معدلات الأجور والأسعار دليل على الضغط السكاني في القرن السادس عشر١
كان القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر فترة قلقٍ في تاريخ الحضارة الغربية. وعُرِفَت هذه الفترة بكثرة الأفَّاقين والمتشردين والمرتزَقة من الجنود؛ وسادها الشك الذي روَّج له مذهب إنكار التعميد وكذلك حركات اليأس، والشك في أبسط جوانب العقيدة الدينية. وكان هناك في الحقيقة خوف مشترك بين عامة الناس، وهو الخوف الذي كان شكسبير يشارك فيه غالبية أبناء عصره. واتسع نطاق الفوارق التي تمايِز بين دخول الأفراد. وأسهم هذا في تقويض دعائم التضامن الاجتماعي داخل المدن، كما أسهم في خلق حالات التوتر السياسي والديني التي تَميَّز بها هذا العصر. ويقدم لنا المقال التالي توضيحًا كَميًّا للظروف الديموجرافية التي كانت تقوم عليها الحياة الاجتماعية والسياسية في هذه الفترة.
•••
١
ويمكن لنا أن نضيف إلى ذلك دليلًا آخر؛ حيث إن القوة الشرائية للأجر اليومي لعامل البناء في فرنسا والألزاس انخفضت خلال هذه الفترة ذاتها بنفس الدرجة تقريبًا.
واستقينا الأجور والأسعار الخاصة بمنطقة الألزاس من المجلدَين اللذين نشرهما أبيه أنوويه في عامَي ١٨٧٦–١٨٧٨م. وتماثل دراسته عن الألزاس في جوهرها دراسة ثورولد روجر عن جنوب إنجلترا التي استخرجها آنذاك من الحسابات الموجودة بأرشيف كولمار وبال خاصة حسابات الأديرة والمستشفيات وسجلات المجالس البلدية والتقارير الخاصة بحالة الأسواق. ونشر كل ما حصل عليه تفصيلًا مع بعض التعليقات التي تتسم بالحذر والحرص، ولكن تسجيلاته عن أسعار القرن الخامس عشر ناقصة وقليلة فيما عدا أسعار الحبوب، كما وأن تسجيلاته عن الأجور لا تتعدى عام ١٦١٠م.
ومعدلات الأجور التي استخدمناها هنا هي أجور ثلاثة أنماط من الحرفيين في فرنسا، هم البنَّاءون والنجارون وعمال النقش والطوب والبياض، وعمال البناء والنجارة فقط من الألزاس. والأجور التي أشرنا إليها في كلتا المنطقتين هي الأجور اليومية دون حساب لمصاريف الأكل.
ولكي نتتبَّع حركة أسعار السلع الاستهلاكية فقد راعينا، بدقة وبقدر المستطاع، تشابه العناصر التي تتكوَّن منها الوحدة المركَّبة التي استخدمناها في إنجلترا، ما عدا الوحدة التي تتعلق بالمشروبات؛ حيث كانت تعني في إنجلترا في أكثر الأحوال (الملت)، بينما كانت تمثِّل في فرنسا والألزاس النبيذ فقط. لذلك فقد حوَّلنا عشر نقاط من ٢٢٫٥ نقطة من وزنها إلى المواد النشوية. وفضلًا عن ذلك فلم يكن بين أيدينا بالنسبة لمنطقة الألزاس قوائم كافية عن الأسماك أو الجبن أو النسيج. وكان عدد العناصر التي تتكوَّن منها هذه المجموعات أقل — بوجه عام — من عددها في إنجلترا. ولم تكن كل هذه العناصر التي تتكوَّن منها هذه المجموعات من السلع التي يتيسَّر الحصول عليها في كل وقتٍ على مدى القرون الثلاثة.
ولكن الأجر اليومي لعامل البناء في كل هذه البلدان الثلاثة كان مع نهاية القرن السادس عشر لا يساوي إلا أقل من نصف ما كان يشتريه العامل بهذه القيمة في النصف الثاني من القرن الخامس عشر. وكان هذا الهبوط في القيمة الشرائية في فرنسا والألزاس أكبر منه في إنجلترا. وتتفق مجموعات الأسعار في إنجلترا والألزاس في بيانها لهذا التدهور الحاد فيما بين عامَي ١٥٠٩ و١٥١٣م، أما المجموعات الإنجليزية والفرنسية، وهي المجموعات الوحيدة التي تيسَّر لنا الحصول عليها لما بعد عام ١٦٠٥م، فإنها تتفق معًا في الإشارة إلى توقف الأسعار عن التدهور حتى عام ١٦٠٠م، ثم ظهور بعض الانتعاش فيما بعد عام ١٦٣٠م.
