فذلكة تاريخية
انحصر العالم العربي في القرن الثامن عشر في مصر والشام وجزيرة العرب والعراق والمغرب العربي والسودان، وفيها نشأ أكثر رجال هذه النهضة، لكن تلك الشعلة المباركة بدأت بمصر والشام، وامتدت منهما إلى سائر الأطراف، فيحسن بنا أن نبيِّن كيف كانت حالهما قبيل ذلك.
(١) مصر
كانت مصر (والشام أيضًا) في حوزة الدولة العثمانية، وقد استبد الأمراء المماليك بمصر، وتنازعوا على الاستئثار بأمورها، ولم يتركوا لولاة الدولة نفوذًا فيها، وأصبح همهم استدرار أموالها لا يبالون بما يقاسيه الشعب من العذاب أو الضنك أو الفقر، ولا بما للدولة من حق السيادة عليها، فأخذوا يتنازعون على الاستقلال بها، وانتشبت الحروب بينهم، وكان أشدها بين علي بك الكبير ومحمد بك أبي الذهب، ودخل في ذلك الشيخ ظاهر العمر صاحب عكا، وأحمد باشا الجزار، وكانت روسيا في حرب مع العثمانيين، فجاءت أساطيلها إلى البحر المتوسط تستحث أمراءه على الخروج من طاعة الدولة، وتساعدهم عليها.
فلا غرو إذا اشتدَّ الضنك، وخلت البلاد من الناس، فانقضى ذلك القرن وسكان مصر أقل من ثلاثة ملايين أكثرهم من العرب المسلمين، يليهم الأقباط، ثم الأتراك وشرذمات من طوائف أخرى، والحاكم الرسمي الباشا يأتي من الأستانة فيقيم في القلعة؛ لتأييد سيادة الدولة العثمانية، فيخطب للسلطان ويضرب النقود باسمه، لكن السيادة الفعلية للمماليك، وهم أخلاط من الأتراك والشراكسة والكرج، وجميع ثروة البلاد وإداراتها في أيديهم، ولم يكن لهم عصبية؛ لأنهم لم يتوارثوا الملك إلا نادرًا، وإنما يغلب القوي. والعرب هم المسلمون المتوطنون، ومنهم جماعة العلماء والفقهاء، وفي أيديهم إدارة المعابد والتكايا، ومنهم طائفة كبيرة من أصحاب الأنساب الشريفة، وكثيرون من أرباب الثروة وذوي النفوذ أو المناصب. والأقباط يتولون الأعمال الحسابية أو الكتابية وجباية الخراج، وطوائف من الأرمن والسوريين يتعاطون التجارة، والأجانب أكثرهم من الفرنساويين والإيطاليين.
أما الحالة الاجتماعية والأدبية فإنها تابعة للأحوال السياسية، وهل يُرجَى من أمة هذا حالها غير الجهل وضعف النفوس؟ وقد زار مصر في أواخر القرن الثامن عشر فولني الفيلسوف الفرنساوي؛ فأدهشه ما رآه فيها من الجهل والفساد، وهذا قوله عنها: «الجهل عام في هذه البلاد مثل سائر تركيا، وهو يتناول كل الطبقات، ويتجلى في كل العوامل الأدبية والطبيعية وفي الفنون الجميلة، حتى الصنائع اليدوية فإنها في أبسط أحوالها، ويندر أن تجد في القاهرة من يصلح الساعة، وإذا وُجِد فهو إفرنجي. أما الصياغة فأصحابها فيها أكثر مما في أزمير وحلب، لكنهم جهلاء، وإنما يتقنون المنسوجات الحريرية، وإن كانت أقل إتقانًا من صنع أوربا وأغلى ثمنًا. أما العلم فوجود مدرسة الأزهر فيها جعلها مرجع الطلاب في الشرق الإسلامي». وسنعود إلى ذكر هذه المدرسة.
