التحركات السكانية في تاريخ أوروبا الحديث
«ويجب على المؤرِّخ أن يستخدم البيانات الديموجرافية حسب سياقها التاريخي الاجتماعي؛ إذ إنها تتقاسم أهميتها الأساسية مع عوامل أخرى، مثل البيئة الجغرافية للمجتمع الذي نحن بصدده، وتقسيمه الطبقي، وثروته المدَّخرة، وحظِّه من المعرفة وكذلك مهاراته العملية.»
لا ريبَ أنَّ مشكلة السكان أحد العوامل الأساسية التي تساهم في تحديد الطريقة التي يعمل بها كل مجتمع، وتحدِّد سماتِه الرئيسة، وهو ما نلمسه في هذا الكتاب الذي يعالج المشكلة السكَّانية في أوروبا العصر الحديث، معتمِدًا على البيانات الديموجرافية التي تساعد بدورها في تقديمِ تفسيراتٍ تاريخية أكثر تماسكًا. اتَّبع الكتاب في هذه الدراسة مسارَين متوازيَين، هما: التقسيم الزمني للدورات الديموجرافية، والتركيز على مناطقَ بعينها في فتراتٍ زمنية معينة؛ فنجده — على سبيل المثال — يسلِّط الضوء على المشكلة السكَّانية في إنجلترا، ومأساة أيرلندا في عصر الثورة الصناعية، ويتناول التطوُّرات الديموجرافية في كلٍّ من ألمانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي في القرنَين التاسع عشر والعشرين، مع رصدٍ لنمو المدن والموجة السكَّانية الطاغية في تلك الفترة، وتعقُّب هجرة الأوروبيين إلى البِقاع المختلفة من العالَم.