القرآن وآداب اللغة العربية
تكاثرت العلوم والآداب في إبان التمدن الإسلامي حتى تجاوز عددها ثلاثمائة علم في الشرع واللغة والتاريخ والأدب والشعر وغيرها، وأكثرها نشأ من القرآن أو تولَّد خدمة له، ولا يكاد يخلو علم من تأثير القرآن عليه رأسًا أو ضمنًا، فلا غرو إذا أفردنا فصلًا خاصًّا لبيان ذلك.
(١) العلوم التي تفرعت من القرآن أو نشأت لخدمته
حمل العرب على العالم في صدر الإسلام وما في أيديهم من الكتب غير القرآن يقرءونه ويتَّعظون به، ويتحاكمون إليه، وقد أعجبوا بأسلوبه ودهشوا ببلاغته؛ لأنه ليس من قبيل ما كانوا يعرفونه من نثر الكهان المسجع ولا نظم الشعراء المقفى الموزون، وقد خالف كليهما وهو منثور مقفى على مخارج الأشعار والأسجاع، فلا هو شعر ولا نثر ولا سجع، وفيه من البلاغة وأساليب التعبير ما لم يكن له شبيه في لسانهم، فسحروا بأسلوبه، وبما حواه من الشرائع والأحكام والأخبار، فأصبح همهم تلاوته وتفهم أحكامه؛ لأنه قاعدة الدين والدنيا وبه تتأيد السلطة والخلافة، وهو أول كتاب أخذوا في قراءته وحفظه.
- القراءة وعلومها: واختلفوا في قراءة بعض آياته فتولدت القراءات السبع نسبة إلى سبعة من القراء مرَّ ذكرهم، وأخذ كل منهم يثبت صحة قراءته فتولد من ذلك علم القراءة وشواذها، وتفرع بتوالي الأعصر إلى سبعة علوم هي: علم الشواذ، وعلم مخارج الحروف، ومخارج الألفاظ، والوقوف، وعلل القرآن، وكتابة القرآن، وآداب كتابة المصحف، وفي كل من هذه العلوم قواعد وكتب.
- النحو: وأول شيء احتاجوا إليه في ضبط القراءة «النحو»، وقد بعثهم على التعجيل في وضعه وضبط قواعده ما شاهدوه من لحن الناس في قراءة القرآن بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق، فسمع أبو الأسود الدؤلي رجلًا يقرأ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بخفض رسولُه، فصنف باب العطف والنعت، وهو من أسس علم النحو. ثم وضع الإعجام لضبط القراءة، فكان القرآن من أهم البواعث على وضع النحو أو الإسراع في وضعه، فتمت قواعده ولم يتم القرن الثاني للهجرة؛ أي إنه نضج في قرن وبعض القرن، واليونان لم يتم علم النحو عندهم إلا بعد إنشاء دولتهم بعدة قرون، ولم يضع الرومان نحو اللغة اللاتينية إلا بعد قيام دولتهم بستة قرون، وقد فصَّلنا ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.
-
الأدب وعلومه: ويفتقر علم النحو في تأييد قواعده إلى معرفة كلام العرب وأساليبهم.
ولما أخذ المسلمون في تفسير القرآن احتاجوا أيضًا إلى ضبط معاني ألفاظه
وتفهم أساليب عبارته، فجرَّهم ذلك إلى البحث في أساليب العرب وأقوالهم
وأشعارهم وأمثالهم وهو «علم الأدب»، وقد بعث إلى وضعه بالأكثر تفسير
القرآن — قال ابن عباس: «إذا قرأتم شيئًا من كتاب الله ولم تعرفوه
فاطلبوه في أشعار؛ لأن الشعر ديوان العرب.»
فكانوا إذا عمدوا إلى تفسير آية، أو أرادوا إثبات معنى لفظٍ التبس عليهم فهمه، أو تفهم أسلوب لم يألفوه، أتوا بشعر جاهلي وردت فيه تلك اللفظة بهذا المعنى أو ذاك الأسلوب، وخصوصًا في التفاسير التي يراد بها المعنى اللغوي بالأكثر كالكشاف للزمخشري، فإن الشواهد الشعرية التي جاءت فيه استغرقت مجلدًا ضخمًا أفرد بعضهم كتابًا لشرحها والإشارة إلى سبب ورودها، وصاروا يؤلفون كتب الأدب والتاريخ لخدمة القرآن — قال ابن قتيبة في مقدمة كتابه الشعر والشعراء: «وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جلُّ أهل الأدب والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله — عز وجل — وحديث رسول الله ﷺ.»
