العلوم الاقتصادية في النهضة الأخيرة
عددنا هذه العلوم من الفنون الدخيلة على اللغة العربية في هذا العصر؛ لأننا نقلناها عنهم من جملة ما نقلناه من أسباب هذه المدنية، ليس لأن اللغة العربية كانت خلوًّا منها، فقد رأيتَ في تضاعيف الجزء الثالث من هذا الكتاب أن العرب كان عندهم منها شيء كثير، لكن على أسلوب آخر — وفي مقدمة ابن خلدون أمثلة من أكثر هذه العلوم.
لكن ما نقلناه من هذه العلوم أخذناه كما وضعه الإفرنج، وهم قد بوَّبوه ورتَّبوه، وتوسعوا فيه ومحصوه، ولم نقدم على نقل هذه العلوم إلا بعد أن نضج ما نقلناه من العلوم الطبيعية والرياضية والقضائية؛ لأن هذه العلوم كانت تمس حاجاتنا المادية، وكنا ننظر إلى العلوم الاجتماعية والاقتصادية نظرنا إلى العلوم الكمالية، ثم رأيناها ضرورية لرقي هيئتنا الاجتماعية ومصالحنا الاقتصادية، فعمدنا إلى نقلها أو تلخيصها.
ثم أخذوا ينقلون العلوم الاجتماعية الأخرى، وبدءوا بنشر ذلك في المجلات والجرائد، ثم أخذوا ينقلونها في الكتب ترجمة أو تلخيصًا، ويندر من وضع في ذلك تأليفًا من عند نفسه بناه على درسه وملاحظاته، فنتقدم للكلام في تاريخ نقل هذه العلوم، وأهم ما نُقِل منها.
الاقتصاد السياسي
أقدم ما بلغنا خبره من الكتب التي صدرت في هذا الموضوع بالعربية كتاب الاقتصاد السياسي، أو فن تدبير المنزل لخليل غانم، طُبِع في الإسكندرية سنة ١٨٧٩، وهو مقالات كانت قد نُشِرت في جريدة مصر، وطُبِعت على حدة، ثم ظهر كتاب «أصول الاقتصاد السياسي» لرفلة جرجس، طُبِع بمصر سنة ١٨٨٩، اقتطفه من كتب إفرنجية، وبسط عبارته وسهل مأخذه، ثم ظهر كتاب «الاقتصاد السياسي» لجيفونس معرَّبًا على يد جمعية التعريب المتقدم ذكرها سنة ١٨٩٥، وتكاثر اشتغال الكُتَّاب في نقل هذا الموضوع في أوائل هذا القرن، فظهرت عدة كتب هامة أشهرها:
مبادئ الاقتصاد السياسي، تأليف محمد حسين فهمي وكيل النيابة العمومية، صدر منه جزآن.
الموجز في علم الاقتصاد، لبول لروا بوليه، نقلها إلى العربية حافظ إبراهيم، وخليل مطران في خمسة أجزاء بأمر حشمت باشا ناظر المعارف السابق سنة ١٩١٣.
حياة البلاد في علم الاقتصاد، لرفيق رزق سلوم، طُبِع في حمص سنة ١٩١٢.