(٢) سوريا
وما قيل عن مصر يقال عن سوريا؛ لاشتراكهما في الأحوال السياسية، لكن نورًا ضئيلًا في سوريا في أواخر القرن السابع عشر على أثر قدوم الإرساليات الدينية، وإنشاء الرهبنات الكاثوليكية كالرهبنة المخلصية، والرهبنة الحناوية البلدية والحلبية، والرهبنات المارونية، ولكل من هذه الرهبنات أديار وكنائس ومدارس. وقد نبغ في القرنين الأخيرين قبل هذه النهضة طبقة من العلماء أكثرهم من رجال الإكليروس، وأكثر مؤلفاتهم في سبيل الدين مما لا يدخل في بحثنا هنا، وإنما نكتفي بالإشارة إلى الذين اشتغلوا منهم بالأدب، أو اللغة، أو التاريخ، أو نحو ذلك من أبواب هذا الكتاب.
(٣) مدينة حلب في القرنين السابع عشر والثامن عشر
- (١) البطريرك مكاريوس الحلبي الأرثوذكسي: نبغ في أواسط القرن السابع عشر.
هو البطريرك الإنطاكي لطائفة الروم الأرثوذكس، وقد اشتهر برحلة إلى القسطنطينية، وبلڠاريا، وروسيا سنة ١٦٥٢ كُتِبت بالعربية، ثم تُرجِمت إلى الإنكليزية والروسية، ورافقه في هذه الرحلة الأرشيدياكون بولس الحلبي ابنه الطبيعي قبل الكهنوت، ودونها في العربية، وهي رحلة نادرة المثال في ذلك العهد، يقول الأرشيدياكون في مقدمتها: «إن البطريرك لم يسافر للنزهة أو الزيارة، ولكنه اضطر للسعي في جمع ما يفي الدين الذي أثقل أبرشيته، فشخص إلى الأناطول، والروملي، ومقدونيا، وموسكو، وغيرها» — بدأ من حلب فإنطاكية، فقونية، فبروسة، فالأستانة، ووصف هذه العاصمة كما كانت في أواسط القرن السابع عشر وصفًا دقيقًا، ورحل منها إلى البحر الأسود وبلغاريا وملدافيا، ووصف هذه المقاطعة وصفًا مطولًا بما فيها من المدن سياسيًّا ودينيًّا، ومنها إلى موسكو، وذكر أصل القياصرة، وأحوال سيبيريا، وعلاقة التتر بالروس سياسيًّا وتاريخيًّا؛ ولذلك فالرحلة جزيلة الأهمية فريدة في بابها.
ولم يُطبَع هذا الكتاب في أصله العربي، لكنه طُبِع باللغة الإنكليزية، وقد نقله إليها بلفور المستشرق الإنكليزي، وطُبِع في لندن سنة ١٨٣٤ في مجلدين كبيرين، وقد ذكر المترجم ما قاساه من سقم الأصل العربي. وتُرجِمت هذه الرحلة إلى الروسية أيضًا، ولا ندري هل من هذا الكتاب نسخة عربية في إحدى المكاتب؛ فإنها جديرة بالنشر. وللبطريرك مكاريوس المذكور مؤلفات أخرى كنائسية لا يهمنا ذكرها — وإنما نذكر له من المؤلفات التاريخية:- (أ)
أخبار المجامع السبعة الكبرى، وهو يشتمل على تاريخ تلك المجامع وأعمالها.
- (ب)
أخبار بطاركة الدنيا على الكراسي الأربعة: القسطنطيني، والإسكندري، والإنطاكي، والأورشليمي، من زمن الرسل إلى أيامه.
- (جـ)
التاريخ الرومي العجيب من عهد آدم إلى أيام قسطنطين السعيد.
- (د)
كتاب النحلة معرَّب عن اليونانية.
وهذه الكتب وسائر مؤلفاته مشتتة في الأديار.