وناهيك بما تفرَّع إليه علم الأدب من الفنون الأدبية والعلوم المتعلِّقة بالألفاظ، وهي تزيد على عشرين علمًا كالنحو، والصرف، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، وغيرها، والفضل في تعجيل ظهورها للقرآن.
- الحديث: واحتاجوا في تفسير القرآن أيضًا إلى تفهم الحديث؛ لأنهم كانوا إذا أشكل عليهم فهم آية واختلفوا في تفسيرها أو حكم من أحكامها، استعانوا بأقوال النبي على استيضاحها، فلما تفرق الصحابة في الأرض بعد الفتوح، تفرَّقت الأحاديث معهم، فاشتغل جماعة من أهل القرائح في جمعها وتدوينها، وتولَّد من ذلك بتوالي الأزمان العلوم المتعلِّقة بالحديث كشرح الحديث وناسخه وتأويله ورموزه وغرائب لغاته وتلفيقه وأحوال الرواة ونحو ذلك، وفي كل علم من هذه العلوم مؤلفات وأبحاث وعلماء.
- التفسير: والتفسير نفسه لما نضج تفرع إلى علوم عديدة ذكرها صاحب مفتاح السعادة، وهي تزيد على سبعين علمًا، ولكل منها علماء ومؤلفات وأبحاث ومناظرات، وكان للعلوم اللغوية ارتباط بالعلوم الشرعية لا يستطيع الطالب إتقان الواحدة إن لم يتقن الأخرى، حتى قال حماد بن سلمة: «إن الذي يكتب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها.»
- الفقه: ولما صار الإسلام دولة احتاج أمراؤه إلى ما يقضون به بين رعاياهم في أحوالهم الشخصية ومعاملاتهم المدنية، فكان معولهم على القرآن والحديث، فاستنبطوا منه الشريعة وأحكامها، وهو «الفقه» بفروعه المشهورة، كعلم النظر والمناظرة والجدل، والفرائض والشروط والقضاء والتشريع والفتاوي ونحوها.
-
التاريخ: ولما اشتغل المسلمون في تفسير القرآن وجمع الأحاديث احتاجوا إلى
تحقيق الأماكن والأحوال التي كتبت بها الآيات أو قيلت فيها الأحاديث،
فعمدوا إلى جمع السيرة النبوية ودوَّنوها، واضطروا لتحقيق مسائل الحديث
والفقه والنحو والأدب إلى البحث في أسانيدها، والتفريق بين ضعيفها
ومتينها، فجرَّهم ذلك إلى النظر في الرواة وتراجمهم وسائر أحوالهم،
وقسَّموا رواة كل فن إلى طبقات، فتألف من ذلك تراجم العلماء والأدباء
والفقهاء والنحاة وغيرهم مما يعبرون عنه بالطبقات كطبقات الشعراء
وطبقات المفسرين أو النحاة أو الفقهاء أو الحُفَّاظ أو النسَّابين أو
غيرهم، وكان ذلك من أهم أسس علم التاريخ، واتسع تأليفهم في هذا السبيل
حتى كثيرًا ما كانوا يؤلِّفون الكتب التاريخية، خاصة لتراجم الأعلام
الواردة في كتاب ككتاب تراجم الرجال الذين روى ابن إسحاق سيرة النبي
عنهم، وكتاب تهذيب الأسماء، فإن من أهم البواعث على تأليفه ترجمة
الأعلام الواردة في كتب مختصر المزني والمهذب والتنبيه والوسيط والوجيز
والروضة.
وزد على ذلك أن المسلمين يجدون في القرآن آيات تستحثهم على الاشتغال في التاريخ والأخبار للعبرة والموعظة كقوله: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ، وقوله: وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ، وقوله: كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.
- الجغرافية: ويقال نحو ذلك في الأسباب المساعدة على وضع علم الجغرافيا أو تقويم البلدان أو الإسراع في نضجه ونموه، كالأسفار في طلب الحديث من حمَلَته، والحج إلى مكة، والرغبة في تطبيق القواعد الفقهية كالخراج والجزية، ويفتقر ذلك إلى معرفة حال البلاد وكيفية فتحها صلحًا أو عنوة، فجرَّهم ذلك إلى تعرف البلاد ومواضعها وعلة فتوحها، ووجدوا في القرآن نصوصًا تحض على طلب هذا العلم، كقوله: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، وقوله: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ، وغير ذلك.
