جنون الجسد
العمة خريفية، امرأة سمينة، وليس ببيتها أشجار، يتكوَّن منزلها من حجرتين مبنيَّتين من الطوب الأحمر، وحولهما برندة متسعة، وقُطِيةٌ جميلة منفصلة تقع على الجهة الجنوبية من المنزل، ربما كانت تُستخدم للضيوف في الماضي، وهي الآن تخص ابنتها، تحيط بالمنزل أشجار المانجو العملاقة، يقع البيتُ على تخوم وادي برلي العظيم. على الرغم من أن هذا الوادي هو المكان الوحيد للحُب في نيالا، إلا أن العمة خريفية ليس لديها أي أطفال نتيجة علاقة حب أو عاطفة ما. لديها بنت واحدة كانت مشردة فآوتها، ثم اعتادت عليها ثم تبنَّتها، ثم أصبحت بنتها وهي البنت الوحيدة في نيالا — وربما في السودان — تحمل اسم عبد الرحمن، على الأقل هذا هو الاسم الذي عُرِفَتْ به وهم يلتقطونها من لظى المذبحة، حيث إنَّ موظفي الإغاثة وجدوها حيَّة تحت جثتين متحللتين، وعندما سألها أحدهم عن اسمها، قالت: عبد الرحمن.
كانت عبد الرحمن هي أول من استقبل شيكيري، وقادته إلى الراكوبة، وطلبت منه أن ينتظر هنالك إلى أن تعود العمة من سُوق الجمعة، سقته ماءً، جلبت له إفطارًا، أعطته شبشبًا خفيفًا طلبت منه أن يحرر رجليه من البوت، ثم أخذت تحكي له عن عمتها خريفية، وأبدت له رغبة واضحة ومباشرة في أنها ترغب في أن تكون جنديًّا. يُقدر عمرها بعشرين عامًا؛ أي إنها قد تصغره بأكثر من سبعة عشر عامًا، كانت رقيقة جدًّا وناعمة، وبها أنوثة طاغية وملفتة، على الرغم من آثار التقرحات القديمة البادية على ساقيها المنحسر عنهما ثوبها القصير، وأثَّر الجرح العميق في خدها الأيسر، ذلك التشوه الذي أصبح أثرًا جماليًّا رهيبًا، قالت له عندما شاهدته يحملق فيه: إنها سقطت من على ظهر فرس، كان لأسرتها في قرية خربتي أفراس وخيول كثيرة، وهي تمتطي الخيل منذ سن مبكرة جدًّا، وهي أحب الحيوانات لديها، وحدثته عن خيل جارهم صاحب جنينة المانجو، هنا في الجوار، الحديقة الملاصقة لبيتنا، الذي يقيم وحده بعد أن قُتِلَ أبناؤه في الحرب، وكيف أنه يسمح لها بامتطاء الخيل واللهو بها في وادي برلي، وقالت له إنها ستأخذه لحظيرة خيله إذا بقي معهما في المنزل طويلًا: هل تسمع صهيلها؟
استطاع أن يخمن من أي القبائل هي بسهولة ويسر، الأهم من ذلك، وهو الشيء الذي يحدث أول مرة لشيكيري توتو كوه في حياته، أنَّ هذه العبد الرحمن يتشهَّى أن يمارس معها الجنس، الآن وقبل أن تأتي عمتها خريفية، ربما للحرمان الذي عايشه بعيدًا عن النساء طوال هذا العام الذي قضاه في ميادين الموت والحرب، ربما لرغبة جنسية عارمة أثارتها فيه أنوثتها، ربما لسبب عصي لا يدريه، ولكنها على أية حال تحرك الآن فيران رغباته، بل يُحسُّ بالمَني يتجمع في رأس شيئه ويفتعل حرقانًا لذيذًا، ولكنه مُلِحٌّ ومربك. اعتذرت بشدة على أنه ليس بالبيت جلباب رجالي يلبسه؛ لأن ليس بالبيت رجل، آخر أزواج العمة خريفية طلَّقها قبل عشرين عامًا، وليس هنالك سببٌ يجعله يزور البيت مرة أخرى، وليس هنالك رجلٌ تدعه خريفية يدخل بيتها؛ لأن العمة تظن أن الرجل لا يمكن أن يتقرب إليها وهي في هذا العمر، إلا لشيئين؛ إما أنه يرغب في غواية بنتها عبد الرحمن، أو أنه يريد الاستيلاء على مالها، وهو كما تؤكد عبد الرحمن: مالٌ كثيرٌ مثل التراب.
