في سبيل الحب!
الحمد لله قد ظفرت ببقايا تلك الرسائل، هذه قطعة من الخطاب الذي بعثت به إليها في ذلك الصباح الجميل، يوم أهدتْني رواية أنديانة، عفا الله عنها كيف محت منه الإمضاء؟ لعلها خشيتْ أن يعرف أحدٌ من أهلها مصدر الخطاب، فيكون ما تقذى له العين ويشجى به الفؤاد.
الحمد لله، أجل، الحمد لله الذي لا يُحمد على الضر سواه! وأي ضر أبلغ من أن أرى كتبي إليها غرضًا للإحراق والتمزيق؟ وأكثر من ذلك ويلاه، ماذا أقول؟ لا بد من الصراحة!
لقد ظهر عرضًا في يد الخادم خطابٌ كتبت عليه لوازم المنزل في يوم ١٥ أغسطس من «السنة السوداء»، ولكن لا أنسى أن إمضائي مُحِيَ منه عمدًا حتى لا يعرض على الناس، فبأي لسان أشكر ذلك الصنع الجميل؟ يجب أن أفرح، هذه مجموعة نفيسةٌ من الرسائل الغرامية، وقد لا يصعب عليَّ أن أرتق ما بها من الفتوق، ولا مانع من أن يبقى هذا الخطاب مزخرفًا بذلك النقش البديع، فقد كتبت في بعض جوانبه مسألةً حسابيةً، يا ويلها يوم يقوم الحساب!
مجموعة نفيسة، ولكن ما أخطر النكبة، وما أقل العزاء، لو أن هذه الكتب ظلت مصونةً، لكانت رمزًا لسعادةِ مَنْ كتبها وأمانة من كُتبت إليه، أَمَّا الآن فقد أصبحت دلالةً على شقاء مَنْ كتبها، وخيانة من كُتبت إليه، رويدك أيها الدمع، رويدك فقد قرحت أجفاني، وما تحرك قلبها القاسي، ولكن … في سبيل الحب ما أُلاقي! وما هو الحب؟ إنه مرض من الأمراض، سُمِّيَ بهذا الاسم، لولا أنه كالنقرس، لا يُبتلى به إلا الملوك.