الجغرافية والجغرافيون
ما زال الجغرافيون في هذا العصر يبنون كتبهم في الجغرافية على الرحلات ولم ينضج علم الجغرافيا فيه نضجًا تامًّا، ومع ذلك فإنه أبان فضل العرب في اكتشاف أماكن دخلوها وبلاد ومسالك لم يسبقهم أحد إلى وصفها على أثر الفتوح أو الأسفار التجارية في أواسط آسيا وأفريقيا وفي البحر الهندي وبحر فارس وغيرها، فاكتشفوا كثيرًا من جزائر المحيط وجزائر الأتلانتيك، وعرفوا أصقاع الأرض أكثر من سائر الأمم التي تقدمتهم، وتقسم الجغرافية في هذا العصر كما يقسم التاريخ إلى الجغرافية العامة والجغرافية الخاصة، وقبل التقدم إلى ذكر أخبار الجغرافيين من العرب نذكر اشتغالهم برسم الخرائط.
(١) الخرائط عند العرب
رسم الخرائط من الفنون القديمة، وجدوا أمثلة منها في أنقاض بابل وآشور ومصر، وهذا مثال من خريطة مصرية من زمن الفراعنة.
على أن العرب أخذوا بعد ذلك العصر في تعيين الأبعاد بين الأماكن، وأقدم من عينها منهم الشريف الإدريسي في الخريطة التي رسمها للملك روجر الثاني صاحب صقلية، وسيأتي ذكره. وهاك تراجم أصحاب الجغرافية العامة:
(٢) أصحاب الجغرافية العامة
(٢-١) أبو زيد البلخي
قد تقدَّمَ ذكره بين المؤرخين، وله في الجغرافية كتاب: صور الأقاليم: وهو أقدم كتاب جغرافي عربي موضح بالخرائط، أو هو خرائط موضحة ببعض الشروح؛ لأن المؤلف أراد تصوير الأقاليم فألَّف هذا الكتاب وسماه «صور الأقاليم الإسلامية»، فرسم الأرض وأشكالها والأقاليم الإسلامية بالخرائط الملونة على ما بلغ إليه جهد العرب في ذلك العصر، ومنه نسخة خطية كاملة بخرائطها الملونة في مكتبة برلين، وهي كثيرة الشبه بأقاليم الإصطخري الآتي ذكره؛ لأن هذا نقل عنه لكنه توسع في شرح أحوال البلاد، فنكتفي بشرح جغرافية الإصطخري.
(٢-٢) الإصطخري (في أواسط القرن الرابع للهجرة)
- (أ) كتاب الأقاليم: يشتمل على حدود الممالك وصور أقاليم الأرض ومدنها وبحارها وأنهارها والمسافات بينها مفصلًا، فيبدأ ببلاد العرب فبحر فارس وديار المغرب والأندلس ومسافاتها ومصر وأقسامها وبلادها وأرض الشام وبيت المقدس والمسافات بينها، وصفة بحر الروم وأرض الجزيرة والعراق ومسافاتها وأنهارها وخوزستان وبلاد فارس ومسافاتها وبلاد كرمان والسند وأرمينية وأذربيجان والجبال وطبرستان أو الديلم وبحر الخزر وخراسان وسجستان وأفغانستان وما وراء النهر ومسافاتها، وقد وضح ذلك كله بالخرائط، ويسميها «الصور»، وجملتها ١٩ صورة كبيرة، وقد طبع هذا الكتاب على الحجر في غوطا سنة ١٨٣٩ بعناية الدكتور مولر الألماني ومعه الخرائط المشار إليها ملونة مثل الأصل تمامًا، وفي شكل ٢ صورة تمثل العراق وشكل ٣ يمثل الشام.
- (ب)
كتاب مسالك الممالك: هو كثير الشبه بكتاب الأقاليم، لكنه خالٍ من الخرائط وفي صدره مقدمة في تأليف الكتاب وتقسيمه في بضع صفحات، ويكاد يكون باقيه نفس كتاب الأقاليم، طبع في ليدن سنة ١٨٧٠ في جملة المكتبة الجغرافية بعناية دي غويه، وقد قال المؤلف في صدره: إنه عوَّل فيه على كتاب صور الأقاليم لأبي زيد البلخي.