- (أ)
- (٢) المطران جرمانوس فرحات الماروني: وُلِد سنة ١٦٧٠ / ١٠٨١ﻫ، وتُوفِّي ١٧٣٢ / ١١٤٥ﻫ.وُلِد في حلب، وتلقَّى العلم على أدباء عصره المسيحيين والمسلمين، وأتقن اللغات العربية والسريانية واللاتينية والإيطالية، ودرس العلوم التي كانت رائجة في أيامه هناك، كالمنطق والفلسفة والخطابة والتاريخ واللاهوت الأدبي وغيرها، وترهَّب سنة ١٦٩٣ ومعه خمسة عشر شابًّا على يد البطريرك الدويهي، وأذن لهم بالإقامة في دير القديسة مورا في أهدن، وتقلبت عليه أحوال شتى ليس من شأننا الإفاضة فيها.وسافر إلى أوربا فزار إيطاليا وإسبانيا وصقلية وغيرها، وبحث عن بعض الكتب النادرة، ورحل إلى بلاد أخرى وهو يزداد بالرحلة اختبارًا ومعرفة وشهرة، فانتُخِب سنة ١٧٢٥ أسقفًا على حلب، وخدم الآداب بجمع مكتبة نفيسة سيأتي ذكرها بين المكاتب، واشتغل بالتأليف حتى وافاه الأجل سنة ١٧٣٢، وقد أربت مؤلفاته وترجماته وتصحيحاته على مائة كتاب أكثرها دينية، بينها عدة كتب لغوية وأدبية وتاريخية، أهمها:
- (أ)
أحكام باب الإعراب عن لغة الإعراب: هو معجم لغوي طُبِع في مرسيليا سنة ١٨٤٩ بعناية الكونت رشيد الدحداح الآتي ذكره، وقد صدره الكونت رشيد بمقدمة استدرك فيها أشياء فاتت المؤلف، وانتقد قاموس الفيروزابادي، وأتى على نحو ٢٠٠ كلمة عربية تداولها أهل اللغة، وفات صاحب القاموس ذكرها. وقد بذل الدحداح قصارى جهده في إتقان طبع معجم فرحات، وضبط أكثر ألفاظه بالشكل الكامل، وهو مرتَّب ترتيب قاموس الفيروزابادي حسب أواخر الكلم، وبلغت صفحاته ٧٥٠ صفحة كبيرة.
- (ب)
ديوان شعر: طُبِع في بيروت مرارًا.
- (جـ)
بحث المطالب: في الصرف والنحو طُبِع مرارًا.
- (د)
بلوغ الأرب: مطول في الأدب، منه نسخة في مكتبة الآباء اليسوعيين في بيروت، وفي المكتبة البلدية بالإسكندرية، وله كتب أخرى في القوافي واللغة.
- (هـ)
تاريخ الرهبنة المارونية، وسلسلة البابوات لم نقف عليها.
- (و) ترجم الإنجيل من السريانية إلى العربية، وله تصحيحات وترجمات عديدة.١
- (أ)
- (٣) الشماس عبد الله زاخر الكاثوليكي: وُلِد في آخر القرن ١٧ وتوفي سنة ١٧٤٨ / ١١٦٢ﻫ.
وُلِد في حلب في أواخر القرن السابع عشر، وانتقل إلى لبنان سنة ١٧٢٢، وله فضل خاص على آداب اللغة العربية؛ لأنه من مؤسسي المطابع العربية في سوريا، وهو مؤسس مطبعة الشوير بلبنان، وخلف عدة مؤلفات دينية جدلية لا فائدة من ذكرها.
- (٤) الخوري نقولا الصائغ: توفي سنة ١٧٥٦ / ١١٧٠ﻫ، وهو من الرهبنة المخلصية، كان شاعرًا وله ديوان طُبِع مرارًا في بيروت.
- (٥) الخوري سابا الكاتب: المتوفى سنة ١٨٢٧، أصله من حمص من طائفة الروم الأرثوذكس، وانحاز إلى الكثلكة، وتفقه في علوم عصره العقلية والرياضية والطبيعية، وله مؤلفات كثيرة دينية، وبعضها رياضية.
- (٦) المطران غريغوريوس عطا: صاحب مكتبة تُعرَف باسمه في بيروت.
- (٧) الخوري أنطون الصباغ.
- (٨) الخوري روفائيل راهبة.
- (٩) الخوري عمانويل الشماع.
- (١٠) الخوري يواكيم المطران.
- (١١) الأسقف جرمانوس آدم.
وغيرهم من رجال الإكليروس، وأكثر ما ألَّفوه دينيٌّ.
