الجنون فنون!
جاء في الصحف الفرنسوية أن رجال الشرطة في باريس لا يكاد يمر عليهم يوم دون أن يقبضوا على رجل أو أكثر بتهمة واحدة، هي: تلويث ثياب السيدات بالحبر! وقد اعترف المقبوض عليهم بهذه التهمة، ولكنهم اختلفوا في السبب الذي اقترفوها من أجله، فبعضهم قال: إنه فعل ذلك بدافع خفي لم يفهم منه غير الشعور بلذة غريبة حين يرى أثواب السيدات قذرة ملوثة. وقال آخرون: إنهم فعلوا ذلك؛ انتقامًا من المرأة التي تخطر في الدمقس والحرير والناس يتضورون جوعًا ويموتون من المسغبة.
وعندي أن السبب الأخير مصنوعٌ؛ لأن النساء لم ينفردن بالترف والزينة، ولأن الحقد على الرجل المترَف أولى من الحقد على المرأة المترَفة، ولو كان هؤلاء صادقين في دعواهم الانتقام من النساء المتبرجات لكان لهم مضطرب واسع في الانتقام من الرجال المتأنقين.
والسبب الصحيح هو بغض الرجل لحرية المرأة، وتلك ظاهرة طبيعية، نكون مكابرين إن جحدْنا وجودها في الطباع، وهذا هو السر في ترك الرجل امرأتَه الجميلة وهتكه لحرمة امرأة قد تكون دون زوجه جمالًا وصباحة! وضياع الشرف قيد في الرِّجْل وغل في العنق، تصبح المرأة بعده من سقط المتاع، والمرأة الساقطة أكثر ما تكون هوانًا في عين من أغراها بالسقوط، فإذا عفت المرأة وصانت نفسها عن الغواية؛ ذل الرجل وصغُر، وأطال فيها قصائد التشبيب، فهل يفهم النساء؟