الأمل الضائع
كنت أصبر على بأساء الحياة، وأحتمل ما فيها من هم وغم، لو أن عندي بقيةٌ من الأمل أرفه بها أحزاني، وأدفع بها آلامي، ولكن حال القنوط دون الرجاء، وأتى اليأس دون الطمع، فلم يبق غير الجزع من مسعد ولا سوى النوح من شفاء.
فيا جيرة ما كان أهنأ وردهم، وأطيب عيشهم، ويا أحبابًا ذقت الفرح بقربهم، وعرفت الهم لبعدهم، ويا من أفناني فراقهم وكان أحياني لقاؤهم، بربكم ما الذي لقيتم بعدي؟ فقد لقيت بعدكم ذلًّا وهوانًا، وظلمًا وعدوانًا، ومن عسى أن يكون قد ظفر بودكم، ونعم بحسنكم، فأصفاكم من الحب أجمله، ومن الأنس أكمله؟ فقد صحبت بعدكم من جحد نعمتي، وأنكر خلتي، ومن سقيته الشهد فسقاني الصاب، ومن أوليته القرب فأولاني القطيعة.
فيا ليت شعري من ألوم، أألوم نفسي على أن لم أعق في بركم أهلي وأخزاني، فأسير حيث سرتم، وأقيم حيث أقمتم؟
أم ألومكم على أن تركتموني وحيدًا وآثرتم وطنكم وأهلكم، ولم تبالوا بمن خلفتموه طريح حزنه، وأسير همه؟ أم ألوم قومًا جعلتهم منكم بدلًا فكانوا شر بدل، واتخذتهم من بعدكم ذخرًا فكانوا كالهباء ورجوتهم حصنًا أتقي به الدهر الخائن، والزمن الجائر، فإذا هم أذل من قراد بمنسم، وإذا المتفيئ ظلهم، والراجي برهم، يطمع في غير مطمع، ويلجأ إلى شر وزر؟
أم ألوم دهرًا اضطركم إلى الرحلة فرحلتم، وحكم عليَّ بالمقام فأقمت، ثم أَمَدَّنَا من اليأس لبُعد الدار، وشط المزار، ما جعل الأمل في التلاقي خائبًا ورجاء التداني كاذبًا؟
ما هذا الذي صنعتم؟ أخضعتم لليأس، وأذعنتم للقنوط، ولم ترهبوا العتاب؛ إذ لم تأملوا اللقاء، فزففتم تلك الشمس إلى غيري، وآثرتم بها سواي.
غلب اليأس عليكم فمللتم — ولا وفاء لملول — فكان منكم ما أقض المضجع، وأورث الجفن السهاد، فهل تعلمون ما صنع اليأس بنا، ونال القنوط منا؟ ولكن هيهات بعد اليوم أن ينفع العزاء.