نساؤنا ونساؤهم
يظهر أبو الهول وهو حافلٌ بالموضوعات النسائية، فيُخيل إلى قارئه أن النساء في مصر يُسابقن الرجال في ميدان الحياة، ولقد ظننتُ حين حَمِيَ الوطيسُ بين الجنس اللطيف والجنس النشيط أن نهضة المرأة لم تعد أمنيةً جميلة، بل أصبحت حقيقةً واقعةً. ولا أكتم القراء أني كنت أخشى أن أصطدم بهذه القوة الجديدة التي تمثلها — تمام التمثيل — الآنسة منيرة والآنسة إنصاف، لولا أني سألت صاحبَ هذه الجريدة عن اللواتي يكتبن فيها من الجنس اللطيف فأنبأني — مع الأسف — أن اللواتي يكتبن آحاد أو عشرات!
وهنا أخذت أتأمل عبث هذه الفتاة المشاغبة التي ملأت الدنيا نواحًا على حرمان المرأة المصرية من عضوية البرلمان. إن قليلًا من التبصُّر يا آنسة منيرة كافٍ لرجعك عن هذه الآراء الجامحة، وإن نظرة إلى فَتْك الجهل بالبنات والأمهات كفيلةٌ بأن تخلق منك معلِّمةً ماهرةً تقضي على هذا الجهل في بضع سنين، ولكنك أشبهتِ راصد الكواكب الذي شُغِلَ عما في الأرض بما في السماء فضاع ملكه، وابيضتْ عيناه من الحزن فهو كظيم.
لك أن تُسابقي الرجال، ولكن ألا يجب أولًا أن تنهضي بالنساء؟ فإن كنت في شك من تأخُّر المرأة المصرية في هذا العصر الذي تكلم فيه الجماد فاسمعي ما يقول الفرنسيون عن نسائهم؛ لتعلمي أن أول واجب على أمثالك هو مسابقةُ المرأة الأجنبية في ميدان العلوم والفنون، فأما الكيد للرجل، والحقد عليه، والزراية به؛ فهي ضروبٌ من الجنون!
قالت إحدى الجرائد الفرنسوية: «كان آخر نجاح للمرأة الفرنسوية هو قبولها في سكرتارية جمعية محاضرات المحامين، وهذا النجاح من أَجَلِّ وجوه الفوز الذي تفخر به السيدات المحاميات في دار الحقانية، وقد بلغ عددُ هؤلاء المحاميات الفرنسويات اليوم ثمانين سيدة يقمن بمهمة الدفاع أمام المحاكم في فرنسا، ويوشك نجاح المرأة الفرنسوية من هذه الوجهة أن يفوق نجاح المرأة الإنجليزية التي ينتظر أن تُفتح أمامها أيضًا أبواب دار الحقانية، وكان عدد النساء اللاتي تقدمن إلى امتحان مدرسة الطب أخيرًا يزيد على ثلث المجموع، وهو ما يعدنا بتخرُّج عدد عظيم من السيدات الطبيبات.
وهكذا يعم العلم نساء الطبقات الديموقراطية بعد أن كان مقصورًا على أميرات الطبقة الأرستوقراطية، ولا يُحصى عددُ النساء المستنيرات اليوم، وليس بين السيدات المتعلمات في فرنسا من ليست حائزة دكتوراه في الطب أو غيره من أنواع العلوم.»
لا يدهشك ذلك يا آنسة منيرة فتلك بلاد يبغض أهلها الفضول، ولا يتعلم أبناؤهم وبناتهم غير النافع المفيد، ولقد بلغ الجد بالأوانس في فرنسا أنْ حلَّت الفتاة محل الفتى في الوظائف الكتابية الصغيرة، وتَبَدَّلَ الإعلانُ المعروف من «مطلوب كاتب صغير لمحل تجاري أو مكتب محام» إلى «تطلب فتاة تكتب على الآلة الكاتبة … إلخ.»
وتقول تلك الجريدة: «وهناك في مكاتب المهندسين أيضًا ترى بعض الآنسات يرسمن تصميمات لمبانٍ كبيرة»، فبكل أدب وإجلال أُطالب الآنسة منيرة بأن تتناسى آمالها البرلمانية، ثم تُقبل بنشاطها على تكوين هيئة من أترابها المهذبات، ثم تعمل هذه الهيئة لنشر المعارف الضرورية بين السيدات والأوانس حتى إذا نهلت المرأة من موارد العلم، وأحست بظهور أثرها في الحياة المصرية؛ فكَّرت حينئذ في أن تُسابق الرجال إلى مقاعد البرلمان. فهل تتقبل مولاتي هذا الاقتراح مِنْ كاتب يرجو أن تسموَ المرأةُ بخواصها الذاتية لا بالتكبير والتهليل؟