أخذ البوت ووضعه في الخارج، أحسَّ أن رائحته قد لا تطاق، هو لا يستطيع أن يشمها، لقد اعتاد عليها. كانت تغيب عنه لبعض الوقت، تقضي أغراضًا ثم تعود لتحدثه عن عمتها خريفية التي تظن أن كل ما تفعله غريبٌ ومدهش، بدءًا من علاقاتها بالناس، حتى طريقتها في شرب القهوة، طلبت منه أن يتكئ قليلًا ويرتاح، لا بد أنهم يرهقونه كثيرًا في الخدمة، في الحق كان مرهقًا، ولكن ما أصابه من شبق عارض كان أقوى من النُّعاس، بعد إحدى غيباتها، أخبرته بأن الحمام جاهز، وبإمكانه أن يستحمَّ إذا أراد، الحمام عبارة عن صريف من القش والقنا، له ما يمكن أن يُطلق عليه مجازًا باب من الصفيح، على ركن المنزل الجنوبي، تظله أفرع شجرة مانجو عملاقة، ظَنَّ أن العمة خريفية وابنتها عبد الرحمن لا تحبان المانجو أو أنهما قد شبعتا منه أو ملتا أكله؛ لأن الفروع التي تظلل الحمام تحتوي على ثمار مانجو ناضجة وشهية كثيرة مهملة، إلا أنه عرف فيما بعد أنهما لا تأكلان تلك الثمار؛ لأنها ليست ملكًا لهما، ما لم يأذن لهما صاحب الجنينة بذلك.
جلس على بنبر من الحديد الصلب منسوجًا بحبال البلاستيك، وضِع لغرض الاستحمام، كان الماء كثيرًا في سطل كبير، ونقيًّا؛ لأنه يستطيع أن يشاهد أسد الملك تنبل بيه الأحمر المرسوم في بطن سطل الطلس العملاق. تخلص من ملابسه سريعًا، وبدلًا من أن يصبَّ الماء على رأسه، أرغى الصابون ومسح به شيئه المُنْتَعِظ، مسَّه برفق، ثم أخذت كفه تمر عليه طلوعًا ونزولًا، وفي ذهنه تلك الندبة العميقة في وجه عبد الرحمن، عندها سمع عبد الرحمن تطلب منه ألا يفعل، عليه أن يستحم سريعًا فحسب، كانت تقف خلف باب الحمام الموارب، ونصف وجهها داخل الحمام، عيناها تبحلقان في الشيء، صهيل الخيل الآتي من خلف الصريف يطربها، ويمثل لها موسيقى تستمتع بها دائمًا عندما تكون بهذا الحمام.
