في طريق ابن الإنسان
شارون وعبد الرحمن وشيكيري توتو كُوه أصبحوا لدى السُّلطات بما يُعْرف بمثلث الرُّعب، أو الثُّلاثي الذي لا يُقْهر، وذاعت شهرتهم عندما قاموا بتحرير قرية ضُلاية مسقط رأس شارون نفسه، من قوات الحكومة والجنجويد الذين كانوا يحتفظون بالسكان كرقيق ويستبيحونهم، وأظن أن الرواية سردت ذلك فيما قبل.
وهم أيضًا الذين اعترضوا الطريق — فيما بعد؛ أي بعد شهرين من خروج مريم المجدلية من المعسكر وانضمامها لمسيح دارفور، وشهر كامل منذ أن طردوا الجنجويد والحكومة من ضُلاية — أمام المتحرك العسكري الضخم المعروف بمسك الختام، تحت قيادة القائد الجنجويدي الأمي العنيف جدًّا المُلقب بأبي دجانة، وكان أولى بهم أن يدعوه هولاكو. ولقد قلنا فيما قبل إنه لا يعرف ماذا يعني أبو دجانة هذا اللقب الغريب، فاسمه الحقيقي بسيط جدًّا وواضح وهو يحبه، جِربيقَا جُلباق. كان أبو دجانة أو جربيقا جُلباق يقود جيشه العرمرم نحو جبل أم كردوس شرق نيالا، ولأنه يريد أن ينسب إليه النصر كله، فإنه وضع الجيش النظامي في المؤخرة، أما قوات «أم بَاخَة» النهمة للغنائم فقد اعتذر قائدها لأسباب معروفة، وهي أن هذا النبي الكاذب ليس لديه ما يُنهب أو يُتخذ غنيمة أو يُسبى، وأنهم لا يستفيدون شيئًا من المؤمنين أو الكافرين به، ولا تُوجد سُوق نخاسة ليبيعوهم فيها؛ بالتالي سوف لا يشاركون في هذه المعركة بالذات: قد نُسَاهِم معكم في معركة أخرى، هم لا يخجلون في إعلان أنهم قوات غنائم لا أكثر.
يعلم شارون أن هذه المعركة سوف لا تكون نزهة قصيرة كما هو شأن المعارك الأخرى التي خاضها وأصدقاؤه، ولكنه أيضًا لم يُخْفِ فرحته بها؛ لأن ٨٠٪ من الجنجويد سوف يشتركون في تلك المعركة، وإنهم يعتبرونها نزهة؛ بالتالي قد لا يكونون في تمام الاستعداد لمعركة طاحنة ضد محاربين ماكرين مثله؛ فهم متحمسون للقضاء على النبي وأعوانه بذبحهم على صلبانهم، وليس بإطلاق النار عليهم، فلقد عرفوا أنهم لا يستخدمون السلاح ولا يقتلون ولا يدافعون عن أنفسهم بأية طريقة كانت، إنهم قد يطلقون كلمات لا تفيد في شيء، مجرد غوغاء من الدراويش والمجانين الذين يظنون أنفسهم أربابًا أو أنبياء أو أية قوة أخرى: اقضوا عليهم وستصير البلاد كلها لكم.
ولم يعرف قائد الجنجويد الجُلباق، أن حكومته قد أرسلت قوة للقضاء على هذا الرجل، ولكنها ألقت أسلحتها جانبًا وآمنت به على بكرة أبيها؛ فهو لا يقرأ جرائد، ولم يسمع بالمواقع الإلكترونية، ولم يستمع إلى الراديو لأن لغة الراديو لا يفهم منها شيئًا، ليس له أصدقاء من غير جماعته الذين هم مثله في كل شيء، ولا يتطوع المواطنون الذين يكرهونه على إخباره بشيء، وإن السُّلطات التي تستخدمه تتعامل معه كروبوت لا أكثر، والروبوت لا يحتاج لثقافة إنسانية، قليلًا من المعلومات وكثيرًا من السلاح الفتَّاك، وبعض الآلات البشرية ذات الأهداف المتعددة التي تلقى في ركن ما من المصالح الكبيرة تكفي، وهي تعلم أن روبوتها له ميول جنسية وأنه شبق، وأنه يحب الأرض الخصبة المعشوشبة، كوادي بُلبُل مثلًا، تحتاجها إبله المقدسة، وقد وعده الخرطوميون بالأرض ومن عليها من نساء وماء وعشب وحيوان.
جربيقا العنيف كان سعيدًا وهو يقود معركته الأخيرة؛ ومن ثم قد يُتوَّج ملكًا على هذه الأرض، وبإمكانه بعد ذلك أن يأتي بنسائه وأطفاله من موطنه الذي ضاق بهم وطردهم المجتمع الإنساني منه، لولا أن آواهم القادة السودانيون الطيبون، لأصبحوا أثرًا بعد عين، أو على حسب تعبيره: أم سَقُونَا التُّراب.
شارون ومساعداه نصبوا كمينًا جيدًا على تخوم جبل أم كردوس قضى على قوة جُلباق قضاءً مبرمًا، وراح ضحيته جلباق نفسه، كمينٌ قال عنه شيكيري توتو كوه، وهو يضحك مقلدًا شارون: سيحكون عنه كثيرًا في الجحيم لإخوانهم.
قال الرجل للمؤمنين به: الكلمة كما تُحيي تُميت.
وقال لهم أيضًا: نحن دُعاة حياة ولسنا دعاة حرب واقتتال.
وقال لهم: القاتل مقتول.
وقال لهم: السلام يبدأ من القلب، والشرُّ أيضًا يبدأ من القلب، وكذا الحب والكراهية. أما الموت فهو صناعة تنشئها لنفسك عندما تنشئها للآخرين، فلا تُخِفْكم آلة الموت، فإنها معدة لصانعها، ولا تخشوا رسل الظلام، فإنهم يمضون إلى قبورهم ذاتها، والطريقُ إلى ابن الإنسان تمهده الحملان والذئاب معًا.
وقال لهم: كل له دوره، وسيقوم به على أكمل وجه، حتى إن لم يشأ ذلك.
وقال لهم: الحرب الآن انتهت، وقبل إسدال الستار على الذين كانوا يمثلون ضحايا أن يستيقظوا من موتهم وعاهاتهم وآهاتهم ويحيوا الجمهور، والذين كانوا يقومون بدور المنتهِكين والأشرار أن ينتزعوا أقنعتهم المُرعبة، وينحنوا في إجلال، ويبتسموا. لقد انتهت المسرحية الآن، وعلى الجميع أن يعودوا ليمارسوا أدوارهم الخيِّرة في الحياة كما كانوا …
وقال لهم: الموكب الموكب.
وهو يعني المهرجان. لقد ذكره لاحقًا بالاسم، وطلب منهم أن يستعدوا له، يفعل ذلك مرارًا وتكرارًا: سيسلمنا الطريقُ إلى الجمال، قال لنا.