في يوم العيد
إن الذي رد يوسف إلى يعقوب بعد أن ابيضَّتْ عيناه من الحزن فهو كظيم، والذي بشَّر زكريا بيحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا، والذي مَنَّ على إبراهيم بولديه إسحاق ويعقوب، بعد أن شاخ ويئست زوجه؛ لَيقدر على إمتاع أرواحنا برجع أيامنا، وإيناس قلوبنا بعودة أحبابنا.
هذه الشمس تُشرق بعد غروبها، وهذا القمرُ يطلع بعد أُفوله، وهذه الأشجار تخلع ثيابها في أواخر الخريف، وتلبس في أوائل الربيع ثيابًا أروع وأنضر، وهذه السيوف يغشاها الصدأ فيكسوها زرقة وسوادًا، ثم يعتادها صقالها فيعود لها بريقًا ولمعانًا، وهذه الغدران، تجفُّ حينًا، ويطغيها الحيا حينًا، وها نحن أولاء نتشوَّف إلى عهودنا السوالف وأيامنا الخوالي.
أما يرحمنا الله فيجمع شملنا، ويرجع أنسنا، فنصبح في سلام آمنين؟ أَوَليس الذي مَنَّ علينا بتلك العيشة الراضية، وهذه النعمة الضافية، بقادرٍ على أن يعيدها ضاحكة باسمة، واضحة حسانة؟ بلى، وهو الرءوف الرحيم.
لقد كنت أخلدت إلى اليأس لولا أني رأيت فضل الله أوسع من أن لا ينالني منه غير تلك الأيام القلائل، ورأيت الله أعدل من أن يحكم عليَّ بالشقاء الطويل في الهجر المديد، وعرفته — سبحانه — أكرم من أن يخيب السائل ويغفل دعاء المضطر.
فيا رب يا رب.
فإن لم تدركني بقربهم …!
إنني ما جحدت نعمتك يوم رزقتني بهم، ولا جهلت حكمتك يوم أقصيتهم عني، وها أنا ذا أنتظر فضلك وطولك في ردهم إليَّ وعطفهم عليَّ.
فلولا الثقة برحمتك، والإيمان بإحسانك لذهبت النفس عليهم حسرات وقطع القلب في آثارهم قطعًا.
وأنت أيها العيد، أين مثيلك منذ خمس سنين؟!
لغيري حسنك وجمالك، ولي فيك البكاء والنحيب.