لا تسبوا الدهر!
لَقِيَني أحدُ أصدقائي في الأسبوع الفائت وبادرني بقوله: لقد أغضبت الزمخشري حين فسرت قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ! وقد عزمت — بحول الله وقوته — أن أُغضب الزمخشريَّ مرة ثانية بتأويل قوله — عليه السلام: «لا تَسُبُّوا الدهرَ؛ فإن الدهر هو الله»! فليس معنى هذا الحديث أن الدهر اسمٌ من أسماء الله، كما تَوَهَّمَ ذلك كثيرٌ من الفقهاء؛ ولكن معناه أن الدهر الذي تسبونه — وهو نظام الكون الذي تحرمون كل شيء حين تخرجون عليه — هو عند الله — كاسمه — واجبُ التقديس.
وسب الدهر عادةٌ قديمة أفرد لها رُواةُ الأدب بابًا سموه «شكوى الزمان»، وقد تنبه بعضُ الشعراء إلى هذه الضلالة الفاشية، فرثى لأصحابها بقوله:
وكأن رسول الله رأى جُمُوع الكسالى الذين يحسبون أنفسهم خلقاء بأن يملكوا ناصية العالم، ثم لا يعلمون شيئًا، حتى إذا حاقتْ بهم عواقبُ كسلهم، بسطوا ألسنتهم في سب الدهر، وشكوى الزمان، فأراد — عليه السلام — أن ينهاهم عن هذه الخلة النكراء بقوله: لا تسبوا الدهر؛ فإن الدهر هو الله.
لقد ملأتم الدنيا صراخًا وعويلًا، فهل أغنى الصراخ والعويل؟ أفسدتم على الناس فِطَرَهم بإذاعة الآراء السقيمة، والمبادئ المهلكة، فمتى تفتحون أعينكم لِتَرَوْا نظام الكون كما خلقه الله، لا كما صوَّرَتْه لكم شهواتكم وأهواؤكم؟! نحن صَرْعى خطلكم، وقَتْلى جهلكم، فلا عفا الله عنكم، ولا عاد زمنٌ كنتم فيه من المكرمين.