الأزهر الشريف
نريد أن نعرف لِمَ يُحرم طلبة الأزهر من دراسة الآداب العربية، ونريد أن نعرف متى تَدُول دولةُ المؤلفات السقيمة التي وضعها قوم أقل عيوبهم أنهم لا يفقهون لغة القرآن المجيد، ونَوَدُّ لو تفضل القائمون بإدارة المعاهد الدينية فدَلُّونا على الغرض الذي رموا إليه حين ألقوا بالطلاب في بيداء من الخلط والتعقيد؛ لنطمئن كما اطمأنوا، ولنترحم مثلهم على المؤلفين الأغبياء الذين أفسدوا ما للطلبة من قلوب وعقول.
لا تنتظر — أيها القارئ — من كاتب مثلي أن يُحدثك عن جهود العلماء في نشر الآداب العربية في ذلك البيت العتيق؛ فإني لا أُريد أن أفجعك في آمالك وأحلامك، ولا أُريد أن تعلم ما أعلم من أمر أولئك الذين يحسبون أنهم حارسُو لغة القرآن وهم يفعلون بها ما لا يفعل الأعداء! وما ظنك بقوم يُخطئهم العدُّ من حَمَلَة الشهادة العالمية تمضي السنون والقرون وما تظهر لهم رسالةٌ في اللغة أو مؤلَّف في البيان.
وحسبك أن تعرف أن الإحاطة بالأدب أو الفهم فيه مما يغض هناك من أقدار الرجال، فإن كنت في ريب من ذلك فَأْتِ بشاهدٍ واحد يدل على أن الخبرة بالآداب العربية كانت مرشحًا للدخول في هيئة كبار العلماء.
وهل سمعت يومًا أن طالبًا أخطأه النجاح؛ لأنه لم يعرف منازل الخطباء في الدولة الأُموية، أو مراتب الشعراء في الدولة العباسية؟ وهل تحدث العلماء في ناديهم بأن فلانًا غير كفء لدراسة التفسير أو الحديث؛ لأنه لم يفقه ذوق العرب الذين تلقوا كلام الله وكلام الرسول؟ وهل كتب واحد من المفتشين في الأزهر والمعاهد الدينية كلمة واحدة فيها ملاحظة وجيهة عن دروس المطالعة والإنشاء؟
وهل يجرؤ مدرس واحدٌ ممن يُدرسون للطلبة كتاب العِقْد الفريد، فيدعي — ولو كذبًا — أنه خبيرٌ بما فيه من مظانِّ الخطأ والصواب؟ وهل نجد من بين الذين تصدَّوْا لبيان ما في كتاب الله من الحرام والحلال من درس الشرائع الوضعية والسماوية لذلك العهد حتى يُدرك حكمة التشريع — وهذا أول واجب على من يدرس قصيدة قيلت في غرض خاص، فضلًا عن كتاب أخرج الناس من الظلمات إلى النور؟ وهل تألفت في الأزهر جمعية أدبية كما تألفت فيه الجماعات للطرق الصوفية من جميع الأشكال والألوان؟
أليس في كل أولئك دليلٌ على أن الأدب لا نصير له في ذلك المعهد الذي تحتشد فيه الآلاف المؤلَّفة من الشباب والكهول، أَوَليس في بعض ما ذكرْت ما يجعل تنبيه هؤلاء الغافلين فرضًا على من يغار على لغة القرآن والحديث؟