عود إلى سوريا قبيل هذه النهضة
على أن هذا وغيره من نوعه لم يكن كافيًا لإضاءة ذلك الجو المظلم؛ ولذلك لما زار فولني سوريا في أواخر القرن الثامن عشر، قال في وصفها: «إن الجهل سائد في سوريا كما في مصر وسائر تركيا، وقد انتقد بعضهم هذه الحالة عبثًا، ولم يأتِ الكلام عن إنشاء الكليات ونشر التعليم والتهذيب بثمر؛ لأن هذه الألفاظ لها عندهم معانٍ غير ما نفهمه نحن منها. انقضى عصر الخلفاء، وليس من العرب أو الترك الآن علماء في الرياضيات أو الفلك أو الموسيقى أو الطب، ويندر فيهم من يحسن الفصادة، وإذا احتاجوا إلى الكي استخدموا له النار، وإذا عثروا بمتطبب إفرنجي عدُّوه من آلهة الطب، وأما علم النجوم فقد صار عندهم للنجامة واستطلاع الطوالع. وفي دير مار يوحنا (بالشوير) طائفة من الرهبان لهم اتصال برومية، ولا يقلون جهلًا عن سواهم، وإذا قيل لهم إن الأرض تدور عدُّوا قوله كفرًا؛ لأنه يخالف الكتاب المقدس …»
تلك كانت حال الشرق لما أقبل القرن التاسع عشر، وقبل دخوله بسنتين طرأ على الشرق طارئ تاريخي هام اهتزت له أعصابه، وكان له تأثير شديد في نهضته — نعني دخول الفرنساويين مصر.
(٤) الفرنساويون في مصر من سنة ١٧٩٨ / ١٢١٣ﻫ – ١٨٠١ / ١٢١٦ﻫ
حمل بونابرت على مصر في أواخر القرن الثامن عشر وهذه حالها، فأقام جنده فيها ثلاث سنوات لم يهدأ في أثنائها بالُهم، ولم تستقر أقدامهم، والحرب قائمة بينهم وبين المصريين أو العثمانيين، لكن ذلك النابغة العظيم أتى مع حملته بحملة علمية فيها طائفة من العلماء والصناع، اغتنموا الفراغ من القلاقل، وأخذوا في تأسيس المعاهد العلمية، ونشر أسباب المدنية الإفرنجية، فأنشئوا في القاهرة مدرستين لتعليم أبناء الفرنساويين المولودين بمصر، وجريدتين فرنساويتين هما: «دكاد إجبسيان»، و«كوريه ديجيبت»، ومرسحًا للتمثيل، ومجتمعًا علميًّا مصريًّا — وسنعود إلى ذلك في أماكن أخرى.
وكان في مكتبتهم هذه كتب كثيرة عربية، وأفردوا للاشتغال بكل علم دارًا، ولا سيما الكيمياء، فإنهم خصصوا معملًا كبيرًا للتقطير والتصعيد، واصطناع الخلاصات، وسائر الأعمال العقارية، وكانوا يجرون أمام الأهالي بعض التجارب الكيماوية التي تدهش غير العارفين بنواميس الكيمياء. هذا مثال مما أراد بونابرت إدخاله من أسباب المدنية، لكنه ذهب بذهاب الفرنساويين من مصر سنة ١٨٠١.
وبذل الفرنساويون جهدهم في تقريب المصريين، وترغيبهم في أسباب مدنيتهم، فكانوا يدعونهم إلى غرفة المطالعة، ويطلعونهم على ما فيها من الكتب النادرة، والتصاوير المختلفة، وقد ذكر الجبرتي ما شاهده بنفسه من الصور الفلكية وغيرها، وفصَّل ما أدخله الفرنساويون من الأدوات العلمية، ولا سيما المواد الكيماوية، وما أدهشه من ظواهرها.
وأتى الفرنساويون معهم بمطبعة عربية كانوا يطبعون فيها منشوراتهم وأوامرهم، وهي أول مطبعة عربية دخلت هذا القطر، وتولى إدارتها المستشرق مارسل.
