حديث القط
لِما تبيناه من قبح الظلم وحسن العدل، ولما عرفناه من دمامة الرذيلة ووسامة الفضيلة؛ قد رأينا أن نؤم الديار الحجازية لأداء تلك الفريضة الإسلامية.
وإذ كُنَّا قد أفرطنا في تعذيبكم، وأسرفنا في تقتيلكم؛ فإنَّا نرى من واجب التوبة ولازم الأوبة، أن نعتذر إلى جنابكم، لِنَسْلَمَ من دعائكم، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولا يغني عن الظالم — إن لم يسمح المظلوم — رجعٌ ولا متاب، فتفضلوا بالسماح، ليطيب الرواح، فننال الفلاح.
فلما قرءوه كانت هذه المحاورة:
ذهب القط إلى مكة، فأقبل على الله بلسانه، وأعرض عنه بجنانه، ثم عاد بباطن متجهِّم، وظاهر متبلِّج، فانقطع إلى التبتل والعبادة والتقشف والزهاد، فدار بين الفيران هذا الحديث:
ثم اختاروا من بينهم فأرًا دقيق الفهم، غزير العلم، كان قد زار الديار الأوروبية، والأقطار الأمريكية، وتلقى الفلسفة الهندية، مما جعله أكفأ من كثير من القطط، لولا قلة المال وندرة السلاح، وهما عماد القوة، وسناد النجدة.
فما زال يمشي تارة على بطنه، وأُخرى على رجله، يرفع رأسه حينًا، ويخفضه حينًا، وهو في كل ذلك خائفٌ وَجِلٌ، حتى صار على مقربة منه، وكان القط في تلك اللحظة يقرأ ورد الصبح، ويتلو حزب أول النهار.
فقال الفار بصوت منخفض: حج مبرور.
فأنصت القط، وقال في نفسه: كأني أسمع صوت فأر، فلْأعرفْ مكانه، يا لها من فرصة يجب أن أستعد له.
غير أن الفأر طال صمته، فاستأنف القط التلاوة، فجمع الفأر قوته مرة ثانية، وقال بصوت أرفع من الأول: حج مبرور، وسعي مشكور.
فعرف القط ناحية الصوت، فهرع نحوه، فلاذ الفار بالفرار.
وصل الفأر إلى رفاقه وقد امتقع لونه وانصدعت كبده، فالتفُّوا حوله لينظروا ما شأنه، فإذا به يحتضر.
قال أحدهم وهو يودعه: كيف رأيت القط، أيها الأخ المحترم، فنظر إليه نظرته الأخيرة ثم قال: تسألني عن القط، الوجه وجه حاج، والفعل فعل شيطان!
«وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يعقلون.»