(٢-٣) ابن حوقل (في أواسط القرن الرابع)
هو أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي له: «كتاب المسالك والممالك»، وهو مثل مسالك الممالك للإصطخري مع زيادات قليلة، وقد طبع أيضًا في جملة المكتبة الجغرافية، وترجم إلى الإنكليزية، وطبع في لندن سنة ١٨٠٠، وترجم بعضه المختص بأفريقيا، وطبع بباريس سنة ١٨٤٢، وقسم آخر يختص ببالرم طبع في باريس سنة ١٨٤٥.
(٢-٤) المقدسي (توفي بعد سنة ٣٧٥ﻫ)
هو أبو عبد الله محمد بن البشاري المعروف بالمقدسي، ولد في بيت المقدس، وساح في أكثر بلاد الإسلام شرقًا وغربًا إلى السند والهند والأندلس، وقد عول في كثير مما كتبه على اختباره الشخصي مما شاهده بعينه، وذكر عادات الأقوام الذين وصفهم وأخلاقهم وأحوال بلادهم كما شاهدها، واستفاد أيضًا من سابقيه فألَّف سنة ٣٧٥ﻫ كتابًا سماه:
أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: وهو أفضل الجغرافيات العامة في ذلك العصر، صدره بمقدمة في تاريخ علم الجغرافية عند العرب إلى أيامه بانتقاد، ثم ذكر مزية كتابه وما قاساه في سبيل تأليفه وجمع حقائقه فقال: «وما تم لي جمعه إلا بعد جولاتي في البلدان، ودخولي أقاليم الإسلام، ولقائي العلماء، وخدمتي الملوك، ومجالستي القضاة، ودرسي على الفقهاء، واختلافي إلى الأدباء والقراء وكتبة الحديث، ومخالطة الزهاد والمتصوفين، وحضور مجالس القصاص والمذكرين، مع لزوم التجارة في كل بلد والمعاشرة مع كل أحد والتفطن في هذه الأسباب بفهم قوي حتى عرفتها، ومساحة الأقاليم بالفراسخ حتى أتقنتها، ودوراني على التخوم حتى حررتها، وتنقلي إلى الأجناد حتى عرفتها، وتفتيشي عن المذاهب حتى علمتها، وتفطني في الألسن والألوان حتى رتبتها، وتدبري في الكور حتى فصلتها، وبحثي عن الأخرجة حتى أحصيتها.» إلخ.
وقد أوضح كتابه بالخرائط الملونة بدليل قوله بعد ذكر تقسيم الكتاب إلى أقاليم: «ورسمنا حدودها وخططها وحررنا طرقها المعروفة بالحمرة، وجعلنا رمالها الذهبية بالصفرة وبحارها بالخضرة وأنهارها المعروفة بالزرقة وجبالها المشهورة بالغبرة ليقرب الوصف إلى الأفهام، ويقف عليه الخاص والعام.» لكن هذه الخرائط لا توجد في الطبعة التي بين أيدينا، وقد طبع مرتين في جملة المكتبة الجغرافية بعناية دي غويه: الأولى سنة ١٨٧٧، والثانية ١٩٠٦ مع شروح وملاحظات.
(٢-٥) هيئة أشكال الأرض
ومن كتب الجغرافية العامة في ذلك العصر كتاب اسمه: «هيئة أشكال الأرض ومقدارها في الطول والعرض»، منه نسخة في مكتبة طوب قبوسراي في الآستانة لم يذكر فيه مؤلفه، لكن في المقدمة ذكر سيف الدولة بن حمدان كأنه كتب له، وفيه عشرات من الخرائط الملونة، ومنه نسخة في جملة كتب زكي باشا منقولة عن تلك بالفوتوغراف.
(٣) الجغرافية الخاصة
لم يظهر في الجغرافيات الخاصة في هذا العصر ما يستحق الذكر إلا:
(٣-١) جغرافية بغداد لابن سرابيون
وهي جغرافية ما بين النهرين، وصف بها تلك البلاد ومسافاتها وطرقها في أوائل أيام البويهيين، ولا نعرف شيئًا عن مؤلفها، أما الكتاب فقد نقله إلى الإنكليزية المستشرق سترانج الإنكليزي، ونشره سنة ١٨٩٥ مع خرائط استخرجها من وصف المؤلف لجغرافية بغداد وضواحيها، وأضاف إليها تعاليق وشروحًا جزيلة الفائدة.
وفي مجلة المقتطف مقالة عن جغرافيي العرب لسليم شحادة من صفحة ٥٩٣ سنة ٧.