كانت العمة خريفية تعمل في سُوق النسوان تبيع البهارات والويكة قرب الجزارة، تعود مع مؤذن الجمعة، حيث يُغْلق السُّوقُ إجباريًّا، وهي لا ترغب في أن تُجلَد أربعين جلدة، وأيضًا لا ترغب في أداء صلاة الجمعة ولا غيرها من الصلوات؛ لذا تحمل ما تبقَّى من سلع لم تُبع وتأتي للبيت، بعد أن تشتري حاجيات الغداء والعشاء، بعض الحلوى واللبان لعبد الرحمن. وقد اعتادت أن تشتري لها ذات الحلوى واللبان منذ خمس سنوات؛ أي مُنذ أن كانت عبد الرحمن في السادسة عشرة من عمرها، وهو العمر الذي أخذتها فيه من السوق، حيث إن عبد الرحمن قد هربت من مُعسكر كلمة للنازحين، وفضَّلت عليه التشرد التام في سُوق نيالا، كانت تعمل مراسلة للنساء اللائي يبعن الشاي، تغسل لهن الأكواب، تناول الشاي للشاربين، وتقوم بتنفيذ المراسيل القصيرة، استقطبتها خريفية لتساعدها في سحن الويكة وتقشير الفول السوداني، ثم مؤانستها في المنزل، عبد الرحمن تدين لخريفية بكل شيء جميل في حياتها.
عندما سمع الأذان انتفض، أبقته على جانبها برفق، كانت في شبه إغماءة، وهي تلصق جسدها العاري بجسده، ذكَّرها بأن العمة تتحرك الآن من السوق كما قالت له من قبل، وأنها قد تجدهما في وضع حرج، ولا يريد أن تراه عمته لأول مرة وهو في علاقة جنسية غير شرعية مع من تعتبرها ابنتها، منتهكًا حرمة بيتها. لكنها، كما لو لم تستمع إليه مطلقًا أبقته بجانبها، ضمَّته إليها بشدة، عبثت بأناملها فيما بين فخذيه، وللمرة الثالثة دخلا في مجاسدة ساخنة ومجنونة، استسلما لها كلية. لقد افتقد شيكيري النساء كثيرًا، يمتلك الآن رغبة طازجة لأجلها وشهية لا تحدها حدود. أما هي فلم تمارس الجنس برغبتها الكاملة إلا اليوم. عندما سمعا كركبة باب الشارع، انتفض فزعًا مرة أخرى. ولكنها بحركة من يديها طلبت منه أن يبقى كما هو وحيث هو. ارتدت ملابسها برفق، استعدلت خصلات شعرها، ببعض ثوبٍ جفَّفَت ما بين نهديها، مسحت وجهها بكفها ومضت للقاء العمة خريفية، التي بادرتها بسؤال مُلح عن مكان شيكيري توتو كوه ابن أخيها، ولماذا لم تره، قالت لها: إنه جاء مرهقًا وهو الآن ينام في غرفتها. كان شيكيري يسمع كل ذلك، ولكنه لم يتوقع قط أن تهاجمه العمة خريفية في القُطية وهو في لباسه الداخلي فقط، كانت تضمه إليها وهي تضحك وتبكي في آن واحد، لقد افترقا مع والده منذ أكثر من أربعين عامًا، وكانت ترى فيه صورة والده وتشم فيه رائحته، ولكنها مخلوطة برائحة عرق تعرفه تمامًا، وعبق سائل شهير لا يَخفى عليها أبدًا، قالت له مُندهشة وهي تحملق في حافظة صدر (ستيانة) عبد الرحمن المسجاة في السرير: ود البُقُس، أنت عرستِ عبد الرحمن؟
قال لها دون تردد وهو يحاول أن يُخفي ما تعرَّى من جسده: نعم، عرستها يا أمي.
قالت وهي تخاطب عبد الرحمن التي تقف خلفها تشاهد وتسمع وفي فمها ابتسامة مطمئنة، وتبدو النُّدبةُ التي في خدها الأيسر أكثر جمالًا وإشراقًا، وتظهر عليها علامات السعادة المفرطة: ليه ما انتظرتيني، ولا قلت لي إنك حتعرسي الولد لما جيتيني في السوق وقلت لي ولد أخوي توتو جاء؟
ابتسمت عبد الرحمن في خجل، وبتأثر شديد ضمَّت العمة خريفية إليها وقبلتها في وجهها، وأخذت تبكي، في ذلك الحين كان شيكيري يرتدي ملابسه على عجل ثم يذهب للحمام ويترك عبد الرحمن وعمتها متعانقتين.