الجغرافية والجغرافيون
(١) أسباب وضع الجغرافية عند العرب
- أولًا: الحج لأن المسلمين على اختلاف بلادهم يحجون إلى مكة، والحج فريضة على كل مسلم، والقدوم إلى مكة يفتقر إلى معرفة الطرق والمنازل.
- ثانيًا: كان المسلمون يرحلون في طلب العلم إلى سائر الأمصار الإسلامية، والرحلة تستلزم معرفة الأماكن والمناطق.
- ثالثًا: أبحاثهم في تحقيق أسباب الفتح لضرب الخراج والجزية واجتناء المقاطعات، وهذه أيضًا تفتقر إلى تعرف البلاد وطرقها؛ فاضطر العرب إلى التأليف في البلدان قبل هذا العصر، وأول من فعل ذلك رواة الأدب وأصحاب الأخبار.
فلما ترجمت الجغرافية إلى العربية واطلع العرب عليها، أخذوا في تأليف الكتب على مثالها، وتوسعوا في ذلك وزادوا عليه ما عرفوه من قبل، ولم يكتفوا بالنقل والسماع، ولكنهم ركبوا البحار وجابوا الأقطار شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وكتبوا ما شاهدوه أو تحققوه، وصححوا كثيرًا من مغالط بطليموس، على أن علم الجغرافية عند العرب لم ينضج إلا في القرن الرابع للهجرة، فتهافت الناس على التأليف فيه.
ولكن علماء القرن الثالث (أو العصر العباسي الثاني) الذي نحن في صدده، مهدوا السبيل للتأليف فيه من عند أنفسهم؛ لكثرة أسفارهم في سبيل الرحلة، أو لاشتغالهم في إحصاء خراج المملكة، وفي تعيين طرق البريد مما يقتضي معرفة الأماكن وأبعادها وجهاتها، ويعد ذلك من قبيل الجغرافية.
وبين ما ألَّفوه في هذا الموضوع ما هو عام شامل للمملكة الإسلامية وغيرها، ونسمِّيه «الجغرافية العامة»، ومنه ما يختص ببقعة من الأرض، وندعوه «الجغرافية الخاصة»، وإليك أقدم من ألَّف في كليهما:
(٢) مؤلفو الجغرافية العامة
(٢-١) ابن خرداذبه (في أواسط القرن الثالث للهجرة)
هو أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن خرداذبه. كان خرداذبه مجوسيًّا، وأسلم على يد البرامكة، وتولى حفيده أبو القاسم البريد والخبر بنواحي الجبل بفارس، ونادم المعتمد وخصَّ به، وألف كتبًا في أدب السماع واللهو والملاهي والشراب وجمهرة أنساب الفرس والطبيخ وغيرها، ولم يصلنا إلا:
كتاب المسالك والممالك: ضمَّنه إحصاء جباية المملكة العباسية في أواسط القرن الثالث، وقد ونشرنا ذلك الإحصاء في تاريخ التمدن الإسلامي (ص٦٢ ج٢)، وهو إحصاء رسمي عن الجباية والطرق والمسافات، وطبع الكتاب في ليدن سنة ١٣٠٦ﻫ بعناية المستشرق دي غويه مع ترجمة فرنساوية، وفيه فوائد كثيرة تاريخية؛ فضلًا عن تقاسيم المملكة وطول المسافات بين البلاد.
وترجمته في الفهرست١٤٩.
(٢-٢) قدامة بن جعفر
وقد تقدم ذكره بين الأدباء. له كتاب الخراج وصنعة الكتابة لم يصلنا منه إلا نحو مائة صفحة في ديوان البريد والسكك والطرق إلى نواحي المشرق والمغرب، والمسافات بين البلاد فضلًا عن مقادير الجباية لسنة ٢٢٥ﻫ، طبعت في ليدن مع ترجمة فرنساوية، وقد نشرناها أيضًا في تاريخ التمدن الإسلامي (ص٥٧ ج٢).
(٢-٣) كتاب البلدان لليعقوبي
- (١)
المسالك والممالك لابن خرداذبه وكتاب الخراج لقدامة.
- (٢)
كتاب البلدان لابن الفقيه.
- (٣)
كتاب الأعلاق النفيسة لابن رسته وكتاب البلدان لليعقوبي.
- (٤)
مسالك الممالك للإصطخري.
- (٥)
المسالك والممالك لابن حوقل.
- (٦)
أحسن التقاسيم للمقدسي.
- (٧)
كتاب التنبيه والإشراف للمسعودي.
- (٨)
فهرس أبجدي عمومي.
طبعت كلها في ليدن بعناية المستشرق دي غويه، وقد ذكرنا بعضها ويأتي ذكر الباقي في أماكنه.
(٢-٤) ابن الفقيه
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الهمذاني، ويعرف بابن الفقيه أحد أهل الأدب في أواخر القرن الثالث للهجرة، ولا يعرف من أمره أكثر من ذلك. ذكروا له عدة كتب وصلنا منها «كتاب البلدان»، ألَّفه بعد موت المعتضد (سنة ٢٧٩ﻫ)، وصف به الأرض والبحار في الصين والهند وبلاد العرب ومصر وبلاد المغرب والبربر والشام وفلسطين، وما بين النهرين وبلاد الروم، وأفاض في وصف البصرة والكوفة، أما بغداد فلم يرد ذكرها فيه إلا عرضًا، ويقول ابن النديم: «إنه أخذه من كتب الناس وسلخ كتاب الجيهاني.» والجيهاني هذا وزير صاحب خراسان كان له كتاب المسالك والممالك ضاع، وقام كتاب البلدان لابن الفقيه مقامه، وقد طبع هذا الكتاب سنة ١٨٨٥ في جملة المكتبة الجغرافية.
