربع وعشرين سنة قمرية بتسعة أشهر … فكانت شهورهم
ثابتة مع الأزمنة جارية على سنن واحد لا تتأخر عن أوقاتها ولا تتقدم،
إلى أن حج النبي — عليه الصلاة والسلام — حجة الوداع وأنزل عليه:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ
يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا
وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا فخطب — عليه الصلاة والسلام —
وقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض) وتلا
عليهم الآية في تحريم النسيء وهو الكبس، فأهملوه حينئذ وزادت شهورهم
عما كانت عليه وصارت أسماؤها غير مؤدية لمعانيه
ا.ﻫ.
وكان لعرب الجاهلية أشهر تُعرف بأسماء غيرها اليوم، فيقولون: إنه كان لهم
أشهر هذه أسماؤها: المؤتمر، ناجر، إخوان، صوان، حنتم، زباء، الأصم، العادل،
النافق، الواغل، الهواع، البرك، وكان لأيام الأسبوع أسماء غير المعروفة الآن
وهي: أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار، وعندهم لكل ساعة من ساعات
النهار اسم، وكذلك لأيام الشهر وغيره.
وتجد أخبار ذلك مفرقة في كتاب الآثار الباقية للبيروني، وفي الأغاني، والعقد
الفريد، والكشكول، وأمثال الميداني، وغيرها من كتب الأدب، وفي مروج الذهب
للمسعودي، وابن خلدون، وأبي الفداء، وغيرها في عرض الكلام عن العرب
الجاهلية.