رُفَات شاعر
جاء في أنباء الشرق، أن حكومة العراق أجابت دعوة الأدباء هناك، وبنت قبة بديعة نُقل إليها رفات الشاعر الخالد أبي تمام الطائي.
وأبو تمام أجدرُ الناس بأن يُحتفل به بعد ألف سنة من وفاته! ولكنه احتفالٌ بدفنه، لا بنشره، وابتهاجٌ بموته لا بحياته.
وإذ كان هذا العملُ دليلًا على مبلغ الوفاء في أنفس القائمين به، فقد رأينا أن ندلهم على طريق أهدى؛ عساهم يسلكونه لو شرعوا في تكريم البحتري أو غيره من أساطين الأدب، وأقطاب البيان. وإنَّ أَقْوَمَ سبيل في رأينا للحفاوة بالشاعر بعد وفاته: هي أن تُؤلف لجنة من أهل البصر بالشعر والنقد، فتشرح ديوانه، ثم تكتب عنه رسالة ممتعة، في بيان ما له وما عليه، وتحديد ما بَرَعَ فيه غيره، أو قصر فيه عن سواه، ثم تذيع ذلك في جميع الأقطار العربية، ثم تترجمه — إن أمكن — إلى اللغات الحية؛ لينتفع بشعره القريب والبعيد.
فأما المقاصير والقباب فهي — فيما نرى — جهدٌ ضائعٌ، ولن يكون جمالها إلا أثرًا يَحُجُّ إليه الرسامون والحفارون، لا الكُتاب والشعراء!
احتفل الموصليون بنقل رفات أبي تمام حبيب بن أوس الطائي إلى القبة البديعة التي شيدتها بلدية الموصل، مضجعًا لصاحب الحماسة مادح الخليفة المعتصم، والقائل في محمد بن حميد الطوسي:
… وإن أقوم سبيل — في رأينا — للحفاوة بالشاعر بعد وفاته هي أن تؤلف لجنة … إلخ.
نقول: والحفاوة، بمقابر النوابغ وخدام الوطن، لا تقل أهمية عن العناية بنشر آثارهم، وقلما تجد ذا فضل في أوروبا إلا وله بعد موته جمعية من الأنصار والأحباب يُعرفون بنسبتهم إليه، وفي مقدمة أعمالهم الحجُّ إلى مقبرة رجلهم في أوقات معينة، والترنُّم إلى جانب رفاته بذكرى مفاخره.
فإذا كان أدباء الموصل قد قاموا بواجبهم نحو رفات أبي تمام، فما أجدر أدباء مصر بالقيام بواجبهم نحو شعره وأدبه.