وتجد ترجمة ابن الفقيه في الفهرست ١٥٤، ومعجم الأدباء ٦٣ ج٢.
(٢-٥) ابن رسته
هو أبو علي أحمد بن عمر بن رسته. له كتاب اسمه الأعلاق النفيسة، كتبه سنة ٢٩٠ﻫ في أصبهان، وهو كالموسوعة، منها سبعة مجلدات في تقويم البلدان عثروا على نسخة خطية منها في المتحف البريطاني، وقد طبع مجلد منها في جملة «المكتبة الجغرافية»، وهو يبحث في عجائب السموات ومركز الأرض منها وحجم الأرض، ثم يصفها فيبدأ بمكة والمدينة، ويصف البحار والأنهار والأقاليم السبعة، وخصوصًا إيران وما يليها، وفيه فصل في الأوائل الذين أحدثوا الأشياء واقتدى بهم سواهم، وآخر في المتشابهين في أحوال شتى والمشتركين في كنية واحدة والمشهورين من ذوي العاهات. ولهذا الكتاب ترجمة ألمانية طبعت سنة ١٩٠٥.
(٣) مؤلفو الجغرافية الخاصة
(٣-١) ابن الحائك (توفي سنة ٣٣٤ﻫ)
- (١)
صفة جزيرة العرب خاصة: فيها فوائد هامة عن وصف جزيرة العرب وجبالها ومساكنها ومدنها ولغاتها وزراعتها ومعادنها وآثارها؛ مما يعز العثور عليه في سواها. وقد نشر هذا الكتاب المستشرق هنري مولر في ليدن سنة ١٨٨٤ مع ملحق للشروح والتعاليق.
- (٢)
كتاب الإكليل: ولابن الحائك هذا كتاب جزيل الفائدة في وصف اليمن وآثارها اسمه «الإكليل» في أنساب حمير وملوكها، يدخل في عدة أجزاء يشتمل على عشرة فنون في جملتها أبحاث في القرانات وعلم الطبيعة وأحكام النجوم وآراء الأوائل وغير ذلك، لم يقف الباحثون إلا على جزء نشره المستشرق مولر المذكور مع ترجمة ألمانية وتعاليق. وقد اقتبسنا كثيرًا منه في كتابنا «العرب قبل الإسلام»؛ لأنه يصف قصور اليمن ومحافدها في صنعاء ومأرب مما شاهده بنفسه في مكان السد وكيفية توزُّع المياه.
وترجمة ابن الحائك في أخبار الحكماء لابن القفطي ١١٣، ومعجم الأدباء ٩ ج٣.
(٣-٢) ابن فضلان
هو أحمد بن فضلان مولى محمد بن سليمان، أنفذه المقتدر العباسي سنة ٣٠٩ﻫ إلى ملك الصقالبة بمهمة، فكتب رحلة عرفت باسمه ذكر فيها ما شاهده منذ انفصل عن بغداد إلى أن عاد إليها، وفيها وصف البلغار وعاداتهم وغير ذلك، وهي مطبوعة في بطرسبرج سنة ١٨٢٣ مع ترجمة روسية، ونشرها ياقوت في معجم البلدان في مادة بلغار.
(٣-٣) سلسلة تواريخ
هو كتاب جزيل الفائدة. ليس هو تاريخًا كما يؤخذ من اسمه، وإنما هو رحلة أو رحلات في الهند والصين وأقصى الشرق لغير واحد من تجار العرب في القرن الثالث للهجرة، أحدهم يدعى سليمان، سافر بنفسه إلى الهند والصين، ووصف ما شاهده وعلمه من أحوال التجارة وبعض أصنافها، والآخر أبو زيد حسن من أهل سيراف، أكثر ما ذكره منقول عن تجار آخرين من العرب ارتادوا الشرق الأقصى حتى بلغوا الصين. وقد التقى أبو زيد هذا بالمسعودي المؤرخ، وتبادلا الأخبار كما يظهر مما ذكره في مروج الذهب عن بحر الهند وعجائبه بالمقابلة على ما في هذه الرحلة.
وبالجملة إن هذا الكتاب يبيِّن ما بلغ إليه العرب في تجاراتهم وأسفارهم في القرن الثالث للهجرة، وهو مطبوع في باريس سنة ١٨٤٥ مع ترجمة فرنساوية ومقدمة انتقادية لرينو المستشرق الفرنساوي.
(٣-٤) بزرك بن شهريار (صاحب عجائب الهند)
أما كتاب عجائب الهند الذي نحن في صدده، فمنه نسخة خطية في مكتبة أيا صوفيا قديمة جدًّا، وعنها نقلت نسخة طبعت في ليدن سنة ١٨٨٦ بعناية المستشرق فان درليت، مع ترجمة فرنساوية لمارسل دفيك. وفي هذه الطبعة أربع صور ملوَّنة منقولة عن مسوَّدات مقامات الحريري في مكتبة المستشرق شيفر تمثل أسفار العرب في البحار لذلك العهد. وهذه صورة سفينة منها.