وها هنا نجد بعض الأسباب القوية التي تبرر لنا الاعتقاد بأن وضع عامل البناء في المناطق الثلاث قد ساء لدرجة محزِنة، ولكن هل ساء وضعه حقًّا بنفس القدر الذي توحي به تقديراتنا؟ إن المناقشة السالفة أعطتنا بعض الأسباب التي تدعونا إلى الاعتقاد بأننا بالغنا في ذلك؛ إذ إن بعض المنتجات مثل الخبز والبيرة لم ترتفع أسعارها بنفس القدر الذي ارتفعت به أسعار الحبوب والملت، مع أنه من المفروض أن ثمن الرغيف مثلًا لا يغطي فقط تكاليف الحبوب، بل يغطي كذلك أجور طحنه ونقله وخبزه. ولكن نظرًا لأن أسعار هذه العمليات كلها لم ترتفع بنفس القدر الذي ارتفعت به أسعار الحبوب فإن سعر الرغيف لم يرتفع بالتالي بنفس القدر، وهذه نقطة هامة. فلو أن الأثمان التي كان يدفعها العامل الأجير عند شرائه بالتجزئة تساوي ثلثَي تكاليف الجملة للطعام والمواد الأساسية والثلث الآخر للأجور فإن الدليل الإنجليزي لأسعار التجزئة الذي يتخذ من عامَي ١٤٥١–١٤٧٥م سنة أساس يبدأ من ١٠٠ وسيرتفع إلى ٣٨٠ فقط مع نهاية القرن السادس عشر بدلًا من ٤٧٥ كما هو مبيَّن في دليلنا. ومن ثَم فإن سلة السلع ستصل إلى ما يربو على ٥٠٪ من حجمها الأصلي، بدلًا من ٤٠٪. ولقد شهد القرن السادس عشر تقدمًا هامًّا في طرق التصنيع. وكل هذه الأمور توضح لنا السبب في أن كمية النقود والتي تعادل مصاريف الأكل اليومي لعامل البناء، والتي تم إدراجها ضمن الحسابات الإنجليزية ارتفعت من ٢ شلن عام ١٤٩٥م إلى ما لا يزيد على ٥ شلنات في عامَي ١٥٩١–١٦١٠م، بينما كان يجب أن ترتفع لتصل إلى ٩٫٥ شلنات إذا كان لا بد لها وأن تساير ارتفاع الأسعار حسب ما هو وارد في دليل الأسعار الذي قدَّمناه نحن. ومن الممكن كذلك أن نجد الدخل السنوي النقدي في إنجلترا وقد زاد كثيرًا على المعدل اليومي الذي ذكرناه؛ وذلك لأن العمال تكاتفوا من أجل خفض ساعات العمل وكمية العمل المحدَّدة يوميًّا، ومن ثَم أمكنهم الحصول على مزيدٍ من الأجر الإضافي. وثمة سببٌ آخر وهو خفض عدد أيام الإجازات حسب ما قرَّره نظام الإصلاح، ويقدِّر كنوب وجونس أن كل هذه الإجراءات قد زادت من عدد أيام العمل في السنة بما يساوي الخُمس.