(٥) الدولة المحمدية العلوية من سنة ١٨٠٥ / ١٢١٦ﻫ ولا تزال
وقد أخذ من أوائل ولايته باقتباس أسباب المدنية الحديثة لتنظيم الجند، وتخريج الأطباء، ورجال الإدارة والصناعة والكتابة، ونشر العلم والأدب بإنشاء المدارس المختلفة، وإحياء الآداب العربية بنشر الكتب أو ترجمتها أو تأليفها، وإرسال الإرساليات إلى أوربا، وقد استعان في ذلك برجال من الفرنساويين، وبعض الأتراك. ولما صارت الولاية إلى حفيده عباس الأول، ثم ابنه سعيد، توقفت أكثر تلك الأعمال، ثم جاء إسماعيل فعمل على إتمام ما كان جده محمد علي قد شرع فيه من أسباب هذه المدنية؛ فكثرت في أيامه المدارس والمطابع والجرائد وغيرها، وتكاثر تقاطر الأجانب في عهده حتى قال عن مملكته: «إنها قطعة من أوربا رغم كونها في إفريقيا». وكان له مثل مطمع جده من حيث الاستقلال فلم يُوفَّق إليه، وإنما نال حقوق الخديوية بأن ينحصر المُلْك في أبنائه، ولما استقر على هذه الحال بذل الجهد في نشر العلم، ولذلك تاريخ سنأتي عليه مفصَّلًا في أماكنه.
(٦) سوريا
أما سوريا، فقد تقلب عليها في أثناء ذلك من حيث السياسة أحوال شتى، كانت في أوائل القرن التاسع عشر فريسة للولاة المستبدين كالجزار وعبد الله باشا، أو الأمراء الطامعين في لبنان وغيرها، حتى حمل عليها إبراهيم باشا سنة ١٨٣٢، وأعانه الأمير بشير الشهابي على ذلك ففتحها، وطلب ما بعدها فأوقفته الدول هناك كما تقدم، فظلت سوريا تابعة لمصر تسع سنين، ثم رجعت إلى سيادة الدولة، وانسحبت الجنود المصرية، وتوالت القلاقل عليها لفساد الأحكام واضطراب الأحوال؛ فآل ذلك إلى مذابح عديدة آخرها مذبحة سنة ١٨٦٠ في سوريا ولبنان، فهجر اللبنانيون أوطانهم، ونزل جماعة منهم إلى بيروت وغيرها، وتوسطت الدول فوضعت نظام لبنان، ولم يكن ذلك كافيًا لاستتباب الأمن، فعمد أهله إلى المهاجَرة، وكانوا قد أخذوا بها من زمن الفرنساويين؛ لأن مجيئهم إلى الشرق حرَّك الهمم، ودل القوم على ما هم فيه من الذل والضيق، فأخذوا بالنزوح إلى أوربا ومصر والأستانة وغيرها، وزادت المهاجَرة بتوالي الإحَن، وأصبحت وجهتها في الثلث الأخير من القرن الماضي العالمَ الجديد في أميركا، ثم مصر، ولا سيما بعد الاحتلال الإنكليزي، وتمكُّن الفساد من الحكومة العثمانية، وكان أكثر المهاجرين من المسيحيين لسهولة اختلاطهم بالأجانب.
ونزوح اللبنانيين وغيرهم من أنحاء سوريا إلى بيروت على أثر حوادث سنة ١٨٦٠ أحدث حركة اجتماعية فيها، وزاد قدوم الأجانب إليها للتجارة والتبشير في ظل الامتيازات الأجنبية، فتكاثروا بعد ذلك، وأنشئوا المدارس على اختلاف أغراضها كما سيجيء.
- (١)
افتتاح أبواب التجارة، وتقاطر الأجانب إلى بيروت.
- (٢)
انتشار مطبوعات بولاق والأستانة، ومطابع الآداب الشرقية بأوربا.
- (٣)
نبوغ طائفة من رجال الدولة العثمانية بالعلم والأدب، وأكثرهم تثقَّفوا في أوربا وأحرزوا المناصب الرفيعة، فكانوا يشدون أزر المشروعات الأدبية، وسيأتي ذكر بعضهم بين أعضاء الجمعية السورية.
- (٤)
إنشاء المدارس على الطراز الحديث.
أما سائر العالم العربي، فالمغرب كانت الحروب فيه متواصلة بين الفرنساويين والعرب، ولا سيما الأمير عبد القادر الجزائري، وآلت الحروب إلى دخول الجزائر وتونس في حوزة الفرنساويين، وضعف العنصر العربي هناك، ولم يكن حظ سائر العالم العربي أحسن من ذلك، إلا مصر والشام فإنهما كانتا مبعث نور العرفان والمدنية إلى سائر تلك البلاد. هذه لمحة من تاريخ القرن الماضي من الوجهة السياسية، وعلاقاتها بالأحوال الأدبية والعلمية تمهيدًا لما يأتي.