(٢) تأثير القرآن في آداب الجاهلية
- الخطابة: الخطابة والشعر من الفنون الأدبية الجاهلية التي زادها الإسلام رونقًا وبلاغة، والخطابة سبقت الشعر في ذلك لحاجة المسلمين إليها في الفتوح والغزوات، فمارسوها، وقد أشربت نفوسهم بأسلوب القرآن لما علمت من إقبالهم على حفظه وتدارسه، فارتقى ذوقهم الخطابي بتحدي أسلوبه واقتباس آياته، فأخذ الخطباء يرصِّعون خطبهم بالآيات تمثُّلًا وتهديدًا حتى لقد يجعلون الخطبة بجملتها مجموع آيات كما فعل مصعب بن الزبير لما قدم العراق وحرض أهله على طاعة أخيه عبد الله، وقد نشرنا خطبته في الجزء الأول من هذا الكتاب، وصار المسلمون يسمُّون الخطبة التي لم تزيَّن بشيء من القرآن «الشوهاء».
- الشعر: وقس على ذلك تأثيره في الشعر، فإنه زاده طلاوة ورونقًا، واكتسب تعابير وأساليب لم تكن له من قبل، وترى أمثلة منها في أثناء هذا الكتاب.
- الإنشاء: لم يصلنا من أساليب الإنشاء الجاهلي غير سجع الكهان، أتينا بمثال
منه في كلامنا عن الكهانة في الجاهلية في الجزء الأول، وأقوال شق
وسطيح الكاهنين الجاهليين مشهورة، وكلها باردة ركيكة يمجُّها الذوق
— ذلك ما وصل إلينا على ألسنة الرواة، على أنهم نقلوا إلينا من
أساليب الخطابة في الجاهلية ما يخالف ذلك كخطبة قس بن ساعدة في
عكاظ — والخطابة والإنشاء يتقاربان بأسلوبهما في كل زمان، ومهما
يكن من الأمر فإن الإنشاء في الإسلام تبدَّل وارتقى كما ارتقت
الخطابة، ودخل في طور جديد من البلاغة والفصاحة في عبارته على
اختلاف طرق تأديتها، وأخذ الكتَّاب يتحدون القرآن في الإيجاز
والإعجاز، ويتوخون الاختصار على قدر الإمكان عملًا بالحديث القائل:
«أوتيت جوامع الكلم، واختُصِر لي الكلام اختصارًا.» فكانوا يجمعون
المعنى الكبير في اللفظ القليل حتى تكاد ترى المعنى مجردًا من
اللفظ، وكان لتلك الرسائل تأثير الخطب في الفتح فاستعاضوا بعد زمن
الفتح ببلغاء الكتَّاب عن بلغاء الخطباء — كأن الرسالة البليغة
خطاب يتلوه المرسل إليه، وقد أتينا بأمثلة من ذلك في الجزء
الأول.
وكانوا إذا أرادوا البلاغة والتأنق في الإنشاء ضمنوا عباراتهم آيات يقتضيها المقام، فهي كالترصيع أو التطريز، ولا يزالون يفعلون ذلك إلى اليوم، ويكفي مثالًا على ارتقاء ذوق الإنشاء بالقرآن ما ظهر من بلاغة علي بن أبي طالب في خطبه ورسائله. ثم كان للإنشاء تاريخ سنأتي عليه في حينه.
- اللغة: دخل اللغة كثير من الألفاظ الإسلامية، واكتسبت كثيرًا من المعاني الإسلامية لم تكن فيها من قبل كالصلاة والزكاة والمؤمن والكافر والمسلم، وغير ذلك من الألفاظ التي اقتضاها الإسلام، وقد فصلنا ذلك في مكان آخر.
وبالجملة، فإن معظم العلوم العربية اقتضاها القرآن أو الإسلام حتى عدها بعضهم من قبيل الدين، قال أبو عمرو بن العلاء: «علم العربية هو الدين بعينه.»
وقد رأيت أن العلوم اللسانية استعجلوا في وضعها لقراءة القرآن وتفسيره، لكنها ما لبثت أن صارت عالة عليه، ترجع في تحقيق قواعدها إلى آياته، يستشهدون بها في النحو والأدب وسائر العلوم اللسانية، حتى اجتمع في كتاب سيبويه في النحو ثلاثمائة شاهد من القرآن.
واعتبر ذلك في سائر فنون الأدب أو علوم اللغة، ومنها ما تأيَّد أكثره بأساليب القرآن كالمعاني والبيان والبديع ونحوها. ويرى المسلم في القرآن أماكن يتنسَّم منها الحض على طلب العلم ورفع قدر العلماء كقوله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ.