ولقد كانت عاصفة حقًّا. وليس ثمة شكٌّ — على ما يبدو — في أننا كنا نواجه حالة فقر متزايدة؛ إذ إن مستوى المعيشة في قِطاع معين من السكان العاملين في منطقة تمتد من الراين إلى التيمس، كان يتدهور باطرادٍ على مدى قرن من الزمان أو يزيد. ويندر أن نجد مثيلًا لذلك في أي زمن آخر، ولكن لماذا حدث هذا في تلك الفترة بالذات؟
٢
وجد ثورولد روجرس «أسبابه المعقولة تمامًا» في أسلوب الطبقة الحاكمة الذي كان يتعمَّد استغلال العامل وقهره. ولكن هل لنا أن نتصور وجود مثل هذه السياسة في كلٍّ من المناطق الثلاث، وأنها أدَّت إلى نفس النتيجة خلال هذه الفترة ذاتها؟
وتفسيرنا هذا لعملية تدهور القوة الشرائية أو ثباتها يوحي — ضمنًا — بوقوع تغيُّرات بالنسبة لشروط التجارة بين الزراعة والصناعة؛ إذ نتوقع مع زيادة الضغط السكاني أن تتحرك هذه الشروط لغير صالح الصناعة، وعندما يتوقف هذا الضغط فإننا نتوقع أن تتوقف هذه الحركة أيضًا. ويمكن لنا أن نضيف دليلًا نؤكد به أن هذا هو ما حدث بالفعل، وبشكلٍ واضحٍ تمامًا في كل من المناطق الثلاث خلال نفس الفترة التي تدهورت فيها القوة الشرائية لمعدل الأجور؛ إذ سارت الأسعار في حركة متميزة تمامًا عن عملية الارتفاع العامة التي حدثت أثناء هذه الفترة عن طريق زيادة الوارد من الفضة ونقص كمية الفضة التي تحتوي عليها العملة. وقد تتبَّعنا هذه الحركة على النحو التالي: أخذنا دليل أسعار المكونات الغذائية للوحدة السلعية المحدودة، وذلك بالنسبة لكل إقليمٍ على حِدة، ثم قسَّمناها إلى دليلٍ لأسعار الوقود والإضاءة والنسيج (باستثناء الألزاس)، وهي العناصر التي تتكوَّن منها الوحدة السلعية بالإضافة إلى بعض مواد البناء والمعادن مثل الآجر والجير والحديد والرصاص في الألزاس؛ والخشب والبغدادلي والقرميد المسطَّح والآجر مع الرصاص والقصدير في جنوب إنجلترا؛ وفي فرنسا لم ندرج مواد البناء ضمن هذه السلعة، واكتفينا بالحديد والنحاس والرصاص. ويشير نقص ناتج القسمة في كلٍّ من البلدان الثلاثة إلى مدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية أكثر من ارتفاع أسعار العيِّنة التي ضربنا بها المثل في منتجاتنا الصناعية. ويدل — في نفس الوقت — على أن القوة الشرائية لمعدل أجر عامل البناء قد بدأت في الانخفاض. ويستمر الوضع على هذا النحو حتى نرى أن كمية الأطعمة في المناطق الثلاث التي تساوي وحدة من المنتجات الصناعية ويمكن استبدالها بها ستصبح أقل من نصف ما كانت عليه عام ١٥١٠م. ثم يثبت معدل الهبوط عند نهاية القرن، وهو نفس الوقت تقريبًا الذي تتوقف فيه القوة الشرائية لمعدل الأجور عن الانخفاض. ويشير كلٌّ من الدليلَين، سواء في إنجلترا أو في فرنسا إلى ارتفاعٍ واضحٍ بعد عام ١٦٤٠م. ومن الواضح أن انكماش كمية الطعام التي كان يحصل عليها الأجير، وهي ما تساوي ملء سلة، إنما يرجع من ناحية على الأقل إلى التغيُّر الذي طرأ على شروط التجارة بين الورشة والمزرعة.
