جناية الكتاب والشعراء
إن الشر لَكثير في هذا العالم، وأظهرُ ما يكون في الكلمات الجوفاء التي أشاد بذكرها الشعراء والكُتاب، وإلا فأي خير جناه الناس من الصداقة، والإخلاص، والوفاء، والإيثار، وحفظ الجميل، والبر بالوعد والوفاء بالعهد، وما إلى ذلك من الألفاظ التي لا معنى لها ولا مدلول؟
إن هذه الكلمات حبائلُ وأشراكٌ، يؤخذ بها سليمو النية في هذا العالم الطافح بالخبث والدهاء، وما أخطر الأسى حين يؤمن المرء بأنه ملك بعض القلوب، ثم يتبين بعد ذلك أنه — وحده — المملوكُ. ولست أُنكر أن لبعض الأفراد عواطفَ شريفة، ونوازعَ نبيلة، ولكني آسفُ لخيبة هؤلاء في معترَك الحياة، فمن كان في ريب من ذلك فلينظرْ دواوين الشعراء ورسائل الكتاب، وإني لَواثق أنه لن يجد غير البكاء والعويل.
وإني لَأذكر أن بعض الفرنسويين كتب كتابًا عن أيام الأسبوع في لندرا، فلَمَّا وصل إلى يوم الأحد ترك له صحيفةً بيضاء، إشارة إلى أنه يومٌ هادئٌ قليل الصخب والاضطراب، وما أجدر من يكتب عن أخلاق الناس بأن يترك صحيفة بيضاء حين يصل إلى الكلام عن الصداقة والوفاء؛ إشارة إلى انقراضهما من الوجود. فيا أيها الكُتَّاب والشعراء، لا تُسرفوا في وصف خواطر القلوب، وخوالج الأفئدة؛ فإن في الناس من لا قلب له ولا فؤاد.
ويا أيها القراء، حذار أن تصدقوا كل ما يكتب أو يُقال، وإلا حَقَّت عليكم كلمة العذاب.