(٣) تأثيره من الوجهة الاجتماعية
وهناك تأثير عظيم الأهمية لم يوفق لغير القرآن من الكتب الدينية في الأمم الأخرى — ذلك أنه أطال بقاء اللغة العربية الفصحى، وجعل ملايين من الناس يقرءونها ويفهمونها، وهو الذي حفظ الجامعة العربية واستبقى العنصر العربي؛ لأن الإسلام يفرض على كل مسلم أن يحفظه ويطالعه. لولا القرآن لكانت لغة العالم العربي لغات متفرقة يصعب التفاهم بين أصحابها، كما صارت إليه اللغة اللاتينية بعد ذهاب دولة الرومان فتفرق أصحابها أُممًا وطوائف، وامَّحت الدولة الرومانية والأمة الرومانية كما امَّحت سواها من الأمم التي ذهبت جنسيتها بذهاب لغتها كالسريان والأنباط في الشام والقبط في مصر — وهؤلاء إنما حفظت جامعتهم بالدين لا باللغة.
أما اللغة العربية فقد حفظها القرآن، وحفظ بها التفاهم بين الأمم الإسلامية في الشام ومصر والعراق والحجاز والمغرب وزنجبار والسودان وغيرها، ولولاه لكانت كل أمة من هؤلاء تتكلم لغة لا تفهمها صاحبتها. ومع ذهاب التمدن الإسلامي وتقهقر الدولة الإسلامية كان يخشى ضياع تلك الأمم وفناؤها، أو اندماجها في الأمم التي تسلطت عليها كما أصاب الأمم التي اندمجت بالعرب بعد الإسلام، لكنها الآن تجتمع وتتكاتف لأنها تتفاهم بلغة واحدة لغة القرآن وتعد نفسها أمة واحدة.
ناهيك بمن يقرأ العربية من غير العرب بسبب حفظ القرآن، ولو كانوا في أقصى الشرق كالهند والصين أو بأواسط آسيا تركستان وخراسان وفارس، فإن عدد قراء العربية يزيد على مائتي مليون، وقراء التوراة بلغتها الأصلية شرذمة من اليهود المتعلمين وجمهورهم يقرؤها بلغة بلاده. وقراء الأناجيل بلغتها الأصلية فئة قليلة، وأكثر أمم النصرانية يقرءونها في اللغات المترجمة إليها، أما القرآن فالمسلمون يقرءونه في اللغة العربية.
ويعدُّ من قبيل تأثيره في آداب اللغة أيضًا تأثيره في أخلاق أصحابه. ولكل كتاب من كتب الدين الرئيسية تأثير عام على أتباع ذلك الدين يظهر فيهم ولو تباعدت مواطنهم — وذلك طبيعي لما نعلمه من تأثير العادات في الأخلاق والأبدان، ولكل دين تعاليم وتقاليد وآداب تظهر آثارها في أخلاق أصحابه، فالمسيحيون يشتركون في كثير من الآداب والعادات والأخلاق يمتازون بها عن سواهم، وكذلك اليهود وغيرهم.
واعتبر ذلك في القرآن، بل هو أشد تأثيرًا في أصحابه من سواه؛ لأنهم مكلفون بحفظه قبل كل علم وهم أطفال، وهو داخل في كل شيء من أمورهم الدينية والدنيوية وأساس شرائعهم القضائية وقاعدة معاملاتهم اليومية وأحوالهم العائلية حتى الطعام واللباس والشراب والنوم والنسل، وكل شيء يمكن استنباطه منه ويوجد له مثال فيه، وهذا لا تراه في الأناجيل مثلًا؛ فإنها كتب تعليمية لمصلحة الآخرة فقط، ولا تجد فيها شرعًا أو حكومة أو أحوالًا شخصية أو نحو ذلك إلا ما يأتي عرضًا ويفتقر إلى تأويل.
ولكل كتاب من هذه الكتب شأن خاص أيضًا من حيث أخلاق القوم الذين كتب الكتاب لهم، أو بلسانهم بما يلائم أخلاقهم وعاداتهم وآدابهم، ويختلف القرآن عن سائر تلك الكتب من هذا القبيل، كما تختلف أخلاق العرب الجاهلية الذين جاء القرآن بلسانهم عن أخلاق العبرانيين الذين كتبت التوراة لهم، والأقوام الذين كتبت الأناجيل بألسنتهم.
وتأثير القرآن في أخلاق أهله ومعاملاتهم اليومية والبيتية لا يخلو من التأثير على عقولهم وقرائحهم وآرائهم، ولو بعدت عن الدين وعلومه، فالصبغة الدينية القرآنية أو الإسلامية تظهر في مؤلفات المسلمين ولو ألفوا في الفلسفة أو الطب أو الفلك أو الحساب أو غيرها من العلوم الرياضية أو الطبيعية، فضلًا عن العلوم الإسلامية الشرعية واللسانية والتاريخ والأدب.
وبالجملة فإن للقرآن تأثيرًا في آداب اللغة العربية ليس لكتاب ديني مثله في اللغات الأخرى.