السنة | الألزاس | إنجلترا | فرنسا | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
(١) | (٢) | (٣) | (١) | (٢) | (٣) | (١) | (٢) | (٣) | ||
١٤٠١–١٤١٠م | – | – | – | ١١٥ | ١٠٧ | ٩٣ | ||||
١٤١١–١٤٢٠م | ٩٩ | ١١٠ | ١١١ | ١١١ | ١٠٧ | ٩٦ | ١٤٠ | ١١٠ | ٧٩ | ١٤٠١–١٤٢٥م |
١٤٢١–١٤٣٠م | ١١٠ | ١٠٧ | ٩٧ | ١٠٧ | ١٠٨ | ١٠١ | ||||
١٤٣١–١٤٤٠م | ١٢٧ | ١١٣ | ٨٩ | ١١٨ | ١٠٦ | ٩٠ | ١٥٦ | ١١٧ | ٧٥ | ١٤٢٦–١٤٥٠م |
١٤٤١–١٤٥٠م | ١١٨ | ١١٧ | ٥٩ | ٩٥ | ١٠١ | ١٠٦ | ||||
١٤٥١–١٤٦٠م | ١١٣ | ١٠٣ | ٩١ | ٩٨ | ٩٩ | ١٠١ | ||||
١٤٦١–١٤٧٠م | ٩٨ | ٩٨ | ١٠٠ | ١٠٥ | ١٠٣ | ٩٨ | ١٠٠ | ١٠٠ | ١٠٠ | ١٤٥١–١٤٧٥م |
١٤٧١–١٤٨٠م | ٩٥ | ٩٩ | ١٠٤ | ٩٣ | ١٠٠ | ١٠٨ | ||||
١٤٨١–١٤٩٠م | ١٢٧ | ١٠٠ | ٧٩ | ١٢١ | ١٠٣ | ٨٥ | ١٣٢ | ١٢٥ | ٩٥ | ١٤٧٦–١٥٠٠م |
١٤٩١–١٥٠٠م | ١٢٠ | ٩٢ | ٧٧ | ١٠٠ | ٩٧ | ٩٧ | ||||
١٥٠١–١٥١٠م | ١٠٨ | ٨٩ | ٨٢ | ١٠٦ | ٩٨ | ٩٢ | ||||
١٥١١–١٥٢٠م | ١٣٤ | ٩٢ | ٦٩ | ١١٦ | ١٠٢ | ٨٨ | ١٦٨ | ١٥١ | ٩٠ | ١٥٠١–١٥٢٥م |
١٥٢١–١٥٣٠م | ١٤١ | ٩٤ | ٦٧ | ١٥٩ | ١١٠ | ٦٩ | ||||
١٥٣١–١٥٤٠م | ١٥٧ | ١٠١ | ٦٤ | ١٦١ | ١١٠ | ٦٨ | ٢٧٦ | ١٩٤ | ٧٠ | ١٥٢٦–١٥٥٠م |
١٥٤١–١٥٥٠م | ١٨٨ | ١١٥ | ٦١ | ٢١٧ | ١٢٧ | ٥٩ | ||||
١٥٥١–١٥٦٠م | ٢٢١ | ١٤٠ | ٦٣ | ٣١٥ | ١٨٦ | ٥٩ | ||||
١٥٦١–١٥٧٠م | ٢٨٠ | ١٥٦ | ٥٦ | ٢٩٨ | ٢١٨ | ٧٣ | ٤٤٩ | ٢٤٥ | ٥٥ | ١٥٥١–١٥٧٥م |
١٥٧١–١٥٨٠م | ٣٧٦ | ١٨٣ | ٤٩ | ٣٤١ | ٢٢٣ | ٦٥ | ||||
١٥٨١–١٥٩٠م | ٤٥٣ | ٢٠٤ | ٤٥ | ٣٨٩ | ٢٣٠ | ٥٩ | ٨٥٣ | ٣٨٥ | ٤٥ | ١٥٧٦–١٦٠٠م |
١٥٩١–١٦٠٠م | ٥٠٧ | ٢٣١ | ٤٦ | ٥٣٠ | ٢٣٨ | ٤٥ | ||||
١٦٠١–١٦١٠م | ٤٩٤ | ٢٧١ | ٥٥ | ٥٢٧ | ٢٥٦ | ٤٩ | ||||
١٦١١–١٦٢٠م | ٥٤٠ | ٣١٦ | ٥٩ | ٥٨٣ | ٢٧٤ | ٤٧ | ٧٢٩ | ٣٣٥ | ٤٦ | ١٦٠١–١٦٢٥م |
١٦٢١–١٦٣٠م | ١٠٥٧ | ٤٢٥ | ٤٠ | ٥٨٥ | ٢٦٤ | ٤٥ | ||||
١٦٣١–١٦٤٠م | ١١٦٩ | ٣٤٨ | ٣٠ | ٦٨٧ | ٢٨١ | ٤١ | ١٠٩١ | ٤٦٦ | ٤٣ | ١٦٢٦–١٦٥٠م |
١٦٤١–١٦٥٠م | ٦٦٨ | ٤١١ | ٦٢ | ٧٢٢ | ٣٠٦ | ٤٢ | ||||
١٦٥١–١٦٦٠م | ٤٤٨ | ٣٧٦ | ٨٤ | ٦٨٧ | ٣٢٧ | ٤٨ | ||||
١٦٦١–١٦٧٠م | ٤٥٣ | ٣٥٣ | ٧٨ | ٧٠٢ | ٣٤٣ | ٤٩ | ٩٨٠ | ٥٦٩ | ٥٨ | ١٦٥١–١٦٧٥م |
١٦٧١–١٦٨٠م | ٦١٦ | ٣٧٦ | ٦١ | ٦٧٥ | ٣٥١ | ٥٢ | ||||
١٦٨١–١٦٩٠م | ٥٨٨ | ٤٥٦ | ٧٨ | ٦٣١ | ٣١٠ | ٤٩ | ١٠٦٧ | ٥١٩ | ٤٩ | ١٦٧٦–١٧٠٠م |
١٦٩١–١٧٠٠م | ٨٨٩ | ٥٤٢ | ٦١ | ٧٣٧ | ٣٣١ | ٤٥ |
ويشبه تغيُّر شروط التجارة التغيُّر الذي طرأ على سلة الطعام، ليس فقط من حيث الاتجاه والتوقيت، بل كذلك من حيث الحجم. ويمكن لنا أن نخرج بالنتيجة التالية: أن أسعارنا للمنتجات الصناعية لم تسلك طريقًا مخالفًا لطريق معدل الأجور. وهذا هو ما حدث بالفعل في كل بلدٍ من البلدان الثلاثة على الأقل في هذا الاتجاه، بحيث إنها رغم ارتفاعها عن معدل الأجور إلا أنها لم ترتفع مثل ارتفاع أسعار الطعام. وهذا هو ما كان عليه الوضع عام ١٦٠١–١٦٢٠م مع اعتبار فترة الأساس ١٤٥١–١٤٧٥= ١٠٠٪.
دليل | الألزاس | جنوب إنجلترا | فرنسا |
---|---|---|---|
أسعار مواد الغذاء | ٥١٧ | ٥٥٥ | ٧٢٩ |
أسعار بعض المنتجات الزراعية | ٢٩٤ | ٢٦٥ | ٣٣٥ |
معدل أجور عمَّال البناء | ١٥٠ | ٢٠٠ | ٢٦٨ |
ويجب علينا ونحن نتأمل العلاقة بين السطرَين الأخيرين أن نضع في اعتبارنا أن جانبًا من تكاليف المنتجات الزراعية، باعتبارها موادَ خامًا، دخل ضمن أسعار الوقود والإضاءة والنسيج. ونستنتج من ذلك أن انكماش سلة الأجير إنما كان يرجع — أساسًا — إلى تغيُّر شروط التجارة بين الورشة والمزرعة؛ إذ ربما كان الأجير يأتي بغية الحصول على نصيبٍ أقل من إنتاجه الصناعي؛ إلا أن ما فقده بهذه الطريقة إنما هو جزء ضئيل إذا ما قارنَّاه بما يمكن أن يفقده لو أنه أتى ليستبدل إنتاجه بمواد غذائية.
عنينا في دراستنا هذه بحالة الفقر التي أصابت الأجير، والجانب الآخر من العملة هو ثراء أولئك الذين كانوا يبيعون غلة المزرعة أو كانوا يؤجرون مزارعهم ويرفعون قيمتها الإيجارية حسب هواهم. إن تكاليف العمل (إذا كان عامل البناء هو الممثِّل لذلك) وتكاليف بعض المنتجات الصناعية الرائدة كانت تصل إلى نصف أسعار المواد الغذائية. ولا شك أن هذا التغيُّر الشامل العميق لا بد وأنه أدَّى إلى تحوُّل في الدخول الحقيقية لأولئك الذين كان في استطاعتهم الحصول على نصيبٍ من الأجور الحقيقية المرتفعة مقابل العمل في الزراعة.
•••
يمكن للقارئ إذا شاء الاستزادة بحججٍ أخرى عن الضغط السكاني في إنجلترا أن يرجع إلى: ي. س. برينر «تضخم الأسعار في إنجلترا في أوائل القرن السادس عشر»، مجلة التاريخ الاقتصادي، الفصل الرابع عشر، (١٩٦١-١٩٦٢م)، ص٢٢٥–٢٣٩، ويمكن الرجوع إلى برنتس سيترلنج في كتابه «السوقة عند شكسبير» ١٩٤٩م، الذي يتحدث فيه عن خشية عديد من الكُتَّاب المعاصرين من تنظيم الجماهير ضد السلطة المدنية والمِلكية الخاصة. وفي نفس الوقت أثرى منتجو المواد الغذائية بهدف بيعها في السوق. وخلال هذه الفترة لم يقتصر الثراء على الأغنياء وحدهم، بل امتد الرخاء إلى أبناء الطبقة المتوسطة من الفلاحين. وكان هناك نشاطٌ واسع في ميدان البناء داخل الريف على أيدي كبار المزارعين ومُلاك الأراضي والأعيان أكثر مما كان عليه الوضع منذ القرن الثالث عشر. وكانت الأكواخ أكبر حجمًا من الأكواخ القديمة، وتميزت بأنها أكثر راحة من حيث تأثيثها، كما أوضح ذلك و. ج. هوسكينز في كتابه: «تجديد الريف الإنجليزي فيما بين عامَي ١٥٧٠–١٦٤٠» مجلة الماضي والحاضر، عدد ٤، نوفمبر ١٩٥٤م، ص٤٤–٥٩. ويمكن الرجوع إلى أنجريد هامرستروم بخصوص تخلف الأجور عن الأسعار في السويد في: «ثورة الأسعار في القرن السادس عشر» مجلة التاريخ الاقتصادي، عدد ٥٠، ١٩٥٧م، ص١١٨–١٥٤.
وأصبح قطع الطرق والاضطرابات المدنية داءً متوطنًا في كل من كاتالونيا وجنوب فرنسا، وعمَّت كل أرجاء إيطاليا، وزادت بوجه خاصٍّ في جنوبها، وكذلك في الإمبراطورية العثمانية. وفي كتاب «البحر الأبيض المتوسط وعالمه في عصر فيليب الثاني» ١٩٤٩م يشير مؤلفه فيرناند بروديل إلى البؤس الذي انتشر على نطاقٍ واسعٍ بين السكان الذين زاد تعدادهم على الحد في النصف الثاني من القرن السادس عشر. وكانت المدن الإيطالية تعاني المزيدَ من المشاكل بالنسبة لتزويدها بالغذاء. وفي عام ١٥٨٩م روَّج بوتيرو لأفكاره المتشائمة عن التضخم السكاني، والتي سبق فيها مالتوس من نواحٍ كثيرة.
وثمة سجلات عن أجور عمال الحديد في بافاريا تسمح لنا بتصنيف مجموعات كاملة من الأجور خلال الفترة الواقعة بين عامَي ١٥٥٤–١٦٦٠م. وتبيِّن لنا هذه السجلات أن الدخل الحقيقي لفترة عملٍ كاملة قد انخفض إلى نصف قيمته الأصلية، وبلغ أدنى مستوى له في أعوام ١٦٠٥–١٦٣٠م. ثم بدأت الأجور الحقيقية ترتفع بعد ذلك حتى وصلت عام ١٦٦٠م إلى النقطة التي كانت قد بدأت تنخفض عندها منذ قرن سابق (انظر فرانز ميشيل ريس، تطور أسعار المواد التموينية والأجور والدخل الحقيقي من ١٥٥٤م إلى ١٦٦٠م، الكتاب السنوي شمولر ٨٢ (١٩٦٢) ٥٩–٦٥).
وفي جنوب غرب ألمانيا، وربما في ألمانيا الوسطى ولكن لدرجة أقل، كانت هناك أعداد غفيرة من الشحاذين والمتشردين والعاطلين، وكان هؤلاء يمثِّلون مشكلة ضاغطة على المدن. وزاد عدد السكان في ألمانيا الوسطى في القرن السادس عشر بنسبة ٦٠٪، وكانت الزيادة حوالي ٣٥٪ في النصف الأول، و٢٥٪ فقط من النصف الثاني؛ وهو أمر يثير الاهتمام، وذلك حسب التقديرات النابهة التي عرضها فرينز كورنر في كتابه: «الزيادة السكانية والضغط السكاني في وسط أوروبا حتى بداية العصر الحديث» فورشنجن وفورتشرايت ص٣٣ (١٩٥٩م) عدد١١، ص٣٢٥–٣٣١. ولقد كانت هذه الزيادة مخيفة، وكان ما يقرب من ٨٠٪ من السكان يعتمدون على الزراعة. وسرعان ما بدأت المِلكيات الزراعية في الريف تتفتَّت، وأدَّى ذلك إلى نشوء مزارع أصغر حجمًا يومًا بعد آخر، طبقًا لما كان يقتضيه قانون الملكية. ونظرًا لأن القانون السائد كان يمنح الابن الأكبر حقَّ امتلاك جميع الميراث وحده فإن الفائض من السكان كان يجد نفسه مضطرًّا إلى إحدى اثنتين؛ إما أن يعمل تابعًا لملَّاك الأرض أو أن ينزح بعيدًا عنها.
وفي القرن السادس عشر شهدت بلدان أوروبا زيادة كبيرة في السكان، ولكن لم يؤدِّ ذلك إلى نتيجة واحدة متماثلة في كل مكان؛ ففي هولندا سرعان ما عادت الأجور الحقيقية إلى ما كانت عليه بعد أن اتسع مجال الاقتصاد الهولندي وازدهر.