في سبيل الوفاء
فُتنتُ بشعري مرة فجمعته في كراس خاص، ثم عدت إليه في هذه الأيام فلم يرقني منه غير
القليل،
ومن بين ما زهدت فيه قصائد قلتها في تكريم فريقٍ من أساتذتي في الأزهر والجامعة المصرية،
ولكني رأيت من الوفاء أن أذكر مقتطفاتٍ من تلك القصائد المهجورة؛ تحية لأولئك الأساتذة
الأجلَّاء.
قلت في تكريم الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتي قصيدة جاء فيها:
نصيب الأعادي منك لو يعلمونه
نصيبُ الجزوع الظامئات من الجود
فلا تترك الآداب يابن مليكها
إلى الدهر تسقى من أراقمه الربد
وكن غوثها حتى ترف كأنما
تحس من القايات طيب صبا نجد
وقلت في تكريم الأستاذ الشيخ سيد المرصفي قصيدة جاء فيها:
بربك هل أبقيتَ للناس نتفة
من الفضل أم آثرتَ نفسك بالحسن
فإني أراهم يبتغون إلى العلا
مسالكَ لا تهدي اللبيبَ ولا تُغني
هو الأزهر المعمور ضَمَّ شتاتنا
فمن تابع للسالفين ومفتن
حَسِبْنَا العلا وقفًا على كل مقتد
فضِعْنا وضَيَّعْنا الكمال على الذهن
وقد عرف الأسلاف قيمة عقلهم
فباتوا على علم وبتنا على ظن
أعذني من أهل الخمول فإنني
أرى قربهم يدعو الشجاع إلى الجبن
ولا تَنسني من فضل نصحك لحظة
فلستُ عن النصح الجميل بمستغن
وقلت في تكريم الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي قصيدة جاء فيها:
إمام تقلَّدَ خير الخلال
فجود السحاب وعز القنن
وظُرف الأديب ونُبل الأريب
وحُكم اللبيب ووعظ الزمن
ورشد ابن رشد وحزم ابن حزم
ورأي الإمام وفقه الحسن
يجمَّل بالرشد إما أقام
ويتبعه الرشد إما ظعن
كأن لشانيه من حلمه
دروعًا تقيه عقاب الإحن
وقلت في توديع الأستاذ الشيخ محمد المهدي حين اعتزل التدريس بالجامعة المصرية قصيدة
جاء
فيها:
وما كانت الآداب إلا طرائفا
من الشعر أو ما يُستجاد من النثر
فأبرزها المهدي عذراء غضة
تأود تحت الحِلْيِ في الحلل الخضر
مباحث لو غُذِّي زهير ببعضها
لأضحت قوافيه أجل من السحر
ولو فقه النيل المبارك كنهها
لحول ذياك المزيج إلى خمر
ولو أذن الدهر العبوس لبعضها
لأصبحت الأيام ضاحكة الثغر
ولو عرفت مصر المفداة قدرها
لباتت لما يلقي البيان على جمر
فيا واحدًا عَزَّ البيان بفضله
على طول ما لاقى البيان من الهجر
لَبُعدُكَ في الأحشاء نار ذكية
تفتت من كبدي وتأكل من صدري
صبرت عليها يعلم الله راغمًا
على حين لا غوث يؤمل من حر
ولما رأيتُ الصبر ليس بنافعي
عمدت إلى همي أُحمِّله شعري
وقد بقي شعرٌ كثيرٌ قلتُه في تكريم أساتذتي والتودد إلى أصدقائي وزملائي، ولكن الحوادث
لعبتْ
به كما تلعب العواصف بالأزهار.
وكم وددت لو استطعت نشر ما يمثل الوفاء في نفس لم توصم يومًا بنسيان الجميل، ولكن
ما
الحيلة وقد تغير رأيي في بعض شعري وعبثت الليالي ببعضه؟ فمعذرة إلى كل من يحسب من أساتذتي
وأصدقائي وزملائي أني أغفلته عمدًا في هذا الكتاب.
ومن يدري؟ لعلي منسيٌّ من جميع هؤلاء.