غريب اللغة
اجتهد الكتَّاب أخيرًا في تنقية الكتابة من غريب اللغة، وهي سيئة عَدُّوها حسنةً؛ لأن النزول إلى الكلمات المألوفة سيصل بنا قريبًا إلى وضع اللغة في نطاق ضيق وفقًا لأفهام كثير من الناس! ومن المعروف أن غرابة الكلمات ترجع إلى قلة تداوُلها وانتشارها في المؤلفات والأحاديث، فمتى هجرت الكلمة لوجود ما هو أقرب منها إلى أذهان القارئين والسامعين، فإنها تصير — بعد حين — غريبة لا يعرفها إلا القليل، ثم تُصبح القواميس أشبه شيء بالمتاحف الأثرية لا يرجع إليها غير عشاق العاديات من علماء اللغات.
ولعل أحسن وسيلة لتقريب الجماهير من الكلمات الغريبة، هي أن لا ينفر منها الكاتب حين تعرض له، بل يجمل بها كلامه، ثم يضع لها تفسيرًا في هامش الصحيفة ليقف القارئ على مدلولها المراد، فإذا جرى هذا باطراد في صحيفة يومية أو أسبوعية فإن قراءها يألفون كثيرًا من الكلمات الغريبة في زمن قليل.
ومما يلفت النظر أن جريدة الأهرام حين نشرت قصيدة حافظ في ذكرى الشيخ محمد عبده، كتبت في الهامش تفسيرًا لكلمة رتيب في قوله في وصف القبر:
أيدري القارئ كيف فسرت كلمة رتيب؟ إنها قالت ما نصه: «رتيب على وتيرة واحدة، مونوتون» ومونوتون هذه كلمة فرنسوية! فهل رأى الناس أو سمعوا أن الكلمات العربية تُفسر بذكر مقابلها في الفرنسوية، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق.
وإذا كان من الأدباء من لا يستكثر ذكر المقابلات الدخيلة أو الأجنبية، فما الذي يضيرنا إذا فسرنا كل كلمة نظنها غريبة أو قليلة الذيوع، لتزيد ثروتنا اللغوية بقليل من العناية، وإن الصدر ليضيق حين نجد من الصحف من يقول: «صورةٌ رمزيةٌ كاريكاتيرية وهي رطانة ثقيلة لا تسيغها الآذان!»
ومما يُؤسف له، أن كثيرًا من الناس لا يجدون سبيلًا إلى إفهام القراء أنهم يعرفون لغة أجنبية غير حشو كتاباتهم بالألفاظ الفرنسوية أو الإنجليزية، وفاتهم أن أشرف سبيل إلى ذلك هو تعريب الكتب القيمة، ونقل الآراء الطيبة، ليدل الناقل أو المعرب على أنه يستفيد مما يطلع عليه من آثار الفرنجة. وشر ما نعرف في هذا الباب أن من الناس من لم يدرك غير الحروف العربية، ولكنه مع ذلك يغرب في حشو كتابته بالألفاظ الأجنبية كأنها سر من أسرار البيان!