شكوى عليل
عزيزتي فتحية
لا تُطيق يُمنايَ الكتابةَ إلا بألم شديد؛ وذلك — لو تعلمين — سببُ حرماني من الكتابة إليك منذ حين! وكم تمنيتُ كلما أدرت اللفائف على تلك اليد الجريحة، لو أَنَّ يُمناك الجميلة هي التي تتولى برفقها ضمد ذلك الجرح البليغ، ولكن هيهات يا فتحية، ما كل مأمول يُنال! وكم أنشدت كلما أدنى الخيال محياك الجميل.
إي والله! فلو رأيتك الآن لَفزعت إلى صدرك، كما يفزع الضحيان إلى الظل الظليل! وما كان هذا الجرح بباقٍ بعد قدومك، إلا كما يبقى الحزن بعد قدوم الرحيق، ولقد كنت خليقًا أن أطرب لذِكْرَاك كلما أَلَحَّ عليَّ المرض، فاعتصمتُ بذكرى أيامنا الخوالي، ولكني ما فكرتُ فيك إلا امتلأتُ حقدًا على الدهر، فسقطت صريعَ جرحين؛ جرح في اليد، وجرح في الفؤاد! فيا عجبًا كيف صارت ذكراك مثارًا للهم، وكانت كالواحة في الوادي الجديب!
الآن — وقد انتصف الليل، ونامت عن شكواي العيون — أَتَسَمَّعُ؛ لعل فتحية تطرق الباب، ثم أتبين أنني أرجو ما لا يكون، وأترقب المستحيل، وها أنا ذا أعود إلى مساهرة الأنين.