اللغة واللغويون
وقد يعدُّ لغويو هذا العصر أيضًا من النحاة أو الأدباء، لكننا أفردناهم لاشتغالهم على الأكثر في اللغة. نعني الألفاظ من قبيل المعاجم أو ما هو في سبيلها، ويقال بالإجمال: إن المعاجم اللغوية لم تنضج إلا في العصر الآتي، على أن علماء هذا العصر مهدوا السبيل لذلك أكثر ممن تقدمهم من أهل العصور السابقة، فألَّف بعضهم كتبًا تشبه المعاجم كما سترى في تراجمهم وآثارهم، وهم:
(١) أبو عمر الهروي (توفي سنة ٢٥٥ﻫ)
هو أبو عمرو شمر بن حمدويه الهروي، كان ثقةً عالمًا، حافظًا للغريب، راوية للأشعار والأخبار، ولم يصلنا من كتبه شيء، وإنما ذكرناه لأنه ألَّف معجمًا في اللغة بدأ فيه بحرف الجيم على ترتيب الخليل لم يسبقه أحد إلى مثله، ولكنه ضاع ولم يبق إلا خبره، وقد ذكره صاحب طبقات الأدباء (صفحة ٢٦٠) في ترجمة المؤلف.
(٢) أبو حاتم السجستاني (توفي سنة ٢٥٥ﻫ)
- (١)
كتاب المعمرين: هو من كتب التاريخ، فيه تراجم الذين عمروا من الرجال في الجاهلية مع طرف مما قالوه في منتهى أعمارهم، وبلغ عددهم مائة وعشرة رجال في جملتهم طائفة من الشعراء كعبيد بن الأبرص ولبيد وعمرو بن قميئة وجماعة من السادة والفرسان، كأكثم بن صيفي وعامر بن الظرب ودريد بن الصمة وزهير بن جناب وغيرهم، والكتاب رواية أبي روق الهمداني. لم يذكره صاحب الفهرست بين مؤلفات السجستاني، طبع ليدن سنة ١٨٩٩ بعناية المستشرق غولتزير في ٢٨١ صفحة منها ١٠٣ صفحات للأصل والباقي للمقدمة والتعاليق. وطبع أيضًا بمصر سنة ١٩٠٥.
- (٢)
كتاب النخلة: طبع في بالرمو بإيطاليا سنة ١٨٣٧، وفي رومية سنة ١٨٩١، ومنه نسخة خطية في المكتبة الخديوية.
وتجد ترجمة أبي حاتم السجستاني في طبقات الأدباء ٢٥١، والفهرست ٥٨، وابن خلكان ٢١٨ ج١.
(٣) أبو العباس المبرد (توفي سنة ٢٨٥ﻫ)
هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد، ويعرف بالمبرد. ولد سنة ٢١٠ﻫ في البصرة، وانتقل إلى بغداد، وكان شيخ أهل النحو والعربية، وإليه انتهى علمهما بعد طبقة عمر الجرمي وأبي عثمان المازني، وأخذ النحو عنهما وعن غيرهما.
- (١)
الكامل: هو كتاب في الأدب وصفه المبرد بقوله: «هذا كتاب ألَّفناه، يجمع ضروبًا من الآداب بين منثور ومنظوم، وشعر ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار خطبة شريفة ورسالة بليغة، والنية أن يفسر كل ما يقع فيه من كلام غريب أو معنى مغلق.» فهو يعدُّ من كتب اللغة الممهدة للمعاجم، وفيه كثير من الفوائد التاريخية، أهمها فصل في الخوارج يحوي حقائق هامة من تاريخ بني أمية، وقد طبع الكامل في ليبسك سنة ١٨٦٤، وفي الآستانة سنة ١٢٨٦ﻫ، وفي مصر سنة ١٣٠٨.
- (٢)
كتاب المقتضب: عليه شرح لسعد الله الفارقي المتوفى سنة ٣٩١ﻫ، منه نسخة خطية في مكتبة الإسكوريال.
- (٣)
كتاب التعازي والمراثي: منه نسخة خطية في الإسكوريال.
- (٤)
رسالة في الجواب على سؤال وجهه إليه الواثق بشأن الشعر والنثر، منه نسخة خطية في مكتبة مونيخ وأخرى في برلين.
وترجمته في ابن خلكان ٤٩٥ ج١، وطبقات الأدباء ٢٧٩، الفهرست ٥٩.
(٤) المفضل بن سلمة (في أواخر القرن الثالث)
- (١)
كتاب الفاخر: في اللغة، وموضوعه معاني ما يجري على ألسنة العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام العرب وهم لا يدرون معناه، فيأتي بالمثل ويشرحه نحو ما في كتاب مجمع الأمثال للميداني، منه نسخة في كتب الشنقيطي بالمكتبة الخديوية في ١٤٦ صفحة كبيرة، نسخة أخرى من جملة كتب زكي باشا في ١٣٥ ورقة.
- (٢)
كتاب العود والملاهي: في آلات الطرب، وهل تعاطيها يخالف التقوى، وهو يرى أنه جائز، وأتى بالأدلة على ذلك، منها نسخة في جملة كتب زكي باشا.
وترجمة المفضل في الفهرست ٧٣، وطبقات الأدباء ٢٦٥، وابن خلكان ٤٦٠ ج١.
(٥) ابن دريد (توفي سنة ٣٢١ﻫ)
هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي. ولد في البصرة سنة ٢٢٣، ونشأ وتعلَّم فيها، وأخذ النحو عن السجستاني والرياشي وابن أخي الأصمعي، وانتقل عند ظهور الزنج إلى عمان أقام فيها ١٢ سنة وعاد إلى البصرة، ثم رحل إلى نواحي فارس، وصحب ابني ميكال وهما يومئذ على عمالة فارس، وألف لهما كتاب الجمهرة الآتي ذكره، فقلداه الديوان، وكانت تصدر كتب فارس عن رأيه، ولا يُنَفَّذُ أمر إلا بعد توقيعه، ثم انتقل إلى بغداد سنة ٣٠٨ﻫ بعد عزل ابني ميكال عن فارس، فأجرى عليه الخليفة المقتدر خمسين دينارًا في الشهر إلى وفاته سنة ٣٢١.
وقد نبغ ابن دريد في اللغة، وكان من أكابرها مقدمًا بها وبالأنساب والأشعار، وكان شاعرًا كثير الشعر، وله المقصورة المشهورة التي مدح بها الشاه ابن ميكال وولديه، مطلعها:
عدد أبياتها ٢٢٩ بيتًا، وفيها كثير من آداب العرب وأخبارهم وحكمهم وأمثالهم.
- (١)
المقصورة: أو كتاب المقصور والممدود قد تقدم ذكرها. طبعت مع ترجمة وشرح باللاتينية في فرانكيري سنة ١٧٧٣، وفي هردوفيكي سنة ١٧٨٦، وفي غيرهما. ومنها نسخ خطية وشروح في معظم مكاتب أوروبا أهمها شرح ابن خالويه المتوفى سنة ٣٧٠ﻫ، وابن هشام اللخمي السبتي، وفي المكتبة الخديوية شرح المقصورة خطأ للسيد عبد القادر بن مكرم المتوفى سنة ١٠٣٣ﻫ، واسمها الآيات المقصورات، وفي مكاتب أوروبا وغيرها نسخ خطية من أشعاره الأخرى.
- (٢)
الجمهرة في اللغة: وهي أهم مؤلفاته بالنظر إلى اللغة؛ لأنها معجم مرتب على أحرف الهجاء اتبع في ترتيبه ترتيب كتاب العين للخليل، فبدأ بالثنائي ثم الثلاثي فالرباعي فملحق الرباعي فالخماسي والسداسي وملحقاتهما، وجمع الألفاظ النادرة في باب مفرد، ورتب كل طائفة من تلك الألفاظ على أبجدية الخليل، وطريقة التفتيش فيه غير مألوفة عندنا، فإنه يأتي في باب الثلاثي مثلًا في فصل العين بالأحرف الثلاثة التي أولها عين مثل «ع ل ن»، ويأتي بمعانيها على اختلاف وضع أحرفها، فيقول: «علن الأمر يعلنه علنًا … واللعن أصله الإبعاد … والنعل معروف … ونعل الفرس ما أصاب الأرض من حافره إلخ.» وقد سماه الجمهرة؛ لأنه اختار فيه الجمهور من كلام العرب، ومنها نسخ خطية في مكاتب لندن، وباريس، وكوبرلي، ويني جامع، ونور عثمانية، وأيا صوفيا بالآستانة، ونسخة ناقصة في المكتبة الخديوية.
- (٣)
كتاب الاشتقاق: في أسماء القبائل والعمائر وأفخاذها وبطونها وساداتها وشعرائها وفرسانها على شكل المعاجم، وفيه فوائد لغوية، طبع في غوتنجن سنة ١٨٥٤.
- (٤)
كتاب صفة السرج واللجام: طبع في ليدن سنة ١٨٥٩.
- (٥)
كتاب الملاحن: طبع في هيدلبرج سنة ١٨٨٢، وفي مصر قريبًا.
- (٦)
كتاب المجتبى: فيه أقوال النبي. موجود في المتحف البريطاني وأكسفورد.
- (٧)
كتاب السحاب والغيث وأخبار الرواد: طبع في ليدن مع كتاب السرج واللجام.
وأخباره في ابن خلكان ٤٩٧ ج١، وطبقات الأدباء ٣٢٢، والفهرست ٦١.
(٦) عبد الرحمن الهمذاني (توفي سنة ٣٢٧ﻫ)
هو عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمذاني. كان إمامًا في اللغة والنحو، وكاتبًا لبكر بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي، له مؤلفات جزيلة الفائدة لم يصلنا منها إلا:
كتاب الألفاظ الكتابية: وهو مما يستعان به في تنميق العبارة وضبط معناها؛ لاحتوائه على مترادفات من الجمل الفصيحة كل منها مجموع في باب خاص من قبيل فقه اللغة، ولكنه سابق له. وقد طبع الكتاب في بيروت سنة ١٨٨٥ وفي غيرها.
ومن كتب اللغة في هذا العصر كتاب المنجد لأبي الحسن الهنائي المعروف بكراع في أوائل القرن الرابع للهجرة، رتَّبه على ستة أبواب في أعضاء البدن وأصناف الحيوان والطيور والسلاح والأرض، منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية، وكتاب المنضد له أيضًا مرتب على الهجاء في